العلاقات بين الدول في عالم موسوم بالمنافسة الاقتصادية والبحث عن أسواق جديدة، لا تكون دائما محكومة بنوايا طيبة، والشركات الكبرى هي واجهة هذه الدول حتى وإن كانت مبادئ الاقتصاد الليبرالي لا تعترف بالتماسات الموجودة بين تلك الشركات، وبين الدول التي تنتمي إليها. مناسبة هذا الكلام هي الاكتساح الصيني غير المسبوق لسوق الاتصالات بالمغرب، إذ تمكنت شركة «هواوي» العملاقة أخيرا من الحصول على صفقة جديدة مع الفاعل في مجال الاتصالات»ميديتيل» لتكون بذلك قد استحوذت على أكثر من 80 في المائة من سوق أجهزة الاتصالات، موزعة بين الفاعلين الثلاثة لسوق الاتصالات بالمغرب. مر الخبر، وكأن شيئا لم يقع عدا بعض المقالات التي حذرت من فقدان المغرب لسيادته الاقتصادية، من خلال تفويت سوق كبير يتطور باستمرار إلى شركة واحدة، غير أنه لا أحد وضع يده على الداء الحقيقي المترتب عن تفويت صفقات تجديد تكنولوجيا الاتصال بالمغرب لشركة صينية واحدة كانت إلى حدود سنوات قريبة تتوفر على حصة صغيرة جدا من السوق. أصل الداء، كما قلنا سلفا يكمن بالأساس في بركة الغموض التي تسبح فيها الشركة الصينية العاملة في قطاع تكنولوجيا الاتصال للهواتف النقالة والإنترنت، فمن الناحية التقنية البحتة، ثمة إمكانية كبيرة للشركة لمعرفة أشد أسرار المغاربة حميمية، بل الاطلاع على معلومات خطيرة وحساسة تهم مستعملي الهواتف النقالة بالمغرب، علاوة على أنها باتت تتوفر على برنامج خاص يراقب هواتف شخصيات»ViP» بالمغرب تحت يافطة توفير الخدمات العاجلة للمسؤولين الكبار. في هذا الملف/التحقيق/ تحاول «المساء» أن تزيح الكثير من الغموض حول ملف ظل دائما يوصف بالعلبة السوداء، وتفكك بعضا من ألغازه بمعطيات تقنية تنشر لأول مرة حول قدرة الصينيين على اختراق النظام المعلوماتي المغربي وتهديد سيادته الاقتصادية، مع إبراز الثغرات التي تعتري قطاع الاتصالات بالمغرب من خلال شهادات خبراء ومهندسين سابقين في الشركة الصينية. يمكن على سبيل المجازفة أن نقول إن الصين لديها القدرة على التجسس على المغاربة، كل المغاربة والاطلاع على كل تفاصيل معيشهم اليومي، وعلى هذا النحو نفهم لماذا لجأت الكثير من الدول إلى منع الشركات الصينية العاملة في مجال الاتصال من المشاركة في المناقصات الكبيرة، إذ وجهت لها اتهامات ثقيلة بالتجسس في أمريكا، ووصل بها الأمر في الجزائر إلى درجة اعتقال مسؤولين منها لتورطهم في رشاوى كبيرة. في الملف أيضا، نتوقف عند ظروف المهندسين المغاربة العاملين في الشركة والاكتساح الصيني لها عن طريق منافذ لا تكون قانونية دائما. كيف أحكمت الصين قبضتها على سوق الاتصالات في المغرب؟ أصبحت لدى شركة «هواوي» إمكانية كبيرة لمعرفة أشد أسرار المغاربة حميمية صفقات قطاع الاتصالات بالعالم أصبحت تنتمي إلى باب أسرار الدولة وإلى المعلومات الأشد سرية، وحتى إذا بدت بعض الصفقات تخضع لقواعد الاقتصاد الليبرالي وفق القاعدة الشهيرة المتعلقة بالمنافسة الحرة، فإن وراء بعض الشركات الضخمة، تقف لوبيات وحكومات تسخر إمكانيات هائلة لإسنادها والتدخل إذا اقتضت صعوبة التنافس ذلك. على هذا النحو، يمكن أن نفهم أن الكثير من البلدان في العالم تلجأ إلى منع شركات بعينها من الاستثمار في أراضيها، حماية لسوقها الداخلي أولا، ثم في درجة ثانية حماية أسرارها المعلوماتية خشية الاستحواذ عليها من طرف دول منافسة في عالم موسوم بالتنافس الاقتصادي الحاد، والسعي وراء احتكار الأسواق بكل الوسائل المتاحة. لنوضح أكثر، قطاع الاتصالات الذي يشمل المكالمات الهاتفية في كل مستوياتها وخدمات الإنترنت يمكن أن يصير معرضا للاختراق في أي لحظة من طرف شركات الاتصالات العالمية، التي تفوز بالصفقات التكنولوجية الكبيرة، التي بموجبها يتم تزويد مجالات اشتغالها بتكنولوجيا جديدة كي تصبح شبكة الاتصال أكثر فعالية وأكثر ولوجا. في الظاهر يبدو عمل شركات الاتصالات العالمية محكوما بالقوانين والاتفاقيات ودفاتر التحملات، ويبدو بالإضافة إلى ذلك نوعا من المنافسة الحرة التي يضمنها الاقتصاد الليبرالي، لكن في العمق ثمة أشياء أخرى خطيرة تمس سرية المعلومات، وتضرب في العمق الأمن الاقتصادي والمعلوماتي للكثير من البلدان. بناء على ذلك، ليس من الغريب أن تسن غالبية دول العالم، خاصة المتقدمة منها قوانين صارمة تلزم الشركات المتنافسة في مشاريع الاتصالات باحترام جملة من المعايير، منها عدم التحكم في المعلومات الحساسة للبلدان التي تستثمر فيها، أي أن تلك الشركات ليس بمقدورها أنى كانت الظروف أن تخترق المعلومات السرية لزبناء قطاع الاتصالات، كما هو الحال في بلدان الاتحاد الأوربي والولاياتالمتحدةالأمريكية وكندا وأسترالياوالصين. في السنين الأخيرة، اشتدت المنافسة بشكل حاد بين شركات جنسيات متعددة لتملك قطاع الاتصالات عبر ربوع العالم، وتحولت هذه المنافسة في بعض الأحيان إلى صراع حقيقي بين الدول الكبرى وصل إلى درجة أن بعض تلك الدول فرضت حظرا مسبوقا على شركات معينة، يقضي بعدم التنافس والاستثمار، ولأن المنطق الماركسي يقول إن الاقتصاد يتحكم في كل شيء حتى ولو تعلق الأمر بالسياسة، فإن توتر العلاقات بين الولاياتالمتحدةالأمريكيةوالصين، أحد أهم أقطاب العالم الاقتصادية بعد انهيار جدار برلين، يعود بالأساس إلى بواعث اقتصادية لها تجليات كثيرة، آخرها الهجوم الشديد اللهجة الذي شنه مسؤولون أمريكيون كبار على الصين بسبب التجسس المعلوماتي، قابله أيضا هجوم صيني اتهم أمريكا بمحاولة اختراق أنظمتها المعلوماتية. المغرب بلد ينتمي، اقتصاديا، إلى البلدان السائرة في طريق النمو، أي أنه بلد مازال يسعى إلى تكريس الشفافية وبناء اقتصاده الوطني، ومحاولة الاستفادة من الاستثمارات الأجنبية وتوفير مناخ اقتصادي جيد لضمان التنافسية. مناسبة هذا الحديث، هي المستجدات التي عرفها سوق الاتصالات بالمغرب، إذ أصبحت الشركة الصينية»هواوي» Huaweiالفاعل الرئيس رقم واحد في تزويد السوق المغربية بتكنولوجيا الاتصال، واستطاعت خلال سنوات قليلة أن تكتسح السوق المغربية، مزيحة بذلك شركات كبرى من مثل»ألكاتيل» و»إركسون». الشيطان يكمن في التفاصيل قبل شهور فقط، استطاعت شركة»هواوي» الصينية أن تفوز بصفقة جديدة مع الفاعل في مجال الاتصالات «ميديتل»، وتكون بذلك قد أحكمت قبضتها على الفاعلين الثلاثة في مجال تجديد تكنولوجيا الاتصال، التي تشمل كما قلنا سابقا المكالمات الهاتفية وخدمات الربط بالإنترنت. بموجب الاتفاقية الجديدة، تتكلف الشركة الصينية بتجديد بنيات جديدة وتجويد خدمات الجيل الثالث. إلى هنا يبدو الأمر عاديا جدا، بيد أن هذه السيطرة تطرح الكثير من علامات الاستفهام التي تشتغل بها الشركة الصينية بالمغرب. حسب المعلومات التي حصلت عليها»المساء»، فإن شركة «هواوي» دخلت إلى المغرب في بداية الألفية الثالثة بمنتوجات عادية، إذ حاولت تقليد الشركات الأخرى المتواجدة في السوق عبر عرض منتوجاتها نفسها. يقول مسؤول كبير سابق في شركة اتصال معروفة»حينما دخلوا إلى المغرب كنا نضحك عليهم وكنا نتوقع فشلهم الحتمي، سيما وأنهم قلدوا شركات كثيرة من قبيل»نوكيا» و»سيمنس» و»ألكاتيل» وكانت لديهم شركة صغيرة في السوق لا تكاد تحسب في سوق الاتصالات، لكن الذي أريد التأكيد عليه في هذا الباب هو أن شركة هواوي بالرغم من أنها تسوق نفسها على أنها شركة خاصة ومستقلة على الدولة، فإنها استفادت كثيرا من دعم بلدها، ونجحت الخطة فيما بعد». بدأ الزحف نحو امتلاك السوق المغربية بطيئا جدا، لكن سرعان ما يسير بخطوات عملاقة. في البداية أزاح بإغراء الأثمان منافسين تقليديين لم يفهموا كيف فقدوا السوق المغربية في رمشة عين، ثم شرعوا في ربح صفقات وطلبات عروض للفاعلين في مجال الاتصالات، ثم انتهى بهم الأمر إلى تحقيق النتائج التالية: ما يقارب 75 في المائة من صفقات شركات اتصالات المغرب لتجديد خدماتها وحوالي 90 في المائة من شركة إنوي ثم التحقت ميديتيل بحظيرتها بحوالي 60 في المائة. بطبيعة الحال نحن لن نشك في شفافية هذه الصفقات رغم أن ما حدث في الجزائر يجعلنا محاطين بالكثير من الشكوك. في الجارة الشرقية تفجرت قضية من العيار الثقيل حينما قرر القضاء الجزائري أن يتابع مجموعة من المسؤولين الصينيين في الشركة ذاتها بتهمة دفع رشاوى كبيرة لمسؤولين جزائريين. كتبت الصحافة الجزائرية حينها أن «محمد بوخاري وشامي مجدوب متهمان بإبرام صفقات مشبوهة بين 2003 و 2006 وتبييض أموال مع إلحاق ضرر بمجمع اتصالات الجزائر. وقد تورطت في هذه القضية مؤسستان صينيتان وهما «زتو ألجيري» و»هواوي ألجيري» بحيث وجهت لهما تهم تتعلق بمنح رشوة للمتهمين بوخاري ومجدوب، من أجل إبرام صفقات مشبوهة على حساب مجمع اتصالات الجزائر. والتمس وكيل الجمهورية 20 سنة سجنا نافذة مع دفع غرامة مالية تقدر بمليون دينار ضد محمد بوخاري وشامي مجدوب. والتمس وكيل الجمهورية أيضا عقوبة 10 سنوات سجنا نافذة مع دفع غرامة تقدر بمليون دينار ضد ثلاثة إطارات من شركتين صينيتين «زتو ألجيري» و «هواوي ألجيري» وهم دونغ تاو وشان زهيبو وكسياو شوهفة الموجودين في حالة فرار، بحيث صدرت مذكرة اعتقال دولية في حقهم. وفيما يخص الأشخاص المعنويين وهما شركتا «زتو ألجيري» و»هواوي ألجيري» التمست النيابة العامة غرامة مالية بقيمة 5 ملايين دينار ضد كل