وحدها الدراسات التي كشفت عن الوجه الآخر لهذه المخازن الجماعية، التي تعبر عن نموذج فريد واجهت به القبائل التي تقطن بقلب سوس الكبير، شح الموارد الطبيعية وقلة التساقطات وكذا موجات المجاعة التي كانت تجتاح المغرب في أزمنة سابقة، كما أن المخازن الجماعية كانت مأوى وحصونا آمنة يلجأ إليها أهل سوس عندما تضعف الدولة المركزية وتجتاح البلاد اضطرابات سياسية أو ما يصطلح عليه ب»زمن السيبة». المخازن الجماعية أو «إيكودار»، نموذج اقتصادي للعيش بأقل الموارد الطبيعية المتوفرة ونموج تاريخي للحفاظ على الموارد القليلة والتكيف مع التحولات المناخية والمجالية. في هذا التحقيق، نقف عند بعض الجوانب التي تم الكشف عنها على مدى أزيد من ثمانية عقود من البحث في هذا التراث الإنساني الذي لم يحظ بالاعتراف بعد. كشفت الدراسات الميدانية التي تم القيام بها في مجال المخازن الجماعية «إيكودار» عن وجود أزيد من ستمائة مخزن جماعي في مختلف مناطق المغرب، وتختلف أشكالها من منطقة إلى أخرى، إلا أن مناطق تركزها هي منطقة سوس على وجه الخصوص، والتي تحتضن أكبر عدد منها خاصة في إقليم اشتوكة آيت باها في المناطق الجبلية منها، وكذا الأطلس الصغير، فضلا عن وجود بعض المخازن من الحجم الكبير بمنطقة الأطلس المتوسط بمنطقة تيزي نسلي قبائل آيت عبدي بإقليمبني ملال، وهي المعروفة بمخازن «أوجكال» التي توجد في منطقة جبلية شديدة الوعورة، وهو الأب الأكبر للمخازن الجماعية، والملاحظ أن هذه المخازن توجد في المناطق التي تتميز بشح في الموارد الطبيعية. القط والثعبان من الرموز الثقافية التي ترتبط بهذه المخازن، أن القوانين التي تنظمها كانت تكتب على ألواح خشبية، وهي بمثابة قوانين عرفية كانت تنظم الاستفادة من هذه المخازن وكانت تصف الحقوق والواجبات وتقر لكل حق حقه، بدءا بواجب الأمناء أو «إنفلاس» إلى واجب القط الذي كان يوجد بالمخزن، والذي كانت مهمته متمثلة في حراسة المكان وتنقيته من الفئران والحشرات التي يمكن أن تفسد المكان، وكان لهذا القط نصيب يسمى «أغنجى وموش»، ويتم توثيق هذا النصيب في لوح من الألواح كاعتراف بحقه في الحياة وإقرار بدوره في الحفاظ على المكان، أما في الأطلس المتوسط الشرقي، فقد كان السكان يضعون الثعابين كحراس لهذه المخازن ضدا على اللصوص، حيث إن هذه الثعابين غالبا ما كانت من الأنواع السامة جدا، كما كان القائمون على هذه المخازن يحاولون إخفاء كافة المنافذ المؤدية إليها، باستعمال كل أساليب التمويه التي يمكن أن تمنع من الوصول إليها، خاصة أن سكان هذه المناطق كانوا أنصاف رحل، حيث كانوا يهاجرون خلال النصف الأول من السنة الذي يتزامن والشهور المطيرة ليعودوا أدراجهم في الشهور التي تتوقف فيها الأمطار وترتفع درجة الحرارة، حيث كانوا يعودون إلى مخازنهم من أجل الاستفادة منها وتجديدها، وفي فترات الغياب كانوا يلجؤون إلى أسلوب التمويه من أجل تفادي وصول اللصوص إليها. الاعتراف الدولي ` يرى خالد ألعوض، الباحث في مجال التراث، أن تراث «إيكودار» ظل لمدة تزيد عن عشرين سنة في منطقة الظل ولم يتم الالتفات إلى أهميته كتراث إنساني يوجد