تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء    البحرين تشيد بالدور الرئيسي للمغرب في تعزيز حقوق الإنسان    السلطات الجزائرية توقف الكاتب بوعلام صنصال إثر تصريحات تمس بالوحدة الترابية لبلده    أنفوغرافيك | صناعة محلية أو مستوردة.. المغرب جنة الأسعار الباهضة للأدوية        بنما تعلق الاعتراف ب "الجمهورية الوهمية"    توقعات أحوال الطقس لليوم الجمعة    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء    ضربة جديدة لنظام العسكر الجزائري.. بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    جنايات طنجة تدين المتهمين في ملف فتاة الكورنيش ب 12 سنة سجنا نافذا    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    بوريطة: المقاربات الملكية وراء مبادرات رائدة في مجال تعزيز حقوق الإنسان    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب        رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة        أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأيام الأخيرة قبل سقوط مرسي
كانت اللحظة الفارقة بالنسبة إلى قادة الجيش في مصر يوم 26 يونيو الماضي.

في ذلك اليوم التقى كبار القادة الرئيس محمد مرسي أول رئيس يصعد لقمة السلطة في انتخابات ديمقراطية في البلاد، وتحدثوا معه بصراحة مؤلمة وأبلغوه بما ينبغي له قوله في الكلمة التي كان من المقرر أن يوجهها للشعب مع تصاعد الاحتجاجات في أنحاء البلاد.
ميدان التحرير
قال ضابط كان حاضرا في الغرفة التي عقد فيها الاجتماع ل"رويترز" طلبنا منه أن يكون الخطاب قصيرا، وأن يستجيب لمطالب المعارضة بتشكيل حكومة ائتلافية ويعدل الدستور، وأن يحدد إطارا زمنيا لهذين الأمرين.
«لكنه خرج بخطاب طويل جدا لم يقل فيه شيئا. وعندها عرفنا أنه لا ينوي إصلاح الوضع وأن علينا الاستعداد للخطة الاحتياطية».
وأضاف الضابط «كنا مستعدين لكل الاحتمالات من العنف في الشوارع إلى اشتباكات واسعة النطاق وجهزنا القوات لهذين الاحتمالين».
وطلب الضابط عدم نشر اسمه مثل الضباط العاملين الآخرين الذين أجرت رويترز مقابلات معهم بسبب حساسية الوضع.
ومع ازدياد التوتر في الأيام التالية ظل مرسي على موقف التحدي. وقال مصدر عسكري إنه في مكالمة أخيرة مع القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبد الفتاح السيسي يوم الأربعاء ضحك الرئيس استخفافا بالمظاهرات الحاشدة، التي نظمها المعارضون له.
وقال المصدر المطلع على اتصالات السيسي «لم يكن يصدق ما يحدث».
وتبخرت أي آمال متبقية أن يدعو الرئيس الملتحي إلى استفتاء على مستقبله أو يتنحى في هدوء.
وعقب ذلك ومع خروج الملايين إلى الشوارع نفذ الجيش خطته فاحتجز مرسي في مجمع الحرس الجمهوري وألقى القبض على قيادات رئيسية في جماعة الإخوان المسلمين، وتولى السيطرة على عدد من الأجهزة الإعلامية.
وهكذا انتهت أول محاولة للتوفيق بين الإسلام السياسي والديمقراطية في مصر بعد عامين ونصف العام من الإطاحة بحسني مبارك في انتفاضة شعبية.
وتبين السهولة والسرعة اللتان سقط بهما مرسي هشاشة الربيع العربي الذي أطاح بعدد من الحكام العرب.
فحتى الآن لم تتحقق بالكامل الآمال بأن تؤدي الانتفاضات الشعبية إلى ترسيخ الديمقراطية، رغم أن التجربة مازالت تحرز تقدما في تونس.
ويوضح سقوط مرسي في مصر الطابع الهش للمنطقة وغياب العمق المؤسسي اللازم للحفاظ على الديمقراطية عندما تتغير اتجاهات الرأي العام. والنتيجة في مصر وغيرها انقسامات عميقة وعدم استقرار.
