اختتام أشغال الدورة ال10 العادية للجنة الفنية المعنية بالعدالة والشؤون القانونية واعتماد تقريرها من قبل وزراء العدل في الاتحاد الإفريقي        "إسرائيليون" حضروا مؤتمر الأممية الاشتراكية في الرباط.. هل حلت بالمغرب عائلات أسرى الحرب أيضا؟    أنشيلوتي يشيد بأداء مبابي ضد إشبيلية:"أحيانًا أكون على حق وفترة تكيف مبابي مع ريال قد انتهت"    حكيم زياش يثير الجدل قبل الميركاتو.. الوجهة بين الخليج وأوروبا    الدار البيضاء.. اعتقال شخص مبحوث عنه وطنياً تسبب في دهس مجموعة من المواطنين بسيارته    معهد "بروميثيوس" يدعو مندوبية التخطيط إلى تحديث البيانات المتعلقة بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة على على منصتها    كيوسك الإثنين | إسبانيا تثمن عاليا جهود الملك محمد السادس من أجل الاستقرار        إنقاذ مواطن فرنسي علق بحافة مقلع مهجور نواحي أكادير    ترامب يهدد بمحاولة استعادة قناة بنما    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التحديد الغابوي.. القنبلة المؤجلة بأقاليم سوس ماسة درعة
قوانين عتيقة تؤثر على البنيات الاجتماعية وتمهد لسيطرة لوبيات العقار على أراضي الخواص
نشر في المساء يوم 07 - 01 - 2014

لم يكن في علم أحد أن عمليات التحديد الغابوي، التي أطلقتها الإدارات الإقليمية للمياه والغابات بمختلف أقاليم جهة سوس ماسة درعة، بأوامر مباشرة من المندوبية السامية بالرباط، ستثير كل هذا الغضب في صفوف أبناء المنطقة، الذين ضحوا بالغالي والنفيس في سبيل الحفاظ على أراضيهم الموروثة عن آبائهم وأجدادهم، ولم يكن أحد يدري أن ممتلكاته العينية ستكون يوما ما في مهب الريح بقدوم رجال الغابات المسنودين بمساطر قانونية عفا عنها الزمان، وأصبحت محط انتقاد شديد لدى عدد كبير من المتدخلين والمتضررين على حد سواء.
قوانين الزمن القديم
معلوم أن الترسانة المعمول بها في مجال التحديد الغابوي لا تزال تعتمد على قوانين تعود إلى الحقبة الاستعمارية، التي لم تعد ملائمة لتطورات العصر ومتطلبات الساكنة على المستويات الاقتصادية والسوسيوثقافية، ومعلوم أن عملية التحديد تبدأ بتعيين الغابة المراد تحديدها بعد التعرف على حدودها لوضع علامات التحديد المؤقت من طرف الأعوان الغابويين، حيث يتم تحرير طلب التحديد وتضمينه معلومات عن الغابة، وحقوق الانتفاع المخولة للدواوير والقبائل المعنية، يضاف إليه موجز للمخطط التعريفي بالغابة، كما يتم إشهار زمان ومكان التحديد في أجل 30 يوما على الأقل بعد إصدار مرسوم في هذا الشأن، وبناء على ذلك، يتم التحديد النهائي على أساس تسجيل الغابة ضمن أملاك الدولة بعد المصادقة النهائية على محضر التحديد وانتفاء أسباب التعرض القانونية في مدة زمنية لا تتجاوز ستة أشهر من تاريخ إيداع محضر التحديد.
الأرض.. خط أحمر
وارتباطا بالحراك المدني والسياسي بأقاليم الجهة ضد التحديد الغابوي، اعتبر فاعلون محليون بإقليم تيزنيت وجهة سوس ماسة درعة، قضية الأرض، «خطا أحمر» لا يستوعب التسويفات والمزايدات المبنية على أجندات خاصة، مؤكدين على أن الحل في عمليات التحديد الغابوي التي تصر الإدارة على تنفيذها، رغم الاعتراضات المتكررة للساكنة، يمكن تحقيقه وفق منطق تشاركي بين مختلف الأطراف المتدخلة، ومنددين بفرض سياسية الأمر الواقع، التي قالوا إنها «تقفز على المعطيات التاريخية والجغرافية»، واعتبروا أن الأمر «خطيرا جدا» قد تكون له عواقب على البنيات القبلية المتجذرة منذ قرون خلت.
