تختلف الروايات حول ازدياد الشاعر أحمد فؤاد نجم، سليل شجرة عمالقة الشعر العامي بمصر، بيرم التونسي، وفؤاد حداد بين سنتي 1929 - 1935 . وإذا كان ضبط هذا التاريخ لا يفيد بقدر ما يفيد مسار التاريخ الحياتي الحافل لأبي النجوم. فهو ابن لرجل عسكري وأم فلاحة من محافظة الشرقية. عاش بملجأ الأيتام بعد وفاة الوالد. عمل في عدة مهن عند بلوغه 17 سنة بائع متجول، عامل بناء وغيرهما. إلى حين حلوله بإحدى مدن القنال حيث التقى بعمال المطابع الذين كانوا ينتمون إلى التنظيم التقدمي السري في الأربعينيات المسمى (حدتو) والذي كان ينتمي إليه كبار مثقفي مصر كالمفكر الشهير أمين العالم، والروائي الكبير إدوارد الخراط والحقوقي والمحامي المناضل المعروف نبيل الهلالي. من خلال أفراد هذا التنظيم تعلم فؤاد نجم الكتابة وبدأت مشاركته في التظاهرات ضد الإنجليز انطلاقا من سنة 1946، وبالتالي تشكل باكورة وعيه الفكري والسياسي وانحيازه إلى الغلابة من أبناء شعبه. وكانت رواية الأم " لماكسيم غوركي " هي النقطة الفارقة التي أعلنت هذا الانحياز. بتهمة ملفقة دخل السجن في نهاية الخمسينيات حيث قضى ثلاث سنوات، ومن داخل أسواره اشترك في مسابقة الكتاب التي كان ينظمها آنذاك " المجلس الأعلى لرعاية الآداب والفنون " ففاز بجائزتها. وهذا ما شجعه على إصدار ديوانه الأول من شعر العامية «صور من الحياة والسجن» فأصبح يذيع أشعاره عبر أثير الإذاعة المصرية. تم توظيفه في منظمة تضامن الشعوب الأسيوية والإفريقية، فاستقر في القاهرة القديمة في سطح أحد البيوت بحي " بولاق الدكرور ". ومن خلال إقامته بحواري الناس الطيبين، تشبع بعبق التاريخ فتعرف على الشيخ إمام عيسى، الذي نهل أصول الموسيقى الشرقية عن أستاذه الشيخ درويش الحريري، فأتقن العزف على العود وبهذه الصفة عمل في فرقة الشيخ زكرياء أحمد الموسيقية، التي كانت تعزف أغاني أم كلثوم الجديدة آنذاك والتي كان يبدعها الفرسان الثلاثة بيرم التونسي، زكرياء، وكوكب الشرق. وصادف أن طرد الