أصبح تنظيم القاعدة يواجه خطرا حقيقيا من الداخل، بعد ظهور بن لادن جديد يدعى أبو بكر البغدادي، أو الجهادي الشبح، الذي لا يظهر في الصورة، ويؤرق بال أيمن الظواهري، الزعيم الحالي للقاعدة، بعد الحرب المعلنة من أجل سيطرة البغدادي على الجماعات المتطرفة، لإقامة الدولة الإسلامية في العراق والشام، المعروفة اختصارا ب «داعش». لا توجد سوى صورتين له، كلاهما ضبابيتان والتقطتا على ما يبدو من أجل الحصول على بطاقة التعريف. وفي تلك التي نشرها مكتب التحقيقات الفدرالية (اف.بي.أي)، يظهر ممتلئ الخدين بذقن غير محلوق. وفي الصورة الأخرى، التي نشرتها وزارة الداخلية الإيرانية، يظهر أصلع الرأس بلحية وشارب قصيرين. في الواقع، لا أحد يعرف اليوم على وجه التحديد لمن يشبه أبو بكر البغدادي، أمير الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش). بيد أنه لم يسبق لأي أمير جهادي أن قاد نفس العدد من المقاتلين كذلك الذي يقوده البغدادي، أو التحكم في مناطق شاسعة كتلك التي يتحكم بها، أو امتلاك موارد مالية كبيرة كتلك المتاحة أمامه. أسامة بن لادن نفسه، وفي عز تألقه الأفغاني قبل هجمات 11 شتنبر، لم يكن يمتلك نفس النفوذ. أبو بكر البغدادي، الذي يقاتل الموالون له من أبواب بغداد إلى ضواحي دمشق، ومن الحدود الأردنية إلى التركية، تحول إلى «الجهادي الشبح»، الذي يمثل سلطة بدون ملامح، وقوة بدون وجه. لا أحد في وسعه أن يقول إنه التقى به، حتى الرهائن الغربيين الذين اعتقلهم أتباعه بسوريا، والذين تمكنوا من الفرار من جحيمهم لا يستطيعون تأكيد ذلك. وفي الوقت الذي كان يحرص فيه بن لادن على تلميع صورته من خلال أشرطة البروباغندا التي كان يصورها، يبتعد البغدادي كليا عن الظهور في الصورة. وفي الوقت الذي يحب فيه أيمن الظواهري، الطبيب المصري الذي تولى الزعامة بتنظيم القاعدة بعد القضاء على بن لادن شهر ماي 2011، أن يمضي ساعات في الحديث بإطناب في أشرطة الفيديو التي يتم نشرها عبر الأنترنيت، فإن البغدادي يأبى الحديث. ولحد الساعة يتم الحديث عن عدد محدود من الأشرطة الصوتية المنسوبة إليه، في ظل عدم التأكد من مدى صحتها. هذا الصمت وهذا الغياب لا يؤديان سوى إلى تقوية أسطورته؛ فأفعاله تتحدث عنه، وعنفه يعوض أي خطاب قد يلقيه، وهو ما يغذي خرافة يهتز لها الجسم الجهادي، من أندونسيا إلى موريتانيا مرورا بضواحي المدن الأوربية. وعن أبو بكر البغدادي، نعلم فقط أنه يتحدر من محافظة ديالى، شرقي العراق، حيث يتقاتل الأكراد والشيعة والسنيين فيما بينهم من خلال الهجمات الانتحارية وأعمال القتل. كما يتحدر من عشائر السادة الأشراف البدريين «البو بدري» الرضوية الحسينية الهاشمية القرشية النزارية العدنانية. علاوة على ذلك، درس البغدادي بالجامعة الإسلامية ببغداد ولم يتلق أي تدريب عسكري، لكنه قاد أولى خطواته القتالية في صفوف الجهاديين بعد الغزو الأمريكي للعراق، بين صفوف الجماعات الصغيرة التي ظهرت آنذاك. بعد مرور عقد من الزمان، أصبح الرجل على رأس عشرات الآلاف من المقاتلين بالعراق، وما يفوق 8000 مقاتل بسوريا. وتتحكم هذه الوحدات بجزء كبير من محافظة الأنبار (الفلوجة وجزء من الرمادي) بالعراق، وتزحف حتى أبواب بغداد، مع تهديدها لمناطق موصل وصلاح الحين (تكريت وسمارة). وبسوريا، تتحكم تلك الميليشيات بمحافظات دير الزور والرقة، وتستغل آبار النفط بالحسكة، وتنشط بمناطق اللاطيقية، وحلب، وإدلب، وحما، وحتى العاصمة دمشق. يحمل تنظيم «داعش» نفس