لا أخفي أنني لست من «هواة تلخيص الكتب»، وقبل ذلك تتوجَّب الإشارة إلى أن عملا من هذا النوع «محمود» و في الوقت ذاته صعب، وخصوصا في حال الكتب التي يستحيل ترجمتها بالنظر لعدتها المنهجية الثرية وبالنظر إلى «بيلدوز التحليل»، الذي يشتغل من خارج الزحف نحو «النتائج» التي عادة ما يتلقفها وبانتشاء وتسرع «حمقى التلخيص». ودراسة المؤرخ عبد الأحد السبتي «بين الزطاط وقاطع الطريق أمن الطرق في مغرب ما قبل الاستقلال» (2009)، والمؤكد إلى جانب دراسات أخرى، من بين الدراسات التي تدرج ضمن هذا السياق، وعلى النحو الذي يؤكد على «مدرسة تاريخية مغربية حديثة» ذات «معالم وجود حقيقي» كما عبّر عنه البعض. والدراسة، في ضوء «أطروحتها العامة»، وحتى إن كانت لا تربط بين «موضوع أمن الطرق» و»التسرب الأوروبي» (انظر: ص21، 100، 313)، في إطار من «المجازفة بتهميش الدور الخارجي»، وتلافيا للسقوط في مساوئ «المقاربة الوطنية الدفاعية»، كما عبَّر عنها الدارس نفسه (ص21)، فإن «حدث الاستعمار» يظل وراء «القطيعة الحاسمة» في التاريخ الحديث بالمغرب... وإلا لما كان الباحث نفسه قد احتفظ به على مستوى العنوان، وإلا لما كان قد خصّص الفصل الأول ل»الرحلة الأوروبية الاستكشافية» من خلال التركيز على أحد الكتب أو النصوص البارزة: والمقصود كتاب «استكشاف المغرب» (1888) لصاحبه الفرنسي شارل دوفوكو (1858 1916). دراسة تنطلق، اعتمادا على إواليات التبويب والتداخل والاستشكال، من «نصوص» تنتمي إلى أربعة أجناس، هي: «الرحلة الأوروبية الاستكشافية» (كمنا أسلفنا) و»الكتابة الأخبارية» و»أدب مناقب الصُّلحاء والأولياء» و»النص الفقهي في إطار أشكال الخطاب القانوني». دراسة تفكر في هذه النصوص مثلما تفكر بها، وعلى النحو الذي جعل الدارس يوسِّع من إشكالية البحث والنظر (التاريخيين) عندما أصر على فهم «الظاهرة وتطورها» (الزطاط وقاطع الطريق) في «مستوى الممارسات الاجتماعية والسياسية، والتصوّرات والأنساق الثقافية» (ص22). وهذا التصوّر الموسّع للتاريخ ما جعل الدراسة تنفتح، وتحاور، معارف ونظريات وتصورات... تقع خارج «قلعة التاريخ الكلاسيكية». وهذا التصور ما جعل الدراسة تفرض ذاتها، بقوة، على باحثين في «تخصصات» أخرى، في مقدّمها الأنثروبولوجيا ذاتها. هذه ولا بأس من الإشارة إلى أن دراسة «استكشاف المغرب»، لشارل دوفوكو، عادة ما تنتظم في إطار من الأبحاث التي تعنى بالأنثروبولوجيا الكولونيالية بالمغرب. وقد تضمن بحث عبد الأحد السبتي، وإن من خلال مرتكز «الزطاطة»، وفي المدار الذي يجعل هذه الأخيرة جزءا من «البيئة القبلية» أساسا كما يضيف الدارس (ص 184)، نكرِّر تضمن أفكارا وإشارات... قد لا نظفر بها في دراسات عنيت بالأنثروبولوجيا ما قبل الكولونيالية بالمغرب، أو الأنثروبولوجيا الكولونيالية بصفة عامة، وسواء من «موقع التأريخ» أو من موقع «إعادة الصياغة». بحث «بين الزطاط وقاطع الطريق» يعيد فكرة مارك بلوخ، في كتابه «دفاعا عن التاريخ أو مهنة المؤرخ»، حول انفتاح التاريخ على سائر العلوم الاجتماعية وفي إطار من الانتظام في البحث التاريخي ذاته وبأسسه النظرية أيضا. وعندما نحيل على عبد الأحد السبتي فإن ذلك لا يعني تغييب أسماء أخرى، سواء من «جيل» الباحث مثل أحمد التوفيق وعبد اللطيف الشادلي وإبراهيم القادري بوتشيش... أو الجيل السابق الذي ضم كل من عبد الله العروي ومحمد حجي ومحمد القبلي ومحمد زنيبر وإبراهيم بوطالب...، وغير هؤلاء من الجيل الأول اللاحق على جيل العلامة محمد المنوني الذي يعد «مؤسِّس المدرسة الحديثة في التاريخ في المغرب». غير أن السؤال الذي يفرض ذاته، انطلاقا من دراسة عبد الأحد السبتي، وعلى صعيد «الآلة التحليلية»، وفي إطار من البحث التاريخي ذاته وعلى نحو ما يفضي بنا إلى البحث الأنثروبولوجي وسائر العلوم الاجتماعية، هو مدى «الالتزام» ب»الفهم الموسع للتاريخ» (سالف الذكر) الذي بموجبه لا يغرق هذا التاريخ في السرد «الابتدائي»، وكل ذلك في المنظور الذي يفضي بالمؤرخ وقد يكون هذا هو الأهم أيضا إلى أن يهجر «قلعة التاريخ العتيقة» (أو «الأصنام» و»الأوهام» بلغة مارك بلوخ) نحو ميادين أخرى، وعلى النحو الذي يجعلنا نتلمَّس دلالة الإنسان في مجمل الخبرة الإنسانية ومن وجهة نظر تاريخية. دراسة «بين الزطاط وقاطع الطريق» من الدراسات التاريخية المحكمة وبالغة الأهمية، سواء من الناحية المعرفية التاريخية أو من ناحية التجذر في «لحظتنا الفكرية العامة». دراسة تنبش في «المسكوت عن المسكوت عنه»، كما عبرنا عنه في دراسة سابقة، وعلى النحو الذي يؤكد على أن التاريخ لا يصنعه الملوك والأمراء والفقهاء والمثقفون... فقط، فالمهمشون واللصوص وقطاع الطرق... أسهموا بدورهم في «صناعة التاريخ». يحيى بن الوليد