وفي اللقاء الدراسي المنظم من قبل جمعية «sos آكلو» بفضاء ثانوية سيدي وكاك بجماعة أكلو، شدد المشاركون على مطلب الأمن العقاري والعدالة العقارية، واعتبروه مدخلا راهنيا ومساعدا على تحقيق تنمية مستدامة، كما أوضح المشاركون أنهم سيستمرون في معاركهم النضالية ضد أي تطاول على أراضي الخواص، وأنهم يرفضون استهداف الأرض والمناطق ذات البعد الاستراتيجي والسياحي والاقتصادي، كما عبروا عن رغبتهم في تفعيل مطالب التحفيظ الجماعي أو التحفيظ المشترك، ومواصلة جميع المحطات النضالية والحقوقية والوقفات واللقاءات الرسمية، كما ألحوا على ضرورة إبراز وثائق السجل المركزي وتفعيله من أجل الإنصاف العقاري، داعين رئيس الحكومة إلى إحداث مرسوم بإيقاف جميع مراسيم التحديد الغابوي السابقة، والتنسيقيات والجمعيات الحقوقية إلى عقد دورات تكوينية لإغناء الرصيد القانوني والمعرفي في مجال الترافع، كما دعوا المحافظين على الأملاك العقارية إلى فتح المجال لتقديم التعرضات على مطالب التحفيظ المقدمة من طرف المياه والغابات.
وفي سياق متصل، أعلن المشاركون في اللقاء الدراسي المنظم في وقت سابق بمدينة تيزنيت من قبل شبكة جمعيات محمية أركان للمحيط الحيوي بجهة سوس ماسة درعة، بمعية المتضررين من عمليات التحديد الغابوي بإقليمي تيزنيت وسيدي إفني، عن إطلاق عملية كبرى لجمع 10 آلاف توقيع للمطالبة بتحيين القوانين المنظمة لعملية تحديد الملك الغابوي بمجال أركان، ووضع حد للأضرار الناجمة عن الرعي الجائر وتنامي ظواهر البناء العشوائي والمنظم (تفويت المجال الغابوي للخواص) في مجال المحيط الحيوي لأركان.
وفي اللقاء ذاته، طالب المتضررون بإعادة النظر في المساطر القانونية وآليات تحديد الملك الغابوي، بالشكل الذي يضمن حقوق السكان المحليين في الاستفادة المباشرة والعادلة من الثروات الطبيعية ومراجعة وضعية المجالات التي تم تحديدها سابقا من أجل إنصاف ذوي الحقوق المتضررين، فضلا عن العمل على جبر الضرر الجماعي والفردي والتحديد «الأحادي والتعسفي» - حسب قولهم - للملك الغابوي، وشدد المتضررون على ضرورة اعتماد مقاربة تشاركية حقيقية وفعالة مع السكان كمنهج أساسي لتأطير عمليات تدبير المجال، وذلك عبر الوقف الفوري لكل عمليات تحديد وإعادة تحديد الملك الغابوي بمجال الأركان إلى حين مراجعة المساطر القانونية وإنصاف ذوي الحقوق، كما دعوا إلى التعبئة الشاملة للجماعات المحلية بغية إرساء قواعد التنمية المستدامة على أساس المحافظة على الموارد الطبيعية وحماية وتثمين مجال الأركان بمكوناته الثقافية واللغوية والطبيعية، كما دعوا النواب البرلمانيين إلى تبني القضايا الحيوية والإشكالات الكبرى بمجال الأركان ضمن ملفات الترافع النيابي في أفق اقتراح قوانين بديلة تصون حقوق السكان المحليين وتحافظ على التوازن الإيكولوجي بالمنطقة، ووجهوا دعوة أخرى لكل الخبراء القانونيين والفاعلين المؤسساتيين والجمعويين والباحثين إلى الانخراط في اللجنة الموضوعاتية المشتركة التي ستعمل على إعداد ملفات الترافع وصياغة مشاريع قوانين متعلقة بحماية وتنظيم المجال.
