تتسم الكتابات التي تناولت الوجود اليهودي في المغرب بالكثير من التناقض في تفاصيلها، ففي الوقت الذي تجمع غالبية الكتابات الأوربية على رسم صورة مأساوية لليهود المغاربة ومعاناتهم في ظل نظام مخزني محافظ، ويلتزم بتعاليم الشريعة في تعامله مع أهل الكتاب أو من يسميهم أهل الذمة، ترسم كتابات أخرى، خاصة لكتاب يهود، صورة مغايرة تماما، مفادها أن اليهود المغاربة كانوا يعيشون عصورا ذهبية لم ينعموا بمثيلها خلال تواجدهم في بلدان أخرى، بل كانوا يلعبون دورا مهما في المشهد السياسي للدول المختلفة التي تعاقبت على حكم المغرب. إذ يقول الأمريكي «شيدور مؤلف كتاب «يهودي السلطان «لا يوجد بلد في العالم الإسلامي، بلد احتل فيه الوسطاء اليهود مكانة جد مهمة، كما هو الشأن في المغرب». وتجمع الكتابات التي تؤرخ للوجود اليهودي بالمغرب على الدور الحيوي لهم داخل المنظومة الاقتصادية للبلد، وذلك لتمتعهم بالخبرة اللازمة لاحتراف التجارة والنجاح فيها. وهو أمر ساهم في النظر إليهم على أنهم مورد جد مهم لبيت المال في النظام المخزني، وعلى امتداد الدول المتعاقبة خاصة في العصر الوسيط، وحتى في الدول التي كانت تعرف تضييقا عليهم، كما كان الشأن في عهد الموحدين، وهو ما جعل السلاطين المغاربة يقربونهم منهم، ويمنحونهم أحيانا مناصب عليا في المشهد السياسي المغربي. وبموجب عقد الذمة لم يكن يسمح لليهود كأقلية دينية بممارسة السلطة السياسية أو تقليد الوظائف في مكاتب الدولة. غير أن مقتضيات عقد الذمة لم يتم الامتثال لها في الكثير من ألأحيان، نظرا لما كان هؤلاء يوفرونه من أموال دعم تغري السلاطين، وما كانوا يقدمونه من ضرائب لبيت المال. ويعد العصر المريني أبرز العصور التي نشط فيها اليهود، وتغلغلوا في أجهزة الدولة بدعم من السلاطين المرينيين، بل وكلفوهم في أحايين كثيرة بتمثيل الدولة المرينية كسفراء لدى الدول الأخرى. وحتى في العهد السعدي يؤكد الباحث محمد حجي من خلال دراسته «الحركة الفكرية بالمغرب في عهد السعديين» التقارب بين الجهاز الرسمي السعدي وبين النخبة اليهودية. بدوره يرى المؤرخ «دولاشبيل» أن النفوذ اليهودي مثلا في الجنوب المغربي وسطوتهم السياسية كانت تدفع القبائل المسلمة إلى التقرب من اليهود، بل هناك من كان يتظاهر بانتمائه لليهود. وإذا كان العصر الحالي يتميز بصعود نجم أسماء يهودية احتلت مواقع المسؤولية، كسيرجيو بيرديكو وأندري أزولاي، إضافة إلى بن زكنان الذي تولى وزارة البريد في أول حكومة مغربية بعد الاستقلال، كما كان القصر الملكي مند عهد الحسن الأول ومحمد الخامس يعج بالعشرات من اليهود، الذين بدأت بعض الكتابات الحديثة تكشف عن أدوار مهمة يلعبونها بالرغم من مهامهم البسيطة، كما كان الشأن مع الخادمة مسعودة مرافقة للاياقوت أم الحسن الثاني أو خياط الملك الراحل الحسن الثاني بوطبول. فإن التاريخ الوسيط والحديث للدولة المغربية يظهر تغلغلا أكبر بكثير من الحضور اليهودي الحالي داخل الدوائر السياسية العليا للمغرب، فحتى في العهد الموحدي الذي يوصف بأنه أسوء عهد لليهود المغاربة، تبوؤوا مناصب عالية، كما يقول مصطفى نشاط أستاذ التاريخ في حديثه ل»المساء» إن هناك أسماء يهودية تبوأت مناصب عالية ك«ابن شلخوه» وهو اسم قليل من يعرفه، كان يشغل منصب خازن للمال في سجلماسة على عهد السلطان السعيد الموحدي، وهذا منصب كبير وله حساسيته. في هذا الملف تعيد «المساء» النبش في الكثير من مسارات تسلق السلطة، التي كان أبطالها يهود، عبر سبر أغوار كتابات معاصرة، كما ترسم صورة تعريفية للكثير من اليهود المغاربة الذين تركوا بصمتهم في تسيير الدولة الحديثة، وتكشف عن تداخل الاقتصاد والمال بالسياسة داخل الدوائر العليا للدولة المغربية في العصور الوسطى والحديثة. ابن مشعل.. «حاكم» تازة الذي كانت تهدى له عذراء مسلمة كل سنة لم يعرف المغرب يهوديا متسلطا ومتجبرا أكثر من هارون ابن مشعل، وهو التاجر اليهودي، الذي يتبرأ منه مؤرخ اليهود. كانت مدينة تازة تخضع له خضوعا مطلقا، لماله الوفير الذي كان يشتري به كل شي من العتاد والأسلحة، كما كان يشتري به ضمائر الرجال. حكم تازة في فترة دقيقة من تاريخ المغرب، تزامنت مع بداية عهد الدولة العلوية، كان يتحكم في طرق التجارة المارة من المغرب إلى الجزائر، يخضع التجار يهودا أو مسلمين إلى دفع جبايات، وضرائب على أملاكهم، وتروي المحكيات التي يضمنها المؤرخون في كتبهم أنه كان طاغية، كان ينزل كل أنواع الإهانة بمواطنيه من المسلمين كما اليهود منهم. بلغت وقاحته وجبروته أن أصبح يجبر القبائل المسلمة على أن تهديه فتاة مسلمة عذراء في كل سنة، ففي كل عيد حصاد يهودي، تختار القبائل المسلمة المحيطة بتازة أجمل فتياتها العذارى وتقدمها هدية له مقابل شراء الأمن والأمان منه. كان عاشقا ل»الماحيا» التي كان يستهلكها يوميا، وكان يقدمها لضيوفه في حفلاته الساهرة التي كانت تنظم بشكل يومي، في قصره الفخم بقلب المدينة، هكذا توصف حياة ابن مشعل الماجنة. وبالرغم من ندرة المصادر عن سيرته، إلا أن جل من كتب عنه يتفق على أنه من مواليد مدينة وجدة، من عائلة لها خبرة كبيرة في التجارة، يملكون الكثير من القصور، ورث عن عائلته الثروة والمجد، لكنه بالغ في جبروته، وهي الثروة ذاتها التي جعلته حاكما لمدينة تازة يأمر ويطاع ويفعل ما يشاء، كما شيد أفخم قصر بالمغرب يومها، وكان السكان يطلقون عليه القلعة الحصينة، إذ كان مجهزا بمؤونة تكفيه لسنوات