سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
بنقدور: الحركة حزب تتحكم فيه المصالح ذات الصلة بالريع السياسي وللعسالي دور كبير في توجيه قراراته قال إن هناك في الحزب من يزعم أنه مرتبط بمعيار السيولة والسلالة في الحصول على المناصب الوزارية
أحمد بنقدور واحد من الوجوه الحركية البارزة، التي توارت إلى الخلف في الآونة الأخيرة. لم يتحدث إلى الصحافة منذ مغادرته ديوان محمد أوزين يوم كان وزيرا منتدبا في الخارجية. في هذا الحوار يتوقف صاحب التقرير الإيديولوجي، الذي سلمه امحند العنصر إلى ملك البلاد إثر انتخابه أمينا عاما للحزب، عند الوضع الداخلي لحزب الحركة الشعبية و«الانحرافات» التي يعرفها في الآونة الأخيرة. في هذا الحوار أيضا يوجه بنقدور نقدا قاسيا إلى القيادة الحالية، ويقر بأن هناك من هو أقوى من العنصر داخل الحزب، مؤكدا في سياق آخر أن «هناك من يرهن الفوز بالاستوزار بتعسل السعد، وهناك من يزعم أنه مرتبط بمعيار السيولة أو السلالة». في هذا الحوار كذلك وجهة نظر بنقدور عما رشح من صراع بينه وبين محمد أوزين ورؤيته لمسار الحزب الحالي. - من المعروف أنك كنت وراء صياغة التقرير الإيديولوجي لحزب الحركة الشعبية، الذي سلم إلى ملك البلاد في وقت لاحق. ما الأسباب الحقيقية التي دفعتك إلى القيام بمثل هذه الخطوة؟ - بالنسبة للتقرير الإيديولوجي، فقد جاء في ظرفية سياسية كانت تتسم بالفراغ المهول، الذي يعرفه الحزب على مستوى نشر أدبياته السياسية. وقد كلفني الأمين العام للحزب، آنذاك، بصياغته، وأن أستجمع كل الوثائق والمستندات المتعلقة بحزب الحركة الشعبية منذ تأسيسه. وقد استغرق مني الموضوع اشتغالا متواصلا دام 14 شهرا، انتقيت خلالها 16 ألفا و312 وثيقة موزعة في المنابر الإعلامية الحركية منذ 1958. ويتعلق الأمر مثلا بالصحف الحركية الموجودة في المكتبة الوطنية، أبرزها: المغرب العربي، التكتل الوطني، الشعلة، المعركة، الحركة...وقد توصلت من خلال هذا الجهد الجهيد إلى حقيقة أساسية يجب استدراكها، مؤداها أن ثمة فراغا مهولا للأدبيات السياسية المنشورة من طرف الحزب، لأنه كان يعتمد في تواصله مع المناضلين على الشفوي وبدون تدوين. باختصار شديد، حاولت أن أضع خيطا ناظما بين كل ما جمعته لأرسم التوجهات الثابتة لحزب الحركة الشعبية منذ تأسيسه. وبعد سلسلة من الاستشارات مع رئيس الحركة الشعبية والأمين العام ومع العديد من الخبراء والأساتذة الجامعيين، أنجزت كتابين يحملان مفتاحا ثابتا هو الهوية الحركية، مذيلا بعنوان أساسي. الكتاب الأول هو التقرير الإيديولوجي، والكتاب الثاني قراءة في وجاهة الخطاب. ويتعلق الأمر بقراءة متأنية للمضامين السياسية للكلمات الموثقة لكل من المحجوبي أحرضان وامحند العنصر. وبعد مراجعات مكثفة من طرف القيادة الحركية، سلم امحند العنصر الكتابين إلى جلالة الملك إثر انتخابه أمينا عاما لحزب الحركة الشعبية، وهي بادرة غير مسبوقة في تاريخ الحركة الشعبية. - تقول إنك أشرفت على كل فصول إعداد الكتابين. لكن النسخ التي سلمت للملك حملت اسمك واسم أوزين، رغم أننا نفهم من كلامك أنه لم يقم بأي شيء. - هذه الملاحظة أثارتها صحيفة أسبوعية بعد أسبوع فقط من تسليم التقرير لصاحب الجلالة، وكنت أنتظر أن ينشر أوزين بيان حقيقة حول هذا الموضوع، لكنه لم يفعل. أؤكد لك أن الكتابين من منشورات الحركة الشعبية، وقد كنت منسقا لفريق إحياء الذاكرة الحركية، والحزب هو الذي أدى جميع النفقات المتصلة بإنجازهما. أما الجواب عن السؤال فأتركه للسي أوزين. - هناك من يقول إن الإسراع بإعداد التقرير الإيديولوجي للحزب مبعثه خشية قيادات الحزب من إمكانية استغناء الدولة عن حزب ينتمي إلى تركة الماضي. فهل بعث التقرير الحزب من جديد؟ - صحيح أن هذا التقرير أتى في ظل حركية سياسية جديدة تبتغي بالدرجة الأولى تحريك البرك الآسنة، ولا يمكن، بأي حال من الأحوال، أن نستبعد فرضية أن حزب الحركة الشعبية استنفد أدواره التاريخية، التي كانت تتجلى في تحصين البادية المغربية من الأصوات، التي تريد تقويض أركان الدولة في مرحلة بعينها. للتاريخ، فقد أدى حزب الحركة الشعبية أدوارا وظيفية وتاريخية، تمثلت في ضبط التوازنات الحزبية، التي كانت الدولة في حاجة ماسة إليها، وخاصة في البادية. أما القول بأن الدولة كانت على وشك الاستغناء عن الحزب، فلا أعتقد. بيد أن الاستبداد وغياب التواصل الديمقراطي مع الحركيين يمكنهما أن يؤديا إلى انهيار الحزب. - يعيش حزب الحركة الشعبية على إيقاع الفضائح في هذه الأيام، وهناك حديث عن تصفية حسابات تعود أصولها إلى معركة الاستوزار والصراع حول زعامة الحزب في أفق المؤتمر المقبل. ما صحة هذه التخمينات؟ - من الأكيد أنه كلما طرح ملف الاستوزار داخل حزب الحركة الشعبية، طرحت معه مؤاخذات وانتقادات موضوعية، ومرد ذلك أن الكفاءات الحركية المشهود لها بمساهمات رصينة في إشعاع الحزب لا يلتفت إليها، ولذلك كانت إشكالية المعيار في انتقاء الأسماء الجديرة بالاستوزار مطروحة دائما. هناك من يرهن الفوز بالاستوزار بتعسل السعد، وهناك من يزعم بأنه مرتبط بمعيار السيولة أو السلالة. غير أن الأمر الثابت هو أن الأسئلة السياسية والتنظيمية التي لا تشفي الغليل داخل الحزب تسبب انهيار الحزب وأفول نجمه. أما الهجوم الذي يتعرض له بعض الوزراء المحسوبين على الحركة الشعبية وتداعيات قرب انعقاد المؤتمر على ذلك، فسأخصص لهما مقالات منفردة في الأيام القادمة. - وجهت اتهامات كثيرة إلى الحزب بسبب إقصاء الأطر الحقيقية مقابل إبراز عناصر غريبة عن الحركة الشعبية. هل هذا صحيح؟ -أؤكد، بهذه المناسبة، أن حزب الحركة الشعبية زاخر بكفاءات نظيفة ووازنة، من مختلف الأقاليم وجهات المملكة،غير أن الكثير منهم آثر الركون في العتمة، لأسباب ذكرتها سابقا، ولأنهم يتعرضون باستمرار لمضايقات متتالية. أذكر على سبيل المثال، ونحن في العهد الجديد، الكفاءات ذات الأصول الريفية، إذ حمل بعضهم حزبا على أكتافه وأدمجوه في حزب الحركة الشعبية، وآخرون أسدوا للحزب خدمات جليلة، منها شبكة أطر الحركة، وهي مجمدة منذ فترة، ومنسقها ريفي، بلغة العصبة المحيطة بالأمين العام. كما أن منسق فريق البحث المكلف بصون الذاكرة الحركية، الذي كان التقرير الإيديولوجي من منشوراته، ريفي أيضا بلغة هؤلاء. كما أن عدد أعضاء البرلمان، حسب الأقاليم والجهات، والأصوات الانتخابية في تلك الجهات، قد بوأ الريفيين المقدمة في الحزب. إن إقصاء هذه المعطيات دال على طبيعة الصراع الذي يعتمل داخل الحزب، إنه صراع بين من يريد تحديث الحزب من أجل ملاءمته مع الهواء الجديد، وبين من يجره إلى الوراء بغية تلويث هذا الهواء. إن عملية إقصاء أهل الريف من هياكل الحزب وما يصاحب ذلك من تبعات هو فيض من غيض، علما بأن المبدأ الثابت في الحزب هو الدفاع عن الخصوصية الوطنية، فهل انحصرت هذه الخصوصية في عهد العنصر في الجهة المعلومة فقط؟ إن الأمر المبتغى من صياغة التقرير الإديولوجي هو الالتزام الأخلاقي بمضامينه وليس تقديمه إلى صاحب الجلالة، وانتهى الكلام. - (نقاطعه) هل تقصد أن الحزب بات يتعامل بمنطق عنصري مع كل الكفاءات المخالفة لتوجهاته الحالية؟ -أفضل أن أقول إنه صار حزبا ذا نزعة ضيقة تتحكم فيه المصالح ذات الصلة بالريع السياسي، والأمثلة كثيرة سنتحدث عنها في حينها. استنتجت من كلامك أن هناك أشخاصا أو شخصا داخل الحزب أقوى من الأمين العام نفسه، ويروج بأن حليمة العسالي هي المتحكمة الحقيقية في دواليب الحزب. إلى أي مدى يمكن أن يكون هذا الطرح سليما؟ لا أحب أن أناقش الأشخاص بقدر ما أحبذ مناقشة الأفكار. لكن ما دمت طرحت السؤال حول الموضوع أؤكد لك أن حليمة عسالي، التي أحترمها، لديها دور كبير في توجيه قرارات الحزب، مما يطرح إشكالا كبيرا، لأن العسالي لا تتوفر على المستويين السياسي والمعرفي، اللذين يمكنانها من التأثير الصائب في سياسات الحزب وفي هندسة خياراته. - كانت هناك أخبار قوية بأنك خضت صراعا عنيفا مع أوزين أيام كنت رئيسا للديوان في وزارة الخارجية، ومؤخرا قال في تصريح صحفي إنه يتهم عضوا من ديوانه بتسريب المعلومات حول الدبلومات المزورة، وفهم من تصريحه أنه يقصدك بالذات. ما مبعث كل هذا الصراع؟ - أولا ، أريد أن أؤكد أنني أكن كل المودة لأوزين، وسبق أن اشتغل معي في فريق البحث الذي كنت أشرف عليه. كما اشتغلت معه في وزارة الخارجية كما قلت، وهو لم يذكرني بالاسم. أما ما صرح به، مؤخرا، فيدخل فيما يتلقاه طلبة السنة الأولى لعلوم الإعلام، وهو ما يصطلح عليه بآلية صرف النظر. ويراد بها خلق قضية جديدة للتعتيم على القضية الكبرى التي تشغل الرأي العام. إن القضية الأساس المتداولة في الإعلام الورقي والالكتروني هي: هل حصل أوزين على المؤهلات العلمية التي تؤهله للتهييء للدكتوراة، وهل هو أستاذ للتعليم العالي حتى يترشح بهذه الصفة في دائرة إفران؟ أعتقد أنه من الأجدى أن يحتكم أوزين إلى القضاء صونا لماء وجهه، ولماء وجه الحركيين جميعا. أما عن القضية التي يريد أن يختلقها بأن عضوا في الديوان سرب ما سرب، فهو أمر مردود من عدة وجوه: أولا، سيرته العلمية منشورة بكثافة في وسائل الإعلام، والتسريب في اللغة –كما يعرف- مرتبط بالأمر المتستر الخفي، فأين التسريب من كل هذا؟. ثانيا أما قوله إن الغاية مما يحدث حاليا هي زحزحته، فهذا أمر لايستأنس به ولا يعتد به، لأنه في مهمة محصورة في الزمن السياسي، والزحزحة على المستوى اللغوي واللسني دالة على محاولة تحريك ما هو مستغرق في الثبات والاستقرار، ولو أردت الخوض في هذا الملف لفعلت ذلك إبان حكومة بنكيران الأولى، ولخرجت إلى الصحافة –كما أفعل دائما مرفوع الرأس – وقد كنت وقتئذ في حالة ارتباك مع الإعلام. وتلك هي المناسبة التي يغتنمها من له حسابات في الزحزحة. وأرى أنه من الأنسب لأوزين وللحزب ألا يعود إلى هذا الأمر، ففي التفاصيل يكمن الشيطان، لاسيما أنه يطعن من يقصد في مروءته، والمروءة غالية عند كرام النفوس. - هل تعتقد أن مسار حزب الحركة الشعبية يمكن أن ينتهي بكل فضائحه الحالية؟ - لقد تأثرت سمعة الحزب كثيرا بما قيل ويقال، وفي عهد دستور رائد يحمل الأحزاب مسوؤلية كبيرة في تأطير المواطنين وإعدادهم للمشاركة في الانخراط في الشأن العام، ثم إن ما نشر مؤخرا جعل الحركة والحركيين في مواقف مذلة، ولا دخان بدون نار كما يقال، وأعتقد أن المناسبة سانحة للأمين العام ليكسر عنه الطوق ويحمل المسؤولية لمن ثبتت مسؤوليت في إدخال الحزب في هذا المستنقع. فالثمرات يستفيد منها قاطفها، أما المحاسبة فمن نصيب من أوكل إليه الحركيون أمر حراسة هذاالحزب. - نفهم من كلامك أن في الحزب من هو أقوى من العنصر ويمتلك كل شيء. - إذا نوقشت هذه القضية على مستوى الحقيقة، فإن الأمين العام هو المسؤول الأول عن الحزب وعن خياراته وقراراته. أما إذا نوقشت هذه القضية على مستوى الواقع، فأكاد أجزم أن الأمر غير ذلك. ولأوضح الأمر دعني أذكرك بأنه في سنة 2007 اختار الحزب الانضمام إلى المعارضة، بسبب ورود اسم عزيز أخنوش في قائمة الأسماء المقترحة للاستوزار باسم الحركة الشعبية، الأمر الذي لم يرق لمن هو أقوى من الحزب، لأسباب معروفة. ألا تدعو هذه الواقعة إلى الاستغراب، إذ كيف يمكن أن يرفض الحزب اسما مثل عزيز أخنوش، ذي الجذور الحركية وبكل وزنه السياسي والمالي، ويقبل فيما بعد عبد العظيم الكروج، الذي لا تربطه بالحزب أي صلة. لا شك أن هذا هو جوهر سؤالك.