شركة. وتتمثل التهمة الموجهة لهؤلاء في الرشوة واستغلال النفوذ. وحسب قرار الإحالة فقد انفجرت القضية خلال التحقيق في إطار ملف الطريق السيار شرق غرب عقب لجنة الإنابة القضائية الدولية التي قادها قاضي التحقيق التابع للغرفة ال9 بالقرب من القطب القضائي لسيدي محمد إلى لوكسمبورغ. وسمح التحقيق بالكشف أن محمد بوخاري وشامي مجدوب قد تلقيا رشوة في الخارج (لوكسمبورغ) لها علاقة بالصفقات المشبوهة (في مجال الاتصالات السلكية واللاسلكية والإنترنيت) التي أبرمتها مؤسسة اتصالات الجزائر والشركتين الصينيتين زاد تي أو الجزائر وهيواويي الجزائر. ومقابل هذه الصفقات المبرمة مع اتصالات الجزائر قامت الشركتان الصينيتان بدفع «عمولات» لفائدة شركتي الاستشارة اللتين يملكهما كل من بوخاري وشامي في حسابات «مفتوحة في الخارج» بلوكسمبورغ.» بعيدا عن لغة الأرقام وحجم الصفقات، تطرح كثير من الأسئلة التقنية والقانونية حول عمل الشركة الصينية. بالنسبة لخبراء الاتصال فإن عمل الشركة يتسم بالغموض، وأدلتهم على مثل هذا الكلام متعددة. أول هذه الدلائل أن شركة هواوي الصينية ليست مدرجة في البورصة كباقي الشركات العالمية المتخصصة في الاتصالات، الأمر الذي يعني أن لا أحد يحاسب الشركة عن التعاملات، ومن الصعب جدا معرفة أرباحها ومصاريفها. يؤكد الخبراء الذين تحدثت إليهم «المساء» أن الشركات الأخرى التي تعمل في مجال»هواوي» نفسه أكثر شفافية وأكثر وضوحا منها، بدليل أنها مدرجة في البورصة، وملزمة بإعلان كل بياناتها لأن هناك مساهمين ينتظرون نتائج الأرباح والخسارات أيضا. الدليل الآخر الذي يسوقه الخبراء في هذا السياق يرتبط باللبس المحيط بعلاقة الشركة الصينية بالدولة، خاصة وأن النظام السائد في الصين مازال محكوما بالملكية الجماعية للمؤسسات والشركات من طرف الدولة. في هذا المقام، يؤكد مسؤول سابق في الشركة أن»المشكل كان دائما مطروحا، خاصة حينما يتم استقدام أعداد كبيرة من الصينيين إلى المغرب بمساعدة من الدولة نفسها، ولا أعتقد بالمرة أن تفوز هواوي بصفقات كبيرة من هذا الحجم، وبأثمان قاهرة لجميع المنافسين من دون الحاجة إلى دعم الدولة، وكلامي يبدو صحيحا إذا علمنا أن هواوي شركة كبيرة ولها فروع في بلدان مختلفة في العالم». ثارت ثائرة الصينيين في ماي من العام الماضي لما أصدر الاتحاد الأوربي تقريرا صادما حول شركتين صينيتين هما «هواوي» و»تشونغشينغ»، متهما إياهما بالاستفادة بطرق غير مشروعة من قروض صينية تابعة للدولة، مما يخل بمبدأ التنافس المتكافئ بين جميع الشركات، بالإضافة إلى أن التقرير اتهم الشركتين بإغراق الأسواق بمنتوجات رخيصة، وأظهرت بعض الكشوفات، حسب التقرير ذاته أن الشركتين استفادتا من قروض غير مشروعة ولا تتلاءم مع طبيعة المنافسة المفروضة بموجب القوانين الأوربية. هدد الاتحاد الأوربي بمعاقبة الشركتين، فيما رفضت الشركات الصينية هذه الاتهامات معتبرة إياها كاذبة»إذ أن الشركات الصينية تشتغل بنزاهة وشفافية». أن تكون شركة خاصة لا يشبه تماما أن تكون شركة مملوكة للدولة. نشرح أكثر: إذا كانت الشركة مملوكة للدولة أو تساعدها بطريقة سرية، فإنها تقضي على مبدأ التنافسية الحرة التي تضمنها القوانين وتضمنها قوانين الصفقات العمومية. بصيغة أخرى، من حقنا أن نطرح التساؤل حول ما إذا كانت الدولة الصينية تتدخل بطريقة أو بأخرى في تسيير الشركة باستحضار النموذج الصيني القائم على امتلاك الدولة لكل رساميل الشركات؟ الصين تعرف عنك كل شيء يستمر الغموض، ليصبح خطيرا على الأمن المعلوماتي والاقتصادي المغربي، وأشد خطورة على معلومات حساسة تخص المغاربة وتخص الدولة المغربية. بحسب المعلومات الدقيقة التي حصلت عليها الجريدة بإمكان الشركة الصينية هواوي أن تعرف كل المعلومات عن زبناء الفاعلين الثلاثة عبر برنامج يسمىLe cœur de réseau . يتيح هذا البرنامج الذكي إمكانيات كبيرة لمعرفة معلومات غاية في الدقة عن مستعملي شرائح الهاتف النقال من مثل: من أي مكان تتصل وعنوان المتصل بهم وأماكن تواجدهم حتى ولو لم يكن الهاتف في وضعية الاتصال، بالإضافة إلى أن البرنامج يسمح بمعرفة مضامين الرسائل القصيرة والمكالمات، وهي معلومات تصنف في خانة المعطيات الشخصية المحمية طبقا للقانون. علاوة على كل ما قلناه، بقدرة البرنامج أن يعرف أين أشعلت هاتفك وأين أطفأته وهوية المتصلين وكل المعلومات المرتبطة بالمكالمات. يؤكد عامل سابق بالشركة أن الأخطر من هذه المعطيات، يمكن الولوج إلى البرنامج الذكي المتحكم في كل شيء، ويعتبر بمثابة القلب النابض لكل شركات الاتصال، من بلدان خارج المغرب بمعنى آخر يستطيع الصينيون أن يعرفوا أي شيء عن المغاربة واستعمالاتهم اليومية للهواتف النقالة من خارج المغرب بنقرة واحدة وبإدخال قن سري لا يمتلكه إلا قليل من المسؤولين الصينيين العاملين بالشركة. الأسئلة التي ينبغي أن تطرح، حسب الخبراء نفسهم الذين التقتهم «المساء»: هل تعرف شركات الاتصالات الثلاث هذه المعلومات، هل تدرك أنه بإمكان صيني واحد أن يدخل من إثيوبيا إلى برنامج ذكي ويتجسس على مكالمات المغاربة بطريقة سهلة جدا، وهل تعي أجهزة الدولة خطورة الأمر على الأمن الاقتصادي والسياسي للمغاربة؟ الأجوبة تقودنا إلى معطيات تقنية أخرى تتعلق بعمل الشركة الصينية، وكي لا نغرق في متاهات تقنية كثيرة نلخص الأمر على النحو التالي: هناك برنامجان، الأول متاح للعاملين المغاربة وغير المغاربة المشتغلين بالشركة، وهو برنامج محدود الاستعمالات ولا يسمح بأي حال من الأحوال بالولوج إلى المعطيات الحساسة التي تهم تثبيت شبكة الاتصالات في عموم التراب المغربي. يشرح عامل سابق بالشركة بكثير من الإسهاب ممكنات البرنامج»قد يحدث أن يحدث عطل كبير في إحدى أجهزة»الريزو» المنتشرة في كل مكان، وغالبا ما يحدث ذلك في أوقات الذروة كالأعياد وبعض المناسبات، عمليا، ينبغي للعاملين في الشركة أن يتوفروا على كل المعلومات التي تساعدهم في عملهم، لأن الأمر يتعلق في نهاية المطاف بضياع الملايين من الدراهم في الدقيقة الواحدة لو حدث أي عطل، لكن العكس هو الحاصل في الشركة الصينية، إذ لا يمكن للمستخدمين المغاربة وبعض المشارقة العاملين في الشركة نفسها الولوج إلى قاعدة المعطيات إلا بعد الحصول عليها من المسؤولين الصينيين المسيرين للشركة، الأمر الذي يفضي في الأخير إلى خسارة عشرات ملايين الدراهم للفاعلين الثلاثة في مجال الاتصالات». في هذا المنحى بالذات، تفيد المعطيات المتوفرة أن التكنولوجيا المستعملة في قطاع الاتصالات بالمغرب لا يعرفها إلا الصينيون، ولا يسمح لأحد بالاطلاع عليها وحتى ما يسمى ب»documents techniques ، مكتوبة باللغة الصينية. الشيء الأكيد عند الخبراء أن الشركة الصينية تتعامل بمنطق»المعلومة المقننة» التي تقوم على ضرورة الحصول على إذن من أجل استعمالها، لكن دون معرفة قاعدتها التقنية. أما البرنامج الثاني، فهو الأشد حساسية في قطاع أجهزة الاتصالات، ولا يسمح إلا لدائرة ضيقة من الصينيين بالولوج إلى قاعدة المعطيات المتوفرة فيه، وهي المعطيات المتعلقة بنوعية الأعطال وطرق التدخل لإصلاحها والمعلومات الحساسة عن الزبناء، وكل شيء عن قطاع الاتصالات بالمغرب ولا يسألها أحد. في فرنسا وبلدان الاتحاد الأوربي أثير الكثير من الجدل حول هذه النقطة بالذات، إذ شن برلمانيون فرنسيون هجوما لاذعا على الشركة الصينية في إحدى الجلسات، وليس من المسموح أن تستعمل الشركات الصينية البرنامج الثاني داخل بلدان الاتحاد الأوربي. قلنا سلفا إن الاتحاد الأوربي أصدر تقريرا يحمل اتهامات ثقيلة لشركتين صينيتين لمعدات الاتصالات، وقد أدى الأمر إلى نشوء خلافات عميقة جعلت بعض المسؤولين الصينيين يلوحون بورقة استثمارات شركات بلدان الاتحاد في الصين أو ما أسماه المسؤولون الصينيون بالمنافع الاقتصادية المشتركة. لا نزعم أن التكنولوجيا التي توظفها الشركة تستعمل كغاية أولى في التجسس على المغاربة، لكن من حقنا أن نقول إن هذه التكنولوجيا تسمح بفعل ذلك، والعلاقات بين الدول لم تكن يوما مدموغة بالنوايا الطيبة. إنها أسرار دولة، يمكن توظيفها في غايات أمنية وسياسية، وإلا كيف نفهم الأزمة العميقة التي نشبت بين الولاياتالمتحدةالأمريكية من جهة والصين من جهة أخرى حول فضائح التجسس. بالنسبة للصين، فإن أمريكا تتجسس على شركة «هواوي»، وتخرق القانون، وتدخل إلى البرامج الأشد حساسية في الشركة، فيما أن أعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي قادوا تحقيقات واسعة توصلت إلى أن الصين تلج إلى الأسواق بكيفية غير مشروعة، إلى جانب أنها تتجسس على الأنظمة المعلوماتية في أمريكا. الذي يعتقد أن الصراع الصيني الأمريكي الدائر حاليا سببه تباين الإيديولوجيات، هو واهم حقا، لأن أسرار الأمن القومي في جميع مظاهره أهم بكثير من بعض المرجعيات التي عفا عنها الزمن. بالنسبة لمسؤول سابق في شركة «هواوي» فإن الطريقة التي تشتغل بها الصين في المغرب تتيح لها إمكانية التجسس على أسرار حميمة وعلى معطيات تخص الدولة المغربية، ولذلك بات من اللازم جدا في المرحلة الحالية ضبط وتقنين عملها، لتعمل بالطريقة نفسها التي تشتغل بها في الدول الأوربية وفي باقي دول العالم. إذا كان الاتحاد الأوربي والولاياتالمتحدةالأمريكية باتوا قلقين جدا من تعاملات الشركات