الفريق أول عبد الفتاح السيسي، الرجل الأقوى في مصر، لم يتلفظ باسم الرئيس بشار الأسد منذ إطاحته بالرئيس المنتخب محمد مرسي، وتجنب كليا، ولم يسمح لأركان حكمه، بالتطرق مطلقا إلى الأزمة السورية سلبا أو إيجابا إلا في ما ندر، ولكن هناك قاسما مشتركا بينه وبين نظيره السوري، أن كليهما يقول إنه «مستعد لخوض انتخابات الرئاسة إذا طلب الشعب منه ذلك»، مع اعترافنا المسبق بأن المقارنة ليست في محلها لاختلاف ظروف الرجلين وبلديهما، ونحن نتحدث هنا عن جزئية الترشيح للانتخابات فقط. الرئيس بشار الأسد سيتجنب الدعوة إلى انتخابات رئاسية في يوليوز المقبل مثلما ينص على ذلك «الدستور»، ولكنه لن يتردد في خوض هذه الانتخابات، والفوز فيها، إذا كانت الظروف مواتية وفق الموازين العسكرية على الأرض والمناخين الإقليمي والدولي في الوقت نفسه، خاصة إذا أجريت في المناطق التي تسيطر عليها قواته فقط. ومن المفارقة أن الفريق السيسي الذي يتأهب لخلع البذلة العسكرية، واستبدالها بأخرى مدنية، سيخوض انتخابات الرئاسة في الوقت نفسه، بل وفي الشهر نفسه، يوليوز المقبل، حسب «خريطة الطريق» التي وضعها وتنص على ذلك حرفيا بعد التصويت ب»نعم» على الدستور في الاستفتاء الذي سيطرح على الشعب (اليوم الثلاثاء). الاستفتاء لن يكون الهدف منه إقرار دستور يؤكد وضع كل السلطات في يد الرئيس ويبقى سلطات الجيش كاملة، وتحصينه من أي مساءلة، وإنما أيضا من أجل مبايعة الفريق السيسي وإظهار الدعم الشعبي الهائل له، تماما مثل مظاهرات 30 يونيو التي وفرت له الغطاء الشعبي للإطاحة بالرئيس مرسي. الشعب المصري سيهتف بحياة الفريق السيسي وسيطالبه بالترشح للرئاسة، وسيفعل الجيش الشيء نفسه، ويمنحه التفويض الذي يريده، ولكن هل ستؤدي عملية تتويج الفريق السيسي رئيسا للبلاد، وهي قادمة حتما، إلى الاستقرار في مصر، وقيادتها إلى بر الأمان؟ الرئيس المصري المؤقت عدلي منصور قال «إن إقرار الدستور الجديد المقرر الاستفتاء عليه يومي الثلاثاء والأربعاء سيمهد الطريق لوجود رئيس ومجلس نيابي منتخبين، ولكن كيف ستكون هذه الانتخابات نزيهة ومثمرة وعادلة في ظل عمليات الإقصاء لحركة الإخوان المسلمين، القوة السياسية التي فازت بأكثر من ستين في المائة من مقاعد البرلمان المحلول؟ التقيت في بيروت قبل شهر بالأستاذ محمد حسنين هيكل، أحد أبرز المنظرين والمؤيدين لخريطة الطريق المصرية وحركة التغيير التي أطاحت بحكم الرئيس مرسي، وكان عاتبا علي لأنني أصف ما حدث يوم الثالث من يوليوز الماضي بكونه انقلابا عسكريا في كتاباتي ومناظراتي التلفزيونية، وحاول أن يقنعني بأن ما حدث هو ثورة شعبية، وأحمد الله على أنه لم يتهمني بالانتماء إلى حركة «الإخوان» لأننا نعرف بعضنا البعض منذ أكثر من ثلاثين عاما. الأستاذ هيكل أكد لي، وفي حضور عدد من الأصدقاء المشتركين، أنه التقى بالفريق السويسي قبل خمسة أيام لمدة ثلاث ساعات وأكد له، أي الفريق، أنه لن يترشح في أي انتخابات للرئاسة ولن يخلع البذلة العسكرية مطلقا، وأحسست بأن الأستاذ هيكل كان مرتاحا لهذا القرار، أو أنه يعكس تمنياته على الأصح، ويفضل أن يحكم مصر مجلس رئاسي