عصام نعمان في خطابه السنوي عن «حال الاتحاد»، قال باراك أوباما إن الولاياتالمتحدة وضعت تنظيم «القاعدة» على طريق الهزيمة، إلا أنه اعترف بأن تنظيمات مرتبطة ب«القاعدة» ما زالت ناشطة في اليمن والصومال والعراق ومالي. ماذا عن سوريا؟ الجواب: «في سوريا سوف ندعم المعارضة التي ترفض أجندة الشبكات الإرهابية». الدعم أمّنه الكونغرس الأمريكي بموافقته على عمليات تمويل على مدى أشهر لإرسال مزيد من شحنات الأسلحة الخفيفة، كالرشاشات والسيارات المصفحة، وأخرى أقوى كالصواريخ المضادة للدبابات. رئيس وزراء العراق نوري المالكي سارع إلى الاحتجاج في موقفٍ يربط اضطرابات العراق بالأزمة السورية؛ قال: «إن إيصال السلاح إلى التنظيمات الإرهابية في سوريا يعني دعما لها في العراق. أقول للدول التي تتحدث عن دعم هؤلاء بالسلاح إنكم تدعمون الإرهاب و»القاعدة» في العراق... هذا يتناقض مع دعم العراق في مكافحة الإرهاب». يتضح من كلام المالكي أن الولاياتالمتحدة تدعم الإرهاب في سوريا وتحاربه في العراق. لماذا؟ لأنها تخشى من سيطرة «القاعدة» على محافظات الأنبار وصلاح الدين ونينوى (الموصل) في غرب العراق وتحويلها إلى مراكز تحشيد وتدريب وإعداد وتذخير ينطلق منها الإرهابيون إلى مختلف أنحاء المنطقة. غير أن لدعم العراق في مكافحة الإرهاب شروطا أمريكية، أبرزها عدم انخراطه في محور الممانعة والمقاومة المؤلف من إيرانوسوريا وحزب الله في لبنان. إذا تجاوز المالكي (أو غيره) هذا الشرط، فإن واشنطن ستبادر إلى لجمه بكل الوسائل المتاحة، ومنها دعم تنظيمات إرهابية مناوئة له ولحلفائه. المعيار الذي تعتمده الولاياتالمتحدة في الموقف من الإرهاب هو مدى ملاءمة أو عدم ملاءمة ممارسات التنظيمات الإرهابية لأغراض السياسة الأمريكية ومصالحها في المكان والزمان. ليس ثمة موقف أمريكي أخلاقي ثابت من الإرهاب والإرهابيين، بل موقف براغماتي عملاني لا أكثر ولا أقل. يتأسس على هذا الواقع موقف سياسي قاطع في وضوحه: مواجهة الإرهاب محتّمة عندما يصبح خطرا على الغرب عموما، وعلى الولاياتالمتحدة خصوصا، ما عدا ذلك قابل دائما للتعديل والتمويه. تتجلى هذه السياسة الأمريكية في موقف واشنطن من التنظيمات الإرهابية في سورياوالعراقولبنان؛ ففي سوريا سكتت عن نشاط تنظيم «جبهة النصرة» و»الدولة العراقية في العراق والشام» (داعش) عندما كان هذان التنظيمان الإرهابيان متحالفين مع المجموعات السورية المعارضة في مقاتلة نظام الرئيس بشار الأسد. لكن ما إن دبَّ الخلاف بين «داعش» والمجموعات السورية المسلحة الموالية لِ«الائتلاف الوطني» المعارض، وفي مقدمها «الجيش الحر»، حتى بادر مراقبو وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إي) إلى التدقيق في عمليات نقل الأسلحة على الحدود التركية السورية لضمان عدم تسليمها إلى جماعات إرهابية، ثم ما لبثت واشنطن أن ناشدت الدول العربية الصديقة وقف تمويل تنظيم «داعش» وتسليحه بعد انفجار نزاعه مع «جبهة النصرة». في لبنان تغاضت واشنطن عن تمويل وتسليح مجموعات سلفية متطرفة وأخرى إرهابية تجاهر بعدائها لحزب الله، كما حرصت على عدم تمكين الجيش اللبناني من الحصول على أسلحة ثقيلة، بدعوى ضمان عدم وصولها إلى أيدي تنظيمات معادية لِ«إسرائيل». أدى ذلك إلى إضعاف الجيش اللبناني عندما بادر إلى مواجهة بعض التنظيمات الإرهابية، لكن أمريكا