عديدة. وحرصا على تحقيق الأمن والأمان استعان بابنته «زليخا» كمترجمة للوفود الأوربية التي كانت تزوره في قصره الفخم، نظرا لتعلمها في مدارس البلدان الأوربية وإتقانها للعبرية، الفرنسية، الإسبانية، الإنجليزية، إضافة على اللغة العربية، واللهجة الدارجة لغة أهل تازة. كان الزمن زمن فوضى وسيبة في المغرب المشتت، فطغى ابن مشعل وفرض قبضة من حديد على المدينة، وكثر أعداؤه حتى من بني جلدته، حتى اليهود من كبار تجار تازة رغبوا في تقديم المال والعتاد من أجل القضاء عليه. وبفضل قلعته الحصينة وجنوده أصبح من المستحيل الوصول إليه، وتروي المحكيات أن ابنته اتخذت عشيقا مسلما من شباب المدينة المسلمين، كان يقطن معها بالقصر نفسه، ويحضر مجالس وحفلات والدها، مما مكنه من الإطلاع عن قرب على كل التفاصيل الدقيقة لحياة ابن مشعل وقصره وحراسه. كان العشيق ينقل أسرار القصر إلى المولى الرشيد الذي كان يؤسس لحكمه ويخشى من ابن مشعل أن يتقدم ليحتل مدينة فاس، خاصة أن له من الإمكانات والأموال ما يسمح له بذلك، فبدا التخطيط لقتله والاستيلاء على أملاكه. وفي تفاصيل مقتله تختلف الراويات وتتضارب، وتعتمد المراجع اليهودية التي راجعتها «المساء» رواية هي أقرب إلى خيال الأفلام منها إلى الواقع، ويروى أن المولى رشيد تقمص دور الفتاة المسلمة العذراء التي كانت ستهدى لابن مشعل، وكان المولى رشيد قد أخفى أربعين من معاونيه في الصناديق المخصصة لنقل الهدايا لابن مشعل، وبمجرد أن وصلوا إلى بيته، انتفضوا انتفاضة رجل واحد وقتلوه، وصادروا أملاكه الكثيرة. وترى الرواية نفسها أن المولى رشيد استعان بالكثير من المتطوعين الذين أغواهم الطمع نظرا لثروة ابن مشعل. فبعد مقتله شكلت الأملاك الكثيرة التي تم نهبها عاملا حاسما في تجهيز جيش السلطان المولى رشيد الذي استرجع به مدينة فاس. وللقصة جانب آخر مازال حاضر إلى يومنا هذا، مفاده أن الذي استعان بهم المولى رشيد كانوا طلبة في زاوية الشيخ الواطي الموجودة بمدينة تازة، فقد أصبح طقسا سنويا وهو ما يعرف باسم «عيد سلطان الطلبة»، حيث يحتفي الطلبة بسلطان منهم عدة أيام، إحياء لقصة القضاء على طاغية تازة اليهودي، لتخليص المسلمين من شروره وطمعا في أملاكه الشاسعة. شمويل ليفي.. مستشار الظل بالرغم من دوره الكبير وتأثيره في رسم السياسة العامة للمغرب إبان فترة السلطان المولى عبد الله، إلا أن الكتابات التاريخية تتجاهل شمويل ليفي بن يوليوز، ودوره وحضوره في رسم هذه السياسة، خاصة الخارجية منها في شقها الدبلوماسي. شمويل ليفي بن يوليوز كان «نجيدا» للجالية اليهودية بمكناس، مسؤولا عن تسيير شؤون الجالية اليهودية في المغرب من طرف السلطان نفسه، لكنه إلى جانب دوره كزعيم لليهود في مكناس وباقي المدن، وكناطق باسمهم ومدافع عن مصالحهم، كان يتردد على السلطان المولى عبد الله بصفة شخصية وسرية، في جلسات مغلقة موضوعها الاستشارة التي كان السلطان يطلبها من كبار تجار اليهود اقتداء بأسلافه، حيث لم يكن السلطان يتردد في أن يطلب المشورة من أحد أهم وأبرز التجار اليهود في مدينة مكناس. ويذهب «روبير أصراف» في كتابه «محمد الخامس ويهود المغرب» أن شمويل ليفي بن يوليوز يعد من أهم المستشارين السياسيين للمولى عبد الله، بل قد يعد أهمهم على الإطلاق. لقد كان شمويل ليفي بن يوليوز مستشار الظل، الذي لم تكن تهمه البهرجة والظهور أمام العامة، وكان صادقا في نصحه للسلطان، مع اختياره أن يظل مستشار السلطان في الظل، وهو ربما السبب وراء شح المعلومات عنه وندرتها مقابل أسماء يهودية أخرى. موشي بن عطار.. يهودي جعل الموانئ تقفل يوم السبت يوصف أنه مستشار الظل، تاجر يهودي يتحدر من عائلة مكناسية مشهورة، سخر مواهبه في خدمة الدبلوماسية المغربية، وكان اسما لامعا لدى البعثات الأجنبية الممثلة في المغرب. كان يناور الأوربيين، ويخرج بأكثر المنافع، حتى داع صيته في البلاد الأوربية، فكان يوصف أنه اليهودي الذي أخلص للسلطان المولى إسماعيل، ووضع كل خبرته في خدمته. موشي بن عطار من عائلة يهودية تتحدر من إسبانيا، استقرت في المغرب خلال القرن الرابع عشر، ورغم أن فروعا من عائلته هاجرت إلى تركيا ولندن، إلا أن غالبيتها استقرت في المغرب، أبرز شخصياتها حاييم بن عطار الذي عاش بدوره في مدينة فاس وأسس وترأس مدرسة يهودية تلمودية. وتعود بداية دخوله البلاط السلطاني إلى الفترة التي سطع فيها نجمه في أوساط التجار اليهود، فاستقطبه المولى إسماعيل الذي لم يكن له وزراء في تسيير شؤون البلد، خاصة ما يتعلق بمهام الدبلوماسية والتباحث مع الدول الأوربية فجعله من مقربيه. منحه ضمانات مقابل أن يسهر على السلك الدبلوماسي للمغرب، وقد شغل موشي بن عطار منصب نائب للملك على كل الجنوب المغربي، في الوقت الذي عين خازنا للملك فيما بعد، واستعان السلطان بشقيقه أيضا يعقوب بن عطار، فقد عين حاكماً على ميناء تطوان. ويكشف أصرافّ أن موشي بن عطار كلف إضافة إلى مهامه كنائب للملك في فترة من الفترات بالمفاوضات التجارية بين المغرب وبين إنجلترا، وكان كلما حط ببلد أوربي يستقبل استقبال السفراء الممثلين للمغرب، ويتفاوض باسم المغرب، ويوقع المعاهدات والاتفاقيات باسمه. ويكشف المؤرخ أنه أظهر براعة فائقة في التفاوض، واستطاع أن يتجاوز الظروف الصعبة حينها، كما اختارته إنجلترا للتوسط بينها وبين المغرب في المفاوضات الرامية لإبرام معاهدة سلام بين البلدين، والتي أُبرمت بالفعل عام 1721 ويعد موشي