نشرة إنذارية.. تساقطات ثلجية على المرتفعات التي تتجاوز 1500م من السبت إلى الإثنين المقبلين    "روح الأسرة" بعيدا عن "سلطوية العام" و"شكلانية القانون" و"مصلحية الاقتصاد"    مديرية الضرائب تفتح شبابيكها يومي السبت والأحد للمهتمين بتسوية وضعيتهم الجبائية من الأشخاص الذاتيين    الحكم موقوف التنفيذ لمناهضين ضد التطبيع    إياب ساخن في البطولة تبدأ أطواره وسط صراع محتدم على اللقب وتجنب الهبوط    كافي: يجب مناقشة التعديلات المقترحة على قانون مدونة الأسرة بعيدا عن التعصب لرأي فقهي    هذا نصيب إقليم الناظور من البرنامج الاستعجالي لتعزيز البنيات التحتية بجهة الشرق    المنتخب المغربي يشارك في البطولة العربية للكراطي بالأردن    الدحمي خطاري – القلب النابض لفريق مستقبل المرسى    مديرية الضرائب تفتح شبابيكها نهاية الأسبوع لتمكين الأشخاص الذاتيين المعنيين من التسوية الطوعية لوضعيتهم الجبائية    رأس السنة الجديدة.. أبناك المغرب تفتح أبوابها استثنائيًا في عطلة نهاية الأسبوع    غياب الطبيب النفسي المختص بمستشفى الجديدة يصل إلى قبة البرلمان    بيت الشعر ينعى الشاعر محمد عنيبة الحمري    العام الثقافي قطر – المغرب 2024 : عام استثنائي من التبادل الثقافي والشراكات الاستراتيجية    استخدام السلاح الوظيفي لردع شقيقين بأصيلة    إسرائيل تغتال 5 صحفيين فلسطينيين بالنصيرات    اكتشاف جثة امرأة بأحد ملاعب كأس العالم 2030 يثير الجدل    توقعات أحوال الطقس ليوم الخميس    تعاونيات جمع وتسويق الحليب بدكالة تدق ناقوس الخطر.. أزيد من 80 ألف لتر من الحليب في اليوم معرضة للإتلاف    الكونفدرالية الديمقراطية للشغل تصعد رفضها لمشروع قانون الإضراب    حلقة هذا الأسبوع من برنامج "ديرها غا زوينة.." تبث غدا الجمعة على الساعة العاشرة    أسعار الذهب ترتفع وسط ضعف الدولار    صناعة الطيران: حوار مع مديرة صناعات الطيران والسكك الحديدية والسفن والطاقات المتجددة    أسعار النفط ترتفع بدعم من تعهد الصين بتكثيف الإنفاق المالي العام المقبل    بلعمري يكشف ما يقع داخل الرجاء: "ما يمكنش تزرع الشوك في الأرض وتسنا العسل"    "ال‬حسنية" تتجنب الانتقالات الشتوية    طنجة تتحضر للتظاهرات الكبرى تحت إشراف الوالي التازي: تصميم هندسي مبتكر لمدخل المدينة لتعزيز الإنسيابية والسلامة المرورية    الارتفاع يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    "التجديد الطلابي" تطالب برفع قيمة المنحة وتعميمها    "الاتحاد المغربي للشغل": الخفض من عدد الإضرابات يتطلب معالجة أسباب اندلاعها وليس سن قانون تكبيلي    وكالة بيت مال القدس واصلت عملها الميداني وأنجزت البرامج والمشاريع الملتزم بها رغم الصعوبات الأمنية    تدابير للإقلاع عن التدخين .. فهم السلوك وبدائل النيكوتين    مقتل 14 شرطيا في كمين بسوريا نصبته قوات موالية للنظام السابق    كندا ستصبح ولايتنا ال51.. ترامب يوجه رسالة تهنئة غريبة بمناسبة عيد الميلاد    سنة 2024 .. مبادرات متجددة للنهوض بالشأن الثقافي وتكريس الإشعاع الدولي للمملكة    الممثل هيو جرانت يصاب بنوبات هلع أثناء تصوير الأفلام    الثورة السورية والحكم العطائية..    