كما أن سقوط مرسي جدد النقاش في ما إذا كان من الممكن أن يتعايش الإسلام السياسي مع الديمقراطية. فلم تستمر تجربة الإخوان المسلمين في السلطة سوى أكثر قليلا من عام واحد.
ويشير أعضاء بجماعة الإخوان إلى مفارقة تشجيع الغرب للديمقراطية وفي الوقت نفسه منح التأييد في هدوء لانقلاب عسكري.
كذلك كشفت خطوة الجيش الكثير من الصعوبات، التي واجهها الإخوان في الحكم، إذ يشكو المصريون والمستثمرون على السواء من الفوضى التي سادت بعض الوزارات ودفع الإخوان برجالهم من ذوي الخبرات المحدودة لشغل مواقع قيادية، وقد سجلت البورصة المصرية ارتفاعا كبيرا عقب الإطاحة بمرسي.
وكانت أخطاء مرسي نفسه جسيمة على النقيض من الطريقة، التي صعد بها نلسون مانديلا إلى قمة هرم السلطة في جنوب إفريقيا حاملا رسالة الوحدة والتسامح.
خطر أمني
لم يكن مرسي أستاذ الهندسة بإحدى الجامعات الإقليمية زعيما سياسيا بطبعه. إذ لم يصبح مرشح الإخوان في الانتخابات إلا بعد عدم تأهل المرشح المفضل عند الجماعة. ومع ذلك فقد أبدى الرئيس الجديد بعض الحسم عندما تولى منصبه وجمع في يديه سلطات كثيرة، الأمر الذي أدى إلى استعداء قطاع عريض من خصومه الليبراليين والإسلاميين.
وعقب انتخاب مرسي في يونيو 2012 بأغلبية 51,7 في المائة من أصوات من شاركوا في الانتخابات أحال اثنين من كبار قادة الجيش للتقاعد أحدهما هو المشير حسين طنطاوي الذي ظل 20 عاما وزيرا للدفاع في عهد مبارك في خطوة بدا أنها تمثل فكاكا من أسر الماضي.
وعين مرسي السيسي (58 عاما) قائدا جديدا للجيش.
والسيسي من ضباط سلاح المشاة قضى فترات كقائد ميداني ودرس في إحدى الكليات العسكرية بالولايات المتحدة، كما تولى منصب الملحق العسكري في السعودية. وبدا أنه اختيار جيد للعمل مع مرسي وجماعة الإخوان، التي تريد إبعاد الجيش عن الساحة السياسية، بعد أن تصدر المشهد عشرات السنين.
لكن العلاقات بين مرسي وقادة الجيش الجدد تدهورت خلال شهور من تنصيبه. بل إن نجاح مرسي في التفاوض على وقف لإطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس الإسلامية، التي تدير قطاع غزة أثار استياء العسكريين.
وقال المصدر الأمني «تدخل مرسي في حرب غزة جعل مصر ضامنا لعدم قيام حماس بأي هجمات على إسرائيل، وهذا يمثل تهديدا للأمن القومي المصري، لأنه إذا شنت حماس هجوما فقد يدفع ذلك إسرائيل لرد انتقامي منا».
كما تحدث مرسي بلا مواربة عن احتمال مشاركة مصر في «الجهاد» للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، وأثار احتمال القيام بعمل عسكري بسبب سد تبنيه إثيوبيا على نهر النيل.
ونتيجة لذلك زاد ارتياب قيادة الجيش فيه، إذ رأت أنه يخاطر بإشراكها في صراعات دون التشاور الواجب مع كبار القادة.
وشعر القادة العسكريون بقلق لا يقل شدة إزاء الاستقطاب السياسي والطائفي في مصر في ظل التدهور الاقتصادي الحاد. وكانوا قد أمنوا وضعهم في الدستور الجديد، الذي وضعه حلفاء مرسي وتم استفتاء الشعب عليه في دجنبر الماضي فضمنوا بذلك أن تظل مراجعة البرلمان لموازنة القوات المسلحة وعقود التسلح والسيطرة على قناة السويس محدودة.
