موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    موتسيبي: كأس أمم إفريقيا للسيدات المغرب 2024 ستكون الأفضل والأنجح على الإطلاق    الصويرة تستضيف اليوم الوطني السادس لفائدة النزيلات    ضمنهم موظفين.. اعتقال 22 شخصاً متورطين في شبكة تزوير وثائق تعشير سيارات مسروقة    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    طقس حار من السبت إلى الاثنين وهبات رياح قوية مع تطاير الغبار الأحد بعدد من مناطق المغرب        صادرات الصناعة التقليدية تتجاوز 922 مليون درهم وأمريكا تزيح أوروبا من الصدارة    الرئيس الصيني يضع المغرب على قائمة الشركاء الاستراتيجيين    افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط    وهبي: أزماتُ المحاماة تقوّي المهنة    خبراء: التعاون الأمني المغربي الإسباني يصد التهديد الإرهابي بضفتي المتوسط    الإكوادور تغلق "ممثلية البوليساريو".. وتطالب الانفصاليين بمغادرة البلاد    المغرب التطواني يُخصص منحة مالية للاعبيه للفوز على اتحاد طنجة    حكيمي لن يغادر حديقة الأمراء    المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    ابن يحيى تشارك في افتتاح أشغال المنتدى البرلماني السنوي الأول للمساواة والمناصفة    بوريطة: المقاربة الملكية لحقوق الإنسان أطرت الأوراش الإصلاحية والمبادرات الرائدة التي باشرها المغرب في هذا المجال    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها    مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"        "أطاك": اعتقال مناهضي التطبيع يجسد خنقا لحرية التعبير وتضييقا للأصوات المعارضة    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    هذا ما قررته المحكمة في قضية رئيس جهة الشرق بعيوي    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    فاطمة الزهراء العروسي تكشف ل"القناة" تفاصيل عودتها للتمثيل    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    قانون حماية التراث الثقافي المغربي يواجه محاولات الاستيلاء وتشويه المعالم    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    ما صفات المترجِم الناجح؟    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    المجر "تتحدى" مذكرة توقيف نتانياهو    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    مفتش شرطة بمكناس يستخدم سلاحه بشكل احترازي لتوقيف جانح    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    العربي القطري يستهدف ضم حكيم زياش في الانتقالات الشتوية    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء        تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما أرسل الحسن الثاني وفدا إلى جنيف لإنكار وجود «تازمامارت»
هكذا أحرج خبراء مصريون ويابانيون وفد المغرب بخصوص المعتقل الرهيب
نشر في المساء يوم 20 - 06 - 2014

لسنين طويلة حاول المغرب توجيه أنظار العالم عن تقارير حقوقية وكتابات صحفية، كانت تظهر بين الفينة والأخرى، خاصة في فرنسا في أواخر فترة الثمانينيات وتشير بأصابع الاتهام إلى المملكة، وإلى وجود معتقلات سرية، حيث زنازين من موت أعدت للمغضوب عليهم.
وفي سنة 1990، قرر الحسن الثاني إرسال وفد مغربي إلى جلسة الأمم المتحدة الخاصة بحقوق الإنسان، بعدما اشتدت الضغوط الدولية، وبدأ العتاب يأتي حتى من رؤساء دول كانت لا تولي بالا للتقارير التي توضع فوق مكاتبها عن انتهاكات حقوق الإنسان في المغرب، وعن المعتقلات السرية، وعن معتقل سري اسمه «تازمامارت»، حيث العذاب والمرارة والألم.
ولسنوات ظلت الولايات المتحدة الأمريكية مثلا تنأى بنفسها عن اعتماد تقارير المنظمات الدولية حول حقوق الإنسان في المغرب، في علاقتها بنظام الملك الراحل الحسن الثاني، غير أن نهاية فترة الثمانينيات وبداية سنة 1990، اضطرت الإدارة الأمريكية إلى الإنصات إلى أصوات الغاضبين من أمريكيين، أوربيين ومغاربة، خاصة ممن انتظروا الموت سنوات في إحدى زنازين المعتقلات السرية بالمغرب.
حتى في فرنسا اضطر اليسار الاشتراكي إلى الرضوخ للضغوط الرهيبة من لجنة مناهضة القمع في المغرب، ومن كريستين السرفاتي، ومن عشرات المغاربة الذين مروا بالزنازين، إضافة إلى المناضلين الفرنسيين في مجال حقوق الإنسان، وخاطر اليسار الفرنسي بمصالحه مع المغرب، وأرسل الرئيس الفرنسي آنذاك «ميتيرو» للحسن الثاني من يقول له «جلالتكم، لديكم مشكلة تتعلق بحقوق الإنسان»، متمنين إطلاق سراح سجناء في معتقل سري تتحدث عنه تقارير المنظمات الحقوقية وبعض وسائل الإعلام يسمى «تازمامارت».
خلال إعداد هدا الملف رجعت «المساء» إلى أرشيف بعض المنظمات الحقوقية الأمريكية والعالمية التي تعنى بأرشفة تطور حقوق الإنسان في المغرب، إضافة إلى مناضلين مغاربة عاشوا المرحلة عن قرب، ومنهم من كان فاعلا في الملف الحقوقي المغربي.
وقد شكلت سنة 1990 مرحلة فاصلة في تاريخ المغربي الحقوقي، فبعد أن ظلت أخبار المغرب بعيدة عن اهتمامات المنظمات الدويلة والإعلام الدولي، سرعان ما تحول المغرب إلى موضوع يتصدر صفحات الصحف والمجلات الدولية.
وتكشف إحدى وثائق الأرشيف لمنظمة العفو الدولية، أن أخبار حقوق الإنسان في المغرب كانت تحتاج شهورا كي تصل إلى الرأي العام الدولي، وإلى القارئ العادي في بلدان، كأمريكا وبريطانيا، ليتحول المغرب في سنة 1990 إلى مركز اهتمام المنظمات الحقوقية والصحف الدولية، وأصبح وجود معتقلات سرية في المغرب حديث العامة، بعد أن ظل يتداوله السياسيون في جلساتهم الخاصة.
وعندما انتقل الوفد المغربي الذي كلف بالدفاع عن صورة المملكة ومناقشة تقرير الحكومة لحقوق الإنسان، وشد الرحال ذات صبيحة من سنة 1990، إلى جنيف» للدفاع عن صورة المملكة الحقوقية، تفاجأ بحضور مناضلين مغاربة سبق لهم أن اعتقلوا وعذبوا على أيادي بعض أعضاء الوفد الحاضر نفسه.
وتنقل إحدى الوثائق التي اطلعت عليها «المساء» أن اللجنة الأممية عرضت على الوفد المغربي شهادة قادمة من غياهب «تازمامارت» لحارس في المعتقل يقول» أفتح الزنزانة الأولى، فأجدها فارغة إلا من نقالة لحمل الموتى، وشعلة كبيرة، عندما أفتح الزنزانة الثانية أجدها بدورها فارغة، عندما تفتح الثالثة يتجمد الدم في عروقك لهول المنظر الماثل أمامك، جثة بشرية معلقة على سطح إسمنتي صلب، هيكل عظمي بشري بلحية كثيفة تتدلى على صدره، شعر طويل ومتسخ يجعله يشبه إنسان العصر الحجري، أظافر طويلة تبدو كمخالب ثعبان».
أنكر الوفد وجود معتقل «تازمامارت»، ليطلب أن تغادر كاميرات التلفزة الفرنسية الجلسة، وعندما بدا أن الجلسة تنحو نحو منحى مغاير لما كان يأمله أعضاء الوفد المغربي، تعلل أن التعليمات العليا تقتضي عدم الحديث في هذا الأمر.
