أصدق وصف لحالة العالم العربي هو مثل صيني يشبه الأوضاع السيئة التي نعيشها (كسمكة كبيرة أُخرجت لتوها من الماء تتحرك بعنف علها تستطيع استعادة مكانها ومحيطها . وفي هذه الحالة لاتسأل السمكة إلى أين تذهب بها حركتها التالية لأنها تشعر فقط بأن وضعها الحالي لا يمكن احتماله، وهو أصلاً غير قابل للاستمرار) . هذه هي حال الشعوب العربية هذه الأيام التي سُميت بأيام الربيع العربي هناك الآن مزيج عجيب من الطاقة الثورية الكامنة في نفوس الجماهير بين قيادات لم ترق إلى طموح تلك الجماهير، وبرامج ضبابية لمن أصبحوا في السلطة والمعارضة على حد سواء، وضيق أفق استراتيجي، وتركات ثقيلة من أنظمة الاستبداد من النواحي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتنظيمية كافة، وقوى (ثورات مضادة) وجماهير جائعة تنتظر السماء أن تمطر خبزاً وذهباً في يوم أو بعض يوم، وفوضى منظمة تديرها غرف سوداء في الداخل والخارج . . هناك نظام عالمي جديد يتشكل هذه الأيام، وعالمنا العربي والإسلامي هو أحد أكبر وأخطر مسارح صراعاته . لن يكون الوليد الجديد بمواصفات واشنطن ولا غيرها من القوى المتصارعة، وسيأتي من رحم قانون العواقب غير المحسوبة. الحركات التي ترعاها الولايات المتحدة أو التي تُجيرها لمصلحتها كانت بداياتها الحديثة في "ربيع براغ"، ذلك الانفتاح لدولة تشيكوسلوفاكيا الذي مثل خروجاً عن سياسات الاتحاد السوفييتي الاقتصادية والسياسية، وتوالت تسمية الحركات الشعبية العفوية أو الموجهة بأسماء الفصول أو إعطائها لوناً من ألوان "قوس قزح" . كان هناك (ثورة الأرز) اللبنانية التي اعطيت هذا الاسم من وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون العالمية Paula J Dobriansky . في مؤتمر صحفي، لإيجاد رابط بينها وبين "الثورة الوردية أمريكية الصنع في جورجيا" (Rose Revolution) أو أختها "الثورة البرتقالية" التي أطلقت على الثورة في أوكرانيا، أو الثورة البنفسجية التي أطلق اسمها جورج دبليو بوش على احتلاله للعراق سنة 2003 . إن الانتفاضات، ولا أقول الثورات، التي شهدتها العديد من الدول العربية منذ سنة 2011 لم تفجرها الولايات المتحدة كما يظن البعض مع أنها حاولت ولاتزال تحاول احتواءها وتجييرها لمصحلتها وفق الخطة (B) والتي تكون جاهزة في إدراج الإمبراطوريات . ونحن اذ لانتهم أحداً بالعمالة إلا أننا قد نتهم البعض بضيق الأفق وغياب الفهم الاستراتيجي لما يدور حولهم أو بواسطتهم من حيث يعلمون أو لايعلمون، دعنا نعط مثالاً صارخاً عما يخبأ لنا في أدراج الإمبراطوريات . في عددها الصادر في 7-5-1979 نشرت مجلة "فورتشن" السيناريو المتوقع للعبة الحرب هذه، حيث وصفت الكيفية التي سيكون عليها رد الفعل الأمريكي في حال قيام العراق بغزو الكويت بسبب النزاعات الحدودية وغيرها . وفي الصفحة ،158 وتحت عنوان "إذا قام العراق بغزو الكويت والسعودية" قالت المجلة: "بمقدور القوات المدرعة العراقية مستخدمة معدات سوفييتية في معظمها، اجتياح أي من الدولتين بكل سرعة . وفي حال طلبها، فإن المساعدة الأمريكية ستكون في البداية"، عبارة عن ضربات جوية تكتيكية ضد القوات المدرعة العراقية وقواتها الجوية - وربما بعض التهديدات بتدمير المنشآت النفطية العراقية . ولطرد القوات البرية العراقية، فستكون هناك حاجة لقوات المارينز من الأسطولين السادس والسابع ولقوات المشاة من الفرقتين ال 82 وال101 وصوّرت هذه الخطة "جيشاً في السماء" لتحريك القوات واستخدام الجسر الجوي الاستراتيجي لقوات سلاح الجو الأمريكي المكون من 70 من طائرات C-5A العملاقة و234 طائرة C-141، الأصغر حجماً إلى جانب 700 من طائرات KC-135 المستخدمة في تزويد الطائرات بالوقود أثناء تحليقها في الجو . أليست هذه هي خطة "عاصفة الصحراء" لسنة 1911؟ بصفتها راعية الرأسمالية العالمية ومركزها الأساسي والمستفيد الأكبر منها عبر عولمتها فإن الولايات المتحدة ستبقى تحاول تطويع كافة الدول لتجعل منها جمهوريات موز لخدمة إمبراطوريتها وسادتها الممولين العالميين . كثير من الباحثين الغربيين عموماً والأمريكيين خصوصاً، يرُوجّون أن الإسلاميين يؤمنون بإمكانية عمل صفقة (أو أنها قد تمت فعلاً) بحيث يقوم الإسلاميون بالمحافظة على المصالح الغربية الأمنية والاقتصادية والسياسية كما هي، مقابل تركهم يقومون بخلق مجتمعات إسلامية وحصولهم على مساعدات اقتصادية وسياسية . فإن صح مثل هذا التحليل فذلك يدل على سذاجة ما بعدها سذاجة لأن صلب الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الإسلامية يتناقض بشكل صارخ مع مبادئ العولمة التي تقوم بنشر المبادئ الرأسمالية دونما هوادة، وبذلك فإن مثل هذه الصفقات ما هي إلا زواج متعة لا تدوم طويلاً . أجرت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية دراسة عن النظام الاقتصادي في الإسلام وكيف يتميز عن الرأسمالية والشيوعية . وجاء في تقرير: "إن التعاليم الإسلامية تختلف عن الرأسمالية لمعارضتها تراكم الثروات الفاحش، وتختلف عن الاشتراكية لأنها تحافظ على حقوق التملك لوسائل الإنتاج . ففي مجتمع حقيقي يتبع تعاليم الإسلام يجب ألا تتعارض مصالح طبقات المجتمع، بل يجب أن تتعايش بالتواصل والتراحم عبر المشاركة المسؤولة الواعية . كما يجب مراعاة حقوق الفرد ولكن بطريقة عادلة تتوازن مع مصحلة المجتمع بأكمله" . ونقتبس ما قاله شيخ بارونات المال العالميين جورج سوروس في كتابه "أزمة الرأسمالية العالمية": "أما كون الرأسمالية العالمية نظاماً غير