كيوسك الخميس | مشاهير العالم يتدفقون على مراكش للاحتفال بالسنة الميلادية الجديدة    الإعلام الروسي: المغرب شريك استراتيجي ومرشح قوي للانضمام لمجموعة بريكس    مباراة ألمانيا وإسبانيا في أمم أوروبا الأكثر مشاهدة في عام 2024    الضرورات ‬القصوى ‬تقتضي ‬تحيين ‬الاستراتيجية ‬الوطنية ‬لتدبير ‬المخاطر    الصين: أعلى هيئة تشريعية بالبلاد تعقد دورتها السنوية في 5 مارس المقبل    "أرني ابتسامتك".. قصة مصورة لمواجهة التنمر بالوسط المدرسي    المسرحي والروائي "أنس العاقل" يحاور "العلم" عن آخر أعماله    اعتقال طالب آخر بتازة على خلفية احتجاجات "النقل الحضري"    جمعيات التراث الأثري وفرق برلمانية يواصلون جهودهم لتعزيز الحماية القانونية لمواقع الفنون الصخرية والمعالم الأثرية بالمغرب    مصطفى غيات في ذمة الله تعالى    جامعيون يناقشون مضامين كتاب "الحرية النسائية في تاريخ المغرب الراهن"    التوجه نحو ابتكار "الروبوتات البشرية".. عندما تتجاوز الآلة حدود التكنولوجيا    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد فؤاد نجم..شاعر «الغلابة» وسفير الفقراء
رددت أشعاره الحركات الثورية وانغرس في كل المظاهرات إلى آخر رمق
نشر في المساء يوم 11 - 12 - 2013

حينما تداولت وسائل الإعلام خبر وفاة الشاعر أحمد فؤاد نجم رجعت بي الذاكرة إلى سنة 2009 حينما أجريت معه حوارا حول تجربته، وحينها لم يتردد "الفاجومي" من توجيه نقده اللاذع إلى حسني مبارك، الذي كان آنذاك على رأس السلطة في مصر، وقال لي عن نفسه في تلك الغرفة السفلية البسيطة في نزل على ضفة المحيط بعين الدياب: "لقد عشت في سجن واحد مع بطل نجيب محفوظ"، وكان يريد أن يؤكد لي من خلال ذلك أنه رجل قاسى وعانى في سبيل آرائه وانتمائه إلى المتطلعين للحرية والديمقراطية، وأنه لن يتنازل عن هذه الآراء. كان ذلك بمناسبة حضوره إحدى دورات المعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء. لم يبدل نجم جلده، بل بقي مخلصا وثوريا إلى أن سقط نظام مبارك. وقد أخلص ولخص نفسه في "جلاب الشقا": غرامي في الحروب يسبق سلاحي/وأملي في الشعوب يخلق غنانيا/وعشقي للكلام سابق سكوتي. كانت مؤسسة الأمير كلاوس للثقافة والتنمية في هولندا أعلنت في سبتمبر الماضي فوز نجم بجائزتها الكبرى لعام 2013 "تكريما له على إسهاماته وأشعاره التي ألهمت ثلاثة أجيال من المصريين والعرب.. للقوة السياسية والجمالية في أعماله والتي تبرز الحاجة الأساسية للثقافة والفكاهة في ظل الظروف الصعبة والقاسية" كما جاء في تقرير اللجنة المشرفة على الجائزة. وكان مقررا أن يسافر نجم إلى هولندا لتسلم الجائزة يوم 11 ديسمبر في حفل رسمي بالقصر الملكي في أمستردام لكن الموت كان الأسبق. في هذا الملف نسترجع عبوره في الزمان والمكان وآراء مثقفين مغاربة فيه.