شهادات صادمة
وخلال اليوم الدراسي، توالت شهادات المتضررين من عمليات التحديد الغابوي بجهة سوس، وأكد العديد من المتدخلين على أن لجن التحديد لم تستشرهم مطلقا في تحديد أملاكهم، بل تم تضليل الكثير منهم بالقول إن الأمر يتعلق بربط المنطقة بشبكة الماء أو الكهرباء أو الهاتف وغيرها من البنيات التحتية الضرورية للحياة، فيما يؤكد البعض الآخر أن «أجوبة القائمين على التحديد تُحمل مسؤولية ما يقع لموظفين سابقين، فيما أوضحت إحدى الشهادات الأخرى بجماعة «أملو» بآيت باعمران، أن المياه والغابات منعتنا من بناء وحرث وتسييج أملاكنا بالحجارة، وفرضوا علينا غرامة توجهنا على إثرها إلى المحكمة»، مضيفا أن «أملاكنا التي نتوفر بشأنها على وثائق قديمة تعود لسنة 1800 ميلادية، لا نملك الحق في استغلالها، فضلا عن أننا اقتنينا الأرض بعُمْلَة «البْسيطة» والوثائق المثبتة توجد بمحكمة سيدي إفني، ولحد الآن بقينا بلا سكن بسبب مطالبة سلطات التعمير بترخيص من المياه والغابات»، منهيا كلمته بعبارة «اللهم إن هذا منكر».
وفي شهادة أخرى مؤثرة، أوضح أحد الفلاحين بجماعة «أملو» بسيدي إفني، أنه كان ضحية «ذعيرة غير مستحقة» من طرف رجال المياه والغابات، وصلت إلى 16 ألف درهم، اضطر معها إلى بيع بقرتين من أجل تسديدها، وهو الآن مضطر لعدم ممارسة الزراعة بسبب ذلك، فيما أكد متضرر آخر بمنطقة الأخصاص أن علامات التحديد وضعت بالقرب من منزله، وهو ما يجعله يعيش في سجن كبير يَحرمه من استغلال أملاك ورثها عن آبائه وأجداده، مضيفا أن أحد «العمال السابقين بالإقليم عرض عليه التوسيع العمودي للمنزل الذي يقطنه، بدل توسيعه بشكل عرضي وأفقي»، كما اتهم أحد المتدخلين السلطات ب»التواطؤ مع الرعاة» وب»التحايل على القانون».
احتجاجات متواصلة وغضب متنام
طيلة السنوات الماضية، لم تكف حناجر المتضررين بأقاليم الجهة عن الجهر بمدى تضررهم من إجراءات التحديد التي أقدمت عليها الإدارة الإقليمية للمياه والغابات، واستمرت في المطالبة بتعديل المساطر التي وصفوها مرارا وتكرار ب»المجحفة»، وفي هذا السياق، عبر المحتجون عن غضبهم من «عمليات مصادرة الأراضي التي أقدمت عليها المياه والغابات بناء على المرسوم 1018-01-2 الصادر في 13 يونيو 2001»، وقالوا في الشكاية التي وجهتها 15 جمعية بمنطقة آيت باعمران إلى السلطات الإقليمية «أن المياه والغابات بتيزنيت لم تراع الخصوصيات الاجتماعية والجغرافية للمنطقة، ولم تحترم توارثهم لتلك الأراضي أبا عن جد»، وهو ما سيؤدي حسب الجمعيات المشتكية إلى «تعميق الفقر بالمنطقة، خاصة وأن شجرة أركان تعد من المصادر الأساسية للعيش لدى الساكنة، كما ستؤدي إلى تسريع وتيرة الهجرة نحو المدن»، الأمر الذي سينعكس سلبا على التوازن الاجتماعي والاقتصادي بالمنطقة. ونددت الجمعيات ذاتها في بيان صادر عنها بالخطوات التي أقدمت عليها مصلحة المياه والغابات، معتبرة أنها ترمي إلى «تهجير السكان، بحكم ارتباطهم بالأرض وشجرة الأركان».
كما احتج في وقت سابق سكان بدائرة الأخصاص، ضد سياسة التحديد الغابوي المنتشرة في السنوات الأخيرة بالمنطقة، وطالبوا في الوقفة والمسيرة التي انطلقت من أمام جماعة سيدي مبارك القروية قبل أن تستقر بمركز بلدية الأخصاص بعد أن توقفت أمام عدد من الإدارات المعنية بتدبير الملف، (طالبوا) بالوقف الفوري لسياسة التحديد، ونددوا في الآن نفسه بما أسموه «إقصاء» الإقليم الجديد من عضوية الفدرالية الوطنية لذوي الحقوق ومستغلي مجال الأركان بعد فشل الجهود المبذولة لتأسيس الفرع الإقليمي بسيدي إفني لمرتين متتاليتين. وخلال الوقفة التي نظمت بالأخصاص، رفع المحتجون صور الملك والأعلام الوطنية، وأكدوا في البيان الذي أصدروه باسم التنسيقية المحلية لحماية شجرة الأركان (مذيل بأكثر من مائة توقيع)، على أن السكان ينتظرون حلا حقيقيا ومعقولا يحفظ للملاكين الحقيقيين أملاكهم، ويضمن لهم حرية التصرف فيها، كما أعلنوا وقوفهم ضد سياسة المندوبية السامية للمياه والغابات الرامية إلى نزع ملكية الأراضي من السكان بحجة تحديد الملك الغابوي.