في هذا الملف تعود «المساء» إلى ما اختزنته ذاكرة الأرشيفات الأجنبية عن بداية الضغط الدولي على المغرب في ملف حقوق الإنسان، كما تعيد النبش في الكواليس التي ميزت رحلة الوفد المغربي في سنتي 1990 و 1991، بناء على شهادات مناضلين ودبلوماسيين مغاربة وأجانب.
كيف تحفظ الوفد المغربي في جنيف عن الحديث عن «تازمامارات» بسبب التعليمات
شهادات حية لمعتقلين سابقين أخرست المغرب
كانت سنة 1990، سنة فاصلة في مسار حقوق الإنسان بالمغرب، فقد كانت السنة التي شهدت موعدا للمغرب أمام لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، وحسب مسؤولين سابقين» رغب الحسن الثاني في خوض غمار الملف الحقوقي أمام الرأي العام الدولي، فبعد تخلفه لأربع مرات، كان على المغرب المثول أمام لجنة حقوق الإنسان الأممية.
وقد كان المغرب قد تأخر لأربع سنوات عن تقديم تقرير لحقوق الإنسان، وحضور جلسة لمناقشة التقرير مع لجنة تتكون من خبراء حقوق الإنسان، مختصين في الحقوق والقانون الدولي، قبل أن يتهرب الوفد من الأسئلة الموجهة إليه بدعوى التعليمات.
ولم تكن هي المرة الأولى التي قدم فيها المغرب تقاريره إلى الهيئة الدولية، بل سبقتها سنة 1981،
حيث تعرض المغرب لوابل من الانتقادات بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، واستمرار الاختطاف والتعذيب في السجون المغربية.
غير أن سنة 1990، كانت مختلفة، إذ سيتعرض الوفد المغربي لإحراج كبير لم يسبق أن تعرض له من قبل، بسبب بداية الحديث عن معتقل «تازمامارت» لدى المنظمات الحقوقية الدولية، كما عرفت السنة حملة غير مسبوقة قادتها المنظمات الدولية وعلى رأسها «أمنستي انترناسيونال» ضد المغرب بسبب المعتقلات السرية لدى مجموعة من الدول الغربية القوية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا، من أجل دفع هذه الدول إلى ممارسة المزيد من الضغط على السلطات المغربية، للسماح بزيارات للمنظمات الحقوقية، والكشف عن مصير الآلاف من المختفين في السجون من معارضي الحسن الثاني.
فعندما قدم المغرب تقريره رسميا إلى اللجنة الأممية شهورا قبل انعقاد الجلسة، كان التقرير المغربي يشير إلى أن الدولة حققت تقدما في مجال تحسين حقوق الإنسان، سواء على مستوى التشريعات آو على مستوى التطبيق والممارسة.
من جهة أخرى كانت التقارير الدولية لدى أعضاء اللجنة الأممية تعكس صورة مغايرة للصورة الوردية للوضع الحقوقي في المغرب التي قدمها تقرير الدولة الرسمي.
كما أن أعضاء الوفد المغربي قدموا عرضا أمام اللجنة استعرضوا فيه مستجدات ملف حقوق الإنسان في المغرب، ومبادرات الدولة لتحسين هذه الحقوق، وتكشف إحدى الوثائق الأمريكية التي وثقت للجلسة، أن أعضاء اللجنة الأممية كانوا يطرحون أسئلة لبقة ودبلوماسية في مجملها، ويضيف التقرير أن الوفد المغربي تشبث بإنكار وجود معتقلات سرية، مرددا أن «تازمامارت» ما هو إلا اختراع إعلامي لمعاداة المغرب، بدأت الأسئلة تأخذ منحى تصعيدينا، من خبراء اللجنة التي تكونت من مصريين ويابانيين، وبريطانيين، عجز معه أعضاء الوفد المغربي عن تقديم إجابات وتسبب الأمر في إحراج كبير.
كما استعان أعضاء اللجنة بتقرير مفصل أعده خبراء القانون بالجامعة الدولية للقانون بولاية «نيويورك» الأمريكية، عن حقوق الإنسان في المغرب، فعجز الوفد المغربي عن توفير ما يكفي من الأجوبة للجنة الأممية لتحرير تقرير شامل عن ذلك.
ظل الوفد المغربي أكثر من ساعتين عاجزا أمام أسئلة متعددة تتعلق ب»معتقل تازمامارت»، استمرار التعذيب، مصير الآلاف من المعارضين، وغيرها من المواضيع التي كانت تشكل طابو في المغرب، وحتى المسؤولين وعلى رأسهم أعضاء الوفد المغربي لم يكن مخول لهم الحديث عن «تازمامارت» دون تعليمات.
وتكشف بعض مصادر «المساء» أن الجلسة الأممية بقدر ما أحرجت الوفد المغربي، الذي لم يتوقع موقفا مماثلا، وجد نفسه عاجزا عن توفير إجابات شافية، فقررت أن تمنح الوفد المغربي مهلة سنة، على أن تكون الجلسة القادمة في السنة المقبلة، أي 1991.
تشير مصادر «المساء» إلى أن أعضاء الوفد المغربي رفضوا الاستمرار في الحديث عن «تازمامارت» وذلك بسبب انتظار التعليمات.
الوفد المغربي يطالب بإبعاد كاميرات التلفزيون الفرنسي
في الجلسة التي عقدت في سنة 1990، عجز أعضاء الوفد المغربي على توفير إجابات كافية لأسئلة خبراء اللجنة الأممية، التي حاصر أعضاؤها الوفد المغربي بأسئلة محرجة حول مواضيع كانت تشكل طابو في المغرب، ويمنع الحديث عنها وفي مقدمتها المعتقلات السرية.
فقد بدا أعضاء الوفد المغربي متلعثمين في جل أوقات الجلسة، بعد مفاجأتهم بالمعلومات التي يتوفر عليها خبراء اللجنة. إذ تبين جهلهم الكبير بتطور عمل المنظمات الحقوقية الدولية، حسب ما كشفت عنه بعض المصادر ل»المساء»، لذلك قررت اللجنة الأممية ضرب موعد آخر، حدد في السنة الموالية، للعودة إلى المكان نفسه والإجابة عن تساؤلات الخبراء، والرد على تقارير المنظمات الدولية التي بدأت بوضع المغرب نصب أعينها بعد ورود تقارير محلية بتنامي التعذيب والاختطاف.
وكان المغرب تحت رحمة الانتقادات، وحتى قراره بدعم قوات التحالف الغربي في الخليج لم ينفعه من أجل تجنب الضغوط الدولية فيما يخص حقوق الإنسان.
وهكذا عاد الوفد المغربي يجر أذيال الخيبة الحقوقية، في الوقت الذي كثفت فيه المنظمات الحقوقية من أنشطتها، ونوعت أساليب اختراقها للتعتيم الأمني الذي ضربته السلطات المغربية على المعتقلات السرية.
وفي سنة 1991، حل الموعد من جديد، فأرسل المغرب وفدا جديدا، سافر إلى جنيف وسط حملة إعلامية دولية كبيرة، فقد شاع الخبر أن الوفد المغربي قادم للرد بقوة على اتهامات المنظمات الدولية بخصوص خروقات حقوق الإنسان في المغرب، ووجود معتقلات سرية يرمى فيها معارضو الحسن الثاني.