بدأ نجم، الذي ولد في محافظة الشرقية عام 1929، كتابة الشعر في الخمسينيات، وعرف في الستينيات بقصائده السياسية النقدية المرتكزة على حس اجتماعي عميق تجاه الحرية والعدالة الاجتماعية، مما أدى إلى اعتقاله أكثر من مرة في فترة حكم الرئيسين الراحلين جمال عبد الناصر وأنور السادات.
وأصبح نجم من أهم الظواهر الشعرية السياسية بعد التقائه بالملحن والمغني الراحل الشيخ إمام عيسى، إذ أصبح الاثنان معا من أهم ظواهر تظاهرات الطلبة في الجامعات المصرية مطلع السبعينيات، إذ أن أغانيهما انتشرت في الوسط الطلابي، وكان لها دور كبير في انتفاضة 19 يناير 1979، التي أطلق عليها الرئيس السادات اسم «انتفاضة الحراميه».
واتسع نطاق شهرة نجم وإمام في العالم العربي، حيث أصبحا معروفين لدى غالبية الشباب، حتى أن شهرتهما في البلاد العربية كانت أكثر اتساعا منها في بلدهما مصر. في عام 2007 اختارته المجموعة العربية في صندوق مكافحة الفقر التابع للأمم المتحدة سفيرا للفقراء.
ومن أشهر قصائد نجم بالعامية قصيدة «كلمتين يا مصر» و»جيفارا مات» و»كلب الست» و»شيد قصورك» و»يعيش أهل بلدي». وتزوج نجم عدة مرات، وأنجب الكاتبة والناشطة السياسية نوارة نجم.
سيرة مشاكس على الدوام
يقول الشاعر والناقد شعبان يوسف، الذي يعتبره البعض ملك أسرار مشاهير المثقفين، إن أحمد فؤاد نجم عمل في وظيفة حكومية، ثم لفقت له تهمة تزوير فاعتقل عام 1959، وكتب الشعر في السجن، ثم أعجب الضباط بشعره فخرج من السجن وأصدر ثلاثة دواوين قبل نكسة يونيو 1967، لكنه لم يجمعها في أعماله الكاملة المنشورة في هيئة الكتاب أو ميريت أو دور نشر أخرى. لكن بعد نكسة يونيو تحول الفاجومي إلى شاعر سياسي بامتياز واعتبر آنذاك صوت الجيل.
ويضيف يوسف: «خرج أول ديوان لنجم «صور من الحياة والسجن» بتقديم سهير القلماوي التي كتبت عنه مقدمة طويلة، نقرأ منها:
«في هذه المجموعة الصغيرة من الأزجال يحس القارئ أن برعماً يتفتح في عالم الزجل بقوة وإيمان وإصرار. لقد خاض المؤلف تجربة مريرة، فإذا التجربة تفتح هذا البرعم على نار الألم والحزن، وفي السجن البارد المظلم حيث تموت كثير من الآمال، وتذوي مظاهر الحياة، اكتسب البرعم حرارة، فإذا هو ينضج على الألم والندم، وفراق الأبناء، والزوج والأحباب، كما ينضج على آمال الشعب وتطلعه إلى المستقبل. وقد صفت القلماوي أشعاره بأنها تصور روحاً شابة لابن من أبناء الشعب الأصليين».
ويكتب نجم نفسه عن هذا الديوان فيقول: «ياااه كل هذا الألم في كتاب واحد؟! ومع هذا كان هذا الكتاب هو الباب الملكي لدخولي إلى عالم الشعر والشعراء..عالم أكثر رحابة، وأيضًا أكثر تعقيداً من عالم السجن الضيق المحاط بالأسوار والحراس الشداد والغلاظ. كان يوم 11 مايو 62 هو موعد إعلان ميلاد صور من الحياة والسجن في الملحق الأسبوعي لجريدة «الأهرام». وكنت لازلت في السجن، وخرج الكتاب البكري إلى الناس ليوزع مجاناً بمعرفة مجلس الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، وقد عرفت فيما بعد أن «صور من الحياة والسجن» أثار معركة أدبية في لجنة الشعر بالمجلس، لأن الأستاذ عباس العقاد والشاعر عزيز باشا أباظة والشاعر مش عارف مين وقفوا ضد طبع الديوان على نفقة الدولة، لأنه مكتوب باللغة العامية، وهم يرون أن الشعر يكتب باللغة العربية الفصحى وإلا فلا!