الصينية العاملة في مجال الاتصالات، وهي بلدان تعرف تقدما كبيرا في المجال، ماذا يمكن أن نقول عن دول إفريقية بالكاد بدأت تتلمس قطاع الاتصالات، فالشركة تتواجد في الكثير من البلدان الإفريقية منها موريطانيا التي فازت بصفقة تجهيز البنيات الأساسية لتكنولوجيا الاتصال. «سماسرية» الاتصالات كل شركات الاتصال في العالم كانت تلجأ إلى حيل قديمة، قبل أن يحاصرها القانون، ونقصد ما يسمى ب»agents»، وهم مجموعة من الأشخاص يمكن أن نطلق عليهم تسمية»السماسرية»، الذين يشبهون لوبيا كبيرا له علاقات مع مختلف المسؤولين، ولديه علاقات متشعبة مع مراكز القرار. يتسم عملهم بالكثير من السرية، ويشبه إلى حد بعيد عمل السوسيولوجيين والأنتربولوجيين قبيل فتح المجال أمام الاستعمار العسكري بمعنى آخر، قبل أي مناقصة، يتم جس النبض والبحث عن علاقات مع مسؤولين كبار، ومع شخصيات قوية لها القدرة على اتخاذ القرار في صفقات بالملايير. في الحقيقية، يعترف مسؤول سابق في شركة أجهزة الاتصالات»كنا نلجأ إلى هذه الطريقة في بداية دخولنا إلى السوق المغربية، حيث كان المتنافسون قلائل، ولم تكن الشركة الصينية قد دخلت السوق المغربية بعد، بالنسبة لوسطاء صفقات الاتصال كانوا يقومون بمجهود كبير في سبيل ضمان فوزنا بالصفقات الكبيرة، وغالبا ما كانت تنجح هذه الطريقة، وهي بالمناسبة طريقة تستعمل في كل دول العالم، بيد أنه بعد اكتشاف هذه الطريقة في الولاياتالمتحدةالأمريكية، صار من الصعب جدا أن نستعين بالوسطاء، لأن ذلك يعرضنا للمحاسبة القانونية، وهذا لا يعني أن بعض شركات أجهزة الاتصالات توظفهم بطريقة مفضوحة بعض الأحيان، خاصة في الأسواق الإفريقية التي لا تعرضها للمحاسبة القانونية. أكثر من هذا، كان من اللافت جدا أن بلدان الاتحاد الأوربي ومعها الولاياتالمتحدةالأمريكية تشدد الخناق على الوسطاء، الذين يسهلون عملية الفوز بالمناقصات، لسبب وحيد، وهو أن المنافسة الحرة والولوج إلى الأسواق بطريقة مشروعة يعدان عنصران مقدسان في عملية الحصول على المناقصات. المارد الأصفر يلتهم المهندسين المغاربة وضعية العمال المغاربة داخل الشركة، استنادا إلى شهادة مسؤول سابق في الموارد البشرية، تستدعي تدخلا عاجلا من طرف الدولة، لأن هناك عقلية»صينية سائدة تريد إخضاع الجميع». يقول المسؤول نفسه إنه»ليس من المسموح للمغاربة أن يتقلدوا مراكز القرار داخل الشركة، أي أن غاية الطموح الذي يمكن أن تبلغه في مسيرتك المهنية هو أن تبقى مهندسا تستفيد مع بعض الزيادات الطفيفة داخل الشركة». بالاستناد دائما إلى المعطيات المتوفرة، فإن الشركة الصينية تعلن دائما أنها حققت أرباحا صغيرة، مما يحرم عشرات العمال من المنح السنوية والفصلية، وهذا هو المشكل الحقيقي من عدم إدراجها في البورصة، إذ ليس في مقدور أحد أن يعرف حجم أرباحها في جميع الأسواق التي تلج إليها، زد على ذلك أن الموارد البشرية العاملة بالشركة قليلة جدا، الشيء الذي يضع عبئا كبيرا على المهندسين المغاربة المتخرجين من المعاهد العليا. المنطق يقول إن عدد المغاربة داخل الشركة يجب أن يكون أكبر من عدد الصينيين الأجانب، فما فائدة الاستثمارات والصفقات الكبرى إذا لم تشغل اليد العاملة المغربية، بيد أن الشركة الصينية، كما يقول عاملون سابقون فيها، تشغل أكثر من 60 في المائة من الصينيين الذين تجلبهم معها. الخطير في الأمر حسب هؤلاء العاملين أن بعض الصينيين يأتون إلى المغرب عبر VISA TOURISTE تضمن حق البقاء في المغرب لمدة ثلاثة أشهر، لكن الشركة تشغلهم وتمنح لهم أجورا حتى بعد نهاية مدة إقامتهم بالمغرب. يعني ذلك شيئا واحدا: المغرب يخسر الملايين من الدراهم بشكل سنوي، لأن أجور هؤلاء تمر مباشرة في حسابات داخل الصين دون الحاجة إلى دفع الضرائب في المغرب، كيف يبقى هؤلاء على التراب المغربي أولا وكيف تحتفظ بهم الشركة الصينية رغم أن القانون واضح في هذا الباب ولا يحتاج إلى الكثير من التأويل؟. يشرح نفس مسؤول الموارد البشريةRH ذلك بإسهاب كبير»تعرف جيدا أن هناك العشرات من الصينيين يقيمون بالمغرب بطرق قانونية، وهم قادرون على فعل أي شيء من أجل البقاء في المغرب، لكن الخطير الذي كنت أنبه إليه دائما كيف يحصل هؤلاء على أجور من دون دفع الضرائب في المغرب، نحن كنا ندافع دائما على أن نسبة المغاربة في الشركة يجب أن تكون كبيرة بالمقارنة مع الصينيين، تصور معي أنه حتى الطباخ المكلف بطهو الأطعمة يأتون به من الصين، هذا أمر غريب جدا، وعندما حاول بعض المغاربة إنشاء نقابة داخل الشركة تعرضوا لمضايقات كبيرة، وتم عزلهم من مواقعهم انتقاما منهم». ليس هذا فقط، فعقود العمل التي