بن عطار حالة فريدة في صفوف الساهرين على شؤون الدولة من اليهود، لأن التشريع الخاص بأهل الذمة كان يمنع أن يوقع هؤلاء الذين كان يستعين بهم السلاطين في الخفاء، أي وثيقة رسمية ملزمة للدولة، إلا أن موشي وقع ميثاق السلام والتبادل التجاري مع إنجلترا. وتكشف الموسوعة اليهودية التي تعنى بأعلام اليهود في الدول العربية، أن سطوته وقوته بلغت مكانة لا تقارن، حتى أن الموانئ المغربية أصبحت تقفل يوم السبت احتراما للطقس اليهودي. ولأنه يهودي، لم يكن له الحق أن يعين رسميا في منصب سام، إلا أن ذلك لم يكن يعني شيئا على أرض الواقع، إذ كان السلطان يتجاهل ذلك، ضاربا عرض الحائط غضب الفقهاء، فقد كانت مصالح المغرب هو من يتفاوض باسمها، ويسافر من أجلها إلى البلدان الأوربية المختلفة، بتفويض كبير من السلطان. في المقابل، مكنه ذلك من أن يكون ثروة هائلة وأملاكا بالجملة في مختلف مدن المغرب التي كانت تغري بالتجارة، مما سيؤثر على وضع عائلته الاجتماعي فيما بعد، لتصير من بين العائلات الثرية في المغرب حتى بعد وفاته. غير أنه، كما سطع نجمه كصاحب الكلمة الفصل في تسيير شؤون الدولة، خاصة في تعاملها مع الدول الأوربية، أفل نجمه بتقارير من سفراء هذه الدول، حيث كثرت التقارير التي تصف خداعه في تجارته مع الدول الأوربية، وتهديد بعضها بأن تتعقبه حتى في المغرب، جعل السلطان ينتبه إلى وضعه ويطلق عيونه عليه، ليتوصل بتقارير تفيد أن رجل دولته القوي، يقوم بالخداع والتزوير، مستغلا وضعه المتميز لدى البلاط السلطاني، فأثار ذلك غضب السلطان عليه، وكانت بداية نهايته، وقرر السلطان إعدامه، وأعطى أوامره بذلك. واضطر موشي بن عطار إلى أن يدفع غرامة مالية كبيرة للسلطان، كي يبعد عنه حبل المشنقة، بعد أن ثبت تورطه في الاختلاس. مسعودة.. حافظة سر للا أم سيدي من الشخصيات التي حظيت بمكانة متميزة في البلاط الملكي، هي شخصية مسعودة اليهودية، مرافقة أم الملك الراحل الحسن الثاني، للا أم الياقوت، لم تكن مسعودة مجرد مرافقة فقط، فقد كانت مستشارة في شؤون الحريم. ممرضة ومرافقة للا أم الياقوت، اتفق معها السلطان محمد الخامس على الاشتغال ستة أيام في الأسبوع وأن يكون يوم السبت يوم راحة، كان الاتفاق يقضي براتب شهري، وكيس دقيق يسلم كل شهر، ويحمل من طرف العبيد إلى منزلها، دون أن تضطر إلى حمله بنفسها. تفانيها في العمل جعلها تحظى بميزات خاصة من طرف السلطان، فوهبها رخصة لمحل بيع السجائر والدخان، وأخرى لسيارة الأجرة. كانت من أهم وظائفها أن تجعل للا الياقوت تفقد وزنها، بعد أن نصحها الطبيب اليهودي أيضا بدلك. كانت مهمتها تقتضي أن تلتزم للا الياقوت بمواعيد تناول الدواء، ومواعيد زيارة الطبيب والحمية التي حددها الطبيب. يوم موت أم سيدي الياقوت، كانت اليهودية مسعودة هي المشرفة على شؤونها، وكاتمة أسرارها التي لم تخرج إلى اليوم، ويذكر أعضاء البعثة التي توجهت إلى انتسيرابي سنة 1954، وعلى رأسها باشا مكناس المختار الذي عينه الفرنسيون بدل الباشا الجنان، توجهوا إلى انتسيرابي لتهنئة الملك محمد الخامس بميلاد الأميرة للا أمينة، وعندما استقبلهم الملك المنفي، كان أول سؤال له بعد الاستفسار عن حالة أمه، هو السؤال عن رفيقتها اليهودية مسعودة، وهل بقيت مرافقة لأمه. سمويل سمبال.. مؤسس الموانىء في المغرب نادرا ما يغيب اسمه عن المؤرخين الذين تناولوا تاريخ اليهود في المغرب، والشخصيات البارزة في الحضور اليهودي في المغرب. كان أول من شغل منصب وزير بمعناه الحالي في الدولة الحديثة، كان دبلوماسيا والكاتب الرئيس في ديوان السلطان سيدي محمد بن عبد الله، وإليه تعود الأمور التي تحتاج إلى قرارات مصيرية، كالترخيص للدول الأوربية بالتواجد في ميناء الصويرة، كما تروي شهادات المؤرخين المهتمين بالمرحلة. «سمويل سمبال» عينه السلطان وزيرا في دولته، لكنه في حقيقة الأمر كان مستشار مقربا من السلطان، بشكل جعله يستشيره في كل كبيرة وصغيرة. تحكي الموسوعة اليهودية أن السلطان المولى عبد الله لم يكن ليقوم بنزهة صغيرة وسط رعاياه من الشعب، دون أن يكون رفقته «سمويل سمبال» ليستشيره في كل أموره. كان ناجحا في تجارته التي كانت تدر عليه الكثير، سمعته وشهرته في أوساط التجار اليهود المغاربة، أثارت السلطان فجعله من المقربين. إليه يعود الفضل في سن الكثير من العادات التجارية للمغرب، خاصة تجارة الموانئ البحرية، أي أن الموانئ البحرية ما كانت لتكون في المغرب وتدر على خزينة البلد الأموال لولا «سمويل سمبال». ويقال إنه هو الذي نبه السلطان إلى أهمية الموانئ البحرية، ودورها في جلب الملايين من الفرنكات عبر فرض الرسوم على السفن التي ترسو هناك. استجاب السلطان لاقتراحه بحذر شديد، لكن سرعان ما أظهر الأمر مردودية كبيرة، تضاعفت مداخيل الدولة، فكان أن كافأه وجعله من أقرب المقربين. لكن دور «سمويل» لم يقتصر على ذلك فقط، بل أصبح الآمر الناهي في شؤون الدولة، وأصبح مستشارا خاصا، حيث اقترح على السلطان أن يستقر بمدينة الجديدة، لقربها من مدينة الصويرة، وبالتالي قربها من الموانئ التي تدر دخلا كبيرا، والتي تم تشييدها بالمدينة، وهو ما استجاب له السلطان مولى عبد الله، حيث كانت المدينة تعرف حضورا لليهود المغاربة، وكانت من أهم مصادر الدخل الناتج عن الجبايات في المغرب، وسرعان ما عهد السلطان إليه أن يسير المدينة وموانئها، فتوفق في جعل الصويرة أهم ميناء في المغرب، يدر الملايين من تجارة السفن القادمة