في قلب سوس الكبير، وكان عشاق التراث والمهتمون به هم من يتحدثون عن المخازن الجماعية في بعض البرامج الإذاعية والمقالات الصحفية من حين لآخر، وكانت خلال كل هذه المدة تجري عملية إقناع للجهات الوصية على التراث بأهمية هذا الإرث التاريخي الإنساني، وكانت هذه المحاولات تقف عند دق ناقوس الخطر من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذه المخازن الجماعية التي بدأت عوادي الزمان تذهب بكثير من معالمها، كما أن بعضها قد طاله النسيان وامتدت إليه أيدي المخربين من الباحثين عن الكنوز وغيرهم، إلا أن الهدف الذي يسعى إليه المهتمون هو الاعتراف الدولي بهذه المعالم كتراث إنساني مصنف من طرف اليونسكو. ورغم أن منطقة القبائل بشمال الجزائر تتضمن بعض هذه المخازن الجماعية، كما توجد بشكل أقل أهمية في تونس وموريتانيا، إلا أن أرقى الأشكال وأكثرها تنظيما توجد بالمغرب وتمتاز عنها بوجود ألواح بمثابة تشريعات وقوانين. مرحلة التثمين بعد مرحلة التحسيس التي امتدت لأزيد من عشرين سنة، تم المرور إلى مرحلة الترميم، والتثمين، مما طرح مشكلة في الطريقة التي سيتم بها ترميم هذه المعالم التاريخية، هل سيتم ترميمها بالطرق الحديثة مما قد يذهب بكثير من جماليتها وأصالتها، أم سيتم اللجوء إلى نفس المواد القديمة والمحلية؟ إلا أن مشكل وجود أشخاص متخصصين في هذا النوع من العمارة ظل من العقبات التي وقفت في وجه هذا الخيار، لينتهي الأمر بالتعاقد مع أحد مراكز الدراسات الذي قام بإنجاز دراسة حول طرق ترميم هذه المخازن وتم تطبيق ذلك بواحد من أشهر هذه المخازن وهو «أكادير إكونكا»، باعتباره أول مخزن تتم الكتابة عنه، ومنه انطلق الحديث عن هذه المخازن الجماعية عبر العالم. وهي الدراسة التي أنجزها الباحث الفرنسي «روبير مونطان» في العشرينيات من القرن الماضي، والتي تم نشرها في الجريدة الفرنسية هيسبريس خلال سنة 1928. في مقابل ذلك، يوجد مخزن «إينومار»، وهو أكبر مخزن جماعي على المستوى الوطني يتم اكتشافه لحدود اليوم، والذي يضم 303 غرف خزن، بعد أن تم الكشف في وقت سابق أنه يضم فقط 295 غرفة تخزين، ويوجد بدوار إيدوسكا بالجماعة القروية تسكدلت، والذي يحتاج، حسب الباحث المختص خالد ألعيوض، إلى إمكانيات كبرى من أجل الترميم، والمرشح أن يتم إيداع ملف ترميمه لدى منظمة اليونسكو باعتباره من أكبر هذه المخازن وأهمها، في إطار الاعتراف بهذه المخازن التي تشكل منظومة متكاملة في تدبير الموارد الطبيعية باعتبارها تراثا إنسانيا عالميا بأبعاده الأمازيغية المغربية. الأمانة أنثى من الظواهر الفريدة التي تتضمنها منظومة إيكودار وجود «امرأة» على رأس أمانة هذه المخازن، مما يؤشر حسب الباحثين على حضور المرأة في موقع المسؤولية الأكثر حساسية، حيث تم القبول بها في هذا المنصب مما ينزع سيطرة العقلية الذكورية على المجتمع المحلي بهذه المناطق ويجعلها منفتحة على ما أصبح يدعى في هذا الزمان بمقاربة النوع الاجتماعي والاهتمام بالمرأة، من خلال السماح لها بالولوج إلى العديد من مواقع المسؤولية. وحكاية هذه الأمينة أنها كانت تدير جميع تفاصيل هذه المخازن