-أعلن رئيس الحكومة أن سنة 2014 ستكون سنة الإصلاحات. هل الزمن المتبقي من عمر هذه الحكومة سيكفي لإنجاز ما يسمى بالإصلاحات الكبرى؟ كل عملية إصلاح لا تحدث في فراغ ولا تتحقق لمجرد رغبة شخص أو مؤسسة، بل لا بد من توفر بيئة سياسية سليمة أو توفر شروط موضوعية تدفع في اتجاه الإصلاح بمؤسسات وفاعلين مؤمنين بالفكر الإصلاحي الحقيقي المبني على أساس مبدأي توسيع المشاركة في هذا الإصلاح، وتوفر إرادة الإصلاح على جميع المستويات المتمثلة في المؤسسة الملكية ومحيطها والأحزاب، وممارسة رئيس الحكومة مهامه الدستورية في الإصلاح بدون أي انبطاح مجاني. وعليه فمهمة رئيس الحكومة لن تكون سهلة في جعل سنة 2014 سنة الإصلاحات، خصوصا أن 2013 تميزت بنوع من الارتدادات في مباشرة هذه الإصلاحات وتغييب عامل الزمن في التدبير الحكومي. لذلك يصعب أن نتقبل ما قاله رئيس الحكومة حول سنة 2014 لسبب بسيط وهو أن الدولة المغربية بمؤسساتها تفتقر إلى مقاربة إصلاحية شاملة وصارمة واستراتيجية في كل المجالات، وهذا ما يؤكده الواقع لأنه رغم كل الإصلاحات الدستورية والسياسية، ورغم مرور أكثر من سنتين على التعديل الدستوري وتشكيل حكومة بنكيران، فالسياسة بالمغرب مازالت تدبر بمقاربات تكتيكية وانفعالية وخجولة ومترددة، وهذا ما يؤكد صحة ما ذكره جون واتربوري عن المجال السياسي المغربي بكونه تحكمه بنيات إقطاعية وتتحرك داخله أحزاب شبهها بمؤسسات الزوايا التقليدية. هذا الأمر سيجعل حكومة بنكيران في مأزق حقيقي مع مضمون الفصل 86 من الدستور الذي تحدث عن آجال عرض مشاريع القوانين التنظيمية على المصادقة خلال الولاية التشريعية الحالية والتي بلغ عدد النصوص المقترحة في المخطط التشريعي 243 نصا تشريعيا منها 0 4نصا برسم تنفيذ بعض أحكام الدستور، و13 مشروع قانون تنظيمي، و10 مشاريع قوانين تتعلق بمؤسسات الحكامة، و16 إجراء وتدبيرا تشريعيا تهدف إلى ملاءمة القوانين الجارية مع أحكام الدستور والنص المتعلق بميثاق المرافق العمومية الوارد في الفصل 157 من الدستور، و203 مشاريع قوانين تندرج في إطار الإصلاحات القطاعية. وهذا ما يستدعي رفع وتيرة الإنتاج التشريعي وتقوية الانسجام الحكومي وإشراك المعارضة، وتحديد أجندة لأولويات الإصلاح وإن كان هناك أكثر من مؤشر على أن الزمن الباقي من عمر الحكومة ليس بكاف لتفعيل مقتضيات الدستور والبرنامج الحكومي وإنجاز الإصلاحات المنتظرة، رغم وجود شبه إجماع حول كون الإصلاح السياسي يعد المدخل الرئيسي لتغيير النظم السياسية بمؤسساتها. - فيما يخص إصلاح صناديق التقاعد يبدو أن السيناريو الأكثر احتمالا هو تمديد سن التقاعد والزيادة في نسبة الاشتراكات مع تخفيض التعويضات، هل ترى أن هذه الصيغة ستحظى بالقبول من طرف مختلف المتدخلين، وكيف ستتعامل المعارضة معها؟ حكومة بنكيران ستختار السيناريو الأكثر احتمالا هو تمديد سن التقاعد والزيادة في نسبة الاشتراكات مع تخفيض التعويضات، وإن كان هذا السيناريو هو الأسوأ لحكومة بنكيران والذي سيواجه مقاومة شرسة من طرف أحزاب المعارضة والنقابات التابعة لها خصوصا أحزاب الاستقلال والبام، الأمر الذي سيفرض على رئيس الحكومة أن يفتح حوارا مجتمعيا وديمقراطيا بين الدولة وأرباب العمل والنقابات والمجتمع المدني لإخراج المغرب من واقع أزمة اجتماعية. - في إطار الإصلاحات الكبرى يطرح ملف صندوق المقاصة. هل المسار الذي اتخذه إصلاح هذا الصندوق سينتهي إلى الخروج بإصلاح متكامل يعيد توزيع إمكانياته بشكل عادل؟ رغم إرادة حكومة بنكيران إصلاح هذا النظام ضمن مقاربة تدريجية تهدف تحقيق التوازن بين مختلف الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والمالية، فإنها فشلت في الإصلاح الجذري لصندوق المقاصة، مما دفع الحكومة إلى الاستثمار في مقاربة مواصلة عملية مراجعة تركيبة أثمان المواد المدعمة ومسالك توزيعها وتسويقها، وعقلنة استفادة القطاعات وتهييئها للتحرير الكامل للأسعار، مع استهداف الأسر المعوزة، واعتماد مبدأ الدعم المالي المباشر المشروط بالتعليم والصحة. وهو ما يعني أن حكومة بنكيران لن تصلح صندوق المقاصة الذي يبقى إصلاحه الجذري رهينا بالقضاء على اقتصاد الريع والاحتكار التجاري والتهرب الضريبي واستفادة المقاولات الكبرى والمتوسطة والصغيرة من صندوق المقاصة على قدم المساواة. - ماذا عن تنفيذ الإصلاحات الدستورية والقوانين التنظيمية؟ مسألة الإصلاح الدستوري وإخراج القوانين التنظيمية تبقى أهم مؤشرات فشل أو نجاح حكومة بنكيران في دمقرطة البلاد ومؤسساتها، لذلك فهذه الحكومة لها مسؤولية تاريخية في تفعيل الدستور ولإخراج كل قوانينه التنظيمية. لكن ما يلاحظ على هذه الحكومة في مسألة الإصلاح الدستوري والقوانين التنظيمية هو البطء والتردد وانشغالها بالصراعات الحزبية مما ضيع على المغرب سنتين من عمر الإصلاح، لأن طبيعة الزمن الدستوري تفرض على الحكومة وهي تشرف على نصف ولايتها أن يكون رصيدها التشريعي مساويا لمدة انتدابها على الأقل، وهو الأمر الذي لم يتحقق. لكن حكومة بنكيران يمكنها استدراك الأمر عبر تسريع وتيرة العمل التشريعي وإخراج مشروع مخططها التشريعي الذي يضم 40 مشروع نص قانونيا موزعة بين قوانين تنظيمية وقوانين عادية، و203 مشاريع قوانين مقترحة من قبل السلطات الحكومية تتوزع إلى نصوص تشريعية جديدة ونصوص تشريعية لمراجعة تشريعات قائمة، و13 قانونا تنظيميا، و10 قوانين تخص مؤسسات الحكامة، و16 تدبيرا تشريعيا لملاءمة بعض التشريعات مع أحكام الدستور، بالإضافة إلى النص المتعلق بميثاق المرافق العمومية الوارد في الفصل 157 من الدستور، و7 قوانين تنظيمية جديدة تهم تنظيم العمل الحكومي والمجلس الأعلى للسلطة القضائية والجماعات الترابية وتنظيم حق الإضراب، وشروط تقديم ملتمسات المواطنين في مجال التشريع وتقديم العرائض إلى السلطات العمومية، وتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية والمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية. وهناك القوانين الخاصة بالمحكمة الدستورية والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والقانون التنظيمي المتعلق بقانون المالية والنظام الأساسي للقضاة ولجان تقصي الحقائق ومجلس الوصاية على العرش. لذلك هناك أسئلة حارقة ونحن أمام هذا المخطط التشريعي الطموح، فهل الزمن المتبقي من عمر الحكومة كاف لإخراج هذه القوانين الإستراتيجية لمستقبل المغرب؟ وهل المعارضة ستكون معارضة مواطنة للمساهمة في إخراج هذه القوانين بعيدا عن الانتهازية السياسية؟ والحسابات السياسوية خصوصا مع اقتراب الزمن الانتخابي؟ هل ستضع الحكومة أولويات في إخراج هذه القوانين؟ وما هو موقع مشروع قوانين الجهوية والجماعات الترابية والأمازيغية في هذه الأولويات؟ - الإعداد للانتخابات الجماعية يشكل تحديا بالنسبة لهذه الحكومة. هل سيكون بمقدور الفريق الجديد الالتزام بموعد 2015، مع ما يتطلب ذلك من إعداد وتحضير؟ دستوريا وقانونيا الحكومة ملزمة باحترام تاريخ الانتخابات، وأيضا الواقع السياسي المغربي يفرض ذلك، خصوصا في ظل وجود مؤسسات تشتغل خارج مقتضيات دستور 2011 كمجالس الجهة ومجلس المستشارين. لكن النقاش الحقيقي يجب ألا ينصب على تاريخ انتخابات 2015 بل على ما أعدت الأحزاب السياسية لهذه الانتخابات، وما قدمته للناخبين، وإلى أي حد التزمت ولو نسبيا بوعودها الانتخابية، وماذا أعدت الدولة من قوانين انتخابية استراتيجية تقوي الأحزاب الديمقراطية بدل بلقنتها. فهل تتوفر الدولة والأحزاب على إرادة سياسية حقيقية لإعادة نبل العمل السياسي بالمغرب؟ وماذا أعدت الأحزاب لاستعادة ثقة المواطن الذي فقد الثقة فيها منذ زمان، وخصوصا في عهد حكومة بنكيران التي أبانت أحزاب الأغلبية وأحزاب المعارضة بأنها لم تغير خطابها وسلوكها رغم الدستور الجديد. وكيف ستكون نسبة المشاركة؟ إنها أسئلة مؤلمة يجب على الدولة والأحزاب الانتباه إليها بجد قبل فوات الأوان لأن كل المؤشرات تؤكد أن المغاربة ملوا من الكذب وفقدوا الثقة في جل مؤسسات الدولة، بل إنهم أصيبوا بخيبة أمل في حكومة بنكيران كما صدموا في حكومة اليوسفي.