هل قدر فاس، والجماعات القروية المحيطة أن تبقى لفترة غير محددة بدون تصميم تهيئة، بعدما انتهى العمل بتصميم سابق منذ سنة 2008؟ هذا السؤال تلوكه ألسن عدد من المتتبعين للشأن المحلي بالجهة، بعدما رفضت الوكالة الحضرية للمدينة، والتي تتبع لوزارة الإسكان والتعمير وسياسة المدينة، التأشير على مشروع ثاني لتصميم تهيئة المدينة، أسابيع قليلة عن رفض الأمانة العامة للحكومة المصادقة على مشروع أول بسبب ملاحظات وصفت بالوجيهة. المصادر التي تحدثت ل»المساء» حول هذا الملف قالت إن «حرب الحدود» التي اندلعت منذ سنوات بين المجلس الجماعي لمدينة فاس والتي يسيرها حزب الاستقلال، وبين الجماعة القروية أولاد الطيب، والتي يدبر حزب الأصالة والمعاصرة شؤونها، تقف وراء مسلسل الإطاحة بمشروع تصميم التهيئة، في صيغته الأولى وصيغته الثانية «المنقحة» التي واجهت تعرضات عديدة بعضها أبدتها وداديات سكنية ترغب في إحداث تجزئات سكنية في منطقة عين الشقف، بضاحية فاس. فقد عمدت هذه الجماعة القروية والتي يترأسها رشيد الفايق، أحد أعيان حزب «الجرار» بالجهة، إلى تسجيل معارضتها لمشروع التصميم الذي لم يأخذ بعين الاعتبار حدودها «التاريخية»، والتي تعتمد على التقسيم الترابي الذي يرجع إلى سنة 1998، فيما اعتمد المجلس الجماعي لفاس والذي يترأسه حميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال، على التقسيم الانتخابي الأخير لسنة 2009، في محاولة ل»إعادة ترسيم الحدود» و»التوسع» نحو الضواحي بعد «انسداد» للعقار في مختلف أنحاء المدينة. واعتبرت جماعة أولاد الطيب بأن هذه المحاولة ترمي إلى «الإجهاز» على وعائها العقاري، في منطقة استراتيجية تعد من المداخيل الرئيسية للمدينة، من جهة المطار الدولي. ونشبت بين الفريقين حروب كلامية وإعلامية وسياسية وقضائية، انتهت في جزء منها بتوقيف أشغال عدة شركات من قبل جماعة أولاد الطيب حصلت على تراخيص البناء من قبل المجلس الجماعي لفاس. وكانت من أبرز محطات الصراع بين الفريقين، دخول مستشارين في جماعة أولاد الطيب في احتجاجات على الطريق الرئيسية الرابطة بين فاس وإيفران لتوقيف أشغال عمومية لتوسيع الطريق، بسبب «تبني» المجلس الجماعي لفاس لهذه الأشغال عبر لوحات «إشهارية»، في جزء تعتبره الجماعة القروية ضمن نفوذها الترابي. ودفعت هذه الاحتجاجات السلطات المحلية إلى توقيف مؤقت للأشغال، مع تحويل «التبني» لوزارة النقل والتجهيز، بتنسيق مع مجلس الجهة. وعلاوة على «حرب الحدود» بين حزب الاستقلال وحزب الأصالة والمعاصرة، كان حزب العدالة والتنمية قد وجه انتقادات لاذعة لمشروع تصميم التهيئة في نسخته الأولى التي أطاحت بها الأمانة العامة للحكومة دون سابق إنذار، وأعادت المشروع إلى نقطة الصفر، قبل أن يواجه المصير نفسه. وهدد قياديون محليون في حزب العدالة والتنمية، ذات ندوة صحفية، عقدت للتعبير عن رفض المشروع بالنزول إلى الشارع لمناهضته. وأعابوا عليه اعتماد مقاربة لشرعنة جملة من التراخيص التي منحت سابقا في إطار ما يعرف بالاستثناء، كما انتقدوا إجهاز المشروع على ما تبقى من المناطق الخضراء بالمدينة، وقضائه على التعاونيات الفلاحية، وتحويل المتنفسات في وسط العاصمة العلمية، وضواحيها إلى بنايات إسمنتية، إلى حد أن المواطنين لا يجدون الفرصة لاستنشاق هواء نقي إلا بالانتقال إلى منتجعات مجاورة أصبحت بدورها مهددة بالتجزئات السكنية المنتشرة أشغالها هنا وهناك بسبب زحف المنعشين العقاريين على جل المناطق الخضراء. ووسط صراع الأحزاب السياسية حول المشروع، دخلت ما يقرب من 40 جمعية، حينها على الخط، وعبرت، في مذكرة لها، سبق ل»المساء» أن نشرت أهم مضامينها عن رفضها لمشروع تصميم التهيئة. وتحدثت بعض الفعاليات المحلية عن أخطار محدقة بالسكان، بعدما تم الترخيص بالبناء في مناطق من المفترض أن يمنع فيها، خاصة في منطقة «المرجة» ذات الفرشة المائية القريبة جدا. وقالت هذه الفعاليات إن هذه التراخيص يمكن أن تؤدي لاحقا إلى كوارث إنسانية بسبب انهيارات محتملة. واكتفى مسؤولون، في المندوبية الجهوية للإسكان حينها، بوصف الملاحظات والانتقادات ب»الشائعات»، لكن هذه «الشائعات» كانت هي السبب الرئيس التي دفعت السلطات المركزية إلى «الطعن» في المشروع، وإعادته إلى نقطة الصفر، بغرض المراجعة، قبل أن يظهر أن المراجعة المنجزة لم تأخذ بعين الاعتبار الملاحظات الجوهرية نفسها التي تم التعبير عنها من قبل المعارضين.