لكن قلقهم تزايد لما رأوه من خطر وصول الأمر إلى حد الحرب الأهلية.
وعندما تولى مرسي منصبه كان الاقتصاد المصري الذي زاد الأثرياء ثراء والفقراء فقرا في سنوات مبارك الأخيرة في أزمة بالفعل.
لم يكن المجلس العسكري الذي حكم مصر في فترة انتقالية استمرت16 شهرا عقب سقوط مبارك، قد أجرى أي إصلاحات لنظام دعم السلع الغذائية والوقود أو التفاوض على اتفاق قرض مع صندوق النقد الدولي خشية اندلاع احتجاجات جديدة. وجفت موارد السياحة والاستثمار أو كادت بسبب الاضطراب السياسي.
وزادت حكومة مرسي المرتبكة الطين بلة. وبينما ظلت جماعة الإخوان المسلمين أكثر القوى السياسية تنظيما ونفوذا من خلال إدارة شبكة للدعم الاجتماعي وتقديم خدمات للفقراء والمحتاجين شعر ملايين المصريين أنه لا يوجد من يمثل مصالحهم.
رفض الاستفتاء
وأطلقت مجموعة من النشطاء حركة تمرد في أول ماي لجمع التوقيعات للمطالبة برحيل مرسي. واكتسبت هذه الحركة زخما حتى أعلنت أنها جمعت أكثر من 22 مليون توقيع ودعت إلى تنظيم مظاهرات ضخمة في مختلف أنحاء البلاد يوم 30 يونيو بمناسبة مرور عام على تنصيب مرسي.
وانطلاقا من الغضب، الذي شعر به المصريون إزاء مساعي الإخوان للاستحواذ على السلطة وسوء أدائهم في إدارة الاقتصاد خرج الملايين مرددين هتاف «ارحل». واجتذبت المظاهرات المضادة التي نظمها مؤيدو مرسي بضعة مئات الآلاف فقط.
وفي اليوم التالي لمظاهرات 30 يونيو حدد السيسي مهلة مدتها 48 ساعة لمرسي، فإما الاستجابة لمطالب المتظاهرين باقتسام السلطة مع المعارضة وإما فسح المجال أمام الجيش لطرح خريطة طريق أخرى.
وقال مصدر عسكري اطلع على التفاصيل إنه في لقاءين آخرين مع الرئيس في الأول والثاني من يوليوز الجاري، كان القائد العام أكثر صراحة لكن مسعاه قوبل بالرفض.
وقال المصدر «توجه الفريق أول السيسي إليه، وقال لنا عندما عاد إنه لا يصدق ما يحدث، وقال إن المحتجين بين 130 و160 ألفا فقط. قلت له لا سيادتك إنهم أكثر بكثير من ذلك وعليك أن تستمع لمطالبهم».
وأضاف المصدر «في الاجتماع الثاني ذهب السيسي ومعه تسجيل فيديو للاحتجاجات أعده الجيش، وقال له «سيادتك الوضع خرج عن السيطرة واقتراحاتك لتغيير الحكومة وتعديل الدستور الآن فات أوانها ولن ترضي الشارع. أقترح أن تدعو لاستفتاء على استمرارك في الحكم. لكنه رفض وقال إن ذلك غير دستوري ومخالف للشرعية».
وأمام رفض الرئيس كثف السيسي اتصالاته بمحمد البرادعي الذي اختارته جبهة الإنقاذ الوطني المعارضة للتفاوض مع الجيش وبالقيادات الدينية للمسلمين والمسيحيين متمثلة في الإمام الأكبر أحمد الطيب، شيخ الأزهر، والبابا تواضروس، رأس الكنيسة القبطية. وكان الاثنان قد أيدا حركة الاحتجاج علانية.