عقدت الجلسة من جديد في شهر يوليوز، وسبقتها حملة إعلامية واسعة في الصحافة الدولية، وكان الإعلام الفرنسي أكثر اهتماما بمتابعة الملف، حيث نشرت صحف فرنسية، كما اطلعت على ذلك «المساء» تقارير تبشر الرأي العالم الفرنسي والدولي بأن المغرب سيرسل وفدا إلى جلسة لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، لكن هذه المرة لتقديم توضيحات ظلت عالقة من السنة الماضية بخصوص اتهامات منظمات دولية للمغرب بانتهاكات حقوق الإنسان ومعتقلات سرية، من بينها ما بدأ الإعلام الغربي يتحدث عنه آنذاك أي «تازمامارت».
وقد تزامنت الجلسة مع بداية اهتمام الإدارة الأمريكية بملف حقوق الإنسان في المغرب، تحت ضغوط «أمنيستي انترناسيونال»، كما تزامنت مع حملة دولية قادتها «المنظمة» ضد المغرب.
في اليوم المحدد للجلسة، غصت القاعة بالصحافيين ومختلف وسائل الإعلام الدولية، لكن أبرز من حضر كانت بعض القنوات الفرنسية، وتكشف مصادر «المساء» أن غالبية الإعلام الحاضر كان فرنسيا، وهو أمر طبيعي بالنظر لعلاقات الحسن الثاني برؤساء فرنسا، والضغوط التي كانت المعارضة الفرنسية تمارسها على الرئيس الفرنسي واتهامه بالتستر على انتهاكات المغرب الحقوقية، إضافة إلى الحملة التي كانت تقودها كريستين السرفاتي للتعريف بقضية المعتقلين في السجون المغربية.
لكن ما إن دخل الوفد المغربي، حتى بدا الارتباك واضحا على وجوه أعضائه، حضور الصحافة لم يكن متوقعا، فطالب المغاربة من رئيس الجلسة بأن تكون مغلقة، وبمغادرة الصحافيين وخاصة الكاميرات، مبررين ذلك بأنه لا يمكن مناقشة ملف حقوق الإنسان في المغرب أمام الكاميرات، بعد أخد ورد غادرت الكاميرات الفرنسية قاعة الجلسة كما تروي بعض المصادر ل»المساء»، فبدأت الجلسة من جديد بأسئلة محرجة للوفد.
شهادة من حارس في المعتقل تلجم أفواه أعضاء الوفد
على خلاف الجلسة السابقة في سنة 1990، فقد بدأت الأسئلة المحرجة تتساقط على أعضاء الوفد الذي تشبث بأجوبة معدة سلفا.
تعرض الوفد المغربي للإحراج بعد أن تواجد ضمن الحاضرين معارضون، منهم من سبق أن اقتيد إلى الاعتقال السري وخضع للتعذيب والاستنطاق، بعد أن سهلت لهم ذلك منظمات حقوقية.
كانت اللازمة المغربية التي تتردد على لسان كل عضو في الوفد، هي أن الإعلام الدولي يقود حملة ضد المغرب، ويفبرك أمورا لا صلة لها بالواقع، وغير موجودة إلا في مخيلات الصحافيين ونشطاء المنظمات الدولية.
وواجهت اللجنة أعضاء الوفد المغربي بشهادة حية ورهيبة مكتوبة من طرف حارس مغربي سابق في المعتقل السري «تازمامارت»، أمضى فترة كافية كحارس هناك، مكنته من الاطلاع على الكثير من الأمور التي كانت أسوار المعتقل الرهيب تتستر عليها، يقول الحارس في شهادته « أفتح الزنزانة الأولى، فأجدها فارغة إلا من نقالة لحمل الموتى، وشعلة كبيرة، عندما أفتح الزنزانة الثانية أجدها بدورها فارغة، عندما تفتح الثالثة يتجمد الدم في عروقك لهول المنظر الماثل أمامك، جثة بشرية معلقة على سطح إسمنتي صلب، هيكل عظمي بشري بلحية كثيفة تتدلى على صدره، شعر طويل ومتسخ يجعله يشبه إنسان العصر الحجري، أظافر طويلة تبدو كمخالب ثعبان».
نزلت الشهادة، التي تمت قراءتها وتوفير ترجمتها لكل اللغات المعتمدة في الهيئة الدولية، (نزلت) كالماء البارد على الحاضرين، دموع البعض، وحسرة البعض، وسكون في وسط الوفد المغربي.
كانت الدلائل التي قدمت في الجلسة الأممية كافية كي تشعل العالم كله ضد الحسن الثاني، شهادة حية من حارس
بالمعتقل السري، وتقارير سرية كانت تصل المنظمات الدولية من المغرب.
ومن يومها أصبح الوضع الحقوقي في المغرب تحت مجهر المنظمات الدولية، التي ترفع بشكل سنوي تقاريرها بخصوص مسار حقوق الإنسان فيه إلى زعماء العالم الفاعلين،
ومن يستطيعون ممارسة الضغوط على السلطات المغربية، لدفعها تقديم المزيد من الإصلاحات، وسن المزيد من التشريعات التي تحمي هذه الحقوق.
الحسن الثاني يستعين بشركة أمريكية خاصة لإعلان إغلاق «تازمامارت»»
عشية جلسة جنيف، وبعد الإحراج والخيبة التي عاد بها وفد المغرب من الأمم المتحدة الأمريكية، شكل الأمر انتصارا للمنظمات الحقوقية الدولية ضد المغرب.
وحسب بعض الوثائق الأمريكية التي اطلعت عليها «المساء» فقد ظن الملك الراحل الحسن الثاني أن الجو العام في العالم لم يعد في صالحه، خاصة بعد دخول الخارجية الأمريكية على خط تقارير حقوق الإنسان في المغرب التي تنجزها منظمات دولية لها سمعتها الجيدة في أوساط دوائر القرار في البيت الأبيض.
وبالإطلاع على الملف المغربي في أرشيف الكثير من المنظمات الأمريكية التي اهتمت بملف حقوق الإنسان في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، يظهر أن سنة 1991 كانت سنة فاصلة في ملف حقوق الإنسان بالمغرب.
وتكشف إحدى الوثائق أن المغرب بعد جلسة سنة 1991 التي «عرت» عورته الحقوقية، ودخول البيض الأبيض، على خط انتهاكات حقوق الإنسان، استعان بشركة أمريكية مختصة في العلاقات العامة من أجل الترويج لصورة حقوق الإنسان، حيث توصلت الشركة بمبالغ كبيرة، وتكشف مصادر»المساء» أن الاستعانة بالشركة الأمريكية كانت فكرة الملك الراحل،
وبعد توالي الضربات الحقوقية في جنيف، وتحت الضغط الكبير للمنظمات الحقوقية، بدأ النظام يفرج على بعض المعتقلين، والمثير أن أخبار الإفراج لم تكن تصل بسرعة إلى الرأي العام الدولي، إذ أن الحسن الثاني أفرج على المعتقلين قبل زيارته للولايات المتحدة الأمريكية، وتكشف إحدى التقارير التي اطلعت عليها «المساء» أنه حتى بعد عودته من زيارته لأمريكا كانت أخبار الإفراج عن المعتقلين لم تصل بعد إلى الكثير من فعاليات المجتمع المدني في الولايات المتحدة.
