على المغاربة من الآن فصاعدا أن يرفعوا أكف الضراعة إلى البارئ سائلين إياه تعالى «شي حكومة على قد النفع»، فبعد أن جربوا التصويت على إخوان بنكيران زمن الربيع العربي، ها هو النقابي والقيادي في «البيجدي»، محمد يتيم، يقر بأن الثورة لا تؤتي أكلها إلا بعد ثلاثة عقود، بمعنى أن المغاربة «ما غاديين يصورو حتى حاجة من هاد الحكومة من هنا لثلاثين عام»، وأن الثمار التي كانت تسقط من فم بنكيران وصحبه إبان الحملات الانتخابية لن يتذوقها الشعب، لأنها ببساطة لم تنضج بعد، وهذا ما كان يسميه أجدادنا ب»ملي كان حي مشتاق تمرة وملي مات علقو لو العرجون». وعلى رأي المثل القائل «اللي ماعندو زهر يتعزى فيه»، فإن المغاربة يحق لهم أن يتبادلوا العزاء في «الزهر اللي ماعندهمش» مع جميع الحكومات التي تعاقبت على هذه البلاد منذ الاستقلال حتى زمن بنكيران، فكل الوزراء والبرلمانيين الذين تعاقبوا على تمثيل الشعب والتكلم باسمه أفنوا حياتهم «واكلين بالرطل وشاربين في السطل»، وتحول العمل السياسي عندنا من تطوع ونضال إلى حرفة بتقاعد وتعويضات وامتيازات استثنائية، حتى إن مجلس المستشارين عندنا خصص هذه السنة مليارا ونصف المليار لتمويل سفريات السادة النواب إلى الخارج، «هادو ما بقاوش برلمانيين ولاو رواد فضاء». وحين نسمع القيادي في «البيجيدي»، عبد العزيز أفتاتي، يقر بأنه ضد نظام تقاعد البرلمانيين والوزراء، لأنه يثقل كاهل ميزانية البلاد، إلى درجة أنه دعا هؤلاء البرلمانيين والوزراء، في اجتماع للجنة العدل والتشريع في مجلس النواب، إلى تقديم «النموذج والتخلي عن تقاعدهم»، فإن ذلك يدعونا، فعلا، إلى التساؤل حول جدية مطلبه، لأن الأولى هو أن يقنع نفسه أولا وحزبه ثانيا، «ديك الساعة عاد يقدر الواحد يتلفت في جنابو»، وحتى الآن لم نسمع وزيرا أو برلمانيا واحدا من «البيجيدي» قرر التخلي عن راتبه السمين، المقدر بالملايين، الذي يتقاضاه من البرلمان والحكومة، فبالأحرى أن يتنازل عن تقاعده، وهذا ما كان يسميه المغاربة قديما «خدم وإلى ما طحتي في الزبدة تطيح في اللبن». وإذا كان بنكيران «معول على التبوريدة»، فإن نظام تقاعد البرلمانيين والوزراء «فيه ما يدار»، وإلى الآن لازال المغاربة يسددون من أموالهم وأموال أبنائهم تقاعد المئات من هؤلاء الذين مروا في 31 حكومة منذ الاستقلال، وعوض أن تستثمر هذه الأموال في بناء المستشفيات والمدارس وإيجاد فرص عمل للمعطلين والرفع من الحد الأدنى للأجور ورفع رواتب الموظفين وتقاعد الأرامل، فإنها تصرف بالملايير لفائدة نخبة سياسية ظلت تحتكر لسنوات الكلام باسم الشعب، وبعد انتهاء صلاحيتها السياسية ظلت تتقاضى تقاعدا بالملايين نظير تمثيلها السابق للمواطنين، مع أن الأصح هو «تمثيلها على المواطنين». وإذا كان بنكيران يريد أن يسجل عليه التاريخ «شي حسنة»، فليعمل على إيقاف العمل بهذا النظام القاضي بصرف تقاعد مريح للبرلمانيين والوزراء، مع أن أحسن شيء يمكن أن يقال لهؤلاء الذين «مثلوا علينا» في كل الحكومات والبرلمانات التي تعاقبت على المغاربة هي «اللي جاع يتفكر أيام عرسو». فالتغيير الحقيقي والإصلاح «ديال بصح» الذي ينتظره المغاربة هو القطع مع نظام الامتيازات الذي ظل سائدا منذ الاستقلال وأصبح الآن عالة على ميزانية الدولة، فلم يعد مقبولا في زمن التقشف أن يسدد المغاربة رواتب بالملايير لوزراء وبرلمانيين في 31 حكومة تعاقبت علينا منذ الاستقلال حتى الآن، كلهم «بخيرهم وخميرهم»، فيما الشعب الذي مثلوه وسيروا شؤونه أصبح هو صندوق المقاصة الحقيقي بعدما أفرغت الصناديق وراح بنكيران يعول على جيوب بسطاء المواطنين «باش يكمل الشهر». ومنذ مجيء بنكيران إلى السلطة والمغاربة ينتظرون ليس أن يحقق كل ما وعدهم به، بل أن يبين على الأقل «العربون»، أما وأن ينتهي نصف عمر هذه الحكومة دون أن يجني المغاربة «لا ديدي لا حب الملوك»، فذلك يعتبر «شمتة»،... لكنها تبقى، على أية حال، «شمتة» ضمن «شمتات» سابقة، ف»احنا موالفين بالشمتة».