محسوس، فذلك لا يجعلها أقل أهمية . فهي تتحكم في حياتنا كما يتحكم أي نظام بشعبه، ويمكن مقارنة الرأسمالية العالمية بإمبراطورية أكثر عالمية في شموليتها من أي إمبراطورية سابقة . فهي تحكم حضارة بأكملها، وبالإضافة لذلك فهي، كأي إمبراطورية، لها مركز يستفيد على حساب دول الأطراف . والأكثر أهمية، هو أن الرأسمالية العالمية تظهر ميولاً إمبريالية . فهي لا تتطلع إلى التوازن، ولكنها تقوم على التوسع، ولا يهدأ لها بال مادام هناك أسواق أو موارد لم تصلها" . الدراسات الأمريكية الواردة في هذا الكتاب تبين بوضوح أن دوائر القرار في الولايات المتحدة بدراية كاملة على أدق تفاصيل التناقضات الداخلية في كل قطر عربي، وأنها تسعى لتجيير تلك التناقضات لخدمة مصالحها الاستراتيجية، مستعملة نار الفتنة كما يلزم بواسطة (زلمها) في الحكم والمعارضة على حد سواء لتمنع تحول الانتفاضات إلى ثورات . فهي لا تتمنى خيراً لأي مشروع وطني إسلامياً كان أم قومياً . قال صامويل هانتغتون في كتابه (صراع الحضارات): "إن المشكلة بالنسبة إلى الغرب ليست مشكلة الأصوليين الإسلاميين، بل المشكلة في الإسلام نفسه، الذي يمتلك حضارة مختلفة يؤمن أصحابها بتفوقها في الوقت الذي يتألمون من ضعف أحوالهم . والمشكلة للمسلمين هي ليست وكالة المخابرات المركزية أو وزارة الدفاع الأمريكية، المشكلة في الغرب نفسه ذي الحضارة المختلفة والتي يؤمن أصحابها بتفوقها وصلاحيتها كنظام عالمي، يرغبون في فرض هذه الحضارة على العالم . المقدمة إنها نكتة العصر: الولايات المتحدة تسعى لتحفيز وتجذير الديمقراطية في العالم العربي والإسلامي . أما ما تسعى إليه الولايات المتحدة حقاً عبر أدوات عولمتها فهو تحويل دول العالم باجمعه إلى جمهوريات موز لخدمة الإمبراطورية الأمريكية وأباطرتها الحقيقيين بارونات المال العالمي (اللصوص إيّاهم) الذين اغرقوا العالم بأوراقهم المالية الفاسدة التي أسموها المشتقات Derivatives . وكان أفضل من وصف هذا الوضع هو البروفيسور الأمريكي في جامعة كولومبيا والحائز جائزة نوبل في الاقتصاد Joseph Stiglitz في شهادته في الكونغرس الأمريكي حين قال: "المشتقات المالية اعتمدت على مبدأ أن هناك أحمق يولد كل دقيقة . أما العولمة فاعتمدت على مبدأ أن العالم قد أصبح مسرحاً للتفتيش عن هؤلاء الحمقى، وقد وجدوهم في كل مكان" . إن الولايات المتحدة هي مركز الرأسمالية وهي الاداة التي يستعملها بارونات المال العالميين لنشر مبادئ الرأسمالية لا الديمقراطية . فالرأسمالية والديمقراطية ضدان لا يلتقيان . هذا ليس قولي فقط ولكنه قول شيخ الرأسمالية الملياردير جورج سوروس، كما جاء في كتابه "أزمة الرأسمالية العالمية" يقول:Soros زالرأسمالية والديمقراطية يتبعان قوانين مختلفة . . المصالح التي تخدمها الرأسمالية هي المصالح الخاصة، أما المصالح التي تخدمها الديمقراطية فهي المصالح العامة، وهذا التناقض يلخصه المثل الدارج عن تناقض المصالح ما بين Main Street ويعني المصحلة العامة وWall Street أي المصالح الخاصة" . وتدّعي الولايات المتحدة أنها تحاول دمقرطة الأنظمة الشمولية التي تعتمد أساسا على Bجهزة مخابراتها في التضييق على الحريات وإدارة الدولة . فإذا كانت هذه هي الدولة البوليسية، فهل نستطيع أن نعتبر الولايات المتحدة دولة بوليسية كونها تمتلك جبروتاً من (16) جهازاً للمخابرات؟ لكن هذا ما أوحت به كبريات الجرائد الأمريكية "الواشنطن بوست" في تحقيق صحفي عبر ثلاث مقالات استغرق تحضيرها سنتين وعمل خلالها (20) من كبار صحافييها . كانت المقالة الأولى بتاريخ 19-7-2010 التي جاء فيها: * هناك (1271) مؤسسة حكومية تساعدها (1931) شركة تخدمها ضمن أجهزة الاستخبارات، والأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب * وهناك 854 ألف شخص ضمن هذه الاجهزة ممن يحملون تصاريح بالاطلاع على التقارير "سرّي جدّاً" وهذا العدد يزيد مرّة ونصف المرة عن عدد سكان العاصمة واشنطن . * هناك 33 مركزاً في واشنطن وحدها مخصصة لاعمال المخابرات السرّية جداً مساحة أبنيتها تعادل 17 مليون قدم مربعاً (نحو 7 .1 مليون متر مربع) . ووصل هذا التحقيق الصحفي إلى أن "سلطة رابعة قد نشأت وهي مُغيّبة تماماً عن أعين الشعب الرقابية بستار من السرية الفائقة . . لقد أصبحت كبيرة جداً، وحدود مسؤولياتها ضبابية" . لا أود أن أدعي أن الولايات المتحدة تكذب في خطابها السياسي والثقافي والاقتصادي لكنني اترك ذلك لآخرين . وجاء في تقرير ل Associated Press بتاريخ 24 يناير سنة 2008 أن مؤسستي The Center for public integrity and the Fund for Independence in Journalism وجدتا أن الرئيس بوش وكبار مساعديه كذبوا 925 مرة بعد أحداث 11 سبتمبر لتسويق خطر العراق على الأمن القومي الأمريكي . ولقد خلص التقرير إلى أن تلك الأكاذيب "كانت جزءاً من حملة متناسقة مسمرت الرأي العام الأمريكي، وبذلك، قادت الأمة إلى الحرب تحت أسباب كاذبة قطعاً" . بعد سايكس - بيكو جاء عهد الاستعمار وعصر شبه الاستعمار، وعصر ما بعد الاستعمار، أو ما يسميه البعض أحياناً بعصر الاستقلال . سمّه ما شئت وبالطريقة التي تدخل السرور إلى قلبك، عملاً بحرية الرأي والرأي الآخر . منذ ذلك الحين رأى البعض كم كان حكيماً سعد زغلول عندما قال لزوجته: "غطيني يا صفية، ما فيش فايدة" نام هؤلاء وما زالوا حتى يوم القيامة . هؤلاء قناعتهم هي أنه ليس بالإمكان أفضل مما كان . فهل هذا "الأفضل مما كان" وهو هذا الذي نحن فيه قابل للاستمرار والحياة؟ المشكلة أن الأنظمة العربية لحقبة ما بعد الاستعمار طبقت انظمته (أقصد أنظمة الاستعمار) السياسية والثقافية والاقتصادية وهي الأنظمة المأزومة أصلاً في عقر دارها . فهناك دول تنهار اقتصاداتها وأخرى على وشك الإفلاس، وحركات تململ شعبي حتى داخل الولايات المتحدة مثل حركة Occupy Wall Street . وكما وصل النظام العربي إلى طريق مسدود فكذلك أيضاً النظام الرأسمالي الغربي، المفكرون في الغرب هم أيضاً لا يرون إمكانية معالجة هذا النظام من داخل منظومته . هذا ما كتبه Willis Harman إن النظام الحالي شأنه شأن المريض الذي يذهب إلى الطبيب فيقول للطبيب إنه يقاسي عمله الذي يضنيه، لكنه يحب ما يتعاطاه من الكحول في المساء فهي تنسيه هموم النهار، وهو يدخن ثلاث علب سجاير في اليوم، وهو يطلب العلاج ولكن دونما أي تغيير في عمله أو شربه أو دخانه . ويضيف: "ويتعمق شعور الشعوب في العالم الحالي بأنهم أصبحوا بلا حول ولا قوة . . وهم في أكثر الأحيان يعزون تلك المشاعر لإخفاق سياسات قوى النفوذ أو إلى اليساريين المتعصبين، أو إلى الرأسماليين الجشعين، ولكن حقيقة الأمر هي أعمق من ذلك وتتطلب تغييراً عميقاً أساسياً في المفاهيم والافتراضات (للنظام نفسه)"، وتحدث عنه بطريقة مشابهة R oger Terry يعرف الأمريكيون أن هناك خطأ ما في أمريكا، ولكنهم لا يعرفون ما هو، ولا يعرفون لماذا ذاك الخطأ، والأهم من كل ذلك فهم لا يعرفون كيف يصلحون ذلك الخطأ . . وكل ما بإمكانهم هو الإشارة إلى أعراض المرض فقط . . وفي الحقيقة فإن بعضاً مما يسمى حلولاً يزيد الطين بلّة، ذلك أن تلك الحلول تحاول أن تغير نتائج النظام من دون تغيير النظام الذي أفرز تلك النتائج . قال البرت اينشتاين (لا يمكن حل مشكلات اليوم من نفس العقول التي صنعتها بالأمس، ليست المشكلة بالآخرين وحدهم، فنحن ما بين فئة قليلة تطابقت مصالحها مع من هم خارج أوطانها أو ممن شغفهم الغرب حباً، وهؤلاء قال عنهم ابن خلدون قبل بضع مئات من السنين إن "عبودية العقل هي أقسى أنواع العبوديات"، وبين فئة جمدت حضارتنا العظيمة في ثلاجة الزمن البعيد، من دون الأخذ بأدوات التحديث والعصر في حضارة حثت على الأخذ بالعلم حتى ولو في الصين . هناك عالم اقتصادي وسياسي وحضاري جديد يتشكل في كافة ارجاء العالم . وعالمنا العربي والإسلامي هو احد مراكز الصراع الساخنة لتشكيل هذا التغيير . قال صامويل هانتغتون في كتابه صراع الحضارات: "لم يربح الغرب العالم بسبب تفوق أفكاره أو قيمه أو ديانته، وإنما ربحه بسبب تفوّقه في استعماله للعنف المنظم؛ والغربيون غالباً ما ينسون هذه الحقيقة، أما غير الغربيين فلا ينسونها أبداً". أود أن أنوه إلى أنني في هذا الكتاب قد قدمت بعض ما كتبه كبار الكتاب العالميين، خصوصاً ذوي الاطلاع الواسع من النواحي البحثية وبعض أولئك من الذين تبوأوا مراكز قيادية في الولايات المتحدة ومنهم من عمل في بعضٍ مراكز القرار الأمريكي مثل مجلس الأمن القومي وهنا دعني أبين نقطتين: الأولى: إن الترجمة كانت تحافظ على المعنى دون حرفيتها الثانية: إن الآراء الواردة في تلك المقالات هي لأصحابها . أما آرائي فهي تلك الموجودة في التمهيد والمقدمات لكافة الفصول أو ما جاء من اقتباسات عن كتاباتي وكتبي السابقة . وأخيراً، نحن لسنا في صناعة المديح أوالإساءة لأحد فنحن نقوم بعصف فكري ولكننا نحترم كل من اجتهد حتى إن اخطأ فله حسنة وإن أصاب فله عشرة أمثالها . أسباب الانتفاضات العربية: عالم عربي ميت ظهرت هذه المقالة في جريدة "الوشنطن بوست" في 15 فبراير/شباط 2011 بعد أقل من أسبوع من تنحي حسني مبارك، كاتبا المقال هما: حسين آغا، وروبرت ماللّي Robert Malley والملاحظ أن الكاتبين يشتركان في كتابة مقالات عدة في مواقع مؤثرة في القرار الأمريكي، كما أن خلفية الكاتبين توضح امتلاكهما لمعلومات قريبة جداً من صناع القرار الأمريكي . فحسين آغا قريب من السلطة الوطنية الفلسطينية ويعمل مستشاراً لها، بينما يعيش بين لندن وبيروت . وهو عضو مشارك في كلية سانت انطوني، جامعة اكسفورد . أما روبرت ماللّي فولد لأبوين يهوديين مصريين . تخرج في جامعات Yale ، وجامعة اكسفورد، وكذلك كلية القانون في جامعة هارفرد حيث كان زميلاً في الدراسة مع باراك أوباما آنذاك . عمل في مجلس الأمن القومي . كما عمل مساعداً خاصاً للرئيس الأمريكي بيل كلينتون للشؤون العربية - "الإسرائيلية"، وكان مع الوفد الأمريكي المفاوض في كامب ديفيد في المفاوضات الأمريكية - الفلسطينية - "الإسرائيلية" . هذا التعريف بالكاتبين ضروري لإعطاء تحليلهما مصداقية على مقدار المعلومات التي يمتلكانها حيث إن تحليلهما للاسباب الموجبة للانتفاضات العربية المسماة بالربيع العربي هو في غاية الدقة والمنهجية العلمية، التي ظهرت في هذه المقالة (1) التي سنورد بعضاً منها: لم يكن المحتجون في شوارع القاهرة الذين أسقطوا نظام حسني مبارك خلال (18) يوماً يطالبون بإنهاء ذلك الحكم الظالم والفاسد والمستبد فقط . لم يكونوا ضد الجوع والبطالة والحرمان الذي نتج عن حكامهم، فهم قاسوا من هذه المظالم من سنين لكن ما قاتلوا من أجله كان شيئاً أكبر . عالمهم العربي ميت وثورتهم تسعى لإحيائه . منذ خمسينات القرن العشرين كان العرب فخورين بنضالهم ضد الإمبريالية، فخورين بمواقف رؤسائهم بأن لهم رسالة ودولة مستقلة مقاومة لأي هيمنة اجنبية، في مصر كان جمال عبد الناصر يدير دولة اقتصادها منهار، ويستمر في الحكم حتى بعد هزيمة مُذلة من "إسرائيل" سنة 1967 لكن بقيت مصر