يُخِلص سعيد يقطين من خلال المقالات التي أضافها إلى كتاب «الأدب والمؤسسة» لطرحه ولمشروعه وانغماسه في التفاعل مع المجمع المغربي وباقي الحراكات التي عرفها العالم العربي والتأثيرات الدولية هنا وهناك على الواقع المغربي. الطبعة الجديدة التي جاءت بعنوان جديد «المغرب..مستقبل بلا سياسة؟» يضيف المؤلف تلك المقالات التي جاءت نتيجة تفاعله مع أحداث الربيع العربي والتي تابعها بعقل مفكر وليس بقلب انفعالي. يعد سعيد يقطين من الكتاب المغاربة، الذين ينحتون ويحفرون في العمق الثقافي المغربي باختلاف وبتفرد، فهو يتسلح بسلاح الأكاديمي وفي نفس الوقت ينغمس في المجتمع وتطلعاته وأسئلته من خلال إيمانه بالتفاعل وبدور المثقف في تحريك «مواجع» السياسة. ولا يتوقف يقطين عن الدعوة إلى ضرورة كسب السياسة للزاد الثقافي وإلا ستكون فقط مضيعة للوقت و»تهريجا». هذا الكلام وإن لم يكن صاحب الكتاب يصرح به بشكل مباشر، فمن يقرأ كتاب «الأدب والمؤسسة» يعلم أن الرجل فعلا يكتب من مرجعية قوية متفاعلة مع الراهن والمعيش اليومي والتطلعات الشعبية . يكتب يقطين «إن الانتقال من موقع خارج العصر إلى داخله لا يمكن أن يتحقق بسلوك السياسات الاقتصادية الناجعة فقط؛ ولكنه يمر كذلك وأساسا عن طريق انتهاج سياسة ثقافية جديدة ومتطورة ومغايرة؛ لما مورس خلال ردح طويل من الزمان». ويضيف أن «المسألة الثقافية في العالم العربي مغيبة أو موجهة لأغراض سياسية ما؛ ولكن لم يتم التعامل معها قط باعتبارها (قضية إنسانية)، تتعلق بالإنسان المغربي أو العربي في حد ذاته» المؤسسة الأدبية والمسألة الثقافية ويتساءل يقطين «كيف يمكن أن نتصور إنتاجا أدبيا؛ دون أن يكون هذا الإنتاج متصلا اتصالا وثيقا بالمسألة الثقافية؛ ودون أن يكون على ارتباط بالمجتمع؛ في مختلف صوره وأشكاله؟» ويضيف «كنت أنخرط في العمل الثقافي السياسي تارة، وأنغمس في العمل العلمي طورا، دون أن أترك لأي فرصة جري أليه نهائيا، إنها محاولة للتوفيق تسمح لي بإعطاء نفسي فسحة للتفكير في كل منهما بما يتطلبه من إجراءات وشروط. وفي إطار هذا التوفيق جاء كتابي حول «الأدب والمؤسسة»، الذي صدر عن منشورات الزمن سنة 2000، ليصب في إطار اهتماماتي بالقضايا الثقافية والسياسية. لقد كان الكتاب حصيلة مجموعة من المقالات كتبتها بين الفينة والأخرى، قبل نهاية التسعينيات، حاولت من خلالها تشخيص واقعنا الثقافي، وطرح الأسئلة التي كنت أراها جديرة بالتفكير والتأمل والسؤال. فقد نفد الكتاب، وطلب مني الأستاذ عبد الكبير العلوي الإسماعيلي إعادة طبع الكتاب ضمن سلسلة شرفات، بعد إضافة مقالات جديدة، وتغيير عنوانه. وبقي المشروع قيد التفكير. وكان انهماكي في العمل الأكاديمي والعلمي يبعدني عن الانخراط في أي مشاركة فيما يجري، ولاسيما بعد اقتناعي، بعد ممارسة طويلة، بلا جدوى أي عمل جماعي، سواء على المستوى الثقافي أو السياسي، تغيب أبسط شروطه. لكن ذلك لم يكن حائلا دون متابعتي لما يجري في الساحة المغربية والعربية والدولية». في هذا الإطار كان إعادة طبع كتاب: «الأدب والمؤسسة»، ولاشك أن في تغيير عنوانه من طرف المؤلف نفسه فيه وصول إلى نتيجة هي أن المغرب..مستقبل بلا سياسة؟ في الثقافة والسياسة والمجتمع. ولم يترك الكاتب الفرصة تفوته وهو يتحدث عن الواقع وتفاعله على كافة المستويات من إعادة تحيين الكتاب وبعث نفس جديد فيه من خلال إضافة المقالات التي كتبها، وهو يراقب ويتفاعل مع أحداث الربيع العربي. يكتب يقطين: «جاء الربيع العربي، فوجدتني أنخرط في الكتابة محاولا المساهمة في التعبير عن هذه التحولات بهدف إثارة نقاش حول واقعنا الثقافي والسياسي والاجتماعي، وكان أهم ما يشغلني في هذا الإطار هو الأسئلة. ولعل أهم سؤال كان يفرض نفسه علي: هل من سبيل لفتح مسارات جديدة للتغيير الاجتماعي بدون خلفية ثقافية؟ كان السؤال ما يزال يفرض نفسه، وما حصل عقب الحراك العربي عمق السؤال ليصبح: هل يمكن أن يكن أي مستقبل بدون سياسة؟» ويجيب يقطين بشكل واضح بأن «السياسة حين لا تكون مؤسسة على خلفية ثقافية، تكون مثل الثقافة حين لا تبنى على سياسة محددة وملموسة. لقد اشتغلنا بالثقافة بدون سياسة، ومارسنا السياسة بلا ثقافة. لطالما تحدثنا عن العلاقة بين السياسة والثقافة، لكن الحديث كان بلا ثقافة ولا سياسة. وكانت الحصيلة عدم مراكمة «سياسة ثقافية «أو ثقافة سياسية» لذلك يجيء عنوان الكتاب: « المغرب..مستقبل بدون سياسة؟» للتعبير عن أن التوجه إلى المستقبل يتأسس حول تعميق السؤال حول السياسة في علاقتها بالثقافة، والثقافة في صلتها بالسياسة، ولكن ليس بالمنظور الذي مورس منذ الاستقلال إلى الآن. وإلا فإن المستقبل سيظل مشرعا على اللامعنى، أي على اللاسياسة». وقد أضاف المؤلف إلى هذه الطبعة ثلاثة فصول تتصل بالربيع العربي وتداعياته المغربية، وكلها، يرى يقطين، تصب في القضية الجوهرية، التي ركز عليها الكتاب في صيغته الأولى، وهي أن التغيير السياسي لا يمكن أن يمون بدون ثقافة. كما أن التغيير الثقافي لا يمكن أن يتم بدون سياسة. فبأي سياسة وثقافة يمكننا التخطيط للمستقبل؟ يختم يقطين تقديمه للطبعة الجديدة «هذا هو السؤال الذي على الجميع المشاركة في الجواب عليه،عبر الحوار الجماعي المسؤول وممارسة النقد الذاتي ونكران الذات، والتفكير في قضايا الشعب الحقيقية أولا وأخيرا».