بعد التحاقه بالولاياتالمتحدةالأمريكية من أجل الدراسة، قرر المختار غامبو التخصص في دراسات ما بعد الاستعمار والعمل في حقل العلوم الإنسانية بجامعة «ييل» الأمريكية. يحلم غامبو بأن يكون للمغرب موقع ريادي في مشروع معهد الدراسات المغاربية بجامعة «ييل» كأنجع وسيلة للدفاع عن مصالح المغرب استراتيجيا، وتحدث ل«المساء» عن استعداد جامعات أمريكية معروفة للتعاون في مشروع الجامعة العالمية بالرباط التي تلقى دعم الملك محمد السادس.. - كيف بدأت مسارك الدراسي في المغرب قبل الهجرة إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية؟ < درست في جامعة محمد الأول بوجدة وحصلت على الإجازة في الأدب الإنجليزي سنة 1985، لأسافر بعدها إلى فرنسا للحصول على ديبلوم الدراسات المعمقة. نجحت في الحصول على منحة مكنتني من متابعة الدكتوراه في الولاياتالمتحدةالأمريكية بجامعتي كولومبيا ونيويورك، واشتغلت مع المفكر الفلسطيني الكبير إدوارد سعيد في مجال الدراسات ما بعد الاستعمارية والتي أدرسها حاليا منذ سنتين في جامعة «ييل» الأمريكية، وتهتم هذه الدراسة بالاشتغال على العلاقة الموجودة بين الدول الاستعمارية القديمة والدول المستقلة، وركزت في تخصصي على الحقل الأنغلوفوني في دول الكاراييب وإفريقيا وآسيا..اهتممت أيضا بموضوع الشتات والهجرة والأنتروبولوجيا من أجل تغيير صورة الآخر في الثقافة الأمريكية، سواء كان هذا الآخر أسيويا أو إفريقيا أو عربيا أو مسلما. أنهي تحضير كتاب حول دور الفكر الإسلامي في النهضة الأمريكية منذ القرن التاسع عشر إلى اليوم، وسيصدر لي كتاب آخر في الخريف المقبل هو أسطورة الرحل في الفكر الغربي، يتحدث عن مفهوم الحركة في التاريخ وفي الفلسفة والأدب. - باعتبارك باحثا في جامعة ييل الأمريكية العريقة، ما هو نصيب المغرب من البحث في الولاياتالمتحدة؟ < إذا تحدثنا عن المغرب في نطاق أكاديمي أمريكي، نجد أن المغرب حاضر في كل ما يتعلق بالعلوم الإنسانية والاجتماعية، ويمكن أن أقول إن المغرب هو البلد المعروف أكثر في كل الأكاديميات الأمريكية، وأغلبية المتخصصين في الأنتربولوجيا يشتغلون عليه.. هناك أسماء متعددة اشتغلت على المغرب وساهمهت دراساتها في الفكر الأمريكي مثل كليفر غيتس وبول لابينو، كما أن 70 في المائة من الدراسات الأنتربولوجية والسيوسيولوجية عن المغرب يشرف عليها متخصصون أمريكيون. - وما هي طبيعة القضايا التي يشتغلون عليها؟ < لقد تغيرت الأنتروبولوجيا الآن في أمريكا وحاولت أن تعكس المشاكل التي يعيشها المغرب عوض التي يعيشها الأمريكي المتخصص. إذا نظرت إلى جامعة ييل ستجدين العديد من الباحثين الجدد يشتغلون على مدونة الأسرة وحقوق الإنسان..المشاريع التي عرفها المغرب خلال السنوات العشر الأخيرة تجذب اهتمام الباحثين الأمريكيين. لأنهم يواكبون ما يجري في المغرب، سواء على صعيد هرم السلطة أو على صعيد المجتمع المدني. - كيف ينظر عادة صناع القرار في أمريكا إلى المغرب؟ < يمكن أن أقول إن المغرب كان عليه أن يكون له حضور جيد أكثر مما هو عليه الآن..لا يجب أن ننسى أن السياسة الخارجية الأمريكية تعتمد دائما على المنظمات غير الحكومية المعروفة كهيومان رايتس واتش أو مجلس العلاقات الخارجية التي تعد خزانا من الأفكار تعتمد عليها السياسة الرسمية للبلاد.