قديما، كانوا يقولون «القرد ما شد الأرض حتى خيابت السيفة». والحقيقة أن المغاربة تنتظرهم أيام «كحلة» مع قانون مالية حكومة بنكيران الجديد الذي جاء بضرائب لا قِبَل بها لإنس ولا جان. واليوم، نتأكد أن الحكومة لم تكتف بالزيادة في الضرائب بل طبقت المثل الشعبي «بيع الصباح فيه بيعين»، وأخذت المقص وقلصت مرة ثانية من نفقات الاستثمار ب10 ملايير درهم بعدما قلصتها في أبريل المنصرم ب15 مليار درهم. ولن يكون غريبا أن نسمع، غدا، أن الوزارات أصبحت تقترض من البنوك «باش تكمل الشهر» بعد اختراع الحكومة لسياسة تقليص النفقات على الاستثمار وليس على ميزانيات التسيير. وحين يتعلق الأمر بميزانيات المحروقات والسيارات ونفقات السفر واستقبال الوفود ومصاريف التدفئة والماء والكهرباء وتعويضات السفر وحضور الاجتماعات والتنقل ومصاريف شراء الورود والحلويات وفواتير «التريتورات»، ف»الدنيا هانية» عند وزرائنا و»الحبة موجودة»؛ أما في ما يتعلق بتغذية السجناء فلا يهم أن تقلص إلى 11 درهما في اليوم للسجين،... كل ذلك حتى لا يضطروا إلى تقليص ميزانية تغذية البرلمان والوزراء وحتى يستمر «المشوي» و»كعب لغزال» حاضرا ضمن التقاليد المرعية. والحقيقة أن حكومة بنكيران «قراتها في السما» لما قررت تقليص ميزانية تغذية السجناء، لأن «الشطارة» في شراء العدس واللوبيا أسهل بكثير من تقليص ميزانية شراء «البساطل والمحانش» للسادة الوزراء والبرلمانيين، بل الأكثر من ذلك أن هناك حديثا، اليوم، عن زيادة في رواتب النواب البرلمانيين قدرها أربعة آلاف درهم شهريا، وأن هذا المقترح يطبخ على نار هادئة، والمنتظر فقط هو ظهور «شي عجاجة» تحجب الرؤية كي لا يحول دون مرور هذه الزيادة حائل. لكن، إذا كان السي بنكيران قد قال إن 39 وزيرا لا يكلفون الميزانية العامة الكثير، فإنه لم يقل لنا في المقابل إن كان طعام السجناء، الذي قلصوه إلى 11 درهما لكل سجين، هو ما تنوء تلك الميزانية تحت ثقله؟ لكن الغريب هو أن تمتد معاناة المغاربة مع حكومتهم إلى أعتاب الحزب الحاكم وقياديه، فالبرلماني أفتاتي قال إنه «يعاني، اليوم، مع العدالة والتنمية معاناة الفقيه البصري مع الاتحاديين». وإذا كان معلوما بأن الفقيه البصري قد اختلف مع رفاقه لأنه اختار الكفاح المسلح ضد النظام، فإن الزعيم أفتاتي لم يفصح لنا عن طبيعة الكفاح المسلح الذي اختلف فيه مع إخوانه، طالما أن «البيجيدي» وضع السلاح وأبرم اتفاقية وقفٍ لإطلاق النار على الريع والفساد اللذين ظل يتوعدهما بالقصاص أيام العز، خلال المعارضة والحملة الانتخابية. ولعل صورة الوزيرين الخلفي والأزمي، وهما يصليان وقد وضعا أمامهما كرسيّ الوزارة كمحراب، أكثر من معبرة عن القبلة التي أصبح وزراء «البيجيدي» يصلون في اتجاهها. وحين يقول أفتاتي إنه يعاني في الحزب، يتبعه بسرعة الوزير الخلفي ليقول بدوره، في تصريح لإذاعة «مونتي كارلو»، إنه غير مرتاح في منصبه،... «شي تيعاني وشي مامرتاحش»، وهذا ما يسميه المغاربة «عايش في الهم وسماوه معلم». لكن الشكوى و»الضيم» عند «البيجيدي» لم يتوقفا عند الوزير والبرلماني، فها هو رئيسهما في الحزب والحكومة يغالب دموعه خلال الملتقى الجهوي للحزب بطنجة، فالسي بنكيران «غرغرو عينيه» بعد أن كرموه بالثناء عليه وعلى أفعاله. والظاهر أن «البيجيدي» أخذ «حب وتبن» من المغاربة، وحتى بيوت الله لم يوقرها وخفض ميزانيتها ب75 في المائة دفعة واحدة في قانون المالية الجديد، وسترجع المساجد بذلك إلى زمن القنديل والحصيرة،... وإذا كان هناك «شي حد مواتيه البكى» فهو هذا الشعب الذي «طمعو ليه في عشاتو وكساتو»... أما رئيس الحكومة فالضحك هو «اللي مواتيه».