بالكفاءة المطلوبة ووفقا للأعراف والتقاليد المتبعة في هذا المجال، والأمر يتعلق بمخزن المسمى «أمان نتزارت» بمنطقة اغرم شرق مدينة تارودانت، حيث إن هذه السيدة هي أرملة للأمين الذي كان يرأس هذا المخزن، ووفاء لروح هذا الشخص احتفظت القبيلة بأرملته والتي كانت بدورها تملك خبرة كبيرة في إدارة هذا المخزن الجماعي. عبقرية جماعية تجسد المخازن الجماعية درجة عالية من العبقرية لدى السكان المحليين بهذه الجبال والمجالات شبه الجافة بمنطقة الأطلس الصغير الجنوبي، والتي أبدعت أساليب وممارسات يمكن أن يستلهم منها الباحثون اليوم بعض المبادئ بالنسبة للبرامج الإنمائية الحالية، بعيدا طبعا عن محاولة تكريس أي شكل من أشكال القدم المتجاوزة بحكم تطور البشرية ومستجدات العصر. فمن بين المظاهر الإيجابية التي كانت تتسم بها هذه الممارسات، يمكن الإشارة إلى حسن تدبير موارد المحيط الطبيعي المتميز بالقلة والحدة والهشاشة، وهكذا فقد تمكن السكان من تطويع سفوح الجبال ببناء المدرجات الزراعية التي تلعب دورا كبيرا في خزن مياه الأمطار على قلتها، وتسمح بممارسة بعض الزراعات والمغروسات. قطرة الماء في هذه المنظومة المتسمة بالشح والندرة، تحتل المياه مكانة متميزة باعتبارها الحياة وهو ما جعل السكان المحليين يحاولون حل هذه المعضلة المتمثلة في تخزين المياه لمدة طويلة، من خلال إبداع أساليب ري متنوعة تسمح بترشيد مياه السقي في بعض الأودية، الشيء الذي أفرز «واحات صغيرة» وسط فضاءات صخرية جرداء. وبالنسبة لمعضلة الماء الشروب الذي يصعب تأمينه دائما عن طريق حفر الآبار بفعل غياب الفرشة المائية بجبال الأطلس الصغير في كثير من الأحيان، فقد لجأ السكان إلى تصريف مياه الأمطار وخزنها في «المطفيات» التي نجد لها كثافة مرتفعة داخل أو قرب المخازن الجماعية، هذه «المطفيات» التي تمكن من خزن مياه الأمطار لما يقارب ثلاثة مواسم جافة متتالية وهي عبقرية خاصة ومحلية، كما أنه وبجوار المساجد التي يستعمل فيها الماء للوضوء، يتم توجيه هذه المياه عبر مجاري صغيرة من أجل سقي بعض الأشجار المثمرة كالتين وغيره واستغلالها في إضفاء جو من الحياة على هذه المناطق الجافة، حيث يتم استغلال كل قطرة من هذه المادة الناذرة أحسن استغلال. استغلال معقلن منظومة المخازن الجماعية تتضمن ثقافة خاصة تقوم على حرص السكان على تجنيب الاستغلال الجائر للغابة والمراعي، حيث وفقت المجموعات البشرية في وضع جدولة لاستغلال الغابة بما فيها غابة أركان، بتنظيم الرعي حسب الفصول وفرض فترات للراحة (أكدال) لتمكين الغطاء النباتي من التجدد، أما على مستوى التدبير اليومي لقضايا المخازن واستغلال الموارد المختلفة، فقد حصل توافق السكان على أعراف تسمح بممارسة جماعية للأحكام قصد تأمين الأمن الغذائي والاقتصادي والاجتماعي على صعيد المجموعة البشرية. هندسة وقيم المخازن الجماعية كشفت أيضا أن السكان المحليين كانوا يتوفرون على منظومة من القيم والأساليب المتقدمة في طريقة خزن المؤن والأغذية وإتقان فنون الهندسة المعمارية، خصوصا الهندسة الترابية والصخرية، حيث إن هذه المنظومة ما كان لها لتستمر