في هذه المرحلة وليس رئيس تتجمع كل الصلاحيات في يديه. نحترم رغبة الشعب المصري وحقه في الاختيار الحر، ولكن علينا أن نسأل سؤالا واضحا، وهو عن الإنجازات التي حققها الحكم المؤقت الحالي في الأشهر الخمسة الماضية على الأصعدة السياسية والأمنية والاقتصادية، والأخيرة هي الأهم في رأيي، حتى نعتبرها مقياسا أو مقدمة للمرحلة الدائمة. أطرح هذا السؤال لأن «المشانق» السياسية جرى تعليقها للرئيس السابق مرسي منذ اليوم الأول لرئاسته، وأذكر جيدا أن المحاكمة الشرسة والقاسية لحكمه بدأت بعد اكتمال المائة يوم الأولى منها، وصدر الحكم بالفشل المطلق، وانطلاق المظاهرات لإسقاطه دون تردد، وتوظيف الآلة الإعلامية الجبارة التي يتزعم معظمها رجال النظام المباركي في هذا الإطار. لو أجرينا جردة حساب علمية بعيدا عن العواطف والتمنيات، لوجدنا أن الوضع الاقتصادي المصري لم يتحسن إلا بقدر طفيف رغم ضخ المثلث السعودي الإماراتي الكويتي ما يقرب من عشرين مليار دولار في الخزينة المصرية على شكل مساعدات وسندات بشروط ميسرة للغاية. أما الوضع الأمني فازداد سوءا بسبب السيارات المفخخة التي لم تعرفها مصر منذ ثلاثين عاما، وكل يوم يسقط قتلى وجرحى من جراء الصدامات بين الأمن والمتظاهرين المؤيدين لعودة الشرعية الانتخابية وحكم صناديق الاقتراع، ولم نسمع عن أي محاسبة أو محاكمة وإنما التجاهل الكامل أو المديح والإطراء. القبضة الحديدية التي يستخدمها الفريق السيسي ضد معارضيه خلقت مشاكل أكثر مما أنجزت حلولا، وهذا ليس مفاجئا أو مستغربا، فمعظم الأنظمة التي لجأت إلى سياسات الإقصاء والاجتثاث واستخدمت الحلول الأمنية ضد خصومها وأسقطت الحوار والحلول السياسية من حساباتها، لم تنعم بالاستقرار المأمول، ونظام نوري المالكي في العراق وبشار الأسد في سورية وحميد كرزاي في أفغانستان هي بعض الأمثلة التي تثبت ما نقوله. الفريق السيسي وضع خريطة طريق تؤدي في نهاية المطاف إلى انتخابه رئيسا للجمهورية، ولم يطرح أي مشروع نهضوي متكامل لإنقاذ مصر والمنطقة العربية من أزماتها على غرار ما فعل نموذجه الذي يقول إنه يقتدي به، أي الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. الرئيس عبد الناصر أطاح بحركة الإخوان المسلمين وأعدم مفكرها الدكتور سيد قطب، ولكنه، اختلفنا معه أو اتفقنا، استند إلى مشروع وطني سياسي واقتصادي واجتماعي، انحاز من خلاله إلى الفقراء، و»اجتث» الإقطاع، وأطلق منظومة الإصلاح الزراعي، وألغى «ارستقراطية» التعليم، وفتح الكليات العسكرية لأبناء الفلاحين والعمال، وأطلق ثورة ثقافية، وقاد العالم الثالث بأسره ضد المشروع الصهيوني واليهمنة الأمريكية، وفوق كل هذا وذاك بنى السد العالي الذي حمى مصر من الجوع والجفاف والفيضانات، ونقول هذا رغم تحفظنا على بعض أخطائه، وأبرزها غياب الديمقراطية. نتنمى أن نعرف ويعرف معنا الشعب المصري، ونحن على أبواب البيعة للفريق السيسي مرشحا «مضمون الفوز» للرئاسة، مشروعه في مرحلة ما بعد انتخابه أو خطوط هذا المشروع العريضة، حتى يطمئن قلبنا، ومعنا ملايين الحريصين على مصر وأمنها واستقرارها ونهضتها والمتعطشين لقيادتها.