كما أشرك قائد الجيش مؤسسي حركة تمرد وزعيم ثاني أكبر الأحزاب الإسلامية هو حزب النور السلفي، الذي ينافس الإخوان على أصوات المسلمين.
والتقى الجميع بمقر المخابرات العسكرية في شارع الثورة يوم الأربعاء الثالث من يوليوز، الذي انتهى فيه إنذار الجيش لمرسي لرسم خارطة طريق لمرحلة انتقالية ثانية.
استمر الاجتماع نحو ست ساعات، وتبنى الجيش الخطة التي اقترحتها حركة تمرد، ووافقت عليها جبهة الإنقاذ.
وقال المصدر العسكري «حاول الفريق أول السيسي الاتصال بزعيم الإخوان المسلمين لاقتراح خيار الاستفتاء، لكنه رفض الحضور هو وآخرون. كما عرضها على الساسة وغيرهم لكن أعضاء تمرد رفضوها واتفق الآخرون تقريبا على كل شيء اقترحته تمرد».
كان النشطاء الذين يحركون الشارع وعددهم يزيد قليلا على العشرين هم من أخذوا بزمام الأمور.
نصيحة من الخارج
كانت أطراف خارجية تشعر أيضا بالقلق لأسباب ليس أقلها أن مصر تحصل على قدر كبير من المعونة الأمريكية، وأن مرسي كان يمثل فرصة للديمقراطية في المنطقة. فقال البيت الأبيض إن الرئيس الأمريكي باراك أوباما اتصل خلال زيارته لتنزانيا بمرسي يوم الاثنين الأول من يوليوز وحثه على الاستجابة لمطالب المحتجين.
وقال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري للصحافيين خلال جولة في الشرق الأوسط الأسبوع الماضي «قدمنا توصيات كثيرة لأصدقائنا في مصر. نحن نحاول المساعدة مثلما تحاول دول أخرى لإيجاد مكان للمعارضة في العملية السياسية لتنفيذ بعض الإصلاحات الاقتصادية التي تسهم في جذب الأعمال ورأس المال وبدء تحريك الاقتصاد».
لكن مسؤولين أمريكيين آخرين أبدوا تشككا في قدرة مرسي على توحيد البلاد والخروج من الأزمة. وخلف الكواليس اتصل وزير الدفاع الأمريكي تشاك هاجل اتصالات بالسيسي، حسبما أعلن البنتاجون "وزارة الدفاع".
وامتنعت الوزارة عن الإفصاح عما دار بين الرجلين لكن المصالح المشتركة بينهما كثيرة. فمصر تتحكم في قناة السويس التي تمر عبرها نسبة كبيرة من شحنات النفط المتجه للغرب، كما أن واشنطن تقدم للقوات المسلحة المصرية مساعدات قيمتها 1,3 مليار دولار سنويا.
ويكتنف الغموض القدر الذي كانت تعلمه الولايات المتحدة مسبقا عن نوايا الجيش المصري.
وفي الشهور الأخيرة حثت السفيرة الأمريكية آن باترسون الرئيس مرسي في السر والعلن على إتاحة مساحة أكبر للمعارضة في إدارة شؤون البلاد، لكنها ظلت تشدد على أنه الرئيس الشرعي مما أثار اعتقادا شائعا في مصر أن الولايات المتحدة تدعم الإخوان وكذلك قطر التي دعمت مصر في ظل حكم مرسي بنحو سبعة ملايير دولار.
الواضح أنه رغم تصريحات السفيرة العلنية تأكيدا لشرعية مرسي وهي التصريحات التي أدت إلى انتقادات حادة لها في وسائل الإعلام المصرية، فلم يكن هناك أي ضوء أحمر من واشنطن، تحذيرا من استيلاء الجيش على السلطة.
الإنذار
ويوم الأحد قبل الأخير احتشد ما لا يقل عن نصف مليون متظاهر في ميدان التحرير وحوله وخرج ملايين آخرون في مختلف أنحاء البلاد فيما أظهر تحولا كبيرا في الاتجاهات.