يشتغل بها المهندسون المغاربة تتكلف بها شركة مكلفة بأعمال البستنة Société de jardinage ، بعقود عمل مهينة يشرح مسؤول الموارد البشرية نفسه. «كيف يعقل أن يشتغل مهندس مغربي صرفت عليه الدولة الملايين، بعقد عمل موقع من طرف شركة للبستنة والأعمال المرتبطة بالحدائق، بل الأدهى من ذلك أن المهندسين يرتبطون بعقود غريبة تمتد لستة أشهر من التجريب، ويمكن للشركة أن تسرحك بعد نهاية ستة أشهر دون وجه حق، هل رأيتم يوما فترة تجريب تمتد لستة أشهر، لا أعتقد أن هناك مؤسسة بالمغرب تعمد إلى توقيع مثل هذه العقود». وصلت قضية طرد العمال بعد 6 أشهر من التجريب وصعوبة ظروف العمل ذروتها حينما دعا مندوب الشغل بالرباط إلى اجتماع عاجل يجمع العمال وممثلين عن الشركة لمناقشة الأوضاع داخلها، لكن ممثلي «هواوي» لم يحضروا إلى الاجتماع حسب مصادر من داخل مندوبية الشغل بالرباط. «ما نريده فقط هو أن تتعامل الشركة معنا كما تتعامل الشركات الأخرى التي تشتغل في أجهزة الاتصال، بما في ذلك توفير التكوين الجيد وإمكانية الترقي داخل الشركة وضمان نسبة أكبر للمغاربة، بالإضافة إلى المساواة في الحصول على المنح السنوية والفصلية بين المغاربة والصينيين» يقول عامل في شركة «هواوي» بالرباط. حاولت»المساء» بكل الوسائل أن تحصل على وجهة نظر الشركة فيما يرتبط بالانتقادات الموجهة إليها، لكن دون أن تفلح في ذلك، مع ذلك لابد من التذكير بالبيان الذي أصدرته الشركة بعد نشر صحف مغربية لخبر فقدان المغرب للسيادة الاقتصادية بعد فوز الشركة بصفقة شركة «ميديتيل» لتجديد بنية الاتصال للشركة، حيث وصفت عمل الشركة بالمغرب بالشفاف والنزيه، وأنها تشارك في طلب العروض كباقي الشركات الأخرى. وسبق أيضا لمسؤولين للشركة على المستوى العالمي أن واجهوا كل الاتهامات التي وجهت إليهم بالتجسس، بالقول إن هذه الاتهامات نابعة بالأساس من الصراع الاقتصادي بين الصين من جهة وبين الدول الأوربية وأمريكا من جهة أخرى، مؤكدين أن الشركة أصبحت رائدا في مجال الاتصالات بالعالم وتجاوزت شركات ذات أسبقية تاريخية في السوق من خلال تكنولوجيا متطورة ومتقدمة لها فعالية كبيرة. المسؤولون الصينيون قالوا في دفاعهم عن الشركة في وجه الاتهامات الأمريكية والأوربية إن كل الانتقادات الموجهة إليهم لا تعدو كونها تشويشا على عمل الشركة «رغم أن الجميع يعرف أن الشركة تشتغل في جو من الشفافية والنزاهة وتقوم بعملها بالطريقة الصحيحة. كاير: الشركة ملزمة بالانضباط لدفاتر تحملات الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات [[{"type":"media","view_mode":"media_original","fid":"6287","attributes":{"alt":"","class":"media-image","height":"342","typeof":"foaf:Image","width":"765"}}]] - هناك شركة صينية للاتصالات تستحوذ على حصة الأسد من سوق أجهزة الاتصالات بالمغرب في غياب تام للمنافسة، هل يمكن القول إن المغرب مهدد بفقدان سيادته الاقتصادية في هذا المجال؟ أولا يجب التأكيد على أن مفهوم السيادة بشكل عام، والسيادة الاقتصادية بشكل خاص قد عرف تحولات عميقة وكثيرة، بالنظر لما عرفته أشكال وأنماط تدخل الدولة من تغيرات مواكبة من السلطات العمومية لتحرير المبادلات ورؤوس الأموال. انطلاقا مما سبق يمكن القول إن السياسات العمومية للدولة انتقلت من الوظيفة التدخلية إلى وظائف ضبطية، وهو ما يجعلنا أمام ضرورة تنسيب فكرة السيادة بحد ذاتها. وبالعودة إلى سؤالكم فالوكالة الوطنية لتقنين المواصلات هي المخولة قانونا بضبط قطاع الاتصالات عبر منح التراخيص وتصريف الجزاءات في حق المخالفين للتشريعات الجاري بها العمل، وهنا وجبت الإشارة إلى أن قطاع الاتصالات يعد من القطاعات غير المحررة بشكل كامل، وهو ما يمكن استخلاصه من طبيعة المساطر وشروط الولوج، نظرا لحساسيته وأبعاده الاقتصادية والأمنية والسيادية. - سبق للاتحاد الأوربي أن أصدر تقريرا بخصوص الشركة نفسها، متهما إياها بالاستفادة من قروض من طرف الدولة، نريد أن نسألك عما إذا كان الحصول على قروض عن طريق الدولة للفوز بمناقصات إخلالا بمبدأ المنافسة الحرة؟ الحصول على قروض من لدن الدولة لا يشكل عامل إدانة مسبق للشركة المذكورة، على اعتبار أن الحكم بتنافي ذلك مع مبادئ المنافسة يرتبط بشروط وظروف منح ذلك القرض وأهدافه وحيثياته. في هذا الصدد وكما قلت سابقا، فقطاع الاتصالات محكوم بإكراهات تكنولوجية، اقتصادية وأمنية لا تجعله بالضرورة محكوما بهاجس المنافسة الكاملة، وإنما بدرجة أولى بالفعالية، خصوصا عندما يتعلق الأمر بتجهيزات أساسية وبنية تحتية تكنولوجية، مع العلم أن أجزاء مهمة من تلك البنية التحتية لا تحتمل دائما تعددية في العرض، وبالتالي وضعا تنافسيا، كما يمكن أن يكون الحال هكذا في مجالات أخرى من القطاع نفسه. - الشركة الصينية غير مدرجة في البورصة، مما يعفيها من عدم تقديم حساباتها السنوية، كيف تنظرون إلى الأمر؟ طالما أن الشركة لا تلجأ للادخار العمومي عبر السوق المالية، فهي غير مجبرة على نشر حساباتها السنوية، لكن بالمقابل فهي ملزمة بالانضباط لدفاتر تحملات الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات، خصوصا في شقها الحساس المتعلق بالجانب التكنولوجي وحماية شركائها من المقاولات المتعاملة معها من وضعية الهيمنة التي قد تكتسبها نتيجة وضعها كفاعل وحيد. * ثمان كاير أستاذ باحث جامعة الحسن الثاني المحمديةالدارالبيضاء في الجزائروأمريكاوأستراليا.. «هواوي» خارج التنافس بسبب «الرشوة» و«التجسس» في الجارة الشرقية الجزائر، كان كل شيء يسير وفق ما خططت له الشركة الصينية، لكن التحقيقات التي قادها قاضي التحقيق في مشروع الطريق السيار شرق غرب، كشفت عن قضية رشوة كبيرة أبطالها شخصيات جزائرية معروفة ومسؤولون صينيون في الشركة نفسها. أدت التحقيقات إلى كشف الستار، حسب ما كتبته الصحافة الجزائرية، عن «تورط إطار سابق بمجمع اتّصالات »الجزائر في إبرام صفقات مشبوهة وتبييض أموال كبدت مجمع اتصالات الجزائر خسائر فادحة؛ بسبب قبضه إلى جانب رجل أعمال جزائري رشاوى من مؤسستين صينيتين هما «زاد. تي. أو ألجيري» و«هواوي ألجيري» من أجل إبرام صفقات مشبوهة على حساب مجمع اتّصالات »الجزائر.» وحسب المصادر الإعلامية الجزائرية، فإن القضية «انفجرت خلال التحقيق في إطار ملف الطريق السيار شرق غرب؛ عقب لجنة الإنابة القضائية الدولية التي قادها قاضي التحقيق التابع للغرفة 9 بالقرب من القطب القضائي لسيدي محمد؛ إلى لوكسمبورغ، حيث كشف التحقيق عن أن رجال أعمال وشخصيات نافذة قد تلقوا رشوة في لوكسمبورغ، وعلى علاقة بالصفقات المشبوهة في مجال الاتّصالات السلكية واللاسلكية والإنترنت، والتي أبرمتها مؤسسة اتّصالات الصينيتان «زاد. تي. ومقابل هذه الصفقات المبرمة مع اتصالات »الجزائر، قامت الشركتان الصينيتان بدفع عمولات لفائدة شركتي الاستشارة التي يملكها المتّهمان في حسابهما بالخارج». واستنادا إلى المعلومات التي أوردتها وسائل الإعلام الجزائرية إثر تفجير القضية، فإن الشخصيات الجزائرية المتهمة في الملف «تلقّت رشاوٍى بالخارج لها علاقة بمناقصات مبرمة بين المؤسسة العمومية »الجزائر» مع الشركتين الصينيتين «zte» وشhuawei» وأن المبلغ الإجمالي لهذه الرشوة بلغ 10 ملايين أورو، حيث قام «ب. م» و«ش. م« خلال سنة 2003 بإنشاء شركتين غير مقيمتين، ويتعلّق الأمر ب»TRACO BUSINESS LTD» و«DONEY BUSINESS CORP» موطنتين بالجزر البريطانية العذراء، حيث كان للمتهمين سلطة في التصرّف في الحسابات البنكية للشركتين في لوكسمبورغ؛ وقاموا بعدّة تحويلات بمبالغ مالية معتبرة من طرف الشركتين الصينيتين «zte و«huawei» كما توصل القضاء الجزائري إلى معطيات مثيرة حول ملف الرشوة الذي هز الجزائر يومها، مؤداها أن «قاضي التحقيق لدى محكمة القطب بسيدي امحمد؛ تلقّى من السلطات القضائية في لوكسمبورغ محاضر تنفيذ إنابة دولية صادرة عنه، وكذا وثائق بنكية لحسابات شركات غير مقيمة، وحسابات شخصية كان المستفيد منها الوكيل عنها، الموجود في المستشفى حاليا لإصابته بوعكة صحية، بالإضافة إلى أشخاص آخرين. وقد كشف التحقيق عن أن الحسابات المذكورة كانت كلّها مفتوحة في أحد البنوك بلوكسمبورغ، كما توصلت التحريات إلى أن كلا الشركتين تابعتين لشخص في الجزائر موجود رهن الحبس، بعد أن أبلغ قاضي التحقيق نيابة الجمهورية من أجل فتح تحقيق ثان ضد إحدى تلك الشخصيات بجنحة تبييض الأموال إلى جانب شخص آخر بجنحة الرشوة واستغلال النفوذ واستغلال الوظيفة وتبييض الأموال». بعد هذه الواقعة، أصبحت الشركة الصينية»هواوي» محرومة من المشاركة في المناقصات العمومية بالجزائر، الشيء الذي فسح المجال أمام الشركات الأخرى التي كانت قد قهرتها فيما سبق بالمنتوجات المنخفضة الأسعار. وفقدت بذلك الشركة الصينية واحدا من أكبر أسواقها بإفريقيا بعد المغرب. في الولاياتالمتحدةالأمريكية يختلف الأمر تماما، لم يعد الأمر يتعلق باختلالات تشوب الصفقات بقدر ما أصبحت قضية تجسس وأمن قومي واقتصادي يهدد أمريكا وفق ما أعلنه المسؤولون الأمريكيون أنفسهم. لقد وصلت القضية في الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى درجة أن مجلس الشيوخ شكل لجنة خاصة للتحقيق في عمل الشركات الصينية الخاصة بأجهزة الاتصالات، وحذرت غير ما مرة من مغبة السماح للشركات الصينية بالعمل داخل التراب الأمريكي، والتهمة دائما التجسس على الولاياتالمتحدةالأمريكية. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل قال أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي إن الشركة تهدد في العمق أجهزة الاتصالات الأمريكية وتنذر أيضا بنقل جميع الأسرار المعلوماتية حول ميدان الاتصال إلى الصين في ظل صراع محموم بين الدولتين في سبيل امتلاك تكنولوجيا الاتصال. خاضت الصينوأمريكا حربا طويلة الأمد حول شركات أجهزة الاتصال، وصلت إلى أعلى هرم الدولتين، حيث لم تستسغ الصين أن تتهمها أمريكا بالتجسس عليها. تزامن هذا الصراع مع نشر مجموعة من التقارير الصحافية خاصة من طرف جريدة «ديل شبيغل» الألمانية تفيد أن وكالة الأمن القومي الأمريكية تسللت إلى برامج الشركة الصينية»هواوي». في هذا الصدد، خرج المسؤولون الصينيون بأكثر من تصريح فيما يخص قضية التجسس التي أثارتها الصحف العالمية، وقال، يومها، كما نشر في وسائل الإعلام متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية إن بلاده تريد تفسيرا واضحا من واشنطن بشأن تقرير عن أن وكالة الأمن القومي الأمريكية تسللت إلى شركة هواوي العملاقة للاتصالات، مؤكدا أن الصين «قلقة للغاية» من مزاعم التجسس»في الفترة الأخيرة أوردت وسائل إعلام دولية الكثير من التقارير عن قيام الولاياتالمتحدة بالتجسس على أسرار دول أخرى من بينها الصين وسرقتها.» وزاد المسؤول الصيني قائلا»رفعنا بالفعل عدة شكاوى للولايات المتحدة بشأن مشكلات مشابهة. وهذه المرة نطالب الولاياتالمتحدة بتقديم تفسير واضح». أخذت قضايا التجسس بين البلدين أبعادا أخرى وصل مداها إلى تصريحات نارية أدلى بها مسؤولون كبار، الشيء الذي يؤشر على أن قضية تثبيت أجهزة الاتصالات لم تعد مسألة عادية، إنها قبل كل شيء قضية أمن دولة وأمن مواطنيها. بطبيعة الحال، لم يعد من المسموح للشركات الصينية أن تدخل إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية وتحديدا شركة «هواوي» التي أصبحت بمثابة «شبح» مخيف للمسؤولين الأمريكيين رغم كل التطمينات التي تقدمها الصين بكون عملها «شفاف وواضح». بعض الخبراء، يرون أن إغلاق السوق الأمريكية أمام الشركات الصينية، ليس إجراء احترازيا بعد إثارة قضايا التجسس، إنما هو خوف من اكتساح السوق الأمريكية، سيما وأن الشركة الصينية تطرح أسعارا تقهر جميع المنافسين، بالإضافة إلى ذلك أصبحت تتوفر على تكنولوجيا متطورة باعتراف الشركات الأخرى نفسها، ناهيك عن أن المجال الذي باتت تشتغل فيه الشركات الصينية توسع بشكل غير مسبوق، ودخل أسواق جديدة في الكثير من دول العالم. تتشابه القصة في أستراليا مع نظيرتها الأمريكية بعدما قررت حكومتها منع الشركات الصينية العاملة في ميدان أجهزة الاتصالات، إذ أصدرت الحكومة الاسترالية قرارا بمنعها بمبررات أمنية تتعلق دائما بالتجسس واختراق البرامج المعلوماتية المتعلقة بالبلد. ولئن كان حدث شبه اتفاق في الولاياتالمتحدةالأمريكية حول طرد الشركات الصينية، فإن القضية في أستراليا لم تحظ بالتوافق، إذ وجه مسؤولون أستراليون انتقادات شديدة اللهجة إلى الحكومة بسبب منع الشركات الصينية من المشاركة في مناقصات كبيرة. في هذا الإطار لم تتوان الحكومة الصينية في توجيه سهام نقد حادة إلى أستراليا، حيث اعتبرت حسب تقارير صحفية»قرار الحكومة الأسترالية بمنع دخول مؤسسة (هواوي)، رائدة مجال الاتصالات، في أي مشروعات تتعلق بشبكات الموجات الطويلة، بحجة حماية الفضاء الالكتروني الأسترالي، بمثابة «القرار الظالم». وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة التجارة الصينية، شين ديانيانج «بكين لديها قلق عميق بخصوص هذا القرار»، مؤكدا أنه لا يتوجب على أستراليا «طرد» الشركات الصينية باسم «الأمن». ووفقا للمسؤول فإن (هواوي) تعمل في أستراليا منذ 10 سنوات، حيث تبلغ نسبة العمالة الأسترالية في فرع الشركة هناك 90%. . وأضاف شين «الصينوأستراليا بينهما اتفاق بخصوص الاستثمارات الثنائية، ويبلغ التعاون الاقتصادي والتجاري بينهما قمته، يجب على كلا الطرفين توفير جو عادل وحر دون أي تمييز، مع دفع عجلة التنمية الصحية عن طريق الروح البناءة». رغم أن شركة هواوي استطاعت أن تخترق الكثير من الأسواق عبر العالم فإن قضية التجسس صارت تلاحقها، سيما في الدول الكبرى، إلى حد أن الدول السابقة أصدرت قرارات حاسمة بإغلاق الباب أمام الشركات الصينية، فهل يتعلق الأمر بحماية للأمن المعلوماتي والاقتصادي؟ أم منافسة اقتصادية محضة تريد إزاحة الصين عن عرش قطاع الاتصالات في العالم؟