الراية السوداء، ولديه نفس الخطاب كالقاعدة، ونفس الهدف الأسمى؛ المتمثل في إقامة الدولة الإسلامية وتطبيق الشريعة بشكل حرفي. غير أن ذلك لم يحل دون نشوب حروب من أجل البقاء بداخل تنظيم القاعدة. ف «داعش» هي أخطر تهديد تواجهه القاعدة منذ تاريخ نشأتها وسط القبائل الباكستانية سنة 1988 على يد أسامة بن لادن. إنها عدو من الداخل. هالة 11 شتنبر [[{"type":"media","view_mode":"media_original","fid":"7408","attributes":{"alt":"","class":"media-image","height":"342","typeof":"foaf:Image","width":"765"}}]] بدأت المناوشات نهاية مارس 2013، حينما أعلنت الدولة الإسلامية في العراق عن اندماجها مع جبهة النصرة، التي يقودها محمد الجولاني، والتي تعد بمثابة الفرع السوري للجماعة. كما أن الروابط بين التنظيمين عديدة جدا وتعود لعقد من الجهاد بالعراق. لكن الأمر تعلق فعليا بانقلاب غير مرحب به، ولم يحتج التنظيم السوري لوقت طويل من أجل الإعلان عن رفضه الاندماج بطريقة مهذبة لكن حاسمة. لكل بلده، ولكل جهاده. وانطلاقا من المكان الذي يختبئ به بباكستان، استوعب أيمن الظواهري جيدا التهديد الذي يمثله له ذلك، وهو ما دفعه إلى الوقوف في صف جبهة النصرة، لكن لم يفلح ذلك في وقف خطوات أبو بكر البغدادي. أما الظواهري فكانت له أسباب موضوعية تدفعه إلى القلق مما يسعى إليه البغدادي؛ فهذا الأخير لم يقدم الولاء في الأشهر التي تلت موت بن لادن. كما أن خلافا قديما يقف بين المنظر المصري والأمير الشاب العراقي؛ والمتمثل في كون البغدادي هو أحد أتباع مصعب الزرقاوي. كما أن بين الظواهري والبغدادي هوة عمرية كبيرة؛ فالأول خبر الجهاد الأفغاني، أما الثاني فطور قدراته في الجهاد العراقي. علاوة على ذلك، فالمصري هو منظر يتحدث بإسهاب عن مواضيع تهم المنطقة كتداعيات الثورات العربية، أو تاريخ الإخوان المسلمين بمصر؛ فيما يعد العراقي أحد أشد مؤيدي العنف، الذي جعل منه أحد أهم مقومات استقطاب أنصاره. ومع هذا الأخير، تحول العراق إلى مدرسة للتكوين حيث يلتقي الشباب المقاتلين، الذين حلوا من كافة الربوع، بعدما جذبتهم حالة العنف الشديد. وفي المقام الأخير، يظل كل قائد على حدة رهينة للأوضاع على أرض الميدان. فالظواهري يستغل هالة 11 شتنبر، اللحظة الفاصلة في تاريخ تنظيم القاعدة، دون أن يسيطر على أي رقعة ميدانية، ويعيش خارج العالم العربي، ويبني شرعيته عبر التنظير للجهاد البعيد (ضد العدو الغربي) من أجل استقطاب الحشود. أما البغدادي، فقد اكتسب الخبرة من إمارة الفلوجة، منذ سيطرة المتمردين عليها سنة 2004، وسقوطها بعد ذلك في يد الجيش الأمريكي. ومن أجل جعل الدولة الإسلامية في صلب اهتمام العالم العربي، يعطي الأولوية للجهاد القريب، ضد العدو القريب، بداية من المسلمين الذين يعارضون مشروعه. غير أن القضاء على بن لادن، في عز «الربيع العربي»، شكل نقطة التحول الفاصلة التي أدت إلى ظهور خلافات متلاحقة. وكأي تنظيم سياسي، لم يبق تنظيم القاعدة بمعزل عن ظهور صراعات من أجل تزعم القيادة. وبعد رحيل الملياردير السعودي، أبان القياديون الشباب بالتنظيم عن رغبتهم في السيطرة على التنظيم، وكان أبو بكر البغدادي رأس حربة هؤلاء. منذ اللحظة الأولى التي تولى فيها قيادة الدولة الإسلامية بالعراق، شهر ماي 2010، قام هذا الأخير بتدبير 60 هجمة متلاحقة، مخلفا وراءه 110 قتيلين في يوم واحد. وفي صيف نفس السنة، أصدر الأوامر بشن هجوم على كنيسة ببغداد. كانت رسالته واضحة: تنظيم القاعدة لم يمت ببغداد. كما أن رحيل وحدات الجيش الأمريكي شهر دجنبر 2011، والسياسة الطائفية التي يتبعها رئيس الوزراء العراقي المنتمي للمذهب الشيعي، نوري المالكي، جاءت لتتمم ما بقي. فمن خلال قمع السنيين والتنكيل بهم، قام المالكي بتجييش هذه الطائفة برمتها والدفع بها نحو المتطرفين. نظام الأسد الآثم خلال فصل الربيع من نفس سنة 2011، اشتعلت الثورة بسوريا، بعد مطالبة السكان بمزيد من الحرية والعدالة الاجتماعية. بيد أن الثورة كانت لها كذلك دوافع طائفية؛ فالأغلبية السنية ضاقت بالسيطرة المطبقة للأقلية العلوية، المنتمية للمذهب الشيعي، على مراكز المسؤولية، لاسيما في الجهاز الأمني؛ وهو ما وفر التربة الخصبة للخطاب المعادي للشيعة الذي يروج له البغدادي. وعلى نحو يدعو للاستغراب، قام النظام السوري، الذي يحتجز معارضيه ويمارس التعذيب في حقهم كما شاء، بإطلاق سراح عدد من القياديين في صفوف الجهاديين الذين كانوا يقبعون في سجون النظام. لكن ما الداعي للدفع بهؤلاء المتطرفين إلى الميدان علما بأنهم سيعودون لحمل السلاح ضد نظام الأسد الآثم؟ السبب وراء ذلك يتمثل في «تسيير» طائفي للأزمة، يؤدي لرص صفوف جميع الأقليات لمواجهة التهديد السني الأصولي. كما أن السبب وراء ذلك يعود لكون المخابرات السورية، التي شرعت منذ العام 2003، في التحكم بالجهاديين المتوجهين نحو العراق، واختراق صفوفهم، تعرف جيدا من يكون «زبناء» هؤلاء، حينما لا تقوم بالتحكم بهم عن بعد. فضلا عن ذلك، تعلم المخابرات السورية أن الهدف الأول بالنسبة لعدد من هؤلاء يتمثل في إقامة الخلافة الإسلامية التي تلتزم بالتطبيق الحرفي للشريعة، بدل بناء أسس الديمقراطية بالشرق الأوسط. نتائج ذلك لم تتأخر في الظهور. ففي يناير 2012، أعلن تنظيم جبهة النصرة عن تأسيسه تحت قيادة أبو محمد الجولاني، القيادي السوري الذي تلقى تدريبه بالعراق. ورغم الشعبية والتعاطف الكبيرين اللذين حظي بهما داخل سوريا، إلا أن هذا الأخير لم يخف تقاربه مع الدولة الإسلامية، التي سخر نفسه لخدمتها كقائد سرب. أما المجموعة العراقية فظهرت على الساحة السورية باسمها الحقيقي بداية العام 2013. وخلافا لجبهة النصرة، لم يظهر أن «داعش» تبحث عن المواجهة المباشرة مع الجيش السوري، وركزت بدلا من ذلك على السيطرة على المواقع الحدودية من أجل ضمان الاتصال البري مع العراق. وبذلك عمد التنظيم إلى الاستيلاء على المواقع التي كانت تحررها مجموعات أخرى. وبالرقة، أول عاصمة محافظة يطرد منها النظام، ترك التنظيم انطباعا كبيرا لدى السكان من خلال تنظيم عملية إعدام في العلن للجنود العلويين. وفي أماكن أخرى لم يتورع التنظيم في القيام بالاستيلاء على مخازن أسلحة الثوار وقتل بعض القياديين عند الضرورة، دون تبني القيام بذلك. كما استهدف أماكن وجود النفط، وسيطر على أعمال التهريب، و»كدس» أكبر عدد من الرهائن الأجانب في تكتم شديد. وفي مارس 2013، عزز التنظيم جيدا مواقعه لدرجة جعلته يشن انقلابا على جبهة النصرة، والادعاء بأنه يمتلك كامل السلطة. من جانب آخر، يظل أبو بكر البغدادي مهووسا بالتجربة العراقية وبروز ميليشيات الصحوة، السنية المعارضة لتنظيم القاعدة. وبالتالي حسم الأمر بشكل واضح في المناطق التي سيطر عليها، حيث كان يصدر الأوامر بالقضاء على أي معارض أو منافس محتمل. ويظل الهدف الرئيسي ل «داعش» هم الثوار العلمانيون، والجماعات الإسلامية الأخرى. «استراتيجيهم هي نفس الاستراتيجية التي كان يتبعها الستالينيون خلال الحرب الإسبانية، الذين عمدوا إلى التخلص من منافسيهم الفوضويين والتروتسكيين بدل محاربة فرانكو»، يلخص الأمر مسؤول دبلوماسي. وفي غضون ذلك، يتفادى جيش بشار الأسد استهداف «داعش». كما أن مقربين من نظام دمشق يذهبون إلى حد شراء النفط من عند الجهاديين. هل تكون «داعش» إذن «صنيعة» لأجهزة مخابرات الأسد، كما يدعي بعض المعارضين العلمانيين؟ «ذلك يعني الذهاب لحد بعيد في الإيمان بنظرية المؤامرة، يوضح دومينيك طوماس، الخبير المختص في الحركات الجهادية والباحث بمدرسة الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية. بداية، الجهاديون الذين جرى إطلاق سراحهم توجهوا نحو جماعات أخرى غير الدولة الإسلامية. كما أنه لا يتعين افتراض وجود علاقات سببية ذات توجه عكسي في أجواء حرب ضبابية وشديدة التحول». في الأخير ينبغي الإشارة إلى أن الروابط القديمة مازالت تعزز فرضية وجود تواطؤ بين دمشق والدولة الإسلامية. ويظل الأمر الأكيد هو أن «التنظيم قام باستقدام العديد من المحسوبين على حزب البعث العراقي المنحل»، كما يوضح ذلك دومينيك طوماس، لاسيما أن كوادر الحزب احتفظت بروابط وثيقة مع نظام دمشق. الرهائن مع بداية العام 2013، تغيرت المعطيات بالعراق؛ حين أعلن رئيس الوزراء المنتمي للشيعة نوري المالكي دعمه لبشار الأسد، في ظل مواجهته للانتفاضة السنية بمحافظة الأنبار، الانتفاضة التي ساهم بشكل كبير في ظهورها من خلال قمع هذه الطائفة المتهاوية منذ سقوط صدام حسين. أما البغدادي فرأى في ذلك الفرصة السانحة لإقامة النواة الأولى لدولته الفتية داخل البلدين، التي ظل يتنقل بين حدودهما بشكل متواصل. وضمن له النفط السوري وتواطؤ بعض الموظفين العراقيين الحصول على موارد مالية كبيرة، فضلا عن الاتجار في التحف التي تعود للعصور القديمة التي يتم الاستيلاء عليها من المناطق السورية المحررة. هذا علاوة على عمليات اختطاف الأجانب الغربيين، التي وفرت للتنظيم مداخيل مالية مهمة. يهاجم تنظيم «داعش»، الذي يعي جيدا بمحيطه الجيوستراتيجي، كذلك الميليشيات الكردية المحسوبة على حزب الاتحاد الديمقراطي السوري، التي سيطرت على المناطق الكردية بسوريا. كما سعى التنظيم إلى الحفاظ على تساهل الحكومة التركية، التي كانت تسمح بمرور السلاح والجهاديين عبر حدودها، على الأقل حتى متم فصل الشتاء من العام الحالي. من جهة أخرى، تحرص «داعش» على تلميع صورتها كتنظيم راديكالي صرف على مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك من أجل الظهور بمظهر القوة الجهادية الحقيقية الوحيدة، متهمة في الآن نفسه القاعدة بمهادنة الديمقراطيين. وتنشر الجماعة كذلك تقريرا سنويا مفصلا حول أنشطتها المسلحة (التقرير الأخير نشرته شهر ماي 2014)، كدليل على أنها تمتلك بنية داخلية تراتبية وآلية ممركزة لتجميع المعطيات. كما تفتخر بقيامها بالسماح بفرار الآلاف من الجهاديين المعتقلين في الهجمات التي شنتها على ثمانية سجون في أقل من سنة بالعراق. بيد أنه حينما بدأت، نهاية العام 2013، جماعات في التقرب من «داعش» كتنظيم أنصار بيت المقدس بمصر أو أنصار الشريعة بتونس وليبيا، اتخذ أيمن الظواهري القرار بشن حرب مفتوحة على غريمه. وبالنسبة له، ف «داعش» تضم في صفوفها مجرمين سابقين يتاجرون بالتكفير كما يحلو لهم ويرهبون غير الإسلاميين بتطرفهم، في الوقت الذي أبانت فيه الثورات العربية عن كون المواطنين لا يجمعون على تأييد التطرف. وبالتالي، قام زعيم تنظيم