في الوقت الذي يهددنا فيه داعمو التطبيع مع الصهاينة بما سنتعرض له من طرف صهاينة المغرب والعالم، وخاصة في أمريكا وأوربا، نجد الأمريكيين والأوربيين يتجهون نحن مقاطعة الصهاينة في مجالات متعددة، نذكر منها على سبيل المثال: أ - ملاحقة الإرهابيين الصهاينة جنائيا، مما كان سيؤدي إلى اعتقال عدد من قياداتهم في دول أوربية مختلفة؛ ب - موجات مقاطعة الصهاينة في عدد من دول العالم في السنوات الأخيرة، نذكر منها مثالين حصلا خلال الأيام الأخيرة، هما: قرار شركة إدارة صندوق معاشات التقاعد بهولندا سحب جميع استثماراتها من أكبر خمسة بنوك إسرائيلية، لأن لدى هذه البنوك فروعا في الضفة الغربية أو لأنها تشارك في تمويل البناء في المستوطنات، وذلك بعد انخراط شركات هولندية متعددة، خلال الأسابيع الماضية، في موجة من المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات ضد الشركات الإسرائيلية، كما هو الشأن بالنسبة إلى شركة Viteus التي علقت التعاون مع شركة المياه الوطنية الإسرائيلية.. إلخ؛ ج - وثالثتها قرار "جمعية الدراسات الأمريكية"، المتخذ بأغلبية 66 في المائة من أعضائها الخمسة آلاف، بتبني قرار المجلس الوطني للجمعية القاضي بمقاطعة المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية احتجاجا على الطريقة التي ينتهجها الكيان الإسرائيلي في معاملته للفلسطينيين، وعلى تواطؤ الجامعات الإسرائيلية في قمع الفلسطينيين، علما بأن قرارات المقاطعة الأكاديمية ومقاطعة البضائع ومقاطعة السفن الصهيونية في تصاعد في أمريكا وأوربا. ومن غريب الصدف أن هذه القرارات متخذة على مستوى مجرد مؤسسات وشركات ونقابات، وليس على مستوى الدول، ورغم ذلك فهذه الشركات والمؤسسات والنقابات وغيرها لم تقبل أن يمارس عليها اللوبي الصهيوني الابتزاز أو الوصاية، وقررت ممارسة قناعة أعضائها، المنطلقة من قضايا مبدئية، بغض النظر عن أية تبعات. بينما ونحن نتحدث عن المغرب، فإننا نتحدث عن دولة، وعن دولة معنية، وعن دولة تتحمل مسؤولية لجنة القدس.. إلخ. أفلا يستحي دعاة التطبيع وخدام الأعتاب الصهيونية من أنهم يريدون أن تكون بلدهم أقل وفاء والتزاما من شركات ومؤسسات أمريكية وأوربية، وأن تخاف دولة من لوبيات لا تستطيع إيقاف زحف مقاطعة وحصار ومعاقبة الكيان الصهيوني داخل بلدانها؟ 9 - ومن المغالطات التي يستعملها هؤلاء، أيضا، طرح السؤال الثاني: "هل ينسحب المغرب من كل هيئة أو مؤسسة دولية أو إقليمية ويقطع علاقاته بها لكون "إسرائيل" موجودة بها أو لها علاقة بها؟". مثل هذا السؤال يطرح إما بسوء نية أو عن جهل وعدم اطلاع على مقترح القانون، إذ تكفي قراءة بسيطة لمقترح القانون لمعرفة أنه لا يدرج مطلقا هذه الحالات ضمن حالات التجريم أو المنع، وبالتالي فلا خوف على علاقة المغرب والمغاربة بالمؤسسات والهيئات الإقليمية والدولية، ولا خوف على المغاربة المنتمين إلى تلك الهيئات والمنظمات، سواء كانت دولية أو إقليمية. مع التأكيد على أن ذلك لا يعني استقبال الصهاينة على أرض المغرب تحت غطاء اجتماعات إقليمية أو دولية أو الذهاب إلى الكيان الصهيوني تحت نفس