وتقاوم عوادي الزمان والإنسان لولا توفر مجموعة من القيم المتمثلة في التضامن والعمل الجماعي والثقة والشفافية وحسن التدبير، ولا شك أن توفر نسيج من المدارس العتيقة وعدد من الفقهاء والعلماء ساهم بقسط كبير في الحركة العلمية بهذه المنطقة وفي إشاعة الثقافة الدينية وتقاليد الكتابة والتأليف والنسخ في عدد من مراكز وقرى هذه الجبال، الشيء الذي يشكل مصدر إغناء لهذه المجالات النائية التي كان يعتبر سكانها مسألة التعليم في المدارس العتيقة شأنا محليا ضروريا تتحمل فيه الجماعات مسؤوليتها من خلال نظام «المشارطة». نموذج ملهم التأمل بعمق في أساليب الاستغلال المتبصر للموارد الطبيعية التي كانت رائجة في الماضي، والتي مكنت من خلق الواحات في الصحاري وإعداد المدرجات الزراعية بالجبال وإنشاء «القصور» والقصبات والقرى المتوازنة والحفاظ على التنوع الطبيعي والبيولوجي وصيانة الفرشة المائية، وهو نموذج لحضارة زراعية متقدمة تقرب اليوم، حسب الباحثين، من مفهوم التنمية المستدامة التي تنبني على مبادئ التدبير المستدام للثروات والمحافظة على البيئة وتأمين الرفاه الاقتصادي والاجتماعي لمعظم السكان. أما عن الممارسة الجماعية للأحكام داخل منظومة «إيكودار»، فهي تحيل جزئيا على بعض المفاهيم الحديثة كالحكامة الجيدة والمقاربة التشاركية والشفافية في التسيير وسياسة القرب. كما أنه وفي ميدان الهندسة المعمارية الترابية والصخرية، والتي يجب إعادة الاعتبار إليها اليوم، بحكم توظيفها لمواد محلية وذات جمالية وانسجام مع المحيط الطبيعي والمناخي، وغير مكلفة على مستوى الاستهلاك الطاقي، شريطة اعتبار، بالطبع، معايير وشروط السلامة عند البناء. حسن بن حليمة*: «إيكودار» تجربة إنسانية فريدة لحل معضلة الهشاشة الطبيعية والبشرية إيكودار نموذج لتدبير الندرة، إلى أي حد يمكن استلهام هذا التراث في البرامج الاقتصادية الحالية إن أهمية هذه المنظومة تكمن في كونها تشكل تجربة إنسانية فريدة من نوعها ارتبطت نشأتها بمجالات جبلية أطلسية ومناطق جنوبية شبه جافة. وقد كان قاسمها المشترك هو ضعف الثروات وقساوة الظروف الطبيعية، في ظل تقلبات مناخية مطبوعة بتواتر سنوات الجفاف والقحط واحتدام الصراع بين المجموعات البشرية على المجال الزراعي والرعوي والماء والموارد الغذائية المحدودة. وعليه، فإن السكان المحليين أبدعوا أجوبة ثقافية مميزة لحل معضلة الهشاشة الطبيعية والبشرية. هذا ويشكل «أكادير»، «المخزن» المحصن والمنيع رمزا لاقتصاد الندرة ومكانا لتأمين الأقوات والأرواح، كما يمثل مؤسسة اجتماعية كانت تخضع لتدبير دقيق تحكمه أعراف ومواثيق (الألواح) تحت إشراف مجالس تدبير (إنفلاس) يوكل إليها تطبيق الأعراف بما يكرس واجبات وحقوق الأفراد وضمان تلاحم الجماعة والعيش الكريم لأعضائها. وتبعا لذلك، لابد من الإقرار بأنه عندما يتم تدبر التراث الجهوي والوطني بذكاء وروية وقراءته بحس نقدي، خصوصا عندما يتعلق الأمر بأساليب الحفاظ على البيئة، فإنه قد يشكل قاعدة صلبة للحداثة المرجوة ومرجعا لتطوير التجارب الإنمائية المعاصرة انطلاقا من ذواتنا وحضارتنا وواقعنا الجغرافي وتراكم تجاربنا البشرية، ولكن بدون انغلاق أو سقوط في الانبهار اللامحدود . - من خلال اليوم الدراسي الذي عقد بمقر عمالة اشتوكة آيت باها، يبدو أن وزارة الثقافة لا زالت تتلكأ في دعم مشروع التعريف بإيكودار كتراث وطني وعالمي؟ بطبيعة الحال فإن حضور ممثل مركزي عن الوزارة الوصية يبقى دائما شيئا إيجابيا، لأن هذا الحضور سيمكن من الوقوف على مستوى التعبئة التي تعرفها قضايا إعادة الاعتبار للتراث بجهة سوس ماسة درعة عموما، ومسألة منظومة إيكودار على وجه التحديد، بحكم استقطاب هذه التظاهرة لكل الفرقاء المعنيين بصيانة واستثمار المخازن الجماعية، وهنا لابد من التنويه بالمقاربة المنهجية للمديرية الجهوية للثقافة بأكادير وكافة أطرها في شأن المحافظة واستثمار المخازن الجماعية، وكذا بعمل مركز صيانة وتوظيف التراث المعماري بمناطق الأطلس والجنوب والذي راكم تجربة فريدة في ميدان إعادة الاعتبار لها بفضل حنكة أطره. أما عن دعم الوزارة لمشروع التعريف بإيكودار كتراث وطني وعالمي، فالمسؤولية ملقاة اليوم على كل الفرقاء انطلاقا من المستوى المحلي والجهوي إلى المستوى الوطني، علما بأن السيد الكاتب العام أعلن وفي إطار الاستراتيجية التراث في أفق سنة 2020 عن النية في العناية بهذه المخازن. ومعظم المباني التاريخية والمواقع والمناطق المرتبة في تعداد الآثار بجهة سوس ماسة درعة، تم ترتيبها في فترة الحماية، خصوصا بين سنة 1922 وسنة 1955، أي قرابة 15 معلمة تاريخية وطبيعية من مجموع 20 معلمة، الشيء الذي يدعونا اليوم إلى المزيد من التعبئة من أجل جرد وترتيب المعالم الكثيرة المتبقية التي تزخر بها الجهة، وذلك في إطار شراكة بين الوزارة الوصية وجامعة ابن زهر والمديرية الجهوية للثقافة والمعهد العالي للأركيولوجيا والتراث وجمعية سوس ماسة درعة للتنمية الثقافية والسلطات العمومية والهيئات المنتخبة، وعلى رأسها المجلس الجهوي. - سجل بعض ممثلي وزارة السياحة امتعاضهم من عدم إشراكهم في الإعداد لهذا اليوم الدراسي، الخاص بالمخازن الجماعية، ما حقيقة ذلك؟ أولا يجب الإقرار بأن قطاع السياحة يعد طرفا أساسيا في كل عملية من عمليات النهوض بالتراث في بلدنا، لأن الثقافة اليوم هي زاد ومحور السياسات السياحية في العديد من البلدان السياحية المنافسة للمغرب كمثال تركيا وإسبانيا وباقي البلدان المتوسطية. فجاذبية المغرب لا تكمن فقط في مشاهده الطبيعية الجبلية والصحراوية والشاطئية، بل تتمثل قبل كل شيء في ثرواته البشرية وتجذره التاريخي وعمقه الحضاري وتنوعه الثقافي وأصالة شعبه الطيب والمضياف والكريم، والدليل على ذلك هو أن إستراتيجية السياحة في أفق سنة 2010 اهتمت بالسياحة القروية كسياحة ذات خلفية ثقافية لما لها من أهمية في جذب الزوار. كما أن إستراتجية السياحية لسنة 2020 جعلت من الثقافة الدعامة الثانية للسياحة بجانب سياحة الاستجمام البحري. وفي هذا الصدد، فقد تمت دعوة وزير السياحة من أجل رئاسة حفل افتتاح اليوم الدراسي بجانب وزير الثقافة، كما أن المجلس الإقليمي للسياحة بشتوكة أيت باها كان شريكا في عملية التحضير المادي لهذه التظاهرة، على أن