من مختلف البلدان، بل تعدى الأمر الموانئ، إذ جعلها مركزا لإقامة كل القنصليات الأجنبية لأقوى الدول حينها. بعد هذا النجاح الباهر، لم يكن أمام السلطان إلا أن يوكل إليه بأكثر الأمور حساسية، وهي التعامل والتفاوض مع الدول الأجنبية حتى الحديثة العهد بعلاقتها بالمغرب. وكان هو من تولى التوقيع على عقد السلام والتجارة بين المغرب والدانمارك، التي مكنت الأخيرة من التجارة في البلد عبر سفنها التي ترسو في الميناء. وحتى بعد وفاة المولى عبد الله، كان عنصرا أساسيا في صنع السياسة المغربية في عهد محمد بن عبد الله، الذي جعل منه لاعبا أساسيا في جهاز السياسة المغربية حتى وفاته، سنوات قليلة بعد تولي مولى محمد بن عبد الله للحكم خلفا للمولى عبد الله. مايير مقنين.. يهودي السلطان رغم أن عشرات الكتب تناولت سيرة مايير مقنين، إذ تضاربت رواياتها حول مكان وفاته، مراكش أم لندن، رغم أن عائلته مازالت تعيش في لندن، إذ استعان الكاتب الأمريكي دانييل شروتر» في بحثه بإحدى حفيداته التي تعيش حاليا في لندن. لكن الخلاف الذي طال مكان دفنه، لم يبلغ أبدا صفته التي فضل أن ينعت بها، وهو على فراش الموت» يهودي السلطان» إذ يجمع المؤرخون على أن الرجل ظل حتى آخر أيامه على فراش المرض يصف نفسه ب»يهودي السلطان» شغل مقنين منصبا مهما في المغرب كدولة حديثة، فقد خوله السلطان مولاي عبد الرحمن التحكم في التجارة الخارجية، ومنحه احتكار استيراد الكثير من المواد، خاصة الشاي. من كان يريد أن يدخل سلعه إلى المغرب عبر الموانئ، فعليه أن يحصل على موافقة «مقنين» هكذا يقر ظهير سلطاني. فمن هو هذا اليهودي الذي جعل السلطان يصدر ظهيرا يخوله التحكم في موانئ المغرب، ويفوض له بشكل كامل السهر على السياسة الخارجية المغربية؟ مقنين يتحدر من عائلة بدورها هاجرت إلى المغرب للاستقرار هربا من إسبانيا، واحترفت التجارة في جلود الماعز، البقر، اللوز، التمر، الصمغ العربي، صمغ السندروس، ريش النعام والشمع، ونجحت في تلك التجارة، مما جعلها من كبريات العائلات الثرية في المغرب. فطن «مقنين»إلى أنه لا حرية للتجارة، ولا ازدهار لها، دون خط أخضر من السلطان، تقرب من السلطان وعبر المقربين منه، أصدر السلطان ظهيرا حصريا، ويشكل استثناء في حق «مقنين» موجه سنة 1809إلى محمد عبد الصادق عامل الصويرة، جاء فيه ما يلي»نأمر وصيفنا الحاج محمد بن عبد الصادق أن يبقي التاجر ولد مقنين على ما اعتاده منا من المراعاة والتمييز، عن غيره من أهل الذمة؛ لقيامه بوظائف خدمتنا الشريفة، واعتزازه بها .فراع فيه هذا القدر ولا تترك أحدا يسومه خسفا» الكاتب الأمريكي «شرودر» الذي خصص كتابا بأكلمه ل»مقنين» وهو ينقب في كنانيش تجارية قديمة يعود تاريخها إلى القرن التاسع عشر، سيفاجأ بكمية المواد التي كان استيرادها حصرا على «مقنين» بأمر سلطاني، حتى المواد التي كانت تجلب لدار المخزن، كالنسيج، البن، الإبزار، السكر، الورق، قضبان الحديد كان إدخالها إلى المغرب حكرا على «مقنين». وحتى عندما بدأ الشاي يدخل إلى المغرب من الصين عبر بريطانيا، سيحتكر توريده اليهودي «مقنين»، فالمشروب الشعبي للمغاربة أدخله اليهود. بالرجوع إلى الوثائق السلطانية، نجد ظهيرا للسلطان مؤرخا في 22 صفر 1239ه الموافق ل28 أكتوبر 1823م، ورد فيه: «اقتضى نظرنا الشريف الإنعام عليه بالوسق من أربعة من مراسينا، وهي العرائش ومزكان والدار البيضاء وآسفي، لأنواع السلع الآتية: القمح والثيران والغنم والدجاج والشمع والجلود والصوف، ولجميع المسوقات من السلع الخارجة، وأمرنا بأن يتخذ نوابا عنه في جميع المراسي المذكورة، فيلزم على كل من يريد وسق السلع من تلك المراسي، الحصول منه على إذن بذلك، والتفاهم معه أو مع نوابه»، والمقصود بالمنعم عليه اليهودي «مايير مقنين». بدوره لم يكن مقنين يفلت أي فرصة للتقرب من السلطان، ففي مناسبة مرض السلطان وعندما تعافى، بادر مقنين إلى إقامة وليمة فاخرة على نفقته الخاصة في رياض سلطاني. ساهم ذلك في تقربه من السلطان الذي عينه مسؤولا عن المفاوضات السياسية الخارجية مع الدول الأجنبية. فأصبح «مقنين» متحكما في كل دواليب القرار السياسي للسلطان، خاصة فيما يتعلق بمنح رخص التجارة. ويكشف ّكتاب» يهودي السلطان»، أن كل الدسائس المحبوكة ضد مقنين سواء من طرف اليهود المنافسين، أو من طرف الإنجليز في الحيلولة دون تقديم خدماته للسلطان بوصفه الوسيط الرئيس بين المخزن وبين البعثات الدبلوماسية الأجنبية المستقرة في طنجة، بل إن حظوته وسلطاته تزايدت بشكل كبر جدا. فأصبح الآمر الناهي في التجارة الخارجية للمغرب مع كل البلدان الأوربية، وعينه السلطان سفيرا فوق العادة لدى جميع الدول غير الإسلامية خاصة الأوربية. انتهى عهده عندما عينه السلطان سفيرا للمغرب لدى بريطانيا، رفض البريطانيون قبول أوراق اعتماده رغم تشبث السلطان به، وكان سبب رفض بريطانيا له أنه متورط في عمليات اختلاس وتدليس في تجارته العابرة للحدود. ويصف تقرير بريطاني «مقنين» ويهودي آخر بالقول» من السيد مقنين العظيم، الذي قاد عربته من أربعة خيول في لندن، فأصبح قاب قوسين من الإفلاس متسببا في خراب الآخرين، وصلا إلى التافه يعقوب، المزود لنا بالمؤونة، الذي كان خدع السلطان وخدعنا نحن أيضا، فضلا عن إخوانه في الدين....» رفض السلطان الاتهامات وتشبث بسفيره، لكن تزايد دسائس منافسيه من اليهود، سيكشف للسلطان خداعه فيما بعد. تورط مقنين في المتاجرة، لحسابه، بأموال