منذ أن أسس سنة 1959، عندما كان تلميذا في مراكش، مجلة «مرآة»، وهو «ينط»، مثل والده لاعب السيرك، ببراعة من جريدة للشيوعيين إلى أخرى لليبراليين، واضعا أقلامه وأفكاره رهن إشارة مهنة المتاعب. فوق كرسي الاعتراف، سيحكي قيدوم الصحافيين المغاربة عن تجربته في الحزب الشيوعي، وعن مرحلة دراسته في موسكو، ثم عودته إلى المغرب، وكيف جمع، في نفس الفترة تقريبا، وبانسجام، بين التعاون مع مجلة «أنفاس»، التي أغلقت واعتقل ناشرها بتهم ثقيلة، وبين العمل في وكالة شبه رسمية هي «وكالة المغرب العربي للأنباء». مع عبد الله الستوكي سنتعرف على تاريخ الصحافة المغربية، ما بعد الاستقلال، عبر الوقوف عدد من المنابر التي اشتغل فيها أو تفاعل معها. ومن خلال ذلك سنتعرف على كواليس السياسة والسياسيين في هذه المرحلة الاستثنائية من تاريخ المغرب. على كرس الاعتراف سيحكي الستوكي عن تجربته في تأسيس صحافة «الأحزاب الإدارية»: «الميثاق» و«المغرب»، ثم لاحقا «رسالة الأمة»، مضيئا مجموعة من التفاصيل التي ظلت معتمة، بحكم طبيعة تأسيس هذه الأحزاب والجرائد، التي كانت تنطق باسمها. كما سيتحدث الستوكي عن تجاربه الإعلامية الدولية، ويكشف عن وجه المثقف الذي ظل متواريا خلف صفة الصحافي حامل الخبر. - عندما اشتغلت على ملف الصحراء في وزارة الإعلام، ابتداء من سنة 1974، كيف كان تفاعل أحزاب المعارضة والجرائد الناطقة باسمها مع الموقف الرسمي الذي كنت أنت مكلفا بتصريفه إعلاميا؟ كان التفاعل مع قضية الوحدة الترابية بالقدر ذاته من الجدية والمسؤولية من لدن كل الجرائد، سواء منها المنتمية إلى المعارضة أو إلى الأغلبية، فالحماس الذي كان قد تملك عمر بنجلون، المسؤول حينها عن إعلام الاتحاد الاشتراكي، هو نفسه الحماس الذي كان قد تملك علي يعته، مدير جريدتي حزب التحرر والاشتراكية؛ وحده مولاي عبد الله إبراهيم لم يكن، بالرغم من موقفه المبدئي من قضية الصحراء، يؤجل انتقاداته لنظام الحكم في ما يتعلق بالأخطاء التي وقع فيها من خلال استفراده بتدبير ملف الصحراء. - ما هي، في نظرك، أكبر الأخطاء التي وقع فيها نظام الحسن الثاني في تدبيره لقضية الصحراء؟ الخطأ القاتل كان هو تصويب الاتجاه نحو الجزائر وإهمال البوليساريو التي اكتفينا برمي أعضائها بكونهم أذنابا للجزائر، وهذا ما جعل عددا من المغاربة الذين التحقوا بهذه الجبهة مع الولي مصطفى السيد الركيبي يترعرعون بين أحضانها في غفلة منا ويعمقون انفصالهم ويؤسسون كيانهم بعيدا عن المغرب. - على ذكر الولي مصطفى السيد، فقد كان، أثناء إقامته ودراسته بالرباط، عضوا في الحزب الشيوعي المغربي «التحرر والاشتراكية»؛ هل كنت على معرفة به؟ نعم كان هو ومجموعة من الطلبة المتحدرين من المناطق الصحراوية منتمين إلى الحزب الشيوعي. - هل كانت لك علاقة حينها بالولي مصطفى السيد؟ لا، لم أتعرف عليه عن قرب. - ما الذي كان عسى النظام المغربي أن يفعله لهؤلاء الذين اختاروا الانفصال عن المغرب والانحياز إلى دولة خصم، هي الجزائر، بعد أن كانوا يطالبون بتحرير الصحراء من الاستعمار الإسباني وعودتها إلى حوزة الوطن؟ لقد كان خطأ كبيرا أن نتجاهل هذه المجموعة التي مهما كان ارتباطها بالجزائر فقد كان لها كيان خاص بها. لقد كان خطأ أن نرمي البوليساريو بكونهم مرتزقة ثم نوجه كل تركيزنا إلى الأرض، أرض الصحراء الغربية المغربية، مع إغفال تام للإنسان ومحاورته والإنصات له. وقد تم الإمعان في هذا الخطإ عندما بدأ الجيش المغربي يكتسح أرض الصحراء خلال المواجهات مع البوليساريو؛ فعندما كان بعض الصحراويين يفر من داخل المناطق المحررة نحو تندوف كنا الأمر يفرحنا ويملؤنا انتشاء، فلا نعطي أهمية لكون تكتل هذه المجموعة من الصحراويين من ذوي الإمكانيات المهمة في تندوف يمكن أن يشكل كارثة حقيقية. وقتها، لم يكن يهم نظام الحكم في المغرب غير التمركز في الأرض، وهذا كان خطأ قاتل. - حينما تأسس حزب التجمع الوطني للأحرار سنة 1978 أسندت إليك مهمة الإشراف على إعلامه «الميثاق الوطني» و»Maghreb». لماذا وقع الاختيار عليك أنت بالذات، وما كواليس نشوء جريدتين، خُلقتا، شأنهما شأن الحزب المعبرتين عن حاله، وفي فمهما ملعقة من ذهب؟ بعد أن توقفت عن العمل في ديوان وزير الإعلام، أحمد الطيبي بنهيمة، انتقلت للاشتغال في ديوان أحمد عصمان، الذي كان آنئذ وزيرا أول، وكان عبد السلام زنيند يشتغل إلى جانبه ككاتب دولة في الشؤون العامة والشؤون الصحراوية. بعد بضعة أشهر من الاشتغال في الوزارة، طلب مني عصمان وزنيند أن أفكر في خلق جريدة يومية ناطقة باللغة العربية، لأن لسان الحزب الناطق بالفرنسية لن يرى النور إلا بعد بضعة أشهر على صدور «الميثاق الوطني» وسوف يختار له الحسن الثاني اسم «Maghreb»، تيمنا بجريدة مغربية حملت الاسم نفسه كانت تصدر بمدينة سلا في فترة ما بين الحربين العالميتين. - لعل اختيار الحسن الثاني اسما لهذه الجريدة الحزبية هو أكبر دليل على أن الحزب خرج من رحم السلطة.. في تلك الفترة، كان كل ما لا يمر بين يدي الحسن الثاني يعتبر لاغيا، سواء تعلق الأمر بتأسيس أحزاب أو جرائد. - بمعنى أن الحسن الثاني وعصمان كانا، وهما بصدد إصدار جريدتي الحزب، في المراحل الأخيرة للإعلان عن تأسيس التجمع الوطني للأحرار كحزب أغلبي؟ حينها لم يكن الكلام رائجا عن تأسيس حزب جديد، من نوع الأحزاب التي كان يطلق عليها الاستقلاليون والاتحاديون وصف «الأحزاب الإدارية، وعن كون رئاسة هذا الحزب ستعود إلى أحمد عصمان، وكون جريدة «الميثاق» ستكون ناطقة باسمه. الذي حصل هو أنه في يونيو 1977 ستنظم الانتخابات البرلمانية، وسيفتح الباب أمام المرشحين حاملي البطاقة البيضاء «المستقلين» والذين سيكتسحون الساحة بشكل مخيف، حيث إنهم حصلوا خلال هذه الانتخابات على أغلبية ساحقة.. أنا أعتقد أن وزارة الداخلية عملت على تهميش جميع الأحزاب؛ وقد أصرت الدولة، وخصوصا الإدارة الترابية، على الترويج، بشكل غير مباشر، لفكرة واضحة مفادها أنه إن كان هناك من نفوذ فهو لدى غير المتحزبين. ومن هنا انبثقت فكرة خلق حزب التجمع الوطني للأحرار. - إذن، أنت واكبت الحملة الانتخابية، كمسؤول عن جريدة «الميثاق»، متحيزا إلى هذه الفكرة؟ ليس من منطلق التحيز إلى حزب سيخلق لاحقا، وإنما رصدت هذه الظاهرة الانتخابية الجديدة التي تدعم فيها الدولة مرشحين، أفرادا، مستقلين، سيتضح لاحقا أن الغرض من دعمهم هو خلق حزب جديد. - اِشرح لنا أكثر كيف ولماذا تدعم الدولة مرشحين أفرادا ومستقلين عن الأحزاب؟ حينها كان الغرض هو ألا يبقى الحوار ثنائيا ما بين الملك الحسن الثاني والأحزاب التي ورثت المصداقية والشرعية من الحركة الوطنية.. كان الوضع حينها يوحي بوجود منعرج جديد في الساحة السياسية.