«بوغنجة» والغابة المخزنية
في السياق ذاته، عبر سكان جماعة «أكلو» بإقليم تيزنيت، عن غضبهم الشديد من قرار الإدارة المركزية للمياه والغابات الرامي إلى تحديد قسم من غابة «بوغنجة» وإلحاقه بالغابة المخزنية، دون مراعاة حقوق التملك وظروف عيش وراحة السكان المالكين لتلك الأراضي، وأعلن المتضررون مواعيد للغضب الشعبي بالمنطقة، تعرضوا خلالها ميدانيا لعملية التحديد، مشددين على ضرورة تصحيح ما أسموه ب»المغالطات» التي يتوصل بها المندوب السامي من الإدارة المحلية، التي تسعى –حسب السكان- إلى تفويت أراض خاصة توجد بمناطق سياحية لفائدة كبار المنعشين، كما أكدوا على أنهم لن يتنازلوا عن أي شبر في أراضيهم، مهما كلفهم الأمر من تضحيات.
وارتباطا بنفس الموضوع، اشتكى 40 دوارا ينتمون لمشيخة «آيت بوياسيين»، ومشيخة «إدغزال» بجماعة سيدي مبارك، من تحديد الأملاك الغابوية من طرف مصالح المياه والغابات التي أوهمت الساكنة –حسب الشكاية- بأن الأمر يتعلق بدراسة لتزويد الدواوير المشتكية بالكهرباء والماء الصالح للشرب، وهو ما ترتب عنه وضع الأعلام بأملاكهم الخاصة.
وفي موضوع ذي صلة بسياسة التحديد الغابوي المنتشرة بالمنطقة، عبرت خمسون هيئة محلية بإقليم سيدي إفني عن غضبها الشديد من إقدام الإدارة على تحديد أملاكهم المتوارثة منذ مئات السنين، كما عبروا عن تخوفهم من تفويت الأملاك المتواجدة بغابة «بورصاص» التي تضم مناطق تدعى «تولاشت، أكندو، تزايفت» الواقعة بتراب ثلاث جماعات قروية تابعة للإقليم، وهي جماعات «اثنين أملو، تيوغزة، وميراللفت».
وكان الغليان الشعبي في المنطقة، قد تسبب في رفع دورة سابقة للمجلس القروي لجماعة أكلو، وفتح نقاش عمومي مع الساكنة المتضررة، أسفرت خلاصاته النهائية عن رفض التحديد الغابوي بصفة إجمالية، والتأكيد على ضرورة رص الصفوف لمنع اللجنة المكلفة من وضع علامة التحديد الأولى، كما استغرب المتتبعون عدم احترام المياه والغابات لمقتضيات القانون (11.03) المتعلق بحماية واستصلاح البيئة، وهو قانون يهدف إلى وضع القواعد الأساسية والمبادئ العامة للسياسة الوطنية في مجال البيئة، ومنها تحسين ظروف عيش الساكنة، ووضع نظام خاص بالمسؤولية يضمن إصلاح الأضرار البيئية وتعويض المتضررين، واستدلوا على ذلك ب»عدم مراقبة الشركات المستغلة لمقالع (إغزر أمنصور) التي لم تحترم –حسب السكان- ما ورد في دفتر التحملات.
تنسيقية لرد الاعتبار
عقدت مجموعة من التنظيمات الجمعوية والفعاليات السياسية والحقوقية لقاءات عامة تحت اسم تنسيقية أدرار لمحاربة التحديد الغابوي، نددت خلالها بممارسات الإدارة الوصية التي اعتمدت على ظهائر تعود لفترة الحماية، وخاصة على ظهير 1 يوليوز 1914، معتبرة أن «الإصرار على التنفيذ لا يمثل إلا تنزيلا سيئا لمقتضيات الدستور الجديد، وضربا في العمق للاستقرار الاجتماعي للساكنة المحلية، ومسا خطيرا لبنيات قبلية تجذرت منذ قرون خلت. وحذرت الهيئات المنضوية تحت لواء التنسيقية جميع السلطات المحلية والإقليمية من المضي في توتير الأوضاع بالمنطقة، قائلة إن «الأوضاع المتوترة أصلا تقتضي العمل على نزع فتيل التوتر»، وحملتها كامل المسؤولية فيما سيترتب عن الإصرار على تنفيذ قرارات وصفتها ب»اللاشعبية والاستفزازية»، مهددة بالدخول في أشكال نضالية غير مسبوقة صونا لأراضي الخواص و حقوقهم، وداعية جميع التنظيمات السياسية والحقوقية إلى تقديم الدعم و المؤازرة، والنضال من أجل منع «اغتصاب الأراضي من ملاكيها الأصليين».