أخبار مثل هذه كانت تحتاج لأشهر كي تصل إلى الرأي العام الدولي، فقرر المغرب الاستعانة مرة أخرى بشركة أمريكية مختصة في العلاقات العامة لنشر خبر أن «معتقل تازمامارت تم إخلاؤه من المعتقلين، وتم إغلاقه، في محاولة لتجنب إحراج الملك الحسن الثاني أثناء زيارات كانت مقررة إلى دول غربية، ولتجاوز نيران التقارير التي أصبحت تحظى بمزيد من المصداقية، وكنتيجة لذلك بدأت قضية حقوق الإنسان بالمغرب تلقى مزيدا من الاهتمام من طرف المسؤولين الأوربيين والغربيين، بعدما ظلت لسنوات تخضع لصدقات الملك الراحل الحسن الثاني مع الكثير من رؤساء الدول، ويأتي ذلك تحت ضغط المنظمات الحقوقية الدولية التي ما فتئت ترفع التقرير تلو التقرير عن انتهاكات حقوق الإنسان في بلد لا يتوانى زعماء الغرب على التنويه به كنموذج للانفتاح في العالم العربي.
البصري يدفع لصحف أوربية لتكذيب «أمنيستي»»
بعد صدور تقرير المنظمة، قاد وزير الداخلية القوي آنذاك إدريس البصري حملة إعلامية واسعة من أجل تكذيب ما جاء في التقرير الذي انتشر بسرعة كبيرة في صفحات الصحف والمجلات الدولية.
بالمقابل وفي محاولة لتحسين العلاقات الفرنسية المغربية، في سنة 1990، اجتمعت لجنة ثنائية من البلدين لتدشين سنة من «سنة المغرب: في فرنسا وهي سنة من الأنشطة الثقافية حول المغرب.
ودعمت هذا النشاط كبريات الشركات والماركات الفرنسية، التي كانت تتمتع بعلاقات جيدة مع المغرب، ك»بيجو»، غير أن المناضلين المغاربة في فرنسا، وبدعم من كريستين السرفاتي خاضوا حملة في الأوساط الحقوقية الفرنسية من أجل إلغاء الحدث، وكان ذلك بمثابة فرصة ذهبية للمعارضين المغاربة ومنظمات حقوق الإنسان بفرنسا.
وقد كان الحسن الثاني يرغب في حضور أنشطة الافتتاح، لكن الأمور سارت بغير ما توقع له منظموه، حيث ضغط فرنسي داخلي رهيب، وتقارير حقوقية على مكتب الرئيس الفرنسي «ميترو». اقترح الفرنسيون في البداية على الحسن الثاني أمنية فرنسا في رؤية أبراهام السرفاتي ورفاقه في السجن أحرارا، تزامنا مع حفل افتتاح النشاط الثقافي المغربي في فرنسا، كان ذلك على لسان الوزير الفرنسي آنذاك «لانغ»، هذا الأمر لم يرق للملك الراحل، فاضطر المسؤولون الفرنسيون إلى إخبار الملك الحسن الثاني أن لديه مشكلة حقوقية كبيرة تتعلق بصورته لدى الرأي العام الدولي كدولة لا تحترم حقوق الإنسان، وتشهد عدة انتهاكات حسب تقارير عدة منظمات، وأن عليه أن يصلحها في أقرب وقت ممكن،
ولم يتأخر رد الملك الراحل كثيرا، ليعلن عن إلغاء النشاط الثقافي برمته، يومها قال إن التطورات في منطقة الخليج دفعته إلى إلغاء النشاط وتأجيله إلى وقت لاحق.
غير أن الصحافة الفرنسية سرعان ما فسرت إقدام الحسن الثاني على إلغاء النشاط بسبب الطلبات الفرنسية، إضافة إلى ما كانت ستقوم به المنظمات الحقوقية والمناضلون المغاربة في فرنسا، في حال حضور الحسن الثاني لافتتاح النشاط الثقافي المغربي.
كيف ساهم البرلمان الأوربي في إحراج وفد الحسن الثاني
امتدت الأصوات المعارضة والوقفات الاحتجاجية ضد التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان إلى البرلمان الأوربي، بعد أن نجحت منظمة «امنيستي أنترناسيونال» ومعارضون مغاربة سنة 1990 في جعل المواطن الأوربي العادي يعرف أن في المغرب معتقل سري، يرمى فيه معارضو الحسن الثاني، وهو ما نتج عنه تجمهر العشرات للاحتجاج ضد زيارة الملك الراحل الحسن الثاني لمقر البرلمان الأوربي.
وامتد صيت المعارضين المغاربة إلى برلمانات أوربية أخرى، وهو ما ساعد على تمرير قرار في البرلمان الأوربي يدعو الأخير إلى التعبير عن انشغال البرلمان الأوربي بقضية حقوق الإنسان في المغرب، في سابقة في تاريخ العلاقات المغربية الأوربية.
وقد ازداد وضع المغرب سوءا بعد تقارير رفعت للبرلمان الأوربي، تشير إلى أن أوضاع حقوق الإنسان في كل من الجزائر وتونس تتحسن، في الوقت الذي تسوء الوضعية في المغرب، حيث تعددت حالات الاعتقال السياسي، فيما كان النشطاء يتداولون قصص التعذيب القادمة من الزنازين، وشهادات عن معتقل «تازمامارت».
ولم يخفف الضغط على المغرب إلا بعد سماح الدولة بتأسيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان الذي شكل في 1990، وكان دوره استشاريا، ورغم محدودية نشاط المجلس، إلا أنها لقيت ترحيبا دوليا، وعرفت المبادرة تتبعا من الإعلام الدولي خاصة الصحافة الفرنسية، إلى درجة أن صحيفة «لوموند» الفرنسية سارعت إلى امتداح الخطوة المغربية، وعبرت عن تشجيعها للتجربة الجديدة، فقد كان الأمر يبدو كبركة ماء صغيرة في صحراء قاحلة، وحتى أصدقاء الملك الحسن الثاني سرعان أشادوا بالتجربة، كما أن منتقدي الملك عبروا عن ارتياحهم للخطوة، رغم المضايقات التي عرقلت عمل المنظمة في بداية الأمر.
جاء تأسيس المجلس بعد إطلاق سراح بعض السجناء السياسيين، تم الترحيب دوليا بالمبادرة، لكن الأمر لم يكن كافيا، وحتى في الولايات المتحدة الأمريكية بدأت حدة الانتقاد تتصاعد ضد المغرب، وطالب مجموعة من أعضاء الكونغرس الخارجية الأمريكية التصرف بحزم مع المغرب، وإرسال مبعوثين للحكومة المغربية للتعبير عن انشغال الولايات المتحدة الأمريكية بقضية انتهاكات حقوق الإنسان في المغرب، والتهديد بوقف المساعدات العسكرية التي دأبت الإدارة الأمريكية على تخصيصها للمغرب بشكل سنوي.
البصري يطرد «أمنيستي انترناسيونال» من المغرب
أمام اشتداد حدة الانتقاد للمغرب، ووصول ذلك إلى مسؤولين وزعماء أوربيين وغربيين، لم يتوانى الملك الراحل الحسن الثاني في دعوة المنظمة الدولية للقيام بزيارة تفقدية للمملكة، وعقد جلسات عمل من أجل تفنيد مزاعم التعذيب التي تروج لها تقاريرها.
سارعت المنظمة الدولية إلى تلبية دعوة الملك الراحل الحسن الثاني، وأرسلت وفدا إلى المغرب، فحلت بعثة من المنظمة في شهر فبراير، والتقت بلجنة خاصة سميت لجنة الحوار مع «امنيستي انترناسيونال».
لكن وفد المنظمة سرعان ما أنجز تقريرا عن الاعتقال الاحتياطي في المغرب»، كان التقرير ناريا في حق السلطات المغربية، وأشار إلى ممارسات غير قانونية تقوم بها الشرطة وقوات الأمن المغربية، رسم التقرير صورة قاتمة للمملكة ولملف حقوق الإنسان فيها، وأشار إلى استمرار الاعتقال دون توجيه التهم، كما كشف أن هناك الكثير من المختطفين الذين تجهل عائلاتهم وذويهم أماكن تواجدهم.
