يشكل إعلان قيام «الدولة الإسلامية» من طرف تنظيم «داعش» يوم الأحد الماضي، في أجزاء من العراقوسوريا، تطورا نوعيا خطيرا على مستويين: المستوى الجيو-استراتيجي بالنسبة إلى دول المنطقة؛ والمستوى العقائدي بالنسبة إلى الجماعات السلفية المسلحة، سواء التابعة منها لتنظيم القاعدة أو التي تدور في فلكها. فقد مثل ذلك الإعلان مفاجأة لم تكن متوقعة في مسلسل الصراع داخل سوريا، الذي تطور قبل أيام في اتجاه العراق، بحيث حول مركز الثقل من الأزمة السورية إلى «الدولة الإسلامية» التي أعلنت في بيانها رقم 1 نهاية عبارتي العراق والشام وإحلال مسمى «الدولة الإسلامية» محلهما، في تطور كبير يشير إلى سقوط منطق الحدود التي كانت قائمة منذ اتفاقية سايكس بيكو، التي رسمت فيها كل من فرنسا وبريطانيا الحدود العربية الموجودة اليوم، في إطار تقاسم تركة الإمبراطورية العثمانية. وبوضع «الدولة الإسلامية» نفسَها داخل هذا الإطار التاريخي تكون قد أعلنت الحرب سلفا على البلدان المجاورة، من منطلق عدم إيمانها بالحدود الوطنية المتفق عليها بين الدول، وهو ما يشكل تهديدا لعدد من البلدان المجاورة، مثل لبنان وفلسطين والكويت والأردن، وفق الخريطة «الرسمية» لتنظيم «داعش»، والتي نشرها قبل أشهر، باعتبارها المساحة الجغرافية لدولة الخلافة المنتظرة. وقد أعلن البيان التأسيسي أن الخلافة الإسلامية أصبحت هي الهدف الذي ستعمل من أجله «الدولة الإسلامية» الجديدة، الأمر الذي سيفتح المجال أمام أشكال من المبايعة لهذه الدولة في البلدان الإسلامية المختلفة، وفق ما أعلنه أبو محمد العدناني، المتحدث باسم «داعش»، في بيانه الأول. بيد أن المملكة العربية السعودية تمثل النقطة الأكثر بروزا في نطاق التحديات الجيو-استراتيجية المقبلة، وذلك بالنظر إلى عاملين اثنين: العامل الأول أن أجزاء من المنطقة الشمالية للمملكة كانت في الماضي محسوبة ضمن الإطار الجغرافي لمفهوم الشام في العصر العثماني، وهو المفهوم الذي تضع فيه دولة البغدادي نطاق تحركاتها؛ والعامل الثاني أن المملكة ظلت هي البلد الذي يمثل مفهوم «الدولة الإسلامية» في العصر الحديث، منذ سقوط الخلافة العثمانية، بما يعني أنها تحكم بالشريعة وتقيم الحدود. وهناك نقاط تشابه بين تجربة إنشاء المملكة في الثلاثينيات من القرن الماضي، وبين إنشاء «الدولة الإسلامية» اليوم، تتمثل في مسألتين: الأولى أن التجربتين معا قامتا بناء على حروب في المنطقة رفع فيها لواء الدولة الإسلامية، مع اختلاف التجربتين من حيث التعامل مع القبيلة في الأولى والدولة في الثانية؛ والثانية أنهما معا قامتا على أساس محاربة الشرك والبدعة وعبادة القبور، وفي البيان الأول ل«الدولة الإسلامية» إشارة إلى هذا الأمر، حيث ورد فيه: «وباتت أسوار الطواغيت مهدمة وراياتهم مكسرة... والمسلمون أعزة والكفار أذلة وأهل السنة سادة مكرمون وأهل البدعة خاسرة... وقد كسرت الصلبان وهدمت القبور». ومن الناحية العقائدية، يعتبر البيان أن إعلان «الدولة الإسلامية» يمثل «أهم تطور في الجهاد العالمي منذ 11 شتنبر»، مما يدرجها ضمن سياق التحولات الدولية التي انطلقت مع تنظيم القاعدة في بداية الألفية الثالثة. وهذا في حد ذاته يعد سحبا للبساط من تحت زعيم القاعدة أيمن الظواهري، الذي طالما دخل في نزاع مع تنظيم «داعش» منذ نشأته حول مشروعية الجهاد وتمثل فكر القاعدة؛ فبإعلان الدولة انتقلت هذه المشروعية إليها، وتمثل مبايعة جبهة النصرة لها -التابعة للقاعدة- تأكيدا لهذه المشروعية الجديدة. لكن هذا الاندماج يشكل تطورا خطيرا في منحنى الحركة الجهادية العالمية، قد يصل مداه إلى شمال إفريقيا وبلدان القرن الإفريقي والساحل، ذلك أن مسألة الخلافة تمثل لدى الجماعات السلفية المقاتلة هدفا مشتركا لنشاطاتها، وسوف تجد في «الدولة الإسلامية» الجديدة مركزا للاستقطاب في المرحلة القادمة، باعتبار أنها تمثل «الطائفة المنصورة» في أدبيات الفكر السلفي الجهادي؛ فمنذ سقوط دولة طالبان عام 2001، افتقدت الحركات الجهادية قبلة تتوجه إليها بالنصرة، علما بأن طالبان لم تعلن الخلافة بل كانت مجرد إمارة، مقتصرة على الحدود الأفغانية، ولم يكن لديها طموح أن تتوسع إلى خارج حدودها، كما أن الملا عمر لم يعلن نفسه خليفة للمسلمين -مثل البغدادي- بل فقط أميرا للمؤمنين، وتلك هي الضمانات التي اعترفت السعودية بها على أساسها. وقد أعلنت «الدولة الإسلامية» في بيانها أن إعلانها «سيكون عالميا، لأن الجماعات التابعة للقاعدة والجماعات الجهادية المستقلة سيتعين عليها الآن أن تختار».