تيغيرت وسياسة نزع الأملاك
احتجت ثلاث قبائل تابعة لقيادة تيغيرت،» وهي قبائل إدبنيران وآيت كرمون وآيت همان» ضد قرار التحديد الغابوي، وقالت الجمعيات المحلية في بيان توصلت به «المساء» في وقت سابق، إن «المياه والغابات وبعض المنتخبين مارسوا سياسة التضليل والتعتيم ضد السكان»، مضيفة أنه «في الوقت الذي كنا ننتظر فيه من الدولة التدخل لوقف معاناة سكان هذه الجبال مع الجفاف والفقر والعزلة والتهميش، تفاجأنا بقرار إدارة المياه و الغابات تحفيظ أراضي تحت مسمى الملك الغابوي، دون احترام المسطرة القانونية المعمول بها في مثل هذه الحالات وإشعار السكان بذلك، وإشراكهم في الاجتماعات الخاصة بالموضوع حتى يتسنى لهم تقديم المستندات والحجج التي تثبت حقوقهم داخل الآجال القانونية»، ومشيرة في الشكاية الموجهة إلى عدد من الجهات الوصية محليا وإقليميا، إلى أن الأرض المطلوب تحديدها لم تكن أرضا خلاء بدون مالك، كما أن السكان يتوفرون على جميع الرسوم والمستندات التي تعود لمئات السنين تثبت ملكيتهم، وهي وثائق سابقة على ظهائر استعمارية لا زال العمل بها إلى غاية اليوم، منذ سنوات 1916 و1917 و 1925.
واعتبر المتضررون عدم تسجيل السكان لأراضيهم في سجلات المحافظة العقارية «لا يبرر انتزاع الدولة لها على اعتبار أن عملية تحفيظ هذه الأملاك تتطلب مبالغ مالية كبيرة لا طاقة للسكان بها في ظل الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشون فيها» وهي الظروف التي دفعت الكثير منهم إلى الهجرة داخل وخارج الوطن، واعتبروا سياسة نزع الأراضي بهذه الطريقة خرقا سافرا لحق الملكية المحمي دستوريا، والمصون بمقتضى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي ينص في مادته 14 «على أن لكل شخص حق التملك بمفرده أو بالاشتراك مع غيره و على عدم جواز تجريده من ملكه تعسفا».
رد المياه والغابات
أوضحت مصادر مسؤولة من داخل مصلحة المياه والغابات بتيزنيت أن عمليات التحديد الغابوي الذي قامت به الإدارة تم «بشكل قانوني، بناء على مقتضيات الظهير الشريف الصادر في 3 يناير 1916 والمغير سنة 1946، والذي سن نظاما خاصا لتحديد أملاك الدولة، وكذا بناء على الظهير الصادر في سنة 1922 المتعلق بتسجيل أملاك الدولة المحددة، والظهير الصادر سنة 1917 المتعلق بحماية واستغلال الغابات»، وأضافت المصادر ذاتها أن «الباب الرابع من الظهير الأخير يعترف للساكنة بحقوق الانتفاع بعد التحديد، حيث يجوز لهم جمع الحطب اليابس ورعي المواشي، وجني الثمار واستعمال الأرض لأغراض غير تجارية، وكذا قطع حطب التسخين والتسييج وحطب التفحيم وحطب الخدمة، بالإضافة إلى استخراج التربة والرمل والحجر للاستعمالات المنزلية، والحق في الانتفاع لا يعني بالضرورة ملكية الأراضي، وأغلب السكان لا يتوفرون على حجج ووثائق تثبت ملكيتهم للكثير من تلك الأراضي».