قلب العالم العربي، كان العالم العربي يتابع عبدالناصر وهو يهاجم الغرب، ويعاند مستعمري مصر السابقين، ويؤمم قناة السويس ويعادي "إسرائيل"، في الوقت نفسه . انتزعت الجزائر استقلالها من الفرنسيين وأصبحت ملجأ للثوريين، وقادت العربية السعودية حظراً نفطياً هزّ عالم الاقتصاد، وياسر عرفات وقد أعطى للفلسطينين صوتاً ووضع قضيتهم على الخريطة من جديد . وفي كل أرجاء العالم العربي، فلقد تعرض إلى انتكاسات عسكرية وسياسية لكنه بقي يقاوم، والبعض في العالم لم يحبوا ما كانوا يسمعون . لم يكن هناك استسلام . تعاني الدول العربية شيئاً أكبر وأقسى من الفقر أو الشمولية . لقد أصبحت أنظمة مزيفة في أعين شعوبها التي تنظر لها كأنها غريبة عنها، تنفذ سياساتٍ تأتيها من بعيد . ولا يستطيع أحد أن يفهم حقيقة مشاعر وأعمال المصريين، والتونسيين والأردنيين من دون الأخذ في الاعتبار أن شعور هؤلاء العميق، لم يسمح لهم بأن يكونوا أنفسهم وأنه قد تم سلب هويتهم، فذهبوا إلى الشارع ليس كحركة احتجاج، وإنما كحركة تقرير المصير . إن حقن المساعدة الاقتصادية للانظمة المتهالكة لن يفيد . فالمظالم التي تشكو منها الجماهير العربية ليست بالأساس مادية، إنها تشكو من الاعتماد الكثير على الخارج . أما دعوة الولايات المتحدة للإصلاح فهي لا تجد آذاناً صاغية، فلا يحق لمن آزر الأنظمة الاستبدادية لعشرات السنين أن يتشدق بالإصلاح أو التغيير . أما محاولة الضغط على الحكام فقد تأتي بنتائج عكسية حيث إنها تسمح للنظام بأن يدّعي أن حركات الاحتجاج هي موجهة من الغرب وأن دعاة التغبير ما هم سوى ألعوبة بيد الغرب . يعتقد بعض اصحاب القرار الغربيين في العواصم الغربية - بل إنهم أقنعوا أنفسهم - بأن اعادة عملية السلام "الإسرائيلية" - الفلسطينية ستساعد على تهدئة الرأي العام . إن ذلك هو أضغاث أحلام وعملية انكار، فهي تغفل حقيقة أن العرب سئموا من لعبة السلام هذه التي يرون فيها تحقيقاً لرغبة غربية لا تحقيقاً لأجندة وطنية . كما أنها تقع في خطأ هو أن السلام المأمول في الدول الغربية ولدى الحكام العرب هو سلام مغشوش مفروض وغير عادل لتصفية القضية الفلسطينية . وهكذا فإن سياسة فرضه لإنقاذ الوضع الراهن ستسارع في عملية سقوطه . انتفاضات لا ثورات وضع القائد الشيوعي فلاديمير لينينLENIN) ) ثلاثة شروط لإنجاح أي ثورة: أولها، حزب سياسي منظم ومتين، وقيادة قوية الشكيمة والعزيمة، وبرنامج واضح . ولو قبلنا بهذه النظرية فلم يتوفر لأي من الانتفاضة المصرية، ولا التونسية من قبلها تلك العناصر . لم يكن للانتفاضة اهداف واضحة حيث إن الأهداف كان يصوغها الشارع ساعة بساعة وبطريقة عفوية، كما لم يكن لها قيادة محددة باعتراف الجميع، ولم يكن يقودها تنظيم أو حزب مُحدد في بداياتها . هذه الهبّة الشعبية العارمة أطاحت رأس النظام ولكنها أبقت على النظام برموزه ومؤسساته، فبقيت المباركية دونما مبارك الذي تم استبداله بمجلس عسكري تم تعيين كافة اعضائه من مبارك . بقيت هياكل الأجهزة الأمنية كما كانت، اللهم عدا إفراغها من أي مستندات قد تدين رموزها . سلطة القضاء بكاملها من النائب العام إلى كافة المراكز القيادية فيه بقيت كما كانت عليه . التعاون الأمني والاستراتيجي بين مصر والولايات المتحدة و"إسرائيل" بقي كما كان عليه . أصبح الحاكم بأمره الجديد، رئيس المجلس العسكري محمد حسين طنطاوي يتمتع ليس بسلطات كونه قائداً عاماً للجيش ورئيساً للدولة فقط، بل بسلطات مجلس الشعب أيضاً، وبقى ذلك الحكم العسكري قرابة السنة والنصف ترّص فيها (الفلول) صفوفها إلى انتخابات كان المطلوب والمأمول منها شرعنة عودة الفلول إلى الحكم عبر صناديق الاقتراع، وقد كادت . (ونشير هنا إلى الفصل الخامس الذي يبين كيف تمكنت ماكينة المال والاعلام الأمريكية من رفع نسبة قبول الرأي العام بالرئيس الروسي يلتسين من 4 في المئة قبل توليهم حملته الانتخابية إلى إنجاحه بنسبة 35 في المئة وخلال 3 شهور) . ولكن مَن غير البسطاء أو البلهاء كان يتصور خلاف ذلك، فنظرة واحدة إلى سيرة الحاكم بأمره الجديد تكفي لأولي الالباب . ولد محمد حسين طنطاوي سليمان، ذوالاصول النوبية في 31/10/1935 وتخرج كضابط سنة 1956 وشارك في حروب مصر كلها . اختاره حسني مبارك رئيساً للحرس الجمهوري، وهو منصب يتم تعيين من هو شديد الولاء فيه قبل أن يكون شديد الكفاءة . بعدما اعترض قائد القوات المصرية المُرسل إلى السعودية للمشاركة في الحرب على العراق على تحويل مهمته من دفاعية في درع الصحراء إلى هجومية هي عاصفة الصحراء، اصطحب حسني مبارك طنطاوي إلى السعودية حيث عزل القائد (المتمرد) وأقام مقامه طنطاوي تحت امرة الجيش الأمريكي بقيادة الجنرال نورمان شوارتسكوف . بعدها عاد لمصر، وعُين مباشرة كوزير للدفاع بدءاً من شهر مايو سنة 1991 وحتى سنة ونصف من بعد رحيل مبارك، أي أنه بقي 21 سنة بالتمام والكمال، أتمّ خلالها شهر العسل بين الجيوش الأمريكية والجيش المصري وذلك عبر مشاركته في المناورات العسكرية مثل "النجم الساطع" والتي كانت تحضرها "إسرائيل" بصفة مراقب . وهكذا أصبح صاحب هذا السجل الناصع الثائر الأول على رأس "الثورة المصرية" . في فصل لاحق وفي دراسة أمريكية تمت سنة ،2006 يتبين أنها وصلت إلى القناعة والنتيجة أن أياً ممن قد يصل إلى الحكم من الإسلاميين أو خلافهم، سوف يصعب عليه (إن لم يستحل عليه) أن يحدث تغييراً في الوضع الراهن اقتصادياً كون الاقتصاد المصري قد تمّت هيكلته وربطه بمشاريع ومؤسسات العولمة الأمريكية والغربية