في عام 2011 عندما طالب المحتجون بسقوط مبارك قائد القوات الجوية السابق كانت الجماهير تخشى أن تتعرض لهجوم من الجيش. إلا أن الجيش انحاز آنذاك للشعب، وأرغم الرئيس على التنحي.
أما الآن فعندما حلقت طائرة هليكوبتر فوق حشود المتظاهرين في ميدان التحرير وألقت أعلام مصر هلل المحتجون لها. وقال الجيش إن هذه الخطوة استهدفت تشجيع المشاعر الوطنية لا إظهار التأييد السياسي. لكن المغزى كان واضحا اذ لم يكن بالمحتجين على حكم مرسي حاجة للخوف من الجيش.
وقدم الجيش لقطات مصورة من الجو للحشود الضخمة المعترضة على مرسي لمحطات التلفزيون لإبراز حجم الدعم الشعبي لعزله. وقال المصدر العسكري «أصبح لدينا الآن حرب إعلامية مع الإخوان المسلمين».
وفي تلك الليلة استهدف محتجون المقر الرئيسي لجماعة الإخوان بضاحية المقطم في القاهرة. ولم يظهر أثر للشرطة أو رجال الإطفاء. وحطم المحتجون نوافذ المبنى المكون من أربعة أدوار ونهبوا الأثاث وأشعلوا النار في المبنى فيما أعاد للأذهان الهجوم على مقر مباحث أمن الدولة عقب سقوط مبارك.
وتحرك السيسي بعد شهور من السعي دون جدوى لحمل الرئيس على التوصل لتفاهم لاقتسام السلطة مع خصومه الليبراليين والوطنيين واليساريين.
وأمهلت القوات المسلحة مرسي 48 ساعة لإبرام اتفاق مع المعارضة.
وأعلن السيسي على التلفزيون المصري أنه إذا لم تتحقق مطالب الشعب خلال المهلة المحددة فسيتعين على القوات المسلحة أن تعلن خريطة طريق للمستقبل.
وقال الجيش إنه سيشرف على تنفيذ خريطة المستقبل بمشاركة كل طوائف الشعب والأحزاب السياسية، لكنه لن يعمل بالسياسة أو يتولى الحكم.
ولم يرد مرسي فورا على المهلة. لكن المفارقة المريرة كانت جلية فالجيش الذي كان الثوار يأملون في 2011 أن يظل بعيدا عن السياسة كان يوجه إنذارا للرئيس المنتخب. وسارع أنصار مرسي بإبراز هذه النقطة.
فقال حسن الشربيني أحد المتظاهرين قرب مسجد بالقاهرة «اعتقد العالم دائما أننا نحن الإسلاميين لا نؤمن بالديمقراطية. الآن الإسلاميون يعلمون المصريين الديمقراطية، بينما يتخلى الليبراليون عن الديمقراطية. وأين رد فعل العالم لذلك».
وكان رد الفعل العالمي العلني خافتا. وقال البنتاغون إن وزير الدفاع هاجل تحدث ثانية مع السيسي. كما جرى اتصال بين ضابط كبير بالقوات المسلحة المصرية والجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية.
وقال مصدر بالجيش المصري اطلع على تفاصيل هذه المحادثة «فهمنا من بعض الاتصالات المتبادلة بين كبار المسؤولين من جانبنا والأمريكيين والسعوديين ومن تقارير المخابرات أن الأمريكيين ليسوا سعداء بتدخلنا لكننا لم نأبه لذلك»، وأضاف «كنا ندرك أن التأييد الشعبي معنا».
واتضحت رغبة واشنطن في عدم إدانة خطوة الجيش المصري في ما بذلته من جهد لاختيار ألفاظ تصف بها ما حدث دون أن تستخدم عبارة انقلاب عسكري، إذ أشار أوباما إلى «القرار المصري بعزل الرئيس مرسي وتعطيل العمل بالدستور».
وكانت مواقف الحلفاء الإقليميين أكثر حماسة لخطوة الجيش سواء في السر والعلن.