فتصدى لهم كل من عمنا العظيم بيرم التونسي والأستاذ محمد فريد أو حديد، والدكتورة سهير القلماوي، واستطاعوا أن ينتزعوا النصر النهائي، فصدر الديون الشقي انتصاراً للغة الشعب، مبدع الكلام وأعظم المتكلمين».
من الديوان نقرأ تحت عنوان «زفة العروس»:
يا شمعة قيدي ونوري/ يا فرحة زيدي واكبري/ وانتي يا ليلة عمرنا/ هاتي هناكي وكتري/ ست العرايس كلها/ الورد زاين خدها/ والشمع غنى وقال لها/ ميلي يا حلوة واخطري.
وفي قصيدة «فلاح يخاطب إقطاعياً» نقرأ:
إنت مين وابن مين/ يا اللي نايم في الحرير/ يا للي بتأكل كلابك/ شيء ما يحلم به الفقير/ إنت مش آدم أبوك؟/ والفقير برضك أخوك؟/ ولا أهلك علموك/ إنك إنت شيء كبير؟/ الحرير اللي انت نايم فيه بتاعي/ واللي غزل كل فتلة فيه صباعي/ والنعيم اللي انت عايش تحت ظله/ كل ده من صنع إيدي من دراعي/ إنت مخلوق من رخام/ واحنا من طين البرام؟/ والا يعني شيء حرام/ لو يساويك الفقير؟.
يحكي يوسف ما سمعه من نجم حين كان يقول إنه تعلم الشعر من والدته، التي كانت تغني المواويل، فقد كان أنبه إخوته كما يقول عن نفسه. والده كان ضابطاً في الجيش، حين رحل ترك أسرة كبيرة وثلاثة جنيهات فقط، لذلك دخل نجم الملجأ في الزقازيق، وهناك التقى بعبد الحليم شبانة، الذي أصبح العنديب الأسمر. فيما بعد احتضنت السلطة عبد الحليم، بينما عاش نجم حياته بين البسطاء.
سخرية نجم من المثقفين
لم يكن نجم يهادن كل من رأى فيه انتهازية، وقد هاجم الحس الانتهازي عند المثقفين، وعاتبهم لعدم انخراطهم مع الشعب وقضاياه. في قصيدة «حلاويلا» يقول:
الثوري النوري الكلمنجي/ هلاب الدين الشفطنجي/
قاعد في الصف الاكلنجي/ شكلاطة وكاراميلا
يتمركس بعض الايام/ يتمسلم بعض الايام
ويصاحب كل الحكام/ وبسطعشر ملة.
أزغاي: كان كابوسا مزعجا لكل الأنظمة السياسية العربية الفاسدة
يقول الشاعر والفنان التشكيلي عزيز أزغاي عن الراحل: «ترجع علاقتي بالشاعر أحمد فؤاد نجم، أو بالأحرى بنصه الشعري المغنى، إلى نهاية السبعينيات، حينما كان اسمه مرتبطا بالفنان القدير الشيخ إمام، رفيق مساره النضالي والسجني والفني على السواء. وهنا ينبغي التأكيد على أن سمعة الشيخ كانت تغطي، بهذا القدر أو ذاك، على نجم. فمن جهة، بسبب تلك الخامة الصوتية التي كانت تميز الشيخ عن غيره من فناني المرحلة الذكور أمثال محمد عبد الوهاب، فريد الأطرش وعبد الحليم وغيرهم، ثم، من جهة ثانية، بسبب جرأة وعنف تلك القصائد المغناة التي كانت تمتح من القاع المصري المسحوق، والتي كانت تؤدى بإيقاعات وبآلات موسيقية تميل إلى التقشف والاختصار. وفي سياق هذا الإيقاع الطربي القاسي، كان يتراجع صوت أحمد فؤاد نجم إلى خلفية المشهد».