الرأسمالية، وحيث أصبح الجيش والأمن القومي المصري مرتبطاً بمساعدات أمريكية مشروطة بمعاهدة الصلح المصرية - "الإسرائيلية" بل وتصل الدراسة إلى حد القول إن القوات المسلحة المصرية لن تسمح بمس العلاقة الاستراتيجية الأمريكية "الإسرائيلية" - المصرية! عمل العسكر في المجلس العسكري الأعلى ثمانية عشر شهراً كل ما بوسعهم للإبقاء على ثوابت نظام مبارك مستعملين أجهزة مبارك القضائية والأمنية والإعلامية . حتى إن رئيسي الوزراء في عهد المجلس العسكري كانا من عهد حسني مبارك . جيء أولاً بعصام شرف بعد مسرحية ذهابه إلى ميدان التحرير يوماً أو بعض يوم وروج المجلس العسكري وإعلامه بأن عصام شرف هو اختيار الثوار علماً أنه ولآخر ساعة كان عضواً في لجنة السياسات التي يرأسها جمال مبارك! وحين كُشف أمره جيء بالجنزوري وهو أيضاً رئيس وزراء سابق من عهد حسني مبارك . وحيث إن التنظيم الوحيد الذي كان على الأرض قادراً على التنظيم هو جماعة الإخوان المسلمين، فقد تعاون العسكر معهم تكتيكياً لا استراتيجياً حيث إن سياساتهم المعلنة لا تتماشى مع عقيدة القوات المسلحة العلمانية . لكنه (أي المجلس العسكري الأعلى) أراد أن يكسب وقتاً يلتقط فيه فلول النظام القديم أنفاسهم مستخدمين اعلام مبارك وفلوله والذي بدأ يكشف عن هويته خصوصاً، أيام الانتخابات الرئاسية والتي كادت أن تأتي بأحمد شفيق ممثلاً للمباركية على رأس النظام من جديد، فكانت نتيجة الانتخابات هي بفارق بسيط جداً (49 إلى 51 في المئة) فتم حل البرلمان ذي الأغلبية الإسلامية بعد أيام من ذلك، ثم (شرّع المجلس) ذلك الاعلان الدستوري المكمل الذي سلب رئيس الجمهورية عملياً كافة سلطاته، ثم التأهب لحل اللجنة ذات الاغلبية الإسلامية لكتابة الدستور إلى أن قام الرئيس مرسي بحركته الاستباقية بإقالة طنطاوي وأغلب أعضاء مجلسه العسكري . ما الذي يستطيع أن يفعله أي رئيس يقف على رأس نظام معادٍ في جوهره لأي إصلاح، ذي اقتصاد منهار وفاسد ورثه بما فيه من تعفنات، وجماهير جائعة تظن أن السماء ستمطر خبزاً وذهباً بكبسة زر، وإعلام فاجر كان يخشى حتى أن يكتب عن صحة الرئيس مبارك لأنه إذا كتب فسيذهب إلى غياهب السجون . وإذا بنفس هؤلاء الذين سجنوا قد استأسدوا حتى بتجريح الرئيس المنتخب الجديد في أوركسترا إعلامية منسقة من غرف سوداء الله أعلم من يديرها . ولو أردت أن أبدي رأياً لجماعة الإخوان المسلمين لسألتهم أن يقوموا بتحليل لتاريخهم من حيث تكرار استعمالهم واستخدامهم من قبل الأنظمة ثمّ تخلي هذه الأنظمة عنهم، لا بل والتنكيل بهم أحياناً، وقد حدث مثل ذلك ثلاث مرات عبر تاريخهم في السنوات الثمانين الماضية: ساعدوا جمال عبد الناصر وجماعته من الضباط في ثورة 1952 تم نكل بهم أيّما تنكيل . ساعدوا أنور السادات في التخلص من نظام عبد الناصر وتغيير المنهج الاقتصادي إلى الانفتاح على الرأسمالية بأعلى وأوسخ مراتبها ثم تمّ التخلي عنهم، وبقوا معه ومع خليفته مبارك بين مدّ وجزر، كجماعة غير قانونية يتم استعمالها متى كان للنظام فائدة بذلك، ويتم التخلي عنها متى وجد النظام في ذلك مصلحةَ له . ساعدوا النظام العسكري أخيراً بل وتحالفوا معه، إلى أن تمكّن العسكر، فكادوا أن ينقلبوا عليهم . في الحالات الثلاث كان تنظيم الإخوان المسلمين ليس فاعلاً بل مفعولاً به . فهل تستحق هذه المقاربة شيئاً من التحليل؟! دعني الآن أترجم مقال حسين آغا، وروبرت ماللّي والذي يصل كاتباه إلى أن ما حدث في مصر لتاريخه لم يكن ثورة هذه ليست ثورة (1) يهبط الظلام على العالم العربي . القمامة والموت والدمار بساحات القتال للوصول لحياة أفضل . الأجانب يتصارعون للهيمنة وتصفية الحسابات . أما المظاهرات السلمية التي بدأت هذه المرحلة بها فقد أصبحت من ذكريات الماضي البعيد . والانتخابات مناسبات احتفالية مفرغه من أي فكر سياسي، والبرنامج الثابت الوحيد هو ديني، والصراع على النفوذ قد انطلق على عنانه دونما قواعد واضحة، أو قيم، أو هدف، وهذا لن يتوقف بتغيير النظام أو بقائه، والتاريخ هنا لا يمشي إلى الامام ولكنه ينحرف إلى الأطراف . هناك أحداث داخل أحداث: الصراعات ضد أنظمة استبدادية، وصراع مذهبي للسنة والشيعة، وصراع تضارب القوى في المنطقة، وكأنها حرب باردة جديدة . تقسم الأمم، وتصحو الأقليات علّها تنطلق من عقال الدولة المقيدة لها، والصورة ضبابية . هذه هي صورة الواقع وجزيئاته وصورة ذلك غير واضحة وليس معلوماً إلى اين ستكون نهاياته . أما تلك التغيرات التي يظن بأنها مهمة، فتسقط ضمن هذه الرحلة الطويلة إلى المجهول أما الفاعلون الجدد والذين تم تحفيزهم حديثاً فلقد قفزوا إلى الواجهة: "الشارع" الذي لم يتم تعريفه، فسريعاً ما يلتئم وسريعاً ما ينفض، والإخوان المسلمون الذين اعتبرهم الغرب بالأمس القريب كمتطرفين خطرين يتم اعتبارهم اليوم كعقلاء عمليين، والسلفيون التقليديون الذين كانوا يتوجسون من كل أشكال السياسة تجدهم الآن متحمسين للمشاركة في الانتخابات . كما توجد جماعات سلفية مجهولة ومليشيات ولاءاتها غامضة لايُعرف من المستفيد منها، فضلاً عن وجود عصابات من المجرمين، وقطاع الطرق والخاطفين . أما التحالفات فحّدث ولا حرج، فليس لها من منطق يحكمها كما أنها تتغير باستمرار . فالأنظمة الثيوقراطية تدعم العلمانين، وتنادي بالديمقراطية، والولايات المتحدة تشكل شراكات مع إسلاميين، وإسلاميين يتطلعون إلى أنظمة طالما قاوموها، وبعض الدول الشمولية تشجع العلمانين ضد الإخوان المسلمين والسلفيين ضد العلمانيين . والولايات