القاعدة بتقديم الدعم السري للهجوم الكبير الذي شنه، نهاية شهر دجنبر، الليبراليون بالجيش السوري الحر وجماعات إسلامية أخرى ثائرة ضد «داعش». وبعد الانزعاج الذي تسبب فيه ذلك، تحدثت جبهة النصرة عن هدنة وفترة للتفكير، حتى اليوم الذي تم فيه اغتيال المبعوث الشخصي الخاص للظواهري من قبل «داعش». حينها أعلنت الحرب داخل القاعدة، لتنسحب «داعش» من حلب، وتستعيد بسرعة التوازن بمواقعها بفضل الولاءات القبلية بمحافظات الرقة ودير الزور. وبالعراق، انتقلت حكومة المالكي للهجوم بالفلوجة، دون أن تحقق أي تقدم ملموس. وقامت «داعش» بدلا من ذلك بتهديد ضاحية بغداد شهر أبريل. بسوريا، يتوقع جون بيير فيليو، الأستاذ الباحث في العلوم السياسية، أن تنتقل «داعش» نحو شن الهجمات، مع إمكانية شن ضربات عاجلا أو آجلا بإحدى الدول الغربية. وفي الوقت الراهن، يمنح مكتب التحقيقات الفيدرالية مكافأة قدرها 25 مليون دولار مقابل القبض على الظواهري، و10 ملايين مقابل رأس البغدادي. بيد أن الأمريكيين سينتبهون عما قريب إلى كون القاعدة أصبحت من الآن فصاعدا هي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام. * بتصرف عن «لوموند» على شفير الحرب الأهلية الهجمة الأخيرة التي أطلقها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) تعد التحدي الأخطر لأمن العراق منذ انسحاب القوات الأمريكية في العام 2011 من بلاد الرافدين. هذا التنظيم المنشق عن القاعدة تمكن من استقطاب المئات من الجهاديين من مختلف الجنسيات من أجل إقامة الدولة الإسلامية، وهو ما مكن «داعش» من السيطرة على عدد من المدن والبلدات العراقية في هجمة خاطفة يشنها هذه الأيام، وعينه على بغداد. التنظيم ادعى في الأيام الأخيرة بأنه أعدم نحو 1700 جندي، لكن يصعب التأكد من صحة هذا الخبر. ومع تقدم «داعش» في اتجاه العاصمة العراقية تتزايد المخاوف من تحول الصراع إلى حرب طائفية بين السنة والشيعة. التطورات الأخيرة جعلت زعيم «داعش» البغدادي يتحول إلى العدو الأول لحكومة المالكي، في الوقت الذي تصفه فيه عدة جهات التنظيم بأكبر تهديد إرهابي في الوقت الراهن. لكن الحكومة العراقية لها مسؤولية فيما يجري حاليا أمام أعين العالم. فرئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، عمق الخلافات الطائفية بالبلاد، ومنح «داعش» سببا للوجود في ظل السياسة التي تنهجها حكومته، ذات الأغلبية الشيعية، بالعراق، وهو ما زاد من حدة غضب الطائفة السنية والأكراد، وتسبب في انشقاقهم بسبب السياسات التي يدافع عنها المالكي، والتي يعتبرونها ذات خلفيات طائفية تحول دون حصولهم على التمثيل السياسي والدعم المناسبين. بالمقابل، فإن أي هجمة ضد «داعش» سيستفيد منها نظام بشار الأسد. وإذا كانت الحرب السورية ألقت بظلالها على المنطقة برمتها، فإن البلد الذي تأثر أكثر بها هو العراق، بعدما أضحت عدة أطراف من حدود البلاد تحت سيطرة تنظيم البغدادي. وبالتالي إذا تعرض التنظيم إلى أية هجمات فذلك سيفيد بشكل غير مباشر نظام بشار الأسد، وذلك من خلال استعادة الأراضي التي يسيطر عليها «داعش»، واستغلال ما يجري بالعراق من أجل قمع الثوار. دولة إيران ستستفيد هي الأخرى من القضاء على «داعش»، فالجمهورية الإسلامية لعبت دورا أساسيا في صمود نظام الأسد. وفي هذا الصدد، يرى مراقبون أن إيران قد تعرض على العراق والولايات المتحدة الأمريكية التدخل عسكريا عبر إرسال وحدات النخبة «القدس» للقضاء على أنصار «داعش» بسورياوالعراق.