في فرنسا، ولى زمن شنق الشواذ في الساحات العمومية وحل محله زمن ما يعرف ب«كبرياء المثليين»، وهم يعرضون في الشارع اختلافهم الجنسي خلال مظاهرات حاشدة. غير أن وضعية الشواذ ليست بالبساطة التي يعكسها بها تصور شائع مفاده أن فرنسا، العاصمة العالمية للثقافة والموضة، هي أيضا بؤرة ومحج للشواذ. حققت قضية الشواذ بالكاد مكاسب عديدة مردها إلى الظروف التاريخية، الاجتماعية والسياسية التي عرفتها فرنسا، علاوة على نضالية لوبي قوي منتشر في جميع المرافق والمؤسسات، الخاصة منها والعامة، مثل الإعلام (آخر من أحدث الضجة هو جان-بول كلوزيل، الرئيس المدير العام لراديو «فرانس» الذي خرج إلى العلن عاريا في صور لصالح جمعية آكت-أوب)، الموضة (الثنائي إيف-سان لوران وبيار بيرجيه أفضل مثال)، السياسة (مثلا روجيه كاروشي، وزير الدولة المكلف بالعلاقات مع البرلمان، وهو من مواليد الدارالبيضاء، الذي أعلن عن شذوذه الجنسي مؤخرا)، الثقافة والفن (والأمثلة كثيرة: جان جينيه، رولان بارث، ميشال فوكو، الروائي الكاثوليكي كلود مورياك، إلخ...). بيد أن هؤلاء لم يحدثوا حول اختلافهم الجنسي أي ضجيج ولا هرج إيديولوجي لأن جنسيتهم المثلية تندرج في نطاق حياتهم الشخصية. على المستوى السوسيولوجي والتاريخي، يتطابق البوح بالجنسية المثلية مع انبثاق الذات والأنا في مجتمع ديمقراطي، لائكي. ونظرة سريعة إلى وضعية الشواذ في فرنسا عبر التاريخ تظهر لنا أنها لم تعرف تحسنا ملحوظا -بالرغم من أن فرنسا هي بلد الحريات وحقوق الإنسان- إلا منذ وصول الاشتراكيين إلى سدة الحكم عام 1981 بزعامة فرانسوا ميتران. من قبل، مرت وضعية الشواذ بمراحل جذب وصراع مشوبة بالقمع تارة وبالإقصاء في غالب الأحيان: - تعود آخر محرقة ارتكبت في حق الشواذ إلى عام 1750، حيث ضبط رجلان يمارسان الجنس في أحد شوارع مونتورغاي بباريس. وطبقت عليهما العقوبة القصوى، وذلك بحرقهما في ساحة بلدية باريس في 6 من يوليوز 1750. - عام 1789، ألغت الثورة الفرنسية عقوبة جنحة الشذوذ الجنسي. وبتكليف من نابليون بونابارت، عكفت لجنة من أربعة أشخاص على إعداد مشروع قانون، عرف فيما بعد بالقانون المدني ل21 مارس 1804 أو قانون نابليون، والذي يحدد الرشد الجنسي في 15 سنة بالنسبة إلى غير المثليين، و 18 عاما بالنسبة إلى الشواذ. كما استعملت فقرة “المس بالحياء العام”، وذلك لقمع الشواذ. - ابتداء من العشرينيات، تم تشديد قوانين مراقبة الأخلاق مع تقديم لوائح اعتمدها النازيون لاعتقال المثليين ونفيهم، بلغت أوجها عام 1934 مع وصول هيتلر إلى الحكم. وفي عام 1947، تفاقمت الحملة ضد الشواذ تحت نظام فيشي. - في 8 فبراير 1945 وبالرغم من تحرر فرنسا، بقي البند 331 من القانون الجنائي ساري المفعول، وهو ينص على الحبس النافذ من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات مع غرامة مالية تتراوح ما بين 60 و1500 فرنك فرنسي، لكل شخص يقوم بعمل لاأخلاقي مع شخص قاصر لم يتعد 21 عاما. - تحت حكم الجنرال ديغول، صنف الشذوذ الجنسي، تبعا للتعديل الذي اقترحه النائب بول ميرجي، على أنه «وباء اجتماعي». - عام 1968، تبنت فرنسا التصنيف الذي وضعته المنظمة العالمية للصحة والقاضي بإدراج الشذوذ الجنسي في خانة الأمراض العقلية. - عام 1971، تكونت «الجبهة المثلية للعمل الثوري». - في الرابع من أبريل، وذلك قبل شهر على الانتخابات الرئاسية الفرنسية، نظمت في باريس مظاهرة شارك فيها عشرة آلاف شخص، وكانت إيذانا بانطلاق تظاهرة «الغاي-برايد». - بانتخاب الرئيس فرانسوا ميتران، عرفت وضعية الشواذ تغيرا راديكاليا، حيث تكلف وزير العدل آنذاك، روبير بادينتر، بإلغاء كل سبل الميز الجنسي مع تحسين الوضعية الاجتماعية والقانونية للشواذ. - في السادس عشر من ،1999 صوت البرلمان على «الباكس» (المعاهدة المدنية للتضامن بين رجلين). - اعتبر 17 من مايو 2005 اليوم العالمي لمناهضة العداء للمثلية. - في السنوات الأخيرة، قامت «الجمعيات المثلية» ب«حرب عصابات» للتعريف بقضية الشواذ. لكن على الرغم من طفرة وضعيتهم على المستويين القانوني والاجتماعي، وعلى الرغم من شفافيتهم في أكثر من ميدان ومجال: في الثقافة، الإعلام، السياسة، ميدان العلوم، إلخ... فإن ثمة مفارقة بين القانون والواقع، إذ لا تزال تحكم المجتمع الفرنسي ردود فعل سلبية تجاه الشذوذ وأن التسامح المنشود ليس وليد الغد. زد على ذلك الوضع المعقد للشذوذ الذي لا يقتصر فقط على رجل يعيش مع رجل وإنما يشمل أيضا حالة أنثى مع أنثى، (سحاقيات) أو رجل تحول إلى أنثى وفي الوقت الذي يتراجع فيه العداء للشاذين، فإن العديد من الفرنسيين، تبعا لإحصاء أجرته جريدة لوموند الفرنسية، لا يزالون يعتبرون الشذوذ الجنسي سلوكا غير سوي وأنه عاهة طبيعية. وحسب هذا الاستفتاء، فإن 55 في المائة من المواطنين يتبنون تجاه الشذوذ موقف تسامح، فيما يقبله 23 في المائة، أما 22 في المائة فيتخذون تجاهه موقفا غير متسامح. وبناء على هذا الاستفتاء، خلص المحللون إلى أن المجتمع الفرنسي يتسامح ولا يرضى بالشذوذ الجنسي. وإن عدنا إلى مرجعية المعجم، فإن اللغة الفرنسية، مثل العديد من اللغات الأجنبية، تحفل بكلمات ومفاهيم خصيبة في موضوع الشذوذ والشواذ. وهي كلمات ذات دلالة شعبية قادحة وسالبة للفاعلية الجنسية للرجل. ولم يعترف المعجم الفرنسي مثل «لوروبير» بكلمة gay، وهي كلمة وافدة من الإنجليزية، وذات حمولة ملطفة، إلا مؤخرا.