أمنه عليها السلطان. وتورط معه أخوه شلومو مقنين، وعامل الصويرة وأمناء الجمارك بمرساها؛ مما جر عليهم غضب السلطان ودخول السجن. بعد هذا سيتقدم مقنين بطلب العفو، وسيستجيب له السلطان باعتبار أنه استوفى ديونه من السفينتين المحجوزتين، وسيعود التاجر اليهودي إلى المغرب لمواصلة أنشطته التجارية ،سواء الشخصية، أو التمثيلية؛ أما تجار لندن فلم تدعمهم حكومتهم بما يكفي لاستعادة حقوقهم؛ حفاظا على مصالحها المشتركة مع المخزن. ليون بن زاكين.. طبيب أسلاك البريد عندما استقل المغرب عن الحماية الفرنسية وعد الملك الراحل محمد الخامس أن يكون دستور المغرب ضامنا للمساواة بين جميع المغاربة يهودا ومسلمين، وهو ما تأتى فعلا عند تعيين أول وزير يهودي في أول حكومة بعد الاستقلال، إذ تم تعيين الطبيب اليهودي الشهير ليون بنزاكين وزيرا للبريد في أول حكومة مغربية، وكان ذلك أعلى منصب يصله يهودي مغربي في المغرب الحديث، رغم أن تاريخ المغرب لا يخلو من مناصب أعلى بكثير من منصب وزير. من مواليد سنة 1928 بمدينة طنجة، عرف عن ليون بن زاكيين قربه من الملك الراحل محمد الخامس، حيث ارتبط بعلاقات وطيدة معه، جعلته لا يتوانى في تعيينه في المنصب مباشرة بعد إعلان استقلال المغرب، فقد كان الطبيب الخاص لمحمد الخامس، وفي الوقت الذي اختلفت الآراء وسط المجتمع اليهودي المغربي عن اختيار اسم لتمثيلهم داخل الحكومة، تشبث محمد الخامس بطبيبه الخاص كمرشح للمنصب. وفتح تعيين ليون بنزاكين وزيرا في حكومة مبارك البكاي الباب ليهود آخرين كي يتولوا مناصب المسؤولية، أبرزهم دافيد بن أزراف وجو حنا أوحنا وجاك الكايم ولوسيان بن سيمون روعي في تشكيل المجلس الوطني الاستشاري في نونبر 1956. يعقوب بن يدر.. الإنجليزي سفير السلطان يعقوب بن يدر من الأسماء اليهودية التي كانت تشكل حضورا وازنا في صياغة السياسة المغربية، سواء الداخلية أو الخارجية، لكن رغم ذلك يحضر ذكره عرضا في كتاب «يهود السلطان المغرب وعالم اليهود السِّفَرَد» « للكاتب الأمريكي دانييل شروتر. من مواليد عائلة يهودية مغربية ثرية جدا، هاجرت بدورها من إسبانيا بحثا عن نعيم دولة المغرب، التي كان اليهود يصلون فيها إلى مناصب المسؤولية. سبق له أن أقام في جبل طارق، لذلك سجل في وثائق بريطانيا ضمن لوائح المواطنين البريطانيين، بل إنه واصل تعليمه وصعوده في المجتمع البريطاني إلى أن وصل إلى أرقى المناصب، وشغل منصب قنصل بريطاني في مرسى الصويرة، أكادير ثم آسفي، وكان مبعوثا ساميا للتاج البريطاني. لكنه سرعان ما رجع إلى المغرب واستقر به، هرب من خدمة التاج البريطاني، بعد استقراره في المغرب، تقرب من السلطان محمد الثالث حتى أصبح من أقرب مقربيه، يستشيره في كل الأمور، وكانت كلمته مسموعة. شكلت خبرته كقنصل لبريطانيا ثقلا كبيرا في حضوره أمام السلطان، الذي كان ينبهر بتجربة هذا القادم من وراء البحار، والذي يرطن بلغة الأعاجم، فرغب في أن يستفيد منه. جعل له مكانة مميزة، وأطلق له اليد في تعيين القائمين على تسيير شؤون المفاوضات مع البلدان الأجنبية، وسرعان ما عينه مسؤولا مباشرا على السياسة الخارجية للملكة. أرسل مبعوثا للسلطان إلى بريطانيا من أجل مفاوضاتها حول تزويد المغرب بالأسلحة والعتاد الضروري من أجل تحرير مدينة سبتة، مقابل أن يقوم المغرب بتموين مستعمرة جبل طارق البريطانية بالمواد الأساسية والماء الصالح للشرب، إبان الحرب البريطانية الإسبانية، وهو ما رفضته بريطانيا آنذاك. وكان هو من نصح السلطان في أن يستغل حرب بريطانيا مع إسبانيا من أجل الاستفادة منها. سنوات بعد ذلك، سيعينه السلطان محمد الثالث سفيرا للمغرب لدى إنجلترا، لكن بريطانيا رفضت قبوله بدعوى حالة التنافي، لأنه كان يعد مواطنا بريطانيا، وسبق له أن شغل مناصب سامية في الدولة البريطانية. حال ازدواج الجنسية من أن يشغل منصب سفير المغرب لدى بلاد الإنجليز، لكن قربه من السلطان وسطوته في كل أرجاء البلد حوله لأحد أثرى أثرياء مدينة الصويرة حيث كان يمتلك عقارات شاسعة. اتهمه البريطانيون بالخداع والتدليس في التجارة، وفعلوا كل شيء من أجل أن يسترجعوه ويحاكموه، لكن حظوته لدى السلطان جعلت الأخير يقف سدا منيعا في وجههم. رفض السلطان تسليمه، رغم كل الإغراءات التي قدمت له، داعمين طلبهم بكل ما يعتقدون أنه حججا على الخروقات التي يرتكبها في تجارته مع أقطارهم. فقد اتهموه بخداع العشرات من التجار البريطانيين، كما أنه كان يستعين بالاحتيال من أجل الترويج لتجارته في بريطانيا بطرق كانت تبدو بريئة وقانونية، لكنها كانت في الواقع عبارة عن احتيال على قوانين بريطانيا، وهو ما ساهم في تضخيم ثروته. ورغم كل المحاولات والإغراءات التي قدمت للمغرب من أجل محاكمته في بريطانيا، فقد رفض السلطان تسليمه إلى القضاء البريطاني، حتى توفي ودفن في المغرب. جوزيف معيمران: حاكم المغرب في عهد السلطان العلوي مولاي إسماعيل في زوال يوم مشمس دافئ، سقط المولى رشيد من أعلى فرسه، عندما كان يمارس الفروسية، اصطدمت رأسه بشجرة، فأصيب بجروح غائرة لم تمنحه الوقت الكثير، وسرعان ما أنهت حياته، منهية بذلك عهده، كحاكم قوي. كان الرجل الذي نقل خبر الوفاة، يهودي من كبار التجار، له من المال الكثير، وهو من أصحاب الكلمة المسموعة في أوساط اليهود المغاربة بمدينة فاس. يوسف معيمران، أو جوزيف معيمران كما تذكره الكتابات اليهودية، سارع هذا اليهودي إلى إخبار أخ السلطان المولى إسماعيل، عارضا عليه