وقال مصدر أمني آخر «الدول الأكثر تأييدا هي السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة، لأنها تتفهم أهمية مصر الاستراتيجية للعالمين العربي والإسلامي وتخشى من توسع الإخوان».
وأضاف «كما أنهم يدركون أن نهاية الإخوان في مصر هي نهاية الإخوان في العالم العربي».
التعليق الأخير
عندما رد مرسي في نهاية المطاف على إنذار السيسي رفض مطلب الجيش، وقال إنه سيواصل السير في خططه الخاصة بالمصالحة الوطنية.
وقالت رئاسة الجمهورية إن الرئيس لم يستشر في البيان، الذي أصدرته القوات المسلحة وأن الرئاسة تؤكد أنها ماضية في المسار، الذي خططته مسبقا لدعم المصالحة الوطنية الشاملة.
وكان مرسي قد نقل إلى قصر القبة الجمهوري حفاظا على سلامته بعد أن حاصر المحتجون مقر الرئاسة في قصر الاتحادية. ويوم الأربعاء نقل مرسي إلى مكتبه الاحتياطي في مجمع الحرس الجمهوري بالقاهرة.
وفي آخر أيامه في منصبه تشاور مرسي مع مساعديه وظل يعمل كالمعتاد وكأنه لا يدرك شيئا عن سقوطه الوشيك.
ونحو الساعة السادسة مساء بعد ساعة من انتهاء المهلة، قال ياسر هدارة المستشار الإعلامي لمرسي هاتفيا من داخل المجمع «الرئيس مازال هو الرئيس ومازال يجلس في مكتبه مع فريقه»، وأضاف «الجو العام في الواقع مريح. الناس تواصل العمل».
وعقب ذلك طلب من أغلب العاملين مع مرسي مغادرة المبنى، وقال المصدر إن السيسي اتصل بمرسي نحو الساعة السابعة مساء وطلب منه للمرة الأخيرة أن يوافق على الاستفتاء على البقاء في منصبه أو تسليم السلطة لرئيس البرلمان.
اعترض الرئيس فقال له السيسي إنه لم يعد رئيسا. وتم احتجاز مرسي وأقرب مساعديه مستشار الشؤون الخارجية عصام الحداد في المجمع وقيل لهما انه لا يمكنهما المغادرة لسلامتهما الشخصية.
وقال المصدر العسكري عن مرسي «جرت معاملته باحترام لأننا لا نريد تدمير صورته كرئيس لمصر». وأضاف أن الجيش استاء لرؤية مبارك القائد السابق للقوات الجوية وراء القضبان في المحكمة بعد الإطاحة به.
وآخر مرة شاهد فيها كثير من المصريين الرئيس الذي فاز بأصوات 13 مليون ناخب في أول انتخابات رئاسية حرة قبل عام من خلال تسجيل فيديو على يوتيوب يجلس فيه إلى مكتبه ويندد باستيلاء الجيش على السلطة وينادي بالمقاومة السلمية.
وفي حين أن مرسي ظل كعادته يكرر كلامه في الخطاب الأخير نشر الحداد على صفحته على فيسبوك تحليلا من 885 كلمة لسقوط رئيسه.
وقال الحداد وهو طبيب درس في برمنجهام «أدرك تمام الإدراك وأنا أكتب هذه السطور انها قد تكون السطور الأخيرة التي أتمكن من بثها على هذه الصفحة.
«ومن أجل مصر وللدقة التاريخية دعونا نسمي ما يحدث باسمه الحقيقي انقلاب عسكري».
وقال إنه إذا ترسخ تدخل الجيش «ستتردد الرسالة بكل وضوح في العالم الإسلامي أن الديمقراطية ليست للمسلمين. كثيرون رأوا من المناسب في الشهور الأخيرة أن يحاضروننا عن كون الديمقراطية أكثر من مجرد صندوق الانتخابات. ربما كان هذا بالفعل صحيحا. لكن الأمر المؤكد صحته أنه لا توجد ديمقراطية دون صندوق الانتخابات».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.