بعد صدور التقرير ونشر الإعلام الغربي بضع مضامينه، أغضب الأمر الملك الراحل الحسن الثاني، وأنكر جزءا كبير مما تضمنه، واعتبر الأمر تحاملا على المغرب من طرف المنظمة والصحافيين في الصحف الغربية والأوربية.
أسابيع قليلة بعد إنجاز التقرير والضجة التي خلقها وغضب الحسن الثاني منه، عبرت المنظمة عن رغبتها في العودة إلى المغرب من أجل زيارة تفقدية أخرى وجلسة حوار مع السلطات، لكن ما إن حل ممثلون عن المنظمة بالمطار، حتى قامت السلطات الأمنية بناء على تعليمات من وزير الداخلية إدريس البصري بطرد ممثلي المنظمة الدولية إلى لندن، وإعلامهم أنهم أشخاص غير مرغوب فيهم في المملكة.
طرد بعثة المنظمة لم يخدم صورة المغرب، بقدر ما أساء إليها، وتسبب في أسئلة محرجة للوفد المغربي.
كان التأثير سلبيا على صورة المغرب لدى الدول الأوربية، وانتشر خبر طرد وفد المنظمة بسرعة، وأصبح حديث صالونات السياسيين الأوربيين.
أمريكا تحرج وفد المغرب
تزامنت جلسة سنة 1990 مع بداية تغير موقف الإدارة الأمريكية من المغرب، وعرفت سنوات الثمانينيات بداية أخد واشنطن تقارير المنظمات الدولية بعين الاعتبار.
وقد كان المغرب من أقرب حلفاء واشنطن، حتى أن السفير الأمريكي في الرباط كان يصف الملك «ملكنا» في إشارة إلى العلاقة الجيدة التي تجمع بين الملك الراحل الحسن الثاني وساكن البيت الأبيض الذي أرسل مبعوثين للاستشارة مع الملك في مرات عديدة.
كما عملت الحكومات الغربية على ألا تتوتر علاقاتها بالحسن الثاني بسبب تقارير المنظمات الحقوقية، وبسبب التحركات المكثفة للمعارضين المغاربة، الذين كانوا يكثفون من أنشطتهم للتعريف بخروقات وانتهاكات حقوق الإنسان.
ورغم الضغوط الدولية على المغرب منذ أواخر سنوات السبعينيات، حيث تقوى دور منظمة «أمنيستي انترناسيونال» بعد حصولها على جائزة نوبل للسلام، واتسعت رقة اهتماماتها، لذلك بدأت الصحافة الدولية في الاهتمام بقضايا انتهاكات حقوق الإنسان في العالم ومن بينها المغرب، بل وكان المغرب من أكثر الدول التي تحظى باهتمام كبير، وهو ما ترجعه التقارير إلى السجل السيئ للدولة في مجال حقوق الإنسان، إلا أنه، وبالرغم من ذلك لم يجنح في تغيير موقف الإدارة الأمريكية في علاقاتها بالمغرب وتجاهل الوضع الحقوقي فيه.
كما زار حينها وفد الكونغرس الأمريكي المغرب، لكن قضية حقوق الإنسان التي أشارت إليها المنظمات الحقوقية والمعارضون المغاربة لم تكن من ضمن أولويات الوفد الأمريكي، الذي تجاهل التقارير التي توصل بها من المنظمات الدولية عن «تازمامارت»، وعاد إلى الكونغرس وأوصى بعدم منح السلاح للمغرب في صراعه مع جبهة البوليساريو، ولم يكن الأمر بسبب حقوق الإنسان، وهو ما خيب آمال المعارضين المغاربة، مدعومين بالمنظمات الحقوقية الدولية.
إلا أن السنوات التي تلت تقارب الحسن الثاني مع ليبيا، أغضبت الولايات المتحدة الأمريكية، حينها، وكرد فعل أولت أمريكا أهمية للتقارير الحقوقية حول انتهاكات حقوق الإنسان في المغرب، وبدأت الإدارة الأمريكية توجه التحذيرات للمسؤولين المغاربة، وبلغ التشدد الأمريكي أوجه بخصوص حقوق الإنسان عندما كانت المساعدات العسكرية التي خصصتها أمريكا للمغرب مهددة بسبب ذلك، ليقوم الحسن الثاني بعدها بإلغاء رحلة كانت مقررة للولايات المتحدة الأمريكية.
كما بدأت الإدارة الأمريكية متمثلة في الكونغرس بالتأكيد على احترام حقوق الإنسان لتقديم المساعدات للمغرب، حيث أنشأت مكتبا لحقوق الإنسان والشؤون الإنسانية، كما أصبحت مسألة حقوق الإنسان ومدى احترامها في صلب اهتمامات السياسية الخارجية الأمريكية.
كل ذلك هيأ للصفعة التي تلقاها المغرب سواء في سنة 1990 أو في سنة 1991، حيث تشير بعض الكتابات الأمريكية التي اطلعت عليها «المساء» إلى أن تغير موقف الولايات المتحدة الأمريكية من مسار حقوق الإنسان في المغرب جعله تحت ضغط دولي كبير، بعد أن ظل لسنوات طويلة بعيدا عن الرصد الدولي لقضايا حقوق الإنسان.
الشاوي: هكذا واجهت إلهام الرايس ممثلَ المغرب في الأمم المتحدة
تعددت المرات التي كانت الوفود المغربية أو ممثلو المغرب في اجتماعات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، يجدون أنفسهم في مواجهة الإحراج أمام وسائل الإعلام الدولية، ومنظمات مهتمة بحقوق الإنسان، عبر شهادات حية عن التعذيب أو عبر شهادات مسربة من داخل المعتقلات والسجون السرية تعرف طريقها للجلسات الأممية، عبر مناضلين في مجال حقوق الإنسان، وغالبا ما كانت المنظمات الحقوقية غير الحكومية تعمل على تمكين بعض المعتقلين السابقين من حضور بعض الجلسات، وفي كرسي اعتراف جريدة «المساء» تروي خديجة الشاوي زوجة محمد الرايس المعتقل السابق في سجن «تازمامارت» الرهيب، كيف أحرجت ابنة المعتقل إلهام الرايس ممثل المغرب في الأمم المتحدة بسبب إنكاره لوجود شيء اسمه «معتقل تازمامارت» مدعيا أن الأمر مجرد تضليل.
وتروي خديجة الشاوي على كرسي اعتراف «المساء» أن ابنة المعتقل حضرت إحدى جلسات لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة بتشجيع من كريستين السرفاتي، وأخذت الكلمة وفتحت النار على السلطات المغربية، تحدثت بتفصيل للحاضرين عن وجود معتقل رهيب في الجنوب الشرقي للمغرب، وسردت الكثير من الحقائق التي تؤكد كلامها حول وجود المعتقل، وارتبك ممثل المغرب وأحرج أمام كلام ابنة أحد معتقلي «تازمامارت»، لكنه سرعان ما اتبع التعليمات والتزم بالرفض وإلقاء اللوم على الصحافيين في اختلاق شيء اسمه «تازمامارت»، وبالفعل لم يتردد ممثل المغرب أمام شهادة ابنة الرايس، فأخذ الكلمة ورد قائلا، لا وجود لمعتقل يسمى»تازمامارت»، متهما الإعلام باختلاق قصة معتقل رهيب في المغرب يرمي فيه النظام معارضيه، حيث يتعرضون لشتى أنواع التعذيب، كما دافع ممثل المغرب عن تقدم حقوق الإنسان بالمملكة.
