من سمع بنكيران من جديد يشكو حاله وحال حكومته ويقول: «أنا نشكي لو بالعكر وهو يقولي آش خبار الدراري»، يحق له أن يقول مع نفسه إن رئيس حكومتنا أخطأ الموعد يوم 6 أبريل، وأن الرجل كان عليه أن يكون في الصفوف الأمامية من مسيرة النقابات بجانب الطبقة العاملة، حيث إذا اشتكى الرجل «جات معاه»، أما أن يكون رئيس حكومة بكامل صلاحيات وامتيازات المنصب ووراءه مليون صوت، ومع ذلك يشكو ب«العكر»، فذلك ما يسمى في الأدب الشعبي المغربي ب«كل صبع بصنعة». فمنذ وصوله إلى رئاسة الحكومة أثبت بنكيران أن له القدرة الكبيرة والعجيبة والسريعة للتأقلم مع الوضع، وبفضل مواقفه من الأحداث السياسية تمكن من أن يرسم للمواطن العادي أن الحكومة «سمينة وعريضة ومن يديها مريضة»، وحين تظهر غيوم في سماء الأداء الحكومي، سرعان ما يجد «البيجيدي» التعاليق المناسبة عبر اعتماد خطة «اللسان لحم ويهرس لعظم»، ونسمع مجددا حكايات الدولة العميقة والتحكم والاستبداد، وحتى حكاية ذهاب بنكيران إلى حال سبيله بعد 5 أشهر من تعيينه، تصلح في إلهاء المغاربة وربح الوقت، وعوض أن يأتي بنكيران ليتحدث لنا عما حققه من برنامجه ووعوده الانتخابية، وما سيقوم به في النصف الأخير من ولايته الحكومية، نجده يكتفي بالحديث لكن «بلا مغزل». وإذا كان المغاربة يقولون «حديث ومغزل»، فإن أقل شيء يصلح لوصف حال حزب العدالة و التنمية بعد أن دخل الحكومة هو «بات ليلة مع الدجاج صبح يقاقي»، لذلك ليس بغريب أن تترك قيادات «البيجيدي» وعودها للشعب جانبا، وتتخصص في الإنصات لمحكيات بنكيران مع صديقه باها، عن قيادتهما لسيارة التعليم وخروجه من الحكومة، وعن باقي الخرافات السياسية التي يزين بها رئيس حكومتنا ملتقياته الخطابية التي تبدأ وتنتهي بالتصفيقات والشعارات والعناق وتبادل القبل على الجبين، في وقت يوزع المغاربة العزاء فيما بينهم في الشارع كلما وضعوا أيديهم في جيوبهم لشراء الحليب والمحروقات، وحين يشاهد الناس بنكيران وصحبه «فرحانين» في عز الأزمة داخل تجمعاتهم الخطابية يحق لهم أن يقولوا في أنفسهم: «الله يعطينا فرحتكم». وبعد استراحة تطلبتها تقلبات أجواء السياسة العامة في البلاد عاد عبد العزيز أفتاتي إلى تشغيل مدفعيته من جديد، واكتشف هذه المرة أن كريم غلاب هو «كركوز الدولة العميقة»، ولأن افتاتي هو غواص العدالة والتنمية المتخصص في الإبحار وسط أعماق «الفوندو ديال المخزن»، فلم يكشف في المقابل للرأي العام أن العدالة والتنمية هو الذي أوصل غلاب إلى رئاسة البرلمان، واليوم بعدما «طاحت الصمعة» مع حزب الاستقلال، فأول شيء هو «تعليق الحجام»، لذلك ليس بغريب أن يقول أفتاتي: «يجب وضع نهاية لحكم العائلات»، كما لو أنه لم يطلع على الأسماء العائلية الثقيلة التي يزين بها بنكيران نسخته الثانية من الحكومة، لهذا فإن أحسن شيء على بعض القياديين الإسلاميين عندنا القيام به هو «امشط راسك يخفاف وخمل دارك توساع». لكن السؤال الذي يفرض نفسه اليوم بقوة هو: هل ستستمر قيادات العدالة والتنمية عندنا في «الشدان في الخاويات»، وتحويل الحبة إلى قبة، فالمخزن يعرف «البيجيدي»، والأخير يعرف المخزن على قاعدة «النايض عطيوه والراقد غطيوه»، وقديما كان الناس يقولون: «نحس تتعرفو أحسن من سعد تتعرف عليه»، لذلك فالمغاربة لا ينتظرون اللمز والغمز والرسائل المشفرة وتصفية الحسابات وشغل الناس بالشكوى من «العكر» كما يفعل بنكيران، أو بما يحلو أن يسميه أفتاتي بالدولة العميقة، أو حين يقول بوانو: «احنا حزب ديال الكلمة»،... «آسيدي إلى كانت نيت عندكم الكلمة وفاو معانا غير بنصها».