اضطرت أخيرا إلى تلطيف موقفها السلبي من تسليح الجيش، بعدما اتفقت السعودية مع فرنسا على تمويل تسليحه بأسلحة فرنسية تدعم قدراته في مواجهة التنظيمات الإرهابية، بدون أي إخلال بميزان القوى مع «إسرائيل». لعل الولاياتالمتحدة مُقبلة على مواجهة موقفٍ محرج في مصر قريبا، ذلك أن «جماعة أنصار بيت المقدس» آخذة في تصعيد عملياتها الإرهابية ضد الجيش والشرطة المصريين بعد إزاحة محمد مرسي وإسقاط حكم الإخوان المسلمين وانحياز الجيش إلى المعارضة الشعبية بقيادة المشير عبد الفتاح السيسي. الأرجح أن إدارة أوباما ستتغاضى عن نشاط «جماعة أنصار بيت المقدس» ضد الحكومة، لكنها ستقوم بشجبها ومحاربتها، في ما إذا صعّدت عملياتها من سيناء ضد «إسرائيل». بكلامٍ آخر، عندما تصبح «الجماعة» خطرا على «إسرائيل» وبالتالي على الغرب، فإن الولاياتالمتحدة لن تتأخر في محاربتها، وربما في دعم الجيش المصري، ولكن ليس إلى الحد الذي يمكن أن يشكّل خطرا على الكيان الصهيوني. ما تداعيات استئناف تسليح المعارضة السورية على المفاوضات في مؤتمر جنيف - 2؟ ثمة احتمالات خمسة: أولها، تفاقم القتال بين «الجبهة الإسلامية» و»الجيش الحر» وسائر التنظيمات التي تتلقى تمويلا وتسليحا من الولاياتالمتحدة والسعودية، من جهة، و«الدولة الإسلامية في العراقوسوريا» (داعش)، من جهة أخرى؛ ثانيها، العودة إلى التنسيق بين «جبهة النصرة» و«داعش» نتيجةَ شعور الأولى بأن حلفاءها المرحليين قد يرتدّون عليها إذا ما تمّ لهم كسر «داعش»، ولاسيما أن «جبهة النصرة» تعلم جيدا بأنها ما زالت مسجّلة على قائمة الإرهاب لدى الولاياتالمتحدة؛ ثالثها، استثمار نظام الرئيس الأسد، بالتأكيد، لفرصة الحرب الدائرة بين أعدائه المتشددين و»المعتدلين» بغية تعزيز سيره في خط «الحل العسكري» أملا في تصفية أعدائه جميعا؛ رابعها، قيام إيران بتلطيف حال الخصومة بين حكومتي تركياوسوريا، من جهة؛ ومن جهة أخرى، تعزيز تلاقي الأخيرة مع بغداد في جبهة موحدة من أجل مكافحة الإرهاب بكل تلاوينه؛ خامسها، استغلال الولاياتالمتحدة مرحلة الاضطراب السياسي والأمني في مختلف أنحاء المشرق العربي من أجل جرّ السلطة الفلسطينية إلى توقيع «اتفاق إطار» مع «إسرائيل» يكون من شأنه تمديد مهلة المفاوضات؛ واحتواء الوضع السياسي في مصر على نحوٍ يحول دون تطبيع علاقاتها بمحور الممانعة والمقاومة، واحتواء الوضع السياسي في لبنان على نحوٍ يضمن المجيء بخلفٍ لرئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان وبحكومةٍ يكونان مواليين لها، والتعاون مع الأردن بغية إقامة جيب منفصل عن حكومة دمشق على طول الحدود الأردنية السورية وخط وقف إطلاق النار مع «إسرائيل» في الجولان السوري المحتل، وذلك لتعزيز المخطط الأطلسي الرامي إلى «فدرلة» سوريا أسوة بالعراق، والمشاركة في الصراع الدائر في العراق وعليه، بغية تمكين محافظات الأنبار وصلاح الدين ونينوى وديالى من الانضواء في إقليم يكون مؤهلا للحكم الذاتي، كما هي الحال في كردستان العراق. إذا أخفقت الولاياتالمتحدة في تحقيق أغراضها المشار إليها، فإن أعداءها الإقليميين يكونون قد أفلحوا في تفشيل مخططاتها، الأمر الذي يحملها، بالتأكيد، على إعادة النظر في استراتيجيتها وسياستها في المنطقة، وبالتالي محاولة التوصل مع أعدائها إلى تسوية تحمي مصالحها الاقتصادية وأمن «إسرائيل».