ويضيف أزغاي: «هذا الثنائي أو الثلاثي، بالإضافة إلى عازف التخت، شكل ظاهرة غنائية مثيرة للانتباه، خاصة في صفوف التلاميذ والطلبة ومناضلي أحزاب يسار مرحلة السبعينيات طيبة الذكر بالأساس. كما اعتبرت مصدر إزعاج يومي لكل الأنظمة السياسية العربية الفاسدة، وهو سبب كاف كان يعرض أصحابها إلى المساءلة والاعتقال في فترات متقاربة وعلى امتداد أزيد من ثلاثة عقود متتالية».
من هنا، يضيف أزغاي، «لم تكن سمعة الشاعر أحمد فؤاد نجم – على الأقل خارج مصر - قد عرفت، في هذه الأثناء، الانتشار الذي تستحقه. ولم يتحقق له هذا الأمر إلا بعد انفصاله عن الشيخ، هذا الانفصال الذي كان للآلة البوليسية المصرية اليد الطولى في تحققه. بعد ذلك، سيبدأ نجم أحمد فؤاد نجم الشعري في السطوع، على امتداد رقعة العالم العربي، من خلال رهانه على نشر قصائده في مجموعات شعرية على نطاق واسع، وهي القصائد التي سرعان ما سيتلقفها معجبوه عبر النسخ والإعارة، والتي كانت تتم في جو من السرية والاحتراز، كما لو كان الأمر يتعلق بمادة متفجرة محظورة».
ويضيف: «في هذه الأثناء، سيقيم الشاعر لأشهر في المغرب بطريقة قالت عنها السلطات المغربية إنها غير مشروعة. وهنا سيتعرف بعض أصدقائه من المغاربة، وأخص هنا بالذكر كل من الشاعر حسن نجمي والمسرحي محمد بهجاجي، على طباعه البوهيمية التي كانت تخرج عن السيطرة. لقد كان – مثله في ذلك مثل الشاعر المغربي محمد خير الدين – يضيق بالبروتوكولات وبالمواضعات الاجتماعية البالي منها والعادي. لقد كان «كوشمارا» شعريا بامتياز، ومن ثم، كان تحليقه يتم خارج السرب»
ويؤكد أزغاي: «شخصيا، لا أدعي صداقة الرجل، فقط التقيته مرتين: الأولى في حفل عشاء أقامه على شرفه بيت الشعر في المغرب، على هامش مشاركته في إحدى دورات معرض الكتاب في الدار البيضاء، على عهد طيبة الذكر وزيرة الثقافة الفنانة ثريا جبران. والمرة الثانية حين كلفت بإيصاله، في نهاية هذه الزيارة، إلى المطار. وكم كانت سعادتي غامرة وأنا أقترب من هذه القامة الشعرية الأصيلة، منصتا ومتأملا ومندهشا. لقد اكتشفت في الرجل طاقة جبارة وهو يقبل على ملذات الحياة وعلى موبقاتها المدمرة، دون أدنى اكتراث بعيون المتلصصين أو فضول المُتَّقين.
في إحدى زياراتي الثقافية للقاهرة، سمعت رأيه فيمن يدمن على تدخين الحشيش، وقد كانت هذه النبتة رفيقة مزاجه اليومي، وقد عاب على هؤلاء المدمنين خضوعهم المذل لسلطة هذا المخدر، حيث أشار إلى أنه (شخصيا) يتعاطى تدخين الحشيش بشكل يومي لما يزيد عن أربعين عاما دون أن يتحول إلى مدمن!»
صدوق: إنه ظاهرة عربية
دالة ورمزية
يقول الناقد والروائي صدوق نورالدين: «يمكن القول بأن الشاعر العامي أحمد فؤاد نجم، شكل على امتداد تجربته الشعرية ظاهرة عربية دالة ورمزية على السواء، لارتباطها القوي بالزمن الذي مثلته وعملت على تجسيده، وثانيا للمعنى المنتج الذي خاطبت فيه تطلعات واهتمامات الشعوب العربية، وخاصة الطبقات العمالية والفلاحين والقطاع الطلابي ككل».