والرايس هو ضابط سابق اعتقل بعد محاولة الانقلاب على الملك الراحل الحسن الثاني في سنة 1971، حكم عليه بالإعدام قبل أن يتم تخفيف الحكم إلى المؤبد، اختفى من سجن القنيطرة حيث كان يقضي عقوبته السجنية، ورمي به في معتقل «تازمامرات»، قبل أن يتدخل السوسيولوجي الفرنسي الشهير، جاك بيرك، لدى الحسن الثاني للإفراج عنه.
ولم تكن المرة الأولى التي تحدثت فيها ابنة الرايس عن معتقل «تازمامارت»، فقد سبق حضورها للجنة حقوق الإنسان بجنيف، حوار أجرته مع إذاعة « فرانس أنتيرن» تحدثت خلاله عن «تازمامارت»، وكان ذلك بتشجيع من محامي فرنسي كانت قد أوكلته الدفاع عن والدها.
وتروي زوجة الرايس أن ممثل المغرب آنذاك، الذي كان سفيرا للمغرب في الأمم المتحدة، طلب مقابلة ابنتها، ولامها على تدخلها الناري ضد بلدها، وهو ما سيسيء لصورة المغرب الحقوقية في العالم.
وقد تسبب الأمر في إحراج كبير للمغرب، إذ تروي بعض المصادر أن وزير الداخلية آنذاك إدريس البصري بدأ في تلقي العشرات من المكالمات من سياسيين غربيين يسألون عن صحة ما قالته ابنة الرايس أمام لجنة حقوق الإنسان في جنيف، كما بدأت المنظمات الحقوقية الدولية مساعيها من أجل التعريف بوجود المعتقل الرهيب، وتدشين حملة دولية من أجل دفع الدول الأوربية والغربية التي بإمكانها ممارسة ضغوط على الحسن الثاني، وذلك من أجل الإفراج عن المعتقلين.
يوم صرخ جمال بن عمر في وجه قدور اليوسفي
في سنة 1995، أرسل المغرب وفدا رفيعا إلى الاجتماع السنوي لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، من أجل الدفاع عن سجل المغرب وما حققه خلال الأربع سنوات التي انقضت في مجال حقوق الإنسان، وكان المغرب ينوى الخروج بانتصار دبلوماسي عبر الوفد، ويتمثل أساسا في فتح مركز لحقوق الإنسان تابع لمجلس حقوق الإنسان بجنيف، مما يحسن صورة المغرب لدى الرأي العام الدولي، لكن الأمور جرت عكس ما كان يشتهيه مهندس الوفد آنذاك وزير الداخلية السابق والرجل القوي إدريس البصري، إذ تعرض الوفد لهزيمة دبلوماسية قاسية بسبب تواجد بعض الجلادين ممن أشرفوا على التعذيب والاستنطاق في المعتقلات السرية ضمن الوفد الرسمي المغربي.
فما أن حل أعضاء الوفد وتعرف عليهم بعض المغاربة الذين كانوا يقيمون في أوربا كمعارضين فارين من القمع الذي ميز تلك السنوات أو حقوقيين مغاربة بالمهجر، ولأن غالبية هؤلاء قد مروا من تجربة الاعتقال، فقد تعرفوا بسهولة على قدور اليوسفي الذي تبوأ المسؤولية في الفرقة الوطنية للضابطة القضائية، وكان مشرفا على التعذيب بالمعتقل السري بدرب مولاي الشريف بالدار البيضاء.
ومن بين من تعرفوا عليه كان جمال بن عمر الذي يعمل دبلوماسيا في الأمم المتحدة، كما سبق له أن كان معتقلا بالمعتقل السري ذاته، وفر بعد الإفراج عنه، ليصبح من الشخصيات الهامة المكلفة بحل النزاعات الدولية، وسبق أن ذاق أصنافا من التعذيب على يد قدور اليوسفي.
وقدور اليوسفي هو أحد أشهر الجلادين الذين أشرفوا على معتقل درب مولاي الشريف بالدار البيضاء، الذي كان يُستعمل خلال سنوات الرصاص لاستنطاق وتعذيب معارضي النظام آنذاك، وكان قدور اليوسفي حسب شهادات لبعض من مروا بالمعتقل السري يشرف شخصيا على جلسات تعذيب واستنطاق المعتليين الذين كان عددهم بالآلاف.
وكان جمال بن عمر قد اعتقل وهو تلميذ بسبب نشاطه في صفوف اليسار المغربي، وهو تلميذ بإحدى ثانويات مدينة تطوان في العام 1976، خلال الفترة التي أصبحت تعرف فيما بعد في المغرب بفترة سنوات الرصاص، حيث تعرض لشتى أواع التعذيب.
بعدما توسط له أكاديمي فرنسي لدى الملك الراحل الحسن الثاني ليفرج عنه، لينشط بعد مغادرته المغرب في مجال حقوق الإنسان، بداية في عاصمة الضباب لندن ضمن طاقم «أمنيستي إنترناسيونال»، وأثناء اشتغاله بلندن تصادف الأمر مع زيارة مرتقبة للملك الحسن الثاني إلى العاصمة البريطانية، لينشط جمال في تنظيم الاحتجاج ضد انتهاكات حقوق الإنسان في المغرب، لدفع الوزيرة البريطانية إلى بحث هذا الموضوع مع الملك الحسن الثاني، حيث نظمت «أمنيستي» وقفة احتجاجية.
وسافر إلى جنيف بعد ذلك، حيث سيصبح كابوسا حقيقيا يؤرق الوفود المغربية للجنان حقوق الإنسان رفقة مغاربة آخرين، والتحق بمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. وفي 2004 تزعم شعبة التعاون الفني في المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة.
وما إن تعرف جمال بن عمر على قدور اليوسفي حتى سبب الأمر ضجة في أوساط الحقوقيين والمعارضين المغاربة في أوربا، إذ كان من المقرر أن تتم لقاءات بين لجنة حقوق الإنسان وبين الوفد المغربي، يكشف مصدر «المساء»، لكن وما هي إلا ساعات حتى اختفى «الجلاد» من الوفد المغربي وكأن الأرض ابتلعته.
كانت فضيحة كبيرة للوفد المغربي، وضربة لمحاولة المغرب إظهار الجهود التي يبذلها من أجل ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان في المغرب.
وساهم الاحتجاج على وجود قدور اليوسفي على رأس الوفد المغربي في أن يسبب خيبة كبيرة لمهمة الوفد التي أرسل من أجلها، فلم يتمكن حينها من تقديم سجله أمام اللجنة الأممية، كما لم يحظى بامتياز فتح مركز لحقوق الإنسان تابع لمجلس حقوق الإنسان بجنيف.
البصري عن ضجة جنيف حول حقوق الإنسان: «المندبة كبيرة والميت فار»
كان وزير الداخلية القوي إدريس البصري، يشرف على كل كبيرة وصغيرة بخصوص الملف المغربي لحقوق الإنسان أمام اللجان الدولية، كما تقول بعض المصادر التي تحدثت ل»المساء»، إذ كانت لمسة الرجل حاضرة حتى في اختيار أعضاء الوفود التي تحضر لاجتماعات حقوق الإنسان في جنيف، ولم يخرج وفد المغرب سنة 1990 عن ذلك، كان جله مكون من أمنيين أشرفوا على أقسام مهمة في الأمن المغربي.