المتحدة تتآلف مع العراق والتي تتآلف بدورها مع إيران التي تساند النظام السوري والذي تعمل الولايات المتحدة على إسقاطه . وتتحالف الولايات المتحدة مع دول تموّل حماس وتموّل السلفيين الذين يمولون الجهاديين والذين يحاولون قتل الأمريكيين أينما كانوا، وفي وقت قياسي تحوّلت تركيا من دولة دون أي مشاكل مع جيرانها إلى دولة تنازع كل الجيران، لقد أغضبت إيران، والعراق، و"إسرائيل" وعملياً فإنها في حالة حرب مع سوريا، أصبح أكراد العراق حلفاء لها بينما تقاتل أكراد تركيا مع أن سياستها في العراق وسوريا تحرضّ الأكراد الأتراك على الانفصال . أما إيران فلقد عارضت الأنظمة العربية، بينما طورت علاقاتها مع الإسلاميين باعتبار أن نظرتهم الإسلامية ستكون عاملاً مشتركاً . ولكن أول ما إن يصل هؤلاء الإسلاميون إلى السلطة يقومون بالابتعاد عن إيران ليطمئنوا الغرب وحلفاءهم العرب . تعاونت الولايات المتحدة مع بعض دول الخليج في إزاحة معمر القذافي بالأمس وتتعاون معهم لإزاحة بشار الاسد اليوم . وتدّعي أنه يجب عليها أن تكون في الجانب الصحيح من التاريخ بينما تساند أنظمة تريد لدولٍ غيرها ما لا تريده لنفسها . وما الذي يجمع أدعياء الديمقراطية المنتفضين على دولهم مع دول لا تطبق ما يدعون أنهم "يجاهدون" من أجله غير المال؟ إن نظام التحالفات الجديد في المنطقة يرتكز على العديد من الافتراضات الكاذبة والمخادعة . فهذه التحالفات ليست صحية لصعوبة اعتبارها حقيقية إذ إنها في أفضل حالاتها تحالفات مغرضه ومصلحيه نفعيه لا تستند إلى قيم مبدئية . شيء ما بها غير طبيعي لذلك فلن يكون لها نهاية سعيدة . يجتمع الناس في ميدان التحرير وتصوب الفضائيات كاميراتها صوب المحتجين . ولكن ماذا عن الملايين الذين فضلوا البقاء في منازلهم؟ هل كانوا جميعاً فرحين برحيل مبارك؟ وماذا عن شعورهم الآن نحو الفوضى الحالية، والانهيار الاقتصادي، وعدم الوضوح السياسي؟ في الانتخابات الاخيرة 50 في المئة من المصريين لم يشاركوا في الانتخابات كما أن نصف هؤلاء صوّت لأحمد شفيق ممثل النظام القديم . وهل هؤلاء ال50 في المئة هم على الجانب الصحيح من التاريخ؟ أكثر السوريين لا يحاربون من اجل النظام ولا من أجل المعارضة فهم المتلقون لمصائب المواجهة . ولا أحد يهتم برغباتهم، ويستمع إلى صوتهم أو يهتم بمصائرهم وتصبح الكاميرا أداة للقلاقل والتعبئة والدعاية والاثارة وميزان القوى يميل لمصلحة النظام ولكن يتم التعويض عن ذلك بماكينة الدعاية التي تنحاز نحو المعارضة . أما دول الربيع العربي فلا يوجد في أي بلد منها قائد بارز يستطيع أن يخطّ لها طريقاً جديداً وإن وجدت قيادة فهي للجان من الخارج (كسوريا مثلاً)، فلا أحد أعطاها التفويض، حيث يتم تفويضها من الغرب الذي يعطيها المسؤولية ويبرزها ويدفع بها إلى الظهور . فبعض الدول تقدم المال والمؤسسات الدولية تقدم الدعم المعنوي أما القادة للحركات المعارضة فلا يبرزون بناء على ثقة تأتيهم من الداخل بل إنما يأتون بدعم أجنبي . وهكذا عليهم أن يكونوا حذرين وأن يعدلوا مواقفهم لتكون مقبولة من هؤلاء الأجانب، أما القادة السابقون فلم تكن تحكمهم مثل هذه الاعتبارات . سواء أكانوا على خطأ أم على صواب، كانوا يعاندون في قراراتهم بل ويتفاخرون بالاعتراض عليها . تماماً كما كان الحكام المعزولون يحاولون إرضاء "الغرب"، فكذلك الإسلاميون . وتماماً كما كان الحكام المعزولون يستعملون الإسلاميين كفزاعة لإخافة الغرب لابقائه بجانبهم، فالإسلاميون يستعلمون اليوم السلفيين كفزاعة لاخافة الغرب في ما لو فشلوا، في حين يحار السلفيون بين المحافظة على تاريخهم أو التلذذ بطعم القوة والنفوذ الذي وصلوا اليه . أصبحت "الجهاد" مقام "حماس" سابقاً تطلق الصواريخ من غزة لإحراج حماس حكام غزّة، وأصبحت حماس هي فتح الجديدة، تدّعي أنها حركة مقاومة في الوقت الذي تضايق أولئك الذين يقاومون، وأصبحت فتح كواحدٍ من الانظمة العربية التي طالما احتقرت . السياسة في مصرمنقسمة بين الإخوان المسلمين المنتصرين، وسلفيين أكثر تشدداً، وغير إسلاميين خائفين، وبقايا النظام القديم . وتونس مرّت بمرحلة انتقالية آمنة، ونجح حزب النهضة الذي يقدم حلولاً ووجهاً معتدلاً للإسلام . ولكن محاولته للهيمنة على السلطة تثير القلق وسوف تظل بين الإسلامين والعلمانيين في ازدياد . في اليمن تنحى الرئيس عن الحكم لكنه مازال يبقى مؤثراً في المسرح السياسي . هناك حرب تغلي في الشمال، والجهاديون يعرضون عضلاتهم، والثوار الشباب الذين أرادوا تغييراً شاملاً يرون فقط فئة مختلفة من الحكام أنفسهم يحتلون المسرح، ومازالت الطائرات الأمريكية من دون طيار تقتل مجاهدي القاعدة وأولئك الذين يصادف وجودهم على مقربة منهم . أما القوى التي هُزمت لكنها لم تتحطم فسوف تعيد ترتيب صفوفها وتقاوم . أما ميزان القوى فهو غير واضح المعالم . والنصرلا يُقوّي المنتصرين أحياناً . المنتصرون يقبعون في سلطة الدولة، ولكنها ذات فائدة محدودة حيث ينظر المواطنون العرب إلى دولهم نظرة ريبة وشك، ولتكون في مقعد قيادة الدولة لا يعني ممارستك القيادة والقوة . فريق 14 آذار استجمع قوته بينما كان في المعارضة ولكنه خسرها بعد استلامه السلطة ،2005 وحزب الله لم يكن يوماً في موقع دفاع كما هو الآن بعد كونه القوة وراء الحكومة اليوم . سيطر الإخوان المسلمون في مصر، وتونس وتقدموا في المغرب ويسيطرون على غزّة، وهم أقوياء في سوريا والأردن . حتى عبارة سيطر المسلمون كانت قبل قليل من الزمان لايمكن نطقها . تعايش الإخوان لمّدة ثمانين عاماً من العمل "تحت الارض" وقُتلوا وعُذبوا وأجبروا على المقاومة ينتظرون يومهم هذا . لقد كان النزاع بينهم وبين "القوميين" مريراً وطويلاً ودامياً . فهل اقتربت نهاية العذاب والصراع؟ لقد غيّبت الحرب العالمية الاولى حكماً إسلامياً عثمانياً لأربعه قرون ورأت صعود الامبرياليه الغربية . وكان القرن العشرون قرن القومية العربية . وللكثيرين، فإنها حركة غريبة وفكر مستورد من الغرب، وانحراف كان يجب تصحيحه . ولقد أجبر الامر الواقع الإسلاميين على التعايش مع الدول التي نشأت بعد الدولة الإسلامية العثمانية ولكن سعيهم لتغيير هذا الواقع بقي ثابتاً . أما عالم الإخوان المسلمون فهو "مسلمون بلا حدود" . ملاحظة: تذكر أن هذا ليس رأيي ولا رأي الإخوان المسلمين بالضرورة، إنما هو تحليل الكاتبين وقراءتهما لما يريانه سياسة إسلامية مقبلة . لقد تمت إطاحة مبارك لأنه في رأي الآخرين كان شديد الخضوع للغرب أما الإسلاميون الذين جاءوا بعده فهم سيقدمون ما لم يستطع تقديمه . كان مبارك طاغية ليس لديه برامج، أما الإخوان المسلمون فلهم برامج أخلاقية واجتماعية وثقافية، فهم يعتقدون أن بإمكانهم الالتزام بمعتقداتهم حتى لو أنهم ليسوا معادين للغرب . بعكس أصدقاء الغرب المخلوعين، فنحن سمعنا الإسلاميين يطالبون بالتدخل في ليبيا بالأمس، وسوريا اليوم . فهم يرون إمكانية استدعاء الكفار الأجانب لخلع الكفار المحليين الذين اضطهدوهم لعقود . فعدم السماح بالتدخل الأجنبي كان سمة عقود الاستقلال الأولى لكنه ليس الحال هذه الأيام . ما سعت الولايات المتحدة للحصول عليه بالتدخل والإكراه، يمكنها أن تحصل عليه الآن بالتراضي، وهو أنظمة عربية لا تهدد مصالحها . فلهذا لا عجب إذاً من أن الكثيرين في المنطقة يعتقدون أن الولايات المتحدة كانت شريكاً في حركات الربيع العربي في كل مكان . تجابه "إسرائيل" صعود الإسلام، بقلق وهم يرون اعداءهم السابقين يتحكمون بالحكم، لكن الإسلامين لهم أجندتهم الخاصة وأهدافهم الأخرى هم يريدون تثبيت مشروعهم الإسلامي مما يعني تقوية حكمهم ساعين إلى عدم معاداة الغرب، ساعين إلى عدم الصدام مع "إسرائيل" . أما حماس، أحد فروع الإخوان المسلمين فإنها لم تُغيّر أهدافها بأن الدولة اليهودية غير شرعية وأن أرض فلسطين التاريخية هي إسلامية، وأنه إذا لم يكن ميزان القوى اليوم لمصلحتها فلتعمل على تغيير هذا الميزان لمصلحتها . وخلاف ذلك فهو تكتيكات لا غير . لقد نجح الإسلاميون وهم في المعارضة لأنه كان بإمكانهم لوم الآخرين . لكنهم سيقاومون وهم في الحكم لأن آخرين يمكن أن يلقوا باللوم عليهم . وإذا خففوا من إسلامية أجندتهم في الداخل فقد يفقدون أناسهم، وإذا اتبعوا أجندتهم الإسلامية فسوف يعادون غير الإسلاميين والغرب على السواء، إذا اجّلوا الصراع مع "إسرائيل" فإن خطابهم سيكون مناقضاً مع خطابهم السياسي لكنه يهادن حلفاءهم الجدد في الغرب، وإذا فسرّوا أن اعتدالهم إنما هو تكتيكي فسوف يكشفون عن أنفسهم، وإذا التزموا الهدوء فسوف تضرب الفوضى كوادرهم . انتهت الترجمة وأنا أتساءل هنا هل أن سياسة مسك العصا من الوسط ستضع الإسلاميين في ورطة حين استلامهم الحكم في أي اتجاه يسيرون فيه كما جاء في الفقرة الأخيرة في الدراسة المترجمة أعلاه؟ فإذا كان النظام العربي ميتاً كما يدعي المحللون الغربيون فهل يعالج من هو في غيبوبة الموت بحبة أسبرين أو بصدمة كهربائية؟ يبدو أن الدراسات الغربية كانت تخطط لإفشال المشروع الإسلامي كما خططت لإفشال المشروع القومي من قبله . فهل سينجحون؟ قبل إرسال مسودة هذا الكتاب إلى الطبع برز جناحان في حزب النهضة بتونس . كذلك اشتكى الإخوان المسلمون في حماس بأن السلطات المصرية تقوم بضخ ماء الصرف الصحي في أنفاق غزة حيث صرح احد قادتهم أن "الانفاق الحدودية مع مصر كانت خياراً وحيداً أمام الفلسطينيين لمواجهة الحصار، وإن اغراقها المتكرر بالمياه في ظل الحصار هو بحكم عودة الحصار بقرار رسمي مسبق" . فهل تحاصر جماعة في مصر أختها في غزة؟ (ليس كل ما يتمناه الغرب يدركه) كما علمنّا التاريخ القريب في العراق وأفغانستان . وهناك نظام عالمي جديد يتشكل هذه الأيام . نظرية الاستراتيجي الجيوسياسي البريطاني Mckinder بأن من يستحوذ على النفوذ في (يوارسيا) سيكون له اليد الطولى في الهيمنة على العالم . وعالمنا العربي هو قلب يوراسيا وهو قلب ساحة المعارك لنظام عالمي عربي وإسلامي جديد، وستكون الغلبة في النهاية (لقانون العواقب غير المحسوبة) من الغرب . "أمريكا إسرائيل الكبرى" و"إسرائيل أمريكا الصغرى" تقول الإنسايكلوبيديا ويكي بيديا: Wikipedia يرى المؤرخون أصل المصطلح الثقافة اليهومسيحية Judeo-Christian Culture يعود إلى الثورة البروتوستانتية . . وفي السياق الأمريكي يرى المؤرخون بأن استعمال هذا المصطلح هو للدلالة على تأثير العهد القديم اليهودي (التوراة) والعهد الجديد (الإنجيل) على الفكر البروتوستانتي ومفاهيمه بشكل خاص . . لقد رأى المهاجرون الأوائل لأمريكا أنفسهم الوارثين للكتاب المقدس العبري وتعاليمه . . والتي أصبحت بدورها أساساً لمفاهيم النظام الأمريكي . . لتصبح تلك المفاهيم العبرية أساساً للثورة الأمريكية، وميثاق الاستقلال، ودستور الولايات المتحدة . كلام واضح لا لبس فيه! الحضارة الغربية والأمريكية جذورها وروحها يهودية تلمودية! أفرزت الثورة البروتستانتية في بداية القرن السادس عشر شراكة يهودية مسيحية بروتستانتية كانت الغلبة فيها لليهودية والتي ما لبثت أن حللت