وحول ذلك المعنى يقول صدوق: «والواقع أن المعنى الذي عملت هذه القصائد على صوغه وإنتاجه، تأسس على مناصرة الحرية والعدالة، ومقاومة الظلم والقهر ومناهضته. أقول لقد تفرد المعنى ببعده الملتزم المقاوم على السواء، إذا ما ألمحنا إلى كون الخطاب المنتج جاء سياسيا، واقترن بحقبة ما بعد الاستقلال، حيث كانت الآمال معقودة على ترسيخ التغيير، وتنفيذ سياسات الإصلاح على كافة المستويات، لولا أن الخيبة، التي منيت بها هذه الشعوب إزاء التحولات المعاقة، قادت إلى جملة من الثورات والغضبات التي اختارت من ضمن شعاراتها ما عبر عنه بالذات الشاعر أحمد فؤاد نجم».
وعن انشار «ظاهرة نجم»، يقول صدوق نور الدين إن «ما منح الظاهرة تداولها الموسع هو الغناء. ذلك أن ارتباط نجم بالشيخ إمام جعل منهما ثنائيا أسهم في التأثير العميق في عموم القطاعات الشعبية، التي أحست، بالاستناد إلى تباين واختلاف مستويات تلقيها، بأنها تمثل الطرف المخاطب إذا ما ألمحنا إلى أن عددا من هذه القطاعات تحول من التأثير إلى الاستلهام والإبداع. ويمكن القول بأن هذه الظاهرة العربية كان لها حضورها على مستوى المغرب، خاصة في فترة السبعينيات وما بعدها، لعوامل هي التالية:
1/ التشابه الذي طبع الواقع العربي، من حيث الإخفاقات والتحولات المعاقة.
2/ الإحساس القومي والوطني الذي جعل فئات عمالية وطلابية تستشعر في قصائد نجم وغناء الشيخ إمام بأنها هي المستهدفة أساسا بالتعبير، وبرمزية صوره الدالة.
3/ طبيعة التداول الذي خص به الشعر السياسي في مرحلة دقيقة من تاريخ المجتمعات العربية، ومنها المغرب، بالرغم من طابعه المباشر وانتفاء الملمح الجمالي عنه».
ويختم صدوق بأن «غياب الشاعر العامي أحمد فؤاد نجم سيترك لا محالة فراغا على مستوى الظاهرة التي مثلها وجسدها التجسيد الفاعل والمؤثر، إذا ما أشرنا إلى أن ما عبر عنه في تلك المرحلة آل إلى الانحدار وبشكل فظيع جدا».
شراك: كان مثقفا ثوريا مستديما يمارس النقد بشكل لا ينتهي
وعن اختراق وتأثير أحمد فؤاد نجم في الوجدان المغربي، وخاصة الطلابي منه، الذي كان يغلي في السبعينيات، يقول السوسيولوجي أحمد شراك: «أكيد أن الشاعر فؤاد نجم كان له حضور قوي في نفس الحركة الطلابية ووجدانها، وكذلك الحال بالنسبة للمثقفين المتطلعين إلى الحرية والديمقراطية، وهكذا كانت أشعار نجم، رفقة الشيخ إمام، أقصد الأغاني التي ألفها نجم، بمثابة أناشيد وأهازيج طلابية، كانت المسيرات تصدح بها، بل تعبئ بها مختلف الطلاب من أجل الانخراط في الحركة النضالية». ويضيف: «لاشك أن فؤاد نجم في هاته المرحلة التاريخية المغربية كان عنوانا أساسيا في التحريض الجماهيري، بسبب أشعاره التي كانت قريبة من وجدان الناس وآمالهم وطموحهم إلى التغيير والبحث عن مجتمع أفضل. وأستطيع أن أقول إن نجم كان من تأثيثات الإبيستيمية النضالية في ذلك العصر، فمن من الجماهير الطلابية لم يردد قصيدة «بقرة حاحا»، التي يقول فيها: ناح النواح والنواحة/على بقرة حاحا النطاحة/ والبقرة حلوب/ تحلب قنطار/ لكن مسلوب/ من أهل الدار...»