مساعدته ماديا، وتوفير العتاد والرجال له من أجل أن يضمن انتقال الحكم، فهو كما يقول اليهودي» الأحق بالحكم، نظرا لخبرته وحنكته التي اكتسبها بقربه من أخيه السلطان المتوفى. وقبل المولى إسماعيل المال من صديقه اليهودى لتجهيز قواته، واعتبره قرضا يجب أن يرده يوما ما، فلا يجوز أن يظل دينا في عنقه، وهو المتحدر من سلالات السلطان المتوفى. قبل السلطان مولاي إسماعيل المال من صديقه اليهودي، وأعد الجيش وتوجه به إلى مدينة فاس ودخلها غازيا سنة 1672 وبويع هناك من طرف السكان، وسرعان ما استولى على الحكم. وإكراما لليهودي صاحب النصيحة والمال، جعله خادما للقصر، وبالعودة إلى ما اتفق عليه المؤرخون حول معاني «خادم القصر» فتعني المتحكم في كل شيء، في المعينين في الوظائف، وفي المرسلين إلى خارج المغرب للتفاوض مع الدول الأوربية وفي وضع بعض القوانين. ويكشف «روبير أصراف» في كتابه «محمد الخامس ويهود المغرب» أن معيمران حظي بمكانة عالية لدى السلطان، حيث كان يستشيره في كل شيء. وطيلة تلك الفترة الممتدة من 1683-1672، لم يتخل معيمران عن مسؤوليته كرئيس الطائفة اليهودية بالمغرب، أي ما يسمى ب(شيخ اليهود). ويكشف المؤرخ ذاته أن وظيفته كانت بالغة الأهمية داخل القصر الملكي كمساهم في اتخاذ القرار السلطاني، كان يتحكم في كل دواليب القرار في القصر، وهي الوظيفة ذاتها التي تقلدها ابنه «إبراهيم» بعد وفاته. ولعل أبرز شهادة على القوة التي كان يتمتع بها يوسف معيمران هي شهادة سفير هولندا في حقه في ذلك الوقت. ففي تقرير لسفير هولندا بالمغرب بعثه إلى حكومته يقول واصفا معيمران وسطوته داخل البلاط الملكي « إن حظوة معيمران لدى الملك لا تعادلها سوى الحظوة التي كان ينعم بها العظيم كولبير في فرنسا» وسبب الحاجة إلى تقرير السفير ما كانت المملكة الهولندية تعانيه في التواصل بشأن مصالحها التجارية مع المغرب. غير أن الرجل القوي جوزيف معيمران، لم يمهله القدر طويلا، ولم يمنحه وقتا كثيرا للتمتع بسلطته في صنع السياسة المغربية، إذ سرعان ما تم اغتياله. وتتضارب الروايات بشأن اغتياله، إذ في الوقت الذي يرى بعض المؤرخين أن اغتياله قد يكون على يد بعض اللصوص طمعا في ماله أو بعض حساده من داخل البلاط نفسه، نظرا لما صار يتمتع به من حظوة من السلطان، بدورها تكشف الموسوعة اليهودية أن السلطان مولاي إسماعيل قتله بعد أن تقوى نفوذه في أوساط القصر، فأحس السلطان أن سطوته ومكانته أصبحت مهددة من طرف معيمران، خاصة مع استياء الفقهاء من هذا اليهودي الذي يدير شؤون المسلمين، ويتحكم في حياتهم وطقوسهم الدينية. رواية أخرى قد تكون الأقرب إلى الحقيقة بسبب ورودها في الكثير من المراجع، ترى أن قتل يوسف معيمران كان بأمر من السلطان مولاي إسماعيل، بعدما أحس أنه عاجز عن دفع المال الذي أقرضه يوسف معيمران من أجل استيلائه على الحكم، ليأمر باغتياله. بعد وفاته تولى ابنه إبراهيم معيمران المهام نفسها داخل البلاط السلطاني، بل وأتيحت له سلطات أكبر من والده، لكن سرعان ما تم اغتياله بدوره في ظروف غامضة. سليمان بن فاروسال.. رئيس الدبلوماسية المغربية خصص الكاتب الأمريكي دانييل شروتر في كتابه «يَهُودِ المغرب وعالم اليهود السِّفَرَد»، لسليمان فاروسال حيزا كبيرا، واعتبره إحدى أهم الشخصيات التي تركت بصمتها في تاريخ المغرب الحديث. شغل الرجل مناصب حساسة في سلم الدولة الحديثة التي بناها يوسف بن تاشفين، تولى السياسة الخارجية للبلد في عهد أمير المؤمنين الذي كان يعد أكثر الخلفاء محافظة وتشبثا بالدين، كما أن غالبية الشعب المغربي كانت تلتزم التزاما حرفيا بتعاليم الإسلام، وهو ما يجعل تولي بن فاروسال لمنصب مسؤول في سياسة المغرب الخارجية حدثا مميزا واستثنائيا بكل المقاييس. بدروه وعلى غرار باقي بني جلدته من اليهود المغاربة كان تاجر ناجحا، سرعان ما وصلت أصداؤه ليوسف بن تاشفين، الذي لم يتردد في الاستعانة به وتقريبه منه. تكشف الموسوعة اليهودية، أن خبرته وتجاربه المستمدة من أسفاره المتعددة جعلته باقتراح من بعض وجهاء اليهود في المغرب اسما مقبولا لدى القائد يوسف ابن تاشفين. هكذا يعرف «سليمان بن فاروسال» يهودي كلفه ابن تاشفين بالعلاقات الخارجية للدولة الحديثة التأسيس، وفوضه صلاحية التفاوض مع البلدان الأجنبية، خاصة إسبانيا وبريطانيا، لقد لمس ابن تاشفين قدرة الرجل على التفاوض، ففوض له مسائل دبلوماسية. فطن يوسف ابن تاشفين للحضور القوي لليهود في الأندلس، ففكر في أن الحل الأمثل هو رجل من بني جلدتهم يفاوضهم. خصوصا أن الأندلس كانت تعج ببني عقيدته، وهو ما أبلى فيه البلاء الحسن، إذ جنب قوات يوسف بن تاشفين الكثير من الحروب والمعارك. بلغت أهمية الرجل لدى يوسف ابن تاشفين قدرا كبيرا، وحتى في أوساط العامة والمقربين من يوسف ابن تاشفين، ويستشهد الكاتب الأمريكي على ذلك بأنه عندما تم اغتياله في إحدى المعارك الحربية التي خاض غمارها الجيش المرابطي، تنافس شعراء البلاط المرابطين على رثائه بقصائدهم. هارون بن بطاش.. حاكم فاس في عهد آخر سلطان مريني عبد الحق المريني، كان هناك يهوديان هارون بن بطاش وشاويل، كان لهما دور كبير في تسيير شؤون الدولة المرينية. فقد فطن السلطان عبد الحق المريني عند اعتلائه للعرش خلفا لسلفه إلى قوة التجار اليهود ورجال دينهم، فاستقوى بهم، وهو الذي جاء في أيام ضعف الدولة المرينية، وشكل آخر سلاطينها بالمغرب الأقصى. وتكشف الكتابات أن السلطان عبد