علينا كأكاديميين مغاربة أن نؤطر هذه المنظمات لأنها تتحكم في العلاقات الخارجية في أمريكا. - لكن تقارير هذه الهيئات دائما ما تنتقد أوضاع المغرب في العديد من المجالات؟ < طبعا، هناك علاقة عاطفية بين المغرب والولاياتالمتحدةالأمريكية لكونه أول بلد اعترف باستقلال أمريكا، لكن هذه العاطفة يجب الدفع بها إلى الأمام والتعريف بما ينجزه المغرب والتحديات التي تواجه المجتمع المدني للرأي العام الأمريكي. المغرب بحاجة إلى فرص داخل الخطاب الأمريكية للتعريف بالمغرب. وعلينا أن ننتقل من منهجية العاطفة، لأن المصالح الاقتصادية والسياسية تتغير وتبقى فقط الثوابت. الجالية المغربية نشيطة جدا، رغم حداثة هجرة المغاربة إلى أمريكا، هذا عنصر هام يجب إدخاله في كل السياسات المتعلقة بالبلدين. - من هم الأكثر إيمانا بانشغالات المغرب، هل هم الجمهوريون أم الديمقراطيون؟ < الديمقراطيون ينظرون إلى مفهوم الإنسانية بشكل راق جدا، يؤكدون على حوار الحضارات وليس على صدام الحضارات، لقد ضيعنا فرصة كبيرة جدا مع كلينتون، لأنه كان لديه اهتمام بالغ بالمغرب، لكن الفاعلين السياسيين في المغرب حاولوا إسقاط نظرة مفادها أن الجمهوري كيفما كان في فرنسا وفي أوروبا أكثر قربا واهتماما بمصالح المغرب. أمريكا مختلفة تماما عن أوروبا ويجب أن يتوقف هذا الإسقاط. المحيطون بأوباما ذي الأصول الإفريقية يعرفون المغرب جيدا، خصوصا هيلاري كلينتون، ولدينا أمل أن تتحسن العلاقات بين المغرب وأمريكا مع الديمقراطيين. يتم الإعداد لمشروع جديد في البيت الأبيض يفرد اهتماما خاصا بالدول المغاربية، يحمل تصورا للنظر إلى الدول المغاربية بشكل مختلف عن الشرق الأوسط ومشاكله التقليدية، وهنا يجب على كل المهتمين بالعلاقات الأمريكية المغربية المساهمة في هذا المشروع، ويجب على المغرب أن يأخذ قيادته. - وما هي مضامين هذا المشروع؟ < يشتغل على هذا الملف «ستيوارت ازنتات» وزميلي «وليام زارتمان»، وهناك اتجاه إلى توفير موارد خاصة بالمغرب العربي الكبير مستقلة عن موارد الشرق الأوسط، لأن البيت الأبيض يريد الاهتمام أكثر بالمشاكل التي تعيشها هذه المنطقة، خصوصا مشكل الصحراء الذي يقف عائقا كبيرا لتطور اتحاد المغرب العربي. أمريكا اقتنعت أن الذي سيخلص الدول المغاربية من المشكل هو دعم هذا الاتحاد من خلال إيجاد موارد بشرية وأكاديمية وسياسية ومالية. - لكن ملف الصحراء يجمد تقدم العلاقات بين المغرب والجزائر، كيف السبيل إلى تجاوز هذا الأمر؟ < هناك من يقول إن إدارة أوباما ستكون أقرب إلى الأطروحة الجزائرية، وما يبرر هذا القول هو تكليف أوباما لجنوب إفريقيا لتكون المستشار على الدول الإفريقية بصفة عامة، وإذا تأكد هذا الأمر يجب التعامل مع هذا الاختيار بجدية، والتعرف على من سيتحمل مسؤوليته التامة في فهم علاقتنا مع جنوب إفريقيا والعلاقات الاستعمارية القديمة..أمريكا تعتبر المغرب نموذج استقرار في المنطقة وقادرا على لعب دور قيادي ليس في المغرب العربي فقط بل في الشرق الأوسط أيضا، والإدارة الأمريكية لن تفرط في هذه الحقيقة. - بعد وصول الديمقراطيين إلى البيت الأبيض، ما هدى حضور المغرب في أجندة عمل أوباما؟ < القيادة الجديدة في البيت الأبيض زكت الحكم الذاتي، والمتتبعون يرون أنه لا يوجد بديل أفضل لنحافظ على مكتسباتنا. يحرص أوباما بثقة على تنفيذ مشروع الديمقراطية في العالم الثالث بعيدا عن النفاق الذي ميز إدارة بوش. - كيف ترى حضور اللوبي المغربي الرسمي في أمريكا؟ < دور هذا اللوبي غير واضح، وبغض النظر عن إنجازاته، يجب على هذا اللوبي أن يتحرك أكثر لإشراك أفراد الجالية المغربية في أمريكا لسببين: أولا، ليس هناك أحسن وأفضل من المغاربة الأمريكيين للدفاع عن صورة بلادهم. ثانيا، تتردد إشاعات عن اعتزام أوباما الحد من تأثير مفهوم اللوبي التقليدي، لذا يجب على اللوبي المغربي التحرك أكثر في هذا الجانب. - وما مدى تأثير اللوبي المغربي على المشهد الأمريكي لدى صناع القرار؟ - أعتقد أنه لسنا دولة مغمورة أو هامشية حتى نحتاج إلى لوبي. < إذا كان هذا اللوبي يقتصر على الكواليس في واشنطن فقد نجح في بعض القضايا، لكن الرأي العام الأمريكي لم يتعرف على تلك النجاحات.. المغرب لا يحتاج إلى لوبي بمفهومه التقليدي، لأن هناك إنجازات في المغرب، وعلى أفراد الجالية المغربية أن يعرفوا الشعب الأمريكي بتلك الإنجازات. يتم الحديث في أميركا الآن عن الديبلوماسية البديلة، وبما أن أوباما إنتاج خالص من الشتات وانتقل لأمريكا معرفا نفسه أنه افريقي أمريكي، فهذه إذن فرصة تاريخية يجب على كل أفراد الجالية المغربية استغلالها لتفعيل الحوار بين الثقافات وتقوية العلاقات بين البلدين في جميع الميادين. - هل لديكم مشاريع أكاديمية تنوون الاشتغال عليها في المغرب؟ < هناك مشروعان أشتغل عليهما حاليا. يتعلق المشروع الأول بتأسيس مركز للدراسات المغاربية في جامعة «ييل»، وهو ما أعمل عليه منذ سنة ولقي اهتمام الملك محمد السادس. المركز سيكون أول مؤسسة للدراسات المغاربية في أمريكا. «ييل» هي جامعة الرؤساءالأمريكيين، وطلبتها يتوجهون دائما لصنع القرار في أمريكا، وكمغربي غيور على وطنه، أفضل أن يكون المغرب و«ييل» الطرفين الأساسيين في هذا المركز، لأنه أنجع وسيلة للدفاع عن مصالح المغرب استراتيجيا في أمريكا. لاحظت من خلال زياراتي المتكررة للمغرب أن قيمة الجامعة المغربية متدهورة تعكس أزمة التعليم في البلاد، لذا بادرت بالاتصال بجامعات «ييل» و«هارفرد» و«كولومبيا» لعقد اتفاقيات التبادل على صعيد البحث العلمي لأساتذة وطلبة الجامعات المغربية، خصوصا الجامعة الجديدة التي ستؤسس هذه السنة والتي تعرف باسم الجامعة العالمية للرباط، التي ستمتد على مساحة عشرين هكتارا بتشجيع من الملك محمد السادس للرقى بالتعليم الجامعي في البلاد. - وكيف ستتعاملون مع التمويل؟ < بالنسبة للمشروع الأول، من المنتظر أن تتقاسم جامعة «ييل»، التي أعلنت استعدادها للعمل، والبلد المغاربي المعني بالمشروع، وسأحاول إقناع مسؤولي الجامعات المغربية بالمشروع الثاني للنظر في طبيعة مساهماتها. - هل لمست تجاوبا لدى المسؤولين المغاربة؟ < ما يشجعني هو اهتمام الملك بأخذ المغرب قيادة المركز، أنا متفائل لكنني قلق في نفس الوقت على أن تطول فترة اقتناع المسؤولين المغاربة بهذه المشاريع..