ومن منا لم يردد قصيدة «صبر أيوب»، التي يقول فيها: «فين آخر الصبر يا شيخ أيوب/ وللأمة الحر يبات مغلوب/ الجو ضباب والوقت غروب». لعلها قصائد كثيرة تعبر عن ذلك الهم، الذي كان يسكن نجم، بل يسكن كل الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج».
وبخصوص وضعية نجم كمثقف، يقول شراك: «لقد تميز فؤاد نجم بصفة المثقف الثوري المستديم، الذي يمارس النقد بشكل لا ينتهي، معبرا بذلك عن الحب المستحيل، والحلم المستحيل في التغيير والثورة، ومن هنا كان شاعر أجيال وشاعر أزمنة وأمكنة متعددة، فهو نقد جمال عبد الناصر ضدا على السمفونية التمجيدية لعصر عبد الناصر، وانتقد عصر السادات، وعصر مبارك، الذي حاول توريث ابنه جمال، وله قصيدة تنبأ فيها الشاعر بالربيع القادم، أي الربيع الذي عرفه العالم العربي وبدور الشباب فيه. يقول: «أحبك يا بلدي/أحبك ربيع/شبابك مصحصح/وجودك ربيع».
هذه القصيدة كتبت سنة 1966، ويتضمنها ديوان «يعيش أهل بلدي». هكذا يبدو أن نجم كانت له نبوءات وأحلام بعيدة المدى، وهكذا يبدو أنه شاعر سرق النار دوما، وكان يحلم بنار مشتعلة دوما أيضا، وقد امتدت النار إلى حضوره في ثورات الربيع العربي، إذ كانت كثير من أشعاره تكتب على حيطان الشوارع المحاذية لميدان التحرير، وهذا يدل على أن الشاعر عابر حقا للأجيال، وأنه ثوري بشكل مستدام، وقد مات وفي نفسه شيء من الثورة».
أما بخصوص طغيان السياسي على شعر نجم، فيقول شراك: «من حسنات فؤاد نجم أنه جمع بين الحسنيين، أقصد بين صفة مناضل وصفة شاعر، فبقدر ما كان يبدع جماليا في الشعر، حيث أعطى القصيدة العامية مكانة بارزة - وهي قصيدة لا تقل جمالية عن القصيدة الفصحى في التعبير الإبداعي- وفي الوقت ذاته كانت المضامين التي تعبر عنها هذه القصيدة مضامين ثورية، تستجيب لأفق وانتظار الجماهير».
«عجايب»بعد الرحيل
أصدرت الهيئة المصرية العامة للكتاب عملاً جديداً للراحل تحت عنوان «عجايب»، وهذا العمل حرص نجم على نشره قبل وفاته، لكن لم يمهله القدر حتى يراه، فقد خرج الكتاب إلى النور في اللحظة التي ودع فيها نجم جمهوره، ورحل عن الدنيا، لتبقى إبداعاته التي دخل السجن بسببها.
كما أصدرت مكتبة الأسرة الطبعة الثانية من أعماله الشعرية الكاملة، وفي مقدمة الكتاب كتب نجم: «إن القصائد الموجودة في هذا الديوان تقدر سيادتكم تسميتها الشعر الحر وأنت مستريح البال والضمير لأن الشعر حرية، وكل واحد يسمي شعره على هواه، وإذا كان السادة أساطين النقد الأدبي رأيهم أن الشعر الحر هو اللي بلا قافية ولا شكل فهم أحرار، لكن أنا رأيي أن الشعر الحر هو اللي بيطلع م القلب عدل أو يوصل للقلب عدل، والمسألة في رأيي لا تخرج عن كونها خلافا في وجهات النظر، وأهلا بأي خلاف في وجهات النظر على شرط أنه يكون خالصا لوجه الوطن، لا تشوبه شائبة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.