في الوقت الذي كان الجميع ينتظر فيه من صلاح الدين مزوار أن يعلن دفن عجلة الاحتياط ورفض الدخول في حكومة الإخوان، ها هو مقرب منه يعلن، ببساطة، شعار المرحلة القادمة وهو «دفنا الماضي»؛ يعني أن كل الزمن الذي أضاعه المغاربة وأحرقوا فيه أعصابهم ونقودهم لشراء الصحف منذ أكثر من سنتين لمتابعة مسلسل «شد ليا نقطع ليك» بين مزوار وبنكيران، أصبح جزءا من الماضي، وكأنهم يقولون لنا «الجيفة را حنا دفناها بلا وضو»، والآن هم كمن يجتمعون في ليلة عزاء لتحضير عدة الورثة الذين سيخلفون وزراء الاستقلال في حكومة الإخوان. والحقيقة أن الذي دُفن ليس الماضي، بل هو هذه الحكومة التي انتهت «ملحفة» بكفن أزرق يحمله مزوار بين يديه، و«دار الله تاويل ديال الخير» حين تخلى بنكيران عن شعار «مامسوقش»، وجلس مع مزوار ولشكر وبكوري، وأحيانا الله إلى أن شاهدنا رئيس الحكومة يقتسم التمر و«الشباكية» و«الحريرة» مع من كان يصفهم بالفلول والمشوشين والتماسيح والعفاريت،... وحتى مزوار قال إنه لا يهتم كثيرا لاعتذار العدالة والتنمية إليه عما لحقه منهم من سوء، متناسيا أن دخوله الحكومة هو في حد ذاته اعتذار ونصف،... هو الذي كانت قيادات العدالة والتنمية تطالب بمثوله أمام المحكمة في قضية التعويضات الخيالية التي كان يتلقاها حين كان وزيرا للمالية. وحين كان السي بنكيران -كان الله في عونه خلال ما تبقى من شهر رمضان- في حي الأميرات بالرباط يحتسي «الحريرة» بجانب زعماء المعارضة ويصالح مزوار بكلمات غزل لإنقاذ حكومته، كان في وجدة شخص آخر، ليس أحدا آخر غير القيادي عبد العزيز أفتاتي، لم يستطع هضم هذه «الحريرة السياسية»، فما كان منه إلا أن طلع على وسائل الإعلام مطالبا بانتخابات مبكرة للخروج من هذه الأزمة عوض دخول مزوار بالطبل والغيطة في النسخة الثانية من حكومة الإخوان. وحتى يضمن بنكيران في الآن نفسه استوزار مزوار و«تحزار» القيادي أفتاتي، لم يتبق له سوى أن يقترح على العنصر أن ينظم انتخابات فردية سابقة لأوانها للقيادي أفتاتي لوحده في دائرة وجدة أنجاد، فلعلها الطريقة الوحيدة التي سيحقق له المراد عبرها، من جهة، ويحافظ بها على مزوار، من جهة ثانية. والحقيقة أن لسان حال عبد العزيز أفتاتي هذه الأيام يقول: «إيلا درتي بحالك بحالو باش فتيه»، أمام موجة العداوة التي تحولت إلى عناق وحفاوة بين بنكيران وأحزاب المعارضة وبقايا «جي 8». ومن يصدق اليوم أن مزوار سيرجع إلى الحكومة بطلب من بنكيران، فعليه حتما أن يصدق أن الأسنان ستظهر يوما لدى الدجاج. وهذا ما جعل أفتاتي يصاب بعسر الفهم، حتى إن جريدة «واشنطن بوسط» الأمريكية قرأت تخوف القيادي أفتاتي وذكرت، في مقال تحليلي صدر قبل يومين، أن دخول الأحرار إلى الحكومة سيضعفها أكثر، بمعنى أن عجلة «السوكور» التي بحوزة مزوار هي من نوع «روشابي»، كتلك التي تباع في درب عمر بالبيضاء، وهذه لا تحتمل التقلبات المناخية ويمكن أن تنفجر في أي منعرج. وتماما كالمثل الشعبي «حتى طارو الطيور عاد جات الهامة كدور»، يبدو منظر قادة العدالة والتنمية وهم يبحثون عن «الصوفا» لترقيع عش الأغلبية الحكومية مبكيا، هم الذين قدموا أنفسهم إلى الشعب في بداية هذه الحكومة كطوق نجاة وسيف مسلول في مواجهة الفساد، لذلك لا نستغرب جنوح القيادي عبد العزيز أفتاتي إلى الغطس في اتجاه «الفوندو» وهو يتهم الدولة العميقة بإفشال هذه التجربة وتفجير الحكومة من الداخل. لكن حقيقة ما وقع للعدالة والتنمية مكتوبة منذ القدم في ذاكرة الشعبية للمغاربة، وقبل أن يفرح بنكيران بصحبة مزوار عليه أن يتذكر المثل القائل: «من النهار اللي جيت نبيع فيه الحنة كثرو الأحزان».