وتكشف بعض المصادر أن من بين الأمور التي جعلت لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة المجتمعة مع الوفد المغربي، تصعد من صراحتها الجارحة مع الوفد المغربي، كانت الخرجات الإعلامية لإدريس البصري المستهزئة بجهود المنظمات الدولية، كما أنكر إدريس البصري وجود الاعتقال السري في المغرب، ورغم الدلائل التي كشفت عنها اللجنة أمام الوفد المغربي، من شهادات وتقارير دولية ومحلية، وأيضا تسريبات من داخل زنازين المعتقلين، إلا أن الوفد المغربي تشبث بالإنكار.
وحرص إدريس البصري على تلقين أعضاء الوفد ما يقولونه وما يجيبون به،
إذ كان لا يتردد في الجهر بأن ما تروجه منظمة «أمنيستي انترناسيونال» ما هو إلا خيال.
وتنقل «التايمز» البريطانية عن إحدى القنوات الفرنسية قول البصري عن المعتقل» إن معتقل تازمامارت كما قال جلالة الملك الحسن الثاني، لا يوجد إلا في مخيلة منظمة «امنيتسي انترناسيونال» وفي مخلية بعض الصحافيين والإعلاميين الذين يعادون المغرب».
وكان إدريس البصري يقتدي بخرجات الملك الراحل الحسن الثاني بخصوص المعتقلات السرية، فخلال حوار تلفزيوني أنكر الملك الراحل كل اتهامات التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان، ودعا منظمة «أمنيستي أنترناسيونال» إلى إرسال بعثة إلى المغرب، للوقوف على حقيقة الإدعاء القائل بأن المغرب ينتهك حقوق الإنسان، وكان لا يتردد في الجهر أمام الصحفيين الأوربيين وفي حواراته مع القنوات التلفزية الأوربية في إنكار وجود اعتقال سري، أو وجود معتقل اسمه «تازمامارت» جملة وتفصيلا، وفي دجنبر من سنة 1989، بعد أن قدمت «امنيستي انترناسيونال» تقريرا خطيرا يكشف أن المغرب من أكثر الدول استعمالا للتعذيب في حق المعارضين، ضمنت المنظمة تقارير عن وجود معتقلات سرية رهيبة يمارس فيها التعذيب، وأمام مجموعة من الصحفيين الأوربيين والغربيين، صرح الملك الرحل الحسن الثاني قائلا « إذا كان واحد في المائة مما جاء في تقرير منظمة أمنيستي أنترناسيونال صحيحا، فإنني لن يغمض لي جفن» وجاء تصريح الحسن الثاني بعد إلحاح الكثير من زعماء الدول من أصدقائه بأن يرد على تقرير المنظمة الذي يسيء للمملكة.
لكن بعد رد الحسن الثاني على تقرير المنظمة، جاء رده على زوجة المعارض أبراهام السرفاتي، كريستين السرفاتي.
وبخصوص «تازمامارت» أشار في حوار مع تلفزيون فرنسي إلى أن وجود» تزمامارت» جاء على لسان من أساءت إلى حسن الضيافة المغربية» في إشارة إلى كريستين السرفاتي، التي كانت السبب في فضح معتقل «تازمامارت».
أما إدريس البصري فقد كان يمثل صدى للحوارات والخرجات الإعلامية للحسن الثاني، وفي أحد الحوارات مع صحيفة فرنسية، بعد الضجة التي أثارها أداء الوفد المغربي في جلسته مع لجنة حقوق الإنسان، قال إن « المندبة كبيرة والميت فار» في إشارة إلى الضجة التي أثارها المعتقل وصنوف التعذيب التي كان السجناء يتعرضون لها.
كريستين السرفاتي تحرج الملك الحسن الثاني على الهواء
لعبت «كريستين السرفاتي» دورا كبيرا في التسبب للمغرب في إحراج حقوقي دولي كبير، حيث عملت على مواجهة الوفد المغربي في سنة 1990، عبر تشجيع بعض المعتقلين السابقين على الإدلاء بشهادتهم، كما سبق لها أن شجعت ابنة الرايس على الحضور إلى اجتماع في جنيف للجنة حقوق الإنسان ومواجهة ممثل المغرب بحقائق حول المعتقل السري.
وكانت كابوسا حقيقيا يؤرق بال وزير الداخلية آنذاك إدريس البصري لخبرتها وقدرتها على إعطاء وصف دقيق لجغرافيات المعتقلات السرية، التي كانت تشتهر في أوساط المغاربة بأن السلطات تستعملها لاعتقال، وتعذيب واستنطاق من كانوا يوصفون أنهم معارضين للنظام، وقد صرحت فيما بعد بأنها استعانت بدلائل خرائط قديمة أوجدها الاستعمار الفرنسي، كما كانت تلاحظ أن الخرائط الرسمية تغيب منها أسماء المعتقلات الشهيرة في أوساط المغاربة، بينما في دلائل خرائط قديمة توجد أسماء معتقلات والتي هي أسماء بلدات صغيرة، كما كان الشأن مع معتقل «تازمامارت».
كما ساهمت كريستين السرفاتي بشكل كبير في تأليف وصدور كتاب « صديقنا الملك» لصاحبه الفرنسي «جيل بيرو»، كما ألفت «تازمامارت..معتقل الموت في المغرب»، وهو الكتاب الذي ضمنته خريطة موقع معتقل «تازمامارت» بشكل دقيق وهي المختصة في الجغرافيا بحكم تدريسها للمادة لسنوات في المغرب.
ولم يتوانى الكثيرون في وصفها بأنها المرأة التي أقدمت على فضح سياسة الحسن الثاني، لدورها الكبير في مواجهة المغرب ووفوده المتعاقبة على جلسات حقوق الإنسان في الأمم المتحدة.
وسهلت عليها معرفتها بالمغرب الأمر، إذ أنها حلت به في سنة 1962، وعملت لسنوات كمدرسة للتاريخ والجغرافيا في ثانوية ليوطي بالدار البيضاء، كما كانت لها علاقات واسعة بمناضلي اليسار، إذ لم تكن تتوانى في إيواء بعض الرموز ومنهم زوجها أبراهام السرفاتي، هربا من ملاحقة رجال الاستخبارات والأمن.
كما لعبت دورا كبير في لجنة مناهضة القمع، وهي لجنة كانت تنظم اجتماعاتها في فرنسا للتعريف بانتهاكات حقوق الإنسان في المغرب، حيث كانت السرفاتي تقرأ في الاجتماعات الرسائل السرية التي كان المعتقلون في «تازمامارت» ينجحون في تسريبها.
بعد ورود كلمة «تازمامارت» رجعت السرفاتي إلى دليل جغرافي قديم كتب مقدمته المقيم العام الفرنسي ليوطي»، حيث عثرت على اسم بلدة صغيرة تسمى «تازمامارت».»
وفي سنة 1991، كان من المتوقع أن يجري الملك الحسن الثاني حوار صحافيا مع صحافية فرنسية تدعى «ميشيل كوطا»، تدخلت السرفاتي، وأقنعت الصحافية الفرنسية بأن توجه سؤالا للحسن الثاني حول معتقل يدعى «تازمامارت».
وبعد برهة من بداية الحوار، سألت الصحافية الفرنسية الحسن الثاني عن المعتقل، بالرغم من أنها لم تنطق اسمه جيدا كما تروي السرفاتي، ونفى الأمر قبل أن تبدو علامات الغضب على وجهه، مقاطعا الصحافية الفرنسية بالقول: «إن الشاهد الرئيس في هذه القضية شخص استغل طيبوبتي وتعاطفي. لهذا أنا أحذره من أن يطأ أرض المغرب ثانية» في إشارة إلى كريستين السرفاتي.