إشراك المندوبية الجهوية للسياحة، يبقى شيئا مشروعا، خصوصا في ما يتعلق بتقديم التنزيل الجهوي لشق السياحة الثقافية من خلال العقد البرنامج الذي صودق عليه رسميا، ولكن غزارة المادة العلمية وخطة الإنقاذ المقدمة ضمن برنامج العمل المشترك للحفاظ على منظومة إيكودار، والتي شكلت محور هذا اللقاء حالت دون ذلك. هذا وقد وضعت جمعيتنا مشروع ورقة عمل لندوة علمية حول موضوع «السياحة والثقافة أي إستراتيجية ؟» والتي ستكون المندوبية الجهوية للسياحة بأكادير والهيئات المهنية السياحية المعنية حاضرة فيها بقوة. - لوحظ خلال اليوم الدراسي الدعم الكبير الذي حظي به موضوع المخازن الجماعية، لكن لم يتم الإعلان عن خطة عمل واضحة من أجل بلورة التوصيات التي تمخض عنها اللقاء. أود أن أشير في البداية إلى أن هذه التظاهرة تعد هي الأولى من نوعها التي تجمع مختلف الفاعلين المعنيين بشأن إيكودار، إذ لم تكن المناسبة أكاديمية محضة كما هو الشأن بالنسبة لمختلف الندوات التي احتضنتها الجامعات المغربية والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية أو الجمعيات الثقافية بالوطن، بل شكل هذا اليوم الدراسي أول ملتقى وطني لمختلف الفعاليات المعنية بتراث المخازن الجماعية، من جهات رسمية وصية وسلطات عمومية وهيئات منتخبة وباحثين وجمعيات، وقد سبق تنظيم هذا اليوم الدراسي عقد سلسلة من الاجتماعات التقنية والمشاورات مع رؤساء الجماعات المحلية بإقليم اشتوكة أيت باها والمعنية بتراث إيكودار قصد تحسيسهم بأهمية الانخراط في مشروع المحافظة والتنمية، كما أن مركز صيانة وتوظيف التراث والقصبات بالجنوب والأطلس بورزازات، قام بعمل جبار ومؤسس في هذا المضمار بجانب المديرية الجهوية للثقافة بأكادير وعمالة إقليم شتوكة أيت باها وجهة سوس ماسة درعة، التي رصدت منذ سنة 2009 ميزانية للبدء في ترميم بعض المخازن الجماعية المتدهورة. وعليه فقد استثمر هذا اليوم لتقديم نتائج وخلاصات الدراسات العلمية التي تمت في هذا الشأن بهدف التعريف بهذه المعالم والتحسيس بأهميتها وتثمينها، كما تم تقديم الإطار العام لمخطط التدبير ومراحل الإعداد، وكل هذا يدخل في باب خطة العمل المهيكلة، والتي تشكل تتويجا لمسلسل طويل من التحريات الميدانية ومحاولات ملاءمة المفاهيم مع الواقع التاريخي والثقافي والاجتماعي والجغرافي المحلي المحيط بظاهرة إيكودار. وبطبيعة الحال، فإن جمعية سوس ماسة درعة للتنمية الثقافية ستعمل على استثمار كل هذا الرصيد من المعطيات والتوصيات التي تمخضت عنها أوراش العمل من أجل توفير دفتر مرجعي للحفاظ على منظومة إيكودار وتثمينها، بتعاون وشراكة مع مختلف الفرقاء بدءا بالوزارة الوصية والسلطات العمومية والمديرية الجهوية للثقافة ومجلس جهة سوس ماسة درعة وجامعة ابن زهر ومركز CERKAS بورزازات وفعاليات المجتمع المدني والمندوبية الجهوية للسياحة، علما بأن الهدف الأسمى هو إدراج إيكودار ضمن التراث الوطني في أفق الاعتراف به كمنظومة متكاملة ضمن مشهد ثقافي مميز يحظى بتصنيف منظمة اليونسكو على لائحة التراث العالمي. * رئيس جمعية سوس ماسة درعة للتنمية الثقافية