في 22 يناير الماضي، حضر كريم زاز اجتماعا لمكتب جامعة كرة القدم، بدا غارقا في دوامة السهو يمسح بعينيه مسودة قانون أساسي في طور الصيانة، بينما ظل عبد الله غلام، رئيس وكالة التدبير المفوض لكرة القدم، يتحدث عن علامات التشوير التي زرعتها الفيفا في طريق جامعة الكرة. بعد ذلك، لم يظهر للرجل أثر في اجتماعات هذه الوكالة، ولم يشارك في الحروب الباردة والساخنة ضد وزارة الشباب والرياضة، قبل أن ينتشر خبر اعتقاله بتهمة تهريب المكالمات الهاتفية الدولية وتسويقها في الخارج، ويُودَع المركبَ السجني عكاشة. سكتت جامعة الكرة وانتبه البعض إلى سر الشرود الذي سيطر على الرجل في آخر اجتماع لوكالة التدبير المفوض للكرة، وطالب رئيس فريقٍ، يقوم بعملية إحماء استعدادا للانقضاض على كرسي في الجامعة، من محققي جطو دخول مؤسسة ظلت لسنوات خارج السيطرة والمحاسبة، بسبب وجود حرس خاص على صناديقها التي تعاني من السمنة. لم يكن مسيرو الشأن الكروي يساقون إلى المعتقلات بسبب تهم تافهة، كما هو الحال اليوم، بل كانوا مصدر انزعاج للسلطات. يحكي الحسن الثاني، في «ذاكرة ملك» عن كريم حجاج، رئيس الرجاء السابق، الذي توجد صورته في مدخل إدارة النادي بالوازيس، وكيف أن هذا الرجل المشاكس كان وراء محاولة اغتيال ملك البلاد. لكن الرجاويين يعترضون على الاتهام ويصرون على أن محاولة اغتيال الملك من طرف المقاوم الشرس حجاج تمت قبل أن ينال هذا الأخير صفة رئيس نادي الرجاء، بعد أن استفاد من عفو وردت تفاصيله في مذكرات الملك الراحل. رؤساء الأندية الرياضية في زمن الكرة بالأبيض والأسود لم يعتقلوا من أجل تهم أخلاقية كما حصل مع رئيس فريق سلاوي مدان بالتحرش الجنسي بلاعبيه، بل كانوا تحت رقابة بوليس سياسي يقدر خطورة تسيير فريق كرة له شعبية جارفة؛ فنادي نجم الشباب البيضاوي أعلن الحداد في بداية الستينيات بعد أن تعرض رئيس الفريق حمو الفاخري للاختطاف واقتيد إلى السجن المركزي بالقنيطرة حيث نفذ فيه حكم الإعدام رميا بالرصاص، بتهمة التمرد على النظام ورفض تسليم السلاح إلى الجيش النظامي، بعد أن أصر على الاحتفاظ بالذخيرة الحية كقيادي في جيش التحرير، بينما وضع فريق الكرة في اللائحة السوداء قبل أن يموت بالتقسيط. خطط الجنرال محمد المذبوح الإطاحة برئيس نجم الشباب، وظل، من موقعه القيادي في اللجنة الأولمبية الوطنية، يرفض اختيار لاعبين من فريق درب غلف للمنتخب المغربي بحجة تشبعهم بفكر حمو الفاخري، لكن مكر الصدف شاء أن يموت الرجلان في نفس المكان رميا بالرصاص، الأول بسبب تدبير النسخة الأولى من انقلاب الصخيرات، والثاني بسبب رفضه خلطة جيش التحرير والجيش الملكي. لكل زمن رجاله وجرائمه أيضا، فالتطوانيون يذكرون وحيد التمسماني، الرئيس السابق لفريق المغرب التطواني في منتصف التسعينيات، الذي فر إلى إسبانيا حين ورد اسمه في ضمن مذكرات البحث عن تشكيلة من المهربين المتألقين في دوري عصبة أبطال الاتجار الدولي في المخدرات.. هرب الرئيس وحكم عليه غيابيا بعشر سنوات سجنا نافذا وظل يطل على فريقه من شرفة مسكنه في ألميريا إلى أن سقطت عنه التهمة بالتقادم. ووفق نفس السيناريو، هرب سعيد شعو، البرلماني والرئيس السابق لرجاء الحسيمة، إلى هولندا بعد أن أدين في ملف للاتجار بالمخدرات، لكنه لم يقطع الصلة بالكرة وتحول إلى مدرب لفريق روزندال، في ارتباط وجداني بالكرة التي أدخلته إلى قبة البرلمان قبل أن «تسدده» خارج مربع العمليات إلى الأراضي المنخفضة، لأنه لا يفرق بين «غبرة» ملاعب الكرة المتربة و»الغبار» الأبيض. قضى عبد اللطيف التومي، رئيس الدفاع الحسني الجديدي السابق، صيفا حارقا في سجن سيدي موسى قبل أن يستخلص براءته من تهمة الترامي على ملك عمومي، وقبله قضى محمد فكان، رئيس الفريق الدكالي، في بداية التسعينيات فترة اعتقال بالسجن الفلاحي العادير على سبيل الإعارة بسبب معاملات تجارية، بينما لا يدان كثير من رؤساء الأندية الرياضية في بلادنا بتهمة الترامي على جمعيات رياضية وتسجيلها وتحفيظها لدى المصالح الإدارية. في المهجر، عشرات الرؤساء السابقين لأندية الكرة ممنوعون من دخول البلاد، أغلبهم يشجعون فرقهم ومنتخب بلادهم عن بعد، ويرسلون حبا عابرا للقارات، بل منهم من قرر الهجرة الاضطرارية حين شعر بحبل المشنقة يكاد يلتف حول عنقه، وهو الذي باع ممتلكاته من أجل كرة محشوة بالهواء الفاسد. نتوقف عند حالة محمد الجامعي، العضو الجامعي السابق ومؤسس أجاكس القنيطري لكرة القدم داخل القاعة، الذي كانت رسالة مجهولة تتهمه بتهجير لاعبين إلى الخارج كافية لوضعه في زنزانة سجن القنيطرة، وكأن تهجير المواهب رجس من عمل الشيطان.. حزم الجامعي حقائبه وهاجر إلى الولاياتالمتحدة. الآن وبعد مرور 14 سنة، يدان عضو جامعي بتهمة التلاعب في الاتصالات الدولية، ويتبين للجميع أنه لا فرق بين تهجير موهبة كروية وتهريب مكالمات هاتفية.