وفي الإطار نفسه، أوضح المندوب السامي للمياه والغابات ومحاربة التصحر في مراسلة جوابية لشكاية ساكنة آيت باعمران، بأن «التحديد الإداري للغابة المخزنية تم في إطار تصفية وضعية الوعاء العقاري للملك الغابوي بتيزنيت»، وأكد أن القانون يخول للسكان الذين فاتهم التعرض أثناء مرور لجنة التحديد تقديم تعرضاتهم للسلطة المحلية التي وضع محضر التحديد بين يديها، مع ضرورة تثبيت التعرض بتقديم مطلب التحفيظ لدى المحافظة العقارية في أجل 3 أشهر التي تلي فترة إيداع المحضر. وجوابا على القول بأن السكان لم يخبروا بعملية التحديد، أكدت المصادر ذاتها أن «تسجيل السكان لتعرضاتهم لدى السلطات المحلية المعنية، يدل على أنه تم إخبارهم في الآجال القانونية».
الانتخابات والمرسوم المثير للجدل
لم يستسغ عدد من سكان إقليم تيزنيت إقدام الوزير الأول السابق عباس الفاسي على توقيع مرسوم عشية الانتخابات الجماعية (24 نونبر 2012) يقضي بتحديد الملك الغابوي المسمى «تلال رسموكة» الواقع بتراب جماعة وقيادة رسموكة، ويسند فيه مهمة تنفيذ مضامين المرسوم للمندوب السامي للمياه والغابات ومحاربة التصحر، وبناء على ذلك أكد الأخير في إعلان صدر باسمه تعيين الفاتح من فبراير من السنة الجارية موعدا للشروع في عملية تحديد الملك الغابوي المذكور بجماعة رسموكة، على مساحة تقدر ب»1468 هكتار» (منها 37 آرا و23 سنتيارا)، يحدها شمالا وادي ماسة، وشرقا دوار تلعينت والفيض، وجنوبا دوار سبوية، وغربا حدود جماعة المعدر، مشيرا إلى أن هذه الحدود رسمت بخط أخضر في المخطط، ومضيفا أنه «لا توجد داخل هذه التلال المزمع تحديدها أي قطع محصورة، حسب علمه»، ومعلوم أن جماعة رسموكة تتميز بمؤهلات فلاحية كبيرة، حيث توجد بها مزارع رملية. وقد تسبب القرار المذكور في تأجيج غضب الساكنة المحلية وملاكي الأراضي، الذين حجوا للدورة الاستثنائية للمجلس القروي المخصصة لدراسة نقطة فريدة تتعلق بعملية تحديد المزارع الرملية، وهي النقطة التي رفضها أعضاء الجماعة بالإجماع، كما انتهى الاجتماع بإصدار قرار يفضي إلى تزكية القرار الجماعي في نفس النازلة في سنة 2002 والقاضي برفض أي تحديد وأي تدخل للمياه والغابات، مشددين على عدم السماح بتنفيذها على أرض الواقع نظرا لتعارضها مع مصالح المزارعين وفلاحي المنطقة المشهورة باستيعابها ل 90 بالمائة من فلاحي الجماعة، وبالمغروسات البيولوجية مثل الدلاح والبصل وبعض الفواكه الصيفية مثل العنب والتين وغيرها، بالمزارع الرملية بجماعة أربعاء رسموكة.
وكان وزير الفلاحة الحالي، قد أكد في مراسلة جوابية لنائب برلماني سابق عن دائرة تيزنيت، على أن التحفيظ الجماعي يخضع لمسطرة حددها الظهير الشريف رقم 1,69,174 المؤرخ في 25 يوليوز من سنة 1969، وهي مسطرة خاصة تخضع لها الأملاك الواقعة بالمناطق المتواجدة خارج المدارات الحضرية، والتي يتم فتحها وتحديدها استنادا إلى توفر مجموعة من المعايير، من أهمها موافقة الملاكين والمنتخبين والسلطات المحلية، وملكية الخواص لغالبية القطع الواقعة بالمنطقة المعنية، على أن تكون القطع المعنية ذات مساحة متوسطة. وبخصوص فتح منطقة جديدة للتحفيظ الجماعي بجماعة رسموكة، أوضح الوزير أن الوكالة الحضرية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطي ستعمل على إنجاز دراسة هذا الموضوع والبت فيه على ضوء المعايير سالفة الذكر، ومدى توفر الوسائل المادية والبشرية اللازمة، على أن تظل مصلحتا المحافظة العقارية والمسح القاري بتيزنيت رهن إشارة الجماعة المعنية من أجل المساعدة على تحقيق هذا الهدف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.