كيف نجح بن عمر في تعكير مزاج الحسن الثاني في لندن
رغم أن الضغط الدولي على المغرب في مجال حقوق الإنسان عرف أوجه في سنوات 1990 و1991، إلا أن بداية ترصد الوفود المغربية المشاركة في الأنشطة المختلفة في الدول الأوربية، كانت في أواخر الثمانينيات، ولم يسلم حتى الملك الراحل الحسن الثاني من تربص المناضلين المغاربة في أوربا، ممن اكتووا بنار التعذيب وخضعوا لاستنطاق في دهاليز المعتقلات السرية.
ففي أواخر الثمانينيات، بدأ العالم الغربي والأوربي خاصة، يهتم بحقوق الإنسان في المغرب، وبحلول تلك السنوات بدأت المعارضة المغربية في الخارج تعمل على إحراج الحسن الثاني ونظامه في كل التراب الأوربي الذي كان يحل فيه الحسن الثاني بكل أريحية.
ونجحت شبكة المعارضين المغاربة في الخارج في التعريف بانتهاكات المغرب الحقوقية على نطاق واسع، وتعريض ممثلين للمغرب للإحراج، ومن بين أبرز الأمثلة على ذلك ما حدث في لندن ذات صيف، وتزامن ذلك مع زيارة للملك الحسن الثاني إلى العاصمة البريطانية لندن، وكان من المقرر في زيارته تلك أنه سيلتقي ب»مارغريت تاتشر».
انتقل مغاربة فرنسا إلى لندن، وانضموا إلى معارضي نظام الحسن الثاني، ونجحوا في إثارة الرأي العام البريطاني، إلى درجة أنه تجمع الكثير من الأجانب البريطانيين لمساندة المغاربة المعارضين، في وقفة احتجاجية على التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان في المغرب.
وقد نشط جمال بنعمر بعد مغادرته المغرب في مجال حقوق ألإنسان، حيث اشتغل في لندن ضمن طاقم «أمنيستي انترناسيونال»وترقى بها، وعندما زار الملك الراحل الحسن الثاني لندن عام 1986، كان جمال وراء فكرة الاحتجاج الذي نظمته «أمنيستي»، ما جعل بعض الصحف المغربية تشن عليه هجوما لاذعا ووصفته إحداها بأنه أخطر معارضي نظام الحسن الثاني.
وتكشف بعض الوثائق التي اطلعت عليها «المساء» أن الأمر تسبب في إحراج كبير للملك الراحل الحسن الثاني، وما إن عاد إلى المغرب حتى كلف وزيره القوي آنذاك إدريس البصري بتتبع الأمر، والتحقيق في هويات من أفسد زيارة الملك إلى بريطانيا، وما هي إلا أيام حتى توصل إدريس البصري إلى أن المعتقل السابق والدبلوماسي المغربي الشهير اليوم، جمال بن عمر، يقف وراء الحملة الشرسة التي رافقت زيارة الملك الحسن الثاني إلى بريطانيا، وكنتيجة لذلك شنت بعض الصحف الحزبية المغربية هجوما لاذعا على المعارض المغربي جمال بن عمر، ووصفته بالخائن لوطنه، بعدما نجح في تعبئة التنظيمات الحقوقية المحلية في بريطانيا.
عبد الإله بن عبد السلام *: أدى الاحتجاج على وجود اليوسفي قدور في الوفد إلى أزمة بين المغرب والأمم المتحدة
ما هو سياق إرسال وفود رسمية إلى جلسات حقوق الإنسان؟
يأتي إرسال المغرب لوفود رسمية إلى جلسات لجان حقوق الإنسان بجنيف، في سياق توقيعه على اتفاقية مناهضة التعذيب كما باقي الاتفاقيات الخاصة بحقوق الطفل أو حقوق المرأة، إلى غير ذلك من الاتفاقيات التي يوقع عليها في إطار التزاماته الدولية، ويذهب وفد رسمي مغربي للإجابة على أسئلة لجنة حقوق الإنسان، ومناقشة التقرير الذي ينجز في هذا الإطار.
ورفقة تقارير المنظمات غير الحكومية، يكون هناك تقرير الدولة الرسمي الحكومي، تقوم الحكومة المغربية بإرساله إلى اللجنة الأممية قبل انتقال الوفد إلى هناك، والتي بدورها تقوم بالإطلاع عليه، وعندما يحل الوفد المغربي يكون هناك لقاء أولي مع لجنة مكونة من خبراء في حقوق الإنسان، وفي مناهضة التعذيب، يطرحون أسئلة ويناقشون ذلك مع أعضاء الوفد المغربي الرسمي.
- هل يقتصر دور الوفد فقط على إجابة على الأسئلة التي يطرحها أعضاء اللجنة الأممية؟
أولا السلطات المغربية تقدم تقريرا دوريا، في كل أربع سنوات يكون حصيلة لإنجازاتها في مجال الاتفاقية موضوع الجلسة، كما هو الأمر بالنسبة لاتفاقية مناهضة التعذيب، فالمغرب عندما صادق على الاتفاقية يتعرض دوريا في كل جلسة للمسائلة بخصوص التزامه ببنود الاتفاقية، وما الذي حقق منها إلى غير ذلك من بنودها، على المستوى التشريعي، أو على المستوى القانوني، أما فيما يخص عمل الوفد، فيكمن في أنه يحاول ما أمكن أن يبين أمام اللجنة المجهودات التي بذلتها السلطات المغربية في موضوع حقوق الإنسان، والتشريعات والقوانين التي سنها في إطار التزامه الدولي بتطوير حقوق الإنسان.
- هل من خصوصيات لمثل هذه الجلسات، وهل بإمكان العامة حضورها؟
وعلى مستوى الجلسات، تكون كاميرات التصوير حاضرة خلال انعقاد هذه الجلسات لتسجيل وقائعها، من جهة أخرى لا تكون أشغال الجلسة متاحة للعموم، ولا يمكن لمن لا يحمل صفة أن يحضرها، أما المنظمات غير الحكومية فبإمكانها الحضور، لتتابع الجلسة الرسمية، لكن لا يمكنها أن تتدخل أثناء انعقادها.
- غالبا ما تعرضت وفود المغرب خاصة في عهد الحسن الثاني للاحتجاجات.
طبعا، مثلا سبق أن ذهب وفد مغربي إلى الأمم المتحدة من أجل مناقشة التقرير الدولي حول التعذيب، ويجيب على أسئلة الخبراء في اللجنة، وكان من ضمن الوفد قدور اليوسفي.
كان هناك مناضلون، من بينهم من سبق أن اعتقل وعذب على يده، ومن ضمن من تعرف عليه الراحل إدريس بن زكري والدبلوماسي المغربي في الأمم المتحدة جمال بن عمر، الذي كان آنذاك يتواجد خارج المغرب، إذ كان حينها يشتغل في منظمة العفو الدولية في لندن، قبل أن يلتحق بالأمم المتحدة كدبلوماسي.
وقدور اليوسفي مسؤول على الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، وكان هو المشرف على التعذيب في المركز السري بدرب مولاي الشريف بمدينة الدار البيضاء.
وهو ما خلق ضجة، إذ قام المناضلون المغاربة باحتجاج قوي ضد وجود قدور اليوسفي ضمن الوفد المغربي، باعتباره مسؤولا مباشرا على التعذيب، إذ كان يشرف على عمليات التعذيب والاستنطاق التي كان يخضع لها المعتقلون، أصيب الوفد المغربي بالإحراج الشديد، بعد أن أحتج المناضلون المغاربة المتواجدون هناك على وجوده، وخلق الأمر أزمة بين السلطات المغربية وبين الأمم المتحدة.
* نائب رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.