الربا وأطلقت النظام الرأسمالي الذي استعار اسمه من بارونات رأس المال اليهود فصار النظام بأكمله خادماً لهم . وما لبث الغرب أن انطلق بغزواته الاستعمارية عبر شركاته "عبر القطرية" كشركة الهند الشرقية سنة 1600 يبني ثرواته باستنزاف ونهب ثروات الآخرين واستعبادهم كعبيد يباعون ويشترون، أو كمستعمَرين لا حول لهم ولا قوة، ولقد صاحبت جيوش المستعمرين الغربيين غزوات ثقافية خصوصاً في القرن التاسع عشر، ثم جاء الاستعمار المباشر خصوصاً في القرنين التاسع عشر والعشرين، والاستعمار غير المباشر ما بعد منتصف القرن العشرين في عهد ما بعد الاستعمار أو ما يسمى أحياناً بعصر الاستقلال . خلّف الاستعمار وراءه نخباً من أهالي مستعمراته تم إرضاعُهم بحليبه وثقافته ومن ثم تم برمجتهم، وتهيئتهم لتحكم هذه النخب نيابة عن الغرب، يساعدهم في ذلك محافل ومؤسسات سرية أو شبه سرية رعاها وبناها المستعمر إبان حكمه المباشر، وهكذا انفصلت هذه النخبة عن شعوبها وتوسّعت الهوة بينها وبين شعوبها يوماً بعد يوم، وأزمة بعد أزمة حتى عرّتها الأيام حتى من ورقة توت تستر بها عورتها . قبل أكثّر من خمسين سنة من دعوة تيودور هيرتزل لحركته الصهيونية كتب الجد الأبعد للرئيسين جورج بوش الأب والابن كتاباً نقتبس منه هنا كما جاء في كتاب (القوة والعقيدة والخيال) للمؤرخ الأمريكي "الإسرائيلي" مايكل أورن Michael Oren والذي اختاره نتنياهو سفيراً ل"إسرائيل" في الولايات المتحدة . جاء في الكتاب: "وجدت الأصولية المؤمنة بضرورة إعادة اليهود لفلسطين أكبر تعبير لها في كتاب نشر سنة 1844 بعنوان: "وادي الرؤى: اعادة "إسرائيل" للوجود" كتبه بروفيسور اللغة العبرية في جامعة نيويورك جورج بوش الجد الأبعد لرئيسين أمريكيين يحملان الاسم نفسه . طالب بوش في كتابه بالارتقاء باليهودية ورفع اليهود إلى مرتبة نبيلة أمام الأمم في العالم وإقامة دولة لهم في فلسطين، فذلك سوف يأتي بالخير على الإنسانية، حيث يصبح اليهود عندئذٍ همزة الوصل بين الإنسانية والله . بعد إطلاعي على كتابات (البروفيسور جورج بوش الأقدم، وجورج بوش الأب والابن تعمّقت في دراسة التاريخ الأمريكي منذ هبوط أول المهاجرين الأوروبيين إلى يومنا هذا، واستنتجت أن "أمريكا "إسرائيل" الكبرى، و"إسرائيل" أمريكا الصغرى) وجعلت هذا عنواناً لكتابيّ بالإنجليزية وكذلك بالعربية . كانت الجامعة العبرية في القدس من أوائل المشاريع الصهيونية في فلسطين في بدايات الانتداب البريطاني . كان العالم اليهودي "ألبرت انشتاين" من أبرز حضور حفل الافتتاح برعاية المندوب السامي البريطاني هيربرت صامويل اليهودي الذي كتب نص وعد بلفور وكان من أولى دراسات الجامعة ومساراتها دراسة أسباب سقوط دولة الصليبيين بعد مئتي عام من تأسيسها لتلافي تلك الأسباب بعد انشاء الدولة اليهودية . تقرير لتفتيت العالم العربي أعدته الحركة الصهيونية سنة 1982 كنت قد اطلعت على تقرير لتفتيت العالم العربي الصادر من المنظمة الصهيونية العالمية ووزارة الخارجية "الإسرائيلية" مترجمةً إلى الإنجليزية من قِبَل "الإسرائيلي"، "إسرائيل" شحاك Israel Shahak وذلك على موقع خريجي الجامعات الأمريكية من أصول عربية . . وأنوه هنا أن ترجمة إسرائيل شحاك للتقرير كان معه خارطة "إسرائيل" من الفرات إلى النيل كما جاءت بمذكرات مؤسس الصهيونية اليهودية تيودورهرتزل - الجزء الثاني صفحة 711 - وهي نفس الحدود التي ذكرها الحاخام فيشمان Fischmann عضو الوكالة اليهودية للجنة التحقيق الخاصة بالأممالمتحدة في 9 يوليو 1947 . ولكنني لاحقاً وجدت الترجمة باللغة العربية والتي أوردها هنا والتي اقتبسها كما وردت، حيث قام بهذه الترجمة مشكوراً السيد محمد سيف الدولة . تقرير لتفتيت العالم العربي أعدته الحركة الصهيونية سنة 1982 (1) 1- في عام 1982 نشرت مجلة "كيفونيم" التي تصدرها المنظمة الصهيونية العالمية، وثيقة بعنوان "استراتيجية "إسرائيلية" للثمانينات" . ولقد نشرت الوثيقة باللغة العبرية، وتم ترجمتها إلى اللغة العربية، وقدمها الدكتور/ عصمت سيف الدولة كأحد مستندات دفاعه عن المتهمين في قضية تنظيم ثورة مصر عام 1988 . 2- ولقد رأيت أهمية إعادة نشر هذه الوثيقة الآن للأسباب الآتية: أن الخطط الحالية الساعية لفصل جنوب السودان وتقسيمه، ضمن الأفكار الواردة في الوثيقة . أن الاعتراف الرسمي بالأمازيغية كلغة ثانية، بجوار اللغة العربية في الجزائر هي خطوة لا تبتعد عن التصور الصهيوني عن المغرب العربي أن مخطط تقسيم لبنان إلى عدد من الدويلات الطائفية، الذي حاولت الدولة الصهيونية تنفيذه في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، وفشلت في تحقيقه هو تطبيق عملي لما جاء في هذه الوثيقة بخصوص لبنان . ان الحديث الدائر الآن في الأوساط الصهيونية حول تهجير الفلسطينيين إلى الأردن، والتخوفات العربية من استغلال أجواء احتلال العراق لتنفيذ ذلك، هو من أساسيات الأفكار المطروحة في الوثيقة . وأخيراً وليس آخراً، أن الأخطار التي تتعرض لها مصر، واردة بالتفصيل في الوثيقة الصهيونية . 3- والحديث عن وثيقة من هذا النوع، ليس حديثاً ثانوياً يمكن تجاهله، فهم ينصون فيها صراحة على رغبتهم في مزيد من التفتيت لأمتنا العربية والإسلامية . كما أن تاريخنا الحديث هو نتاج لمشاريع استعمارية مماثلة، بدأت أفكاراً، وتحولت إلى اتفاقات ووثائق، تلزمنا وتحكمنا حتى الآن: فمعاهدة لندن 1840 سلخت مصر منذئذ وحتى تاريخه عن الأمة العربية . فسمحت لمحمد علي وأسرته بحكم مصر فقط، وحرمت عل