بعد سنوات من محاصرة فكره، والتضييق على نشاطاته الأكاديمية، بسبب المواقف القوية التي عبر عنها طيلة مساره المعرفي الحافل بالكتابات الرصينة، لفظ عالم المستقبليات المهدي المنجرة، نفسه الأخير يوم الجمعة الماضي بالرباط مخلفا وراءه منجزا أكاديميا في مجالات معرفية مختلفة. وكما كان متوقعا شهدت جنازة الراحل المنجرة حضورا وازنا لشخصيات تنتمي إلى عالم السياسة والثقافة يتقدمهم عبد الحق المريني، الناطق الرسمي باسم القصر الملكي ورئيس الحكومة عبد الإله بن كيران. وكان لافتا خلال الجنازة التي ووري فيها الثرى المنجرة بحي الرياض بالرباط حضور وزراء من حزب العدالة والتنمية، فيما لم يحضر أي وزير من التحالف الحكومي. وحضر الجنازة كل من مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات، والأزمي الإدريس، الوزير المنتدب في وزارة الاقتصاد والمالية، ولحسن الداودي، وزير التعليم العالي. من جانب آخر، حضر مراسيم الجنازة، كل من حسن أوريد، الناطق الرسمي السابق باسم القصر الملكي ومحمد اليازغي، الكاتب الأول السابق لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بالإضافة إلى عبد العالي حامي الدين، القيادي في حزب العدالة والتنمية ورئيس منتدى الكرامة والحبيب بلكوش القيادي السابق في حزب الأصالة والمعاصرة وخالد الناصري، عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية. إلى ذلك، بعث الملك محمد السادس رسالة تعزية إلى عائلة المرحوم المهدي المنجرة مؤكدا فيها أن» بوفاته فقد المغرب أحد رجالات الفكر والمناضلين المخلصين عن حقوق الإنسان والمساهمين في تكوين الأجيال المغربية التي تتلمذت على يديه..وفي هذا الظرف العصيب، ما كان يتحلى به الراحل من خصال إنسانية رفيعة، ومن تشبع مكين بالقيم الكونية للحرية والعدالة والإنصاف، حيث كان، رحمه الله، نموذجا للمفكر الملتزم والباحث المستقبلي الجاد، الذي سخر كتاباته للدفاع عن حق شعوب الدول النامية في اكتساب مفاتيح وأسس تحقيق التنمية الشاملة القائمة على تقاسم العلم والمعرفة، مما أكسبه تقدير كل من واكبوا فكره، ونهلوا من علمه ودراساته سواء على المستوى الوطني أو العربي أو الدولي». وكان المهدي المنجرة واحدا من أعلام المغرب البارزين، حيث لم يسبق لأي مفكر مغربي أن حظي بالصيت الدولي مثلما حظي به، خاصة أنه كان يشتغل في ميدان حساس يرتبط بالتنظير للمستقبليات، ولعل من أشهر كتبه في هذا الصدد»الحرب الحضارية الأولى». المنجرة الذي ولد بالرباط سنة 1933، اشتغل مع الكثير من المنظمات والأكاديميات المعروفة وقدم استشارات رصينة نال بها جوائز عالمية، وعرف المنجرة أيضا بمناهضته للقيم الرأسمالية من خلال الكثير من المؤلفات الشهيرة في مقدمتها»عولمة العولمة»و «الإهانة في عصر الميغا إمبريالية». وتميزت الحياة الفكرية والأكاديمية للمنجرة بالكثير من المحطات أبرزها اشتغاله داخل هياكل منظمة اليونسكو، ثم اشتغاله أستاذا جامعيا بالكثير من الجامعات الدولية المعروفة، غير أن أفكاره وتصوراته حول التنمية والإعلام والرأسمالية، جعلت المسؤولين المغاربة يضربون طوقا كبيرا حوله، حيث منع مرات عديدة من إلقاء محاضراته، بل الأدهى من ذلك، أنهم منعوا جمعيات مختلفة من إقامة حفل تكريمي احتفاء بمسار الرجل.