الغطاء، لسبب بسيط هو أن المغرب دولة مستقلة وذات سيادة ومن حقها رفض استقبال إرهابيين على أرضها، وكذا رفض زيارة الكيان الصهيوني الإرهابي الغاصب تحت أي مبرر كان. أما الحديث عن اليهود من أصل مغربي الذين يعيشون في الكيان الصهيوني، فتجب الإشارة، أولا، إلى أن بعض أكبر الإرهابيين الصهاينة أشخاص من أصل مغربي، مثل الإرهابي عمير بيريتس وكثيرين غيره؛ ومن جهة ثانية، فإن هؤلاء أصبحوا عنصريين حتى النخاع؛ ومن جهة ثالثة، فإنهم منخرطون في المشروع الصهيوني لمجرد أنهم قبلوا الحلول محل الفلسطينيين أصحاب الأرض؛ ولذلك، فكثيرون هم اليهود الذين رفضوا الذهاب إلى فلسطينالمحتلة حتى لا يأخذوا مكان المهجرين من أبناء فلسطين، وكثيرون هم اليهود الذين غادروا فلسطينالمحتلة بعد أن كانوا قد استوطنوها، وسأكتفي في هذا المجال بمثال واحد من هؤلاء وهو جاكوب كوهن، اليهودي المغربي الذي انتمى إلى حركة صهيونية سرية في الخمسينيات وساهم في ترحيل عشرات الآلاف من يهود المغرب إلى فلسطينالمحتلة، والذي غادر الكيان الصهيوني بعد اقتناعه بالخديعة الكبرى وهاجر إلى فرنسا حيث يعيش الآن بجنسية فرنسية، وقد أكد في تصريح صحفي، على هامش ندوة نظمها المرصد المغربي لمناهضة التطبيع، أنه "لن تكون هناك عودة لليهود الصهاينة من أصل مغربي إلى بلدهم، لأن أبناءهم أصبحوا إسرائيليين وصهاينة يؤدون الخدمة العسكرية ويمارسون الاحتلال، وليس لديهم أدنى توبيخ ضمير، فقد ترعرعوا كصهاينة، ويتعاملون بوصفهم صهاينة حتى النخاع، وبالتالي فهم عنصريون جدا، إذ يكرهون العرب ولا يتصورون يوما الرحيل للعيش في بلد عربي"، علما بأن جاكوب كوهن أكد في هذا التصريح أن الأمر يتعلق بعائلته أيضا التي هاجرت إلى فلسطينالمحتلة. والأمثلة كثيرة جدا عن مناضلين يهود ضد المشروع الصهيوني، من أصل مغربي وغير مغربي. إذن، فالأمر لا يتعلق بصهيوني من أصل مغربي أو من أصل روسي أو أمريكي... إلخ، ذلك أن الصهيوني يبقى صهيونيا أيا كانت أصوله وجذوره؛ 10 - ومن الأساطير المعتمدة من طرف مناصري التطبيع والمدافعين عنه باستماتة، موضوع حقوق الإنسان والتي لا تظهر لهؤلاء إلا عندما يتعلق الأمر بمقاطعة إرهابيين وكيان عنصري محرم. وسأكتفي هنا بالتطرق لمثال واحد، جاء في مذكرة مركز دراسات حقوق الإنسان والديمقراطية حول مقترح القانون، والتي تباكى فيها المركز المذكور على خرق المادتين 26 و20 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية. وتكفي الإشارة إلى أن المذكرة إياها تضمنت النص على ما جاء في البندين المذكورين، وعلى ما قالت إنه تفسير اللجنة المعنية بحقوق الإنسان للبندين، لكن دون أن يمتلك محررو المذكرة الجرأة على تحديد مجالات التعارض بين كل ما ضمنوه في مذكرتهم وبين مقترح قانون تجريم التطبيع. هل يعتبرون هذا المقترح تمييزيا؟ هل يعتبرونه دعوة تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف؟ إذا كان القانون الدولي، في نظرهم، يحظر العداء للإرهاب ويحظر العداء للعنصرية وللأبرتايد، فإننا فعلا نعلن على الملأ هذا العداء المطلق وندعو إلى التمييز الصارم بين العنصريين الإرهابيين المجرمين وبين غيرهم، وندعو إلى إعلان العداء لنظام الأبرتايد الصهيوني. لكن، لا أعتقد أن لجنة حقوق الإنسان ولا واضعي القانون الدولي بأكمله يمكن أن يكون هدفهم هو هذا، لأن القانون الدولي يقف إلى جانب الحق الفلسطيني، ويحظر منع الفلسطينيين من العودة إلى ديارهم وتعويضهم عما تعرضوا له من تهجير وتشريد، ويمنع الاستيطان وتغيير معالم الأراضي المحتلة وملء هذه الأراضي بغير أهلها، كما يمنع الاحتلال والحصار والتجويع وبناء الجدران العازلة وتحويل أراض إلى سجون كبيرة، كما يمنع كافة الجرائم التي يرتكبها الصهاينة يوميا في حق شعب وأرض ومقدسات فلسطين... إلخ. فأين يتم خرق القانون الدولي، ومن الذي تجب محاصرته والتصدي له باسم القانون الدولي، الفلسطينيين أم الصهاينة؟ وإذا كان ما جاء في المذكرة صحيحا، فما قول أصحابها في المقاطعة العالمية لنظام الأبرتايد في جنوب إفريقيا لعقود من الزمن إلى أن قضي عليه وانمحى من الوجود؟ هل كانت الدول والمنظمات والهيئات والأشخاص الذين ظلوا يقاطعون ذلك النظام يرتكبون بذلك مخالفة للمادتين 26 و20 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية؟ ألا يمنع القانون ويجرم التستر على مجرم أو على جريمة وإخفاء معالمها؟ ألا يجرم القانون الإشادة بالإرهاب وإيواء إرهابيين؟ هل مثل هذا التجريم، والأمثلة بالمئات، يعتبر هدرا للقانون الدولي وتحريضا على التمييز أو العدوان أو العنف؟ يؤلمني أن تقع دبلجة هذه الأساطير وهذا التحريف الخطير والمقصود لمعانٍ نبيلة أتى بها القانون الدولي لحماية الأفراد والجماعات، من مثل ما تتعرض له فلسطين، كحجة ضد فلسطين من طرف مركز ما كنت أعتقد أنه يمكن أن يوظف في تنميق ادعاءات وتزييف قانون وواقع وحقائق خدمة للمشروع الصهيوني ودفاعا عنه وعن جرائمه، مهما نمق بعد ذلك من كلام عن "الوقوف والتعبئة، رسميا وشعبيا، ضد سياسات إسرائيل الماسة بالحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني.." لأن مثل هذا الكلام لا يبقى له من معنى عندما يأتي لصيقا بالاستماتة في الدفاع عن الصهاينة، ومحاولة أدلجة وتحويل علاقات المغاربة بهم إلى علاقات طبيعية وفسح المجال أمامهم لينجزوا الدور التاريخي الذي وجدوا من أجله، فلازالت هناك بضعة أمتار من أراضي فلسطين لم يقع ملؤها بالمستوطنات، ولعل ملء هذه الأمتار أيضا يقنعكم بأنكم تساهمون في الجرم عندما تدافعون عن الكيان العنصري المحتل لأرض فلسطين. والسؤال في الختام هو سؤال الكرامة، سؤال رفض وصاية أي كان وأية جهة كانت، سؤال الدفاع عن الوطن وعن المقدسات، سؤال الدفاع عن حقوق لا يجادل فيها إلا مغتصبوها، سؤال القبول بالتمسح بالأهداب الصهيونية، تحت أي مسمى كان. ويبقى الجواب الواضح والجلي هو أن إحدى أهم وسائل القضاء على نظام الأبرتايد الصهيوني هو العمل على مقاطعته مقاطعة شاملة، ليس من طرف المغرب وحده، بل من طرف كل أبناء المعمور. وذلك ما دفع بالشعب المغربي إلى إعلان العداء لهذا الكيان الغاصب وإلى رفع شعار "الشعب يريد تحرير فلسطين.. الشعب يريد تجريم التطبيع". هذا غيض من فيض.. وللحديث بقية.