أخذت وسائل الإعلام تستمتع في الأسابيع الأخيرة بالحديث عن شقاق في ظاهر الأمر في العلاقات بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل في قضية التفاوض النووي مع إيران. إن القصة تعطي عناوين صحفية رائعة، لكن تفسيرها سيئ؛ فرغم خطابة الجدل، ما زالت الدعائم التي يُقام عليها أهم حلف للولايات المتحدة في الشرق الأوسط مدة أكثر من ستة عقود، قوية اليوم كما كانت في الماضي. بعد بضع ساعات فقط على إعلان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري عن الاتفاق المرحلي على وقف برنامج إيران النووي، ظهر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في التلفاز الأمريكي ونعت الاتفاق بكونه "خطأ تاريخيا". وأفادت وسائل الإعلام في إسرائيل بوجود مخاوف كبيرة في القدس من محادثات سرية بين الولاياتالمتحدةوإيران، رغم أنه تبين منذ ذلك الحين أن إسرائيل كانت مطلعة على هذه المحادثات مسبقا. وكان من نتائج ذلك أن وجد محللون يشيرون إشارة خفية إلى أن الشراكة بين أمريكا وإسرائيل قد تتصدع، وهذه مخاوف تنبع من حصر العناية في الصورة بدل المضمون. ما زال أوباما ونتنياهو يحددان هدفا مشتركا في تصريحات مكررة، وهو أنه لا يجوز أن يكون لإيران سلاح نووي. قد يشكو المراقبون من عدم وجود دفء في العلاقة بين أوباما ونتنياهو، لكن العلاقات الدولية لا يفترض أن تعبر عن قصص غرام بين القادة، فهذه العلاقات تقوم على مصالح مشتركة وقيم مشتركة وعلاقة متبادلة. وهذه هي القاعدة التي مكّنت من وجود شراكة لا نظير لها بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل مدة 65 سنة، فيها 12 إدارة أمريكية وكثير جدا من نشرات الأخبار. ينبغي أن ننظر إلى زيادة التذمر في الأسابيع الأخيرة بصورة واقعية: فالحديث عن فرق في صورة نظر واشنطنوالقدس إلى التكاليف والفوائد في اتفاق مرحلي نووي. لكن، هل أفضى ذلك إلى شقاق ذي معانٍ مفرطة بالنسبة إلى مستقبل العلاقات؟ لا، في الحقيقة. استضافت إسرائيل في المدة الأخيرة قوات أمريكية في إطار "العمل الأزرق"، وهو تدريب عسكري واسع النطاق شاركت فيه عشرات الطائرات الحربية؛ فالحديث عن مثال رائع على قدرة إسرائيل والولاياتالمتحدة على تنحية عدم الاتفاق في شأن ما والاستمرار في العمل معا على تقديم المصالح المشتركة، وهي مكافحة الإرهاب وإنهاء الحرب في سوريا ودفع التطور العالمي قدما والاستقرار في الشرق الأوسط. يقول مسؤولون كبار في جهازي الأمن الوطنيين في الدولتين إن الولاياتالمتحدة وإسرائيل لم تتمتعا قط بتعاون عسكري واستخباري أوثق مما هو اليوم؛ فقد طورت إسرائيل بدعم من الولاياتالمتحدة منظومة دفاع متقدمة مضادة للصواريخ قد تُستعمل في يوم من الأيام للدفاع عن الولاياتالمتحدة كما تحمي تقنية إسرائيلية السيارات التي يسافر فيها جنود أمريكيون في أفغانستان. إن التعاون الاستخباري بين الدولتين كان له دور حيوي في مكافحة الإرهاب العالمي ومتابعة البرنامج النووي الإيراني. إن التعاون الوثيق بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل في واقع الأمر هو الذي فتح نافذة للتفاوض مع إيران، فبعد أن تحدت إيران المجتمع الدولي سنين غيّرت نغمتها آخر الأمر حينما وقفت واشنطن وتل أبيب كتفا إلى كتف، لا في شأن العقوبات وحدها بل في استعدادهما أيضا لاستعمال القوة لمنع طهران من إحراز القنبلة النووية. واضطرت طهران بسبب العزلة المتزايدة والاقتصاد المتهاوي وطلب الشعب الإيراني للتغيير إلى أن تجلس إلى طاولة التفاوض. إن العلاقات بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل تغلب عليها، أيضا، القيم المشتركة للديمقراطية وحقوق الإنسان. وهاتان الدولتان تنموان في عالم مليء بالأسواق المفتوحة والمجتمعات المفتوحة، وهما تطمحان إلى دفع هذه المبادئ قدما في الساحة الدولية. في الأشهر القريبة ستكون للتنسيق والمشاورة القوية بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل أهمية كبيرة لأجل إحراز نتيجة إيجابية في المحادثات النووية نحو صفقة مع إيران. إن خطابة عدسات التصوير يجب أن تحل محلها مباحثات هادئة. إن أفعال نتنياهو وأوباما تعبر عن اتفاق بين الطرفين وعن قوة العلاقات بين الأمتين أكثر من كل عنوان صحفي مُهيّج. عن «يديعوت»