الحق المريني التجأ في القرن 15 لليهود من أجل أن يقوي موقعه، نظرا للوضع غير المستقر للمغرب حينها. وكان هارون بن بطاش، أحد أبرز التجار اليهود في القرن 15 ومن الأسماء التي لها حضور قوي في أوساط الجالية اليهودية، قربه السلطان منه ومنحه تسهيلات وامتيازات في تجارته، كان هارون بن بطاش رجل الظل والمستشار الذي يظهر ويختفي في الأزمات، فعينه في منصب الصدر الأعظم أو ما كان يطلق عليه يومها كبير وزراء السلطان عبد الحق المريني. بدوره كان بن بطاش يعد من كبار التجار اليهود الأثرياء، لذلك لم يتوان في تقديم مساعدات مالية استغلها السلطان في تثبيت حكمه ودحر خصومه. وزيادة في ولائه لسيده، ساعد السلطان عبد الحق المريني في محاولة تثبيت حكمه واستقراره عبر التخطيط للمذبحة الكبيرة التي تخلص من خلالها السلطان عبد الحق من أقربائه سنة 1458، إذ أعمت السلطة عبد الحق المريني وجعلته يستعين بمقربيه خاصة الوزير اليهودي من أجل تصفية مزاحميه في الحكم من أقربائه. ونفذت المذبحة، لكن عكس المتوقع استاء الناس من جبروت السلطان ومساعده اليهودي، فقد كان السلطان يفقد سلطته شيئا فشيئا لوزيره اليهودي، الذي بدأ يحكم قبضته على كل الحياة في البلد، وهو ما أثار سخط الناس. ففي ذلك الوقت كان السلطان بمنطقة الشمال، ولكن الذي كان يحكم فاس هو اليهودي هارون بن بطاش، يقول النص «ترك اليهودي يقبض من أهل فاس المغارير، أي الجبايات» أي أنه كان هو من يقبض الضرائب من السكان، فشدد عليهم، أي أنه بالغ في قضية الضرائب، حتى قبض على امرأة شريفة وأوجعها ضربا، فثارت العامة وثار المجتمع، وهذا أدى إلى مقتل هارون ومقتل عبد الحق المريني، ونهاية الدولة المرينية» واستاء سكان فاس من بطش بن بطاش ورفيقه «شاويل» فانضم العلماء إلى الغاضبين، وتزعموا الثورة الشعبية، التي أدت إلى مقتله ونهاية عهد المرينيين، كما اغتالوا هارون بن بطاش رجله القوي، اغتالوه في الليلة ذاتها، إذ كان يعتقد هؤلاء أن اليهودي بن هاروش هو الحاكم الفعلي للبلد، وهو من كان يملي على السلطان أفعاله. فنهض مجتمع فاس في وجه هؤلاء بزعامة قائد الثورة خطيب القرويين، ويسمى أبو فارس عبد العزيز ابن موسى الورياغلي، الذي دعا إلى الثورة على اليهود، وإلى خلع السلطان عبد الحق المريني، وتنصيب الشريف ابي عبد الله مكانه. لم تنته الأمور باغتيال بن هاروش، بل كانت سلطته نقمة على بني جلدته، إذ إمعانا في إظهار الغضب من حكم اليهودي ابن بطاش لشؤون المسلمين، تعرض الكثير من اليهود إلى التصفية الجسدية وصودرت أملاكهم، كما أجبر العديد من رموزهم على اعتناق الإسلام في جلسات شبيهة بمحاكم التفتيش التي عرفتها إسبانيا الصليبية، ولم يتمكنوا من العودة إلى ممارسة دينهم إلا في عهد محمد الشيخ الوطاسي. بوطبول.. خياط الملك ومستشاره رغم أن العديد من الشخصيات اليهودية كان لها دور حاسم في الكثير من قرارات المرحوم الحسن الثاني، إلا أن خياطه يبقى مستشار الظل، الذي كان يلجأ له الملك لأخذ رأيه في الكثير من الأمور، بعيدا عن مستشاريه الرسميين. ويكشف « ألبير ساسون» في كتابه «خياطو الملك» أن «رفائيل بوطبول» كان أكثر من مجرد خياط، فقد كان الملك يلجأ إليه في الكثير من الأمور، إذ تجاوز دوره دور الخياط ليشمل دور الخبير في العلاقات العامة، ومستشارا في العلاقات العامة، كان الحسن الثاني لا يتردد في الرجوع إليه في طلب المشورة والنصح في مختلف القضايا. بتولي الحسن الثاني الحكم عمل على أن تتوطد الصلات مع العائلة اليهودية التي امتهنت الخياطة للسلاطين العلويين أبا عن جد، «رفائيل بوطبول» كان من اشتغل مع الحسن الثاني، يعد الألبسة ويباشر إعداد قاعات الاستقبال والإقامات، ومن ثم ينسج، هو الآخر، علاقة عميقة مع الملك، لدرجة أن هذا الأخير كان قد خاطب عائلة رفائيل إثر مماته سنة 1966 بالقول « فقدتم أبا وزوجا، أما أنا فقد فقدت أخا، ويكشف مؤلف الكتاب أن رفائيل لم يعد يقتصر دوره على حياكة الأثواب الفاخرة القادمة من أندونسيا وماليزا وبريطانيا، بل أصبح يقدم النصح للملك الراحل الحسن الثاني « ألبير ساسون، مؤلف هذا الكتاب لم يرث مهنة الخياطة عن سلالته، بل سار ضمن المجال العلمي الجامعي الذي كان روجي قبله يرغب فيه، فقد تخرج أستاذا جامعيا في تخصص علم الإحياء. تولى عمادة كلية العلوم بالرباط من 1963 إلى 1969، وشغل مهمة مدير مساعد باليونسكو إلى غاية 1996، إضافة إلى عضويته في عدد من المحافل الوطنية والدولية خليفة ابن وقاصة.. «وزير أول» في قصر السلطان يسلط ابن خلدون الضوء على الحضور القوي لليهود في المناصب العليا، ويبرز أن منهم من وصل إلى مناصب الحجابة، أي مرتبة الحاجب، والحاجب كمنصب ليس بمفهومه الحالي، بل إن الحاجب حينها كان له دور كبير جدا، إذ كان بمثابة وزير أول. ويستشهد بمثال لحاجب من أسرة ابن وقاصة اليهودية، وفي بعض النصوص يكتب اسمه ابن رقاصة، وكان هذا الحاجب اليهودي يدعى خليفة ابن وقاصة، مهمته حاجب السلطان، وإضافة إلى مهمته كحاجب، كان نديما للسلطان. يقول فيه ابن خلدون «عندما كان السلطان أبي يوسف يعقوب يجلس للشرب ويعاقر الندمان، كان خليفة ابن وقاصة من اليهود يزدلف إليه بوجوه الخمر، بمعنى أنه كان يسقيه الخمر بكميات كبيرة. وكان في منصب قهرمان السلطان أبي يوسف يعقوب، وقهرمان هي كلمة فارسية الأصل كانت وظيفة ولقبا أيام الدولة العباسية، وتعني الوكيل أو أمين الدخل والخراج. خليفة ابن وقاصة كان من أكبر رجالات الدولة في عهد أبي يوسف يعقوب، ويضيف ابن خلدون في وصف سلطته الكبيرة قائلا «....علا كعبه في الدولة، وتلقى الخاصة الأوامر منه» ولم يكن الوحيد من أسرته الذي تمتع بحظوة إعطاء الأوامر للخاصة، بل هناك أسماء أخرى من الأسرة نفسها، كأخ له اسمه إبراهيم ابن وقاصة، وصهره موسى ابن السبتي، وكان هناك آخر اسمه خليفة الأصغر، هؤلاء كلهم تولوا مناصب عليا في الدولة، وتمتعوا بسلطات واسعة كما يقول ابن خلدون. وهناك اسم آخر من الأسرة نفسها، يدعى أبو خزر في عهد أبي الربيع سليمان المريني، وهو الذي كان يسمى الخليفة الأصغر، يقول فيه ابن الأحمر « في كتابه «في بيوتات فاس الكبرى» «جميع الجيش ينادونه «سيدي أبي خزر»، حيث كان يناديه أفراد الجيش ب»سيدي أبي خزر»، نظرا لموقعه لدى السلطان ولسطوته الكبيرة، كما يؤكد الكاتب ابن الأحمر في الكتاب ذاته. ولم تنته سطوة رجالات عائلة بن وقاصة إلا بحلول نكبة اليهود بعد ثورة العامة، فقد دخل هؤلاء في حساسيات مع رجالات الدولة المسلمين داخل القصر السلطاني، وخاصة الكاتب ابو محمد عبد الله بن أبي مدين الذي لم يرتاح له بال إلا بحلول نكبة اليهود، إذ كان يلاحظ أن اليهود لهم دور كبير في عصره، وكانوا مقربين من السلطان آنذاك. مصطفى نشاط *: اليهود وصلوا إلى مراتب مهمة في سلم الدول التي تعاقبت على حكم المغرب - كيف يمكن تقييم وضع اليهود الذين وصلوا للسلطة إجمالا؟ وضع جيد، هناك نص وحيد يتحدث عن تعرض اليهود لمضايقات في عهد الموحدين، ويتحدث عن علاقة السلطان باليهود، وكيف فرض عليهم لباسا خاصا لتمييزهم، والذين كتبوا عن اليهود فيما بعد، استندوا على هذا النص، وحكموا بذلك على العصر الموحدي بكامله، بالقول إن هناك سوء معاملة لليهود في العصر الموحدي، وهذه مسألة يجب أن تراجع، وقد تمت مراجعتها من طرف بعض الكتاب المغاربة اليهود، خاصة شمعون ليفي، الذي راجع مثل هذه الادعاءات، واعتبر أن هذا نوع من الحكم المطلق على العصر الموحدي، ويجب أن يراجع، لأن الفترة شهدت بعض المظاهر التي تعبر عن حسن وضعية اليهود في المغرب. - هل تبوأ يهود فترة الموحدين مناصب عالية ؟ هناك أسماء يهودية تبوأت مناصب عالية مثل «ابن شلخوه» وهو اسم قليل من يعرفه، كان يشغل منصب خازن للمال في سجلماسة على عهد السعيد الموحدي، وهذا منصب كبير جدا وله حساسيته. طبعا عند العودة إلى المراجع التي اعتمدها من يقول بمعاناة اليهود في الفترة الموحدية، نجد أن هناك يهوديا كتب عن اليهود، واعتمد على كتاباته الكثيرون، اسمه «سنوش»، وهو كاتب خانته الموضوعية، وغلبت على كتاباته الإيديولوجية. فترة الدولة الموحدية هي فترة يجب أن تراجع، فيما يتعلق بعلاقة الموحدين باليهود، وذلك بشهادة كتاب مغاربة يهود، خاصة شمعون ليفي، الذي أقر أن هناك الكثير من المغالطات في التأريخ لهذه الفترة من تاريخ المغرب. هناك مرثية اسمها مرثية إبراهيم ابن هجرة، هي مجموعة أشعار، تتحدث عن أن اليهود كانوا في وضعية سيئة في العصر الموحدي، لكن هذه المرثية هي مجرد أشعار، لا يمكن اعتبارها مصدرا تاريخيا، أشعار حاولت أن تثير هذه القضية لاستدرار الدموع، حول وضعية اليهود في العصر الموحدي. - ماذا عن عصور أخرى، هل كانت هناك مناصب عليا وصل إليها اليهود ؟ العصر المريني مثلا بصفة عامة كان فيه اليهود في وضعية جيدة، مقارنة بالعصر الموحدي، بالرغم من أن الأخير يجب أن يراجع. هناك دراسات كثيرة حول فترة اليهود في العصر المريني، «دافيد قرقوز ومايا شارزميلر، من الكتاب الذين اهتموا بالعصر المريني، ويتحدثون عن أن وضعية اليهود فعلا كانت وضعية مطمئنة بصفة عامة، باستثناء بعض التشنجات، خاصة في سنة 674 هجرية، حيث ثار العامة في فاس، الشيء الذي دفع أبي يوسف يعقوب أن يبحث لهم عن فضاء جديد، فأدى ذلك إلى تأسيس فاس جديد، وتمت إقامة ما أصبح يعرف فيما بعد بالملاح، الذي أسكن فيه اليهود، وذلك بالقرب من القصر السلطاني. أما المناصب فقد تعددت، هناك مناصب الحجابة، إذ وصل بعضهم إلى مرتبة الحاجب، وهي رتبة مهمة جدا في سلم المسؤولية في الدولة آنذاك، كخليفة ابن وقاصة الذي شغل منصب حاجب السلطان أبي يوسف يعقوب، كما أن أسماء أخرى من أسرته تولت مناصب عليا في الدولة مثل أخيه إبراهيم ابن وقاصة. كانت لهم سلطة، خاصة على مستوى جمع الضرائب، وكذلك في ضرب العملة، وهناك مصدر اسمه «الحكيم في كتاب الدوحة المشتبكة في ضوابط دار السكة» يتحدث عن تزييف اليهود للعملة، في عهد أبي عنان وأبي الحسن المريني، وكيف كانوا يتمتعون بسلطة كبيرة حينها. كما أن هناك شخصية قوية في عهد آخر ملوك المرينيين عبد الحق المريني، وهو اليهودي هارون ابن بطاش، الذي كان يحكم فاس فعليا كما جاء في أحد المصادر الذي يقول «ترك اليهودي يقبض من أهل فاس المغارير، أي الجبايات» مما يعني أنه كان الحاكم الفعلي لفاس، هناك يهود شغلوا منصب السفارة في العصر المريني، هم من كانوا ينشطون الحركة الدبلوماسية بين المغرب والمماليك الإبيرية، مثلا في سجلماسة التي هي الراشيدية حاليا كانت هناك مجموعة من اليهود، وهناك وثيقة إسبانية تبين أهمية وجود اليهود في سجلماسة، من خلال رسالة بعث بها ملك ارغون جاك الثاني سنة 1247، تتحدث عن موافقته لكل يهود سجلماسة من أجل الانتقال أو الاستقرار بمايوركا أو فالينسيا أو برشلونة، كما أن أحد المصادر التاريخية يشير إلى أن « طريق القوافل كان طريقا يهوديا» أي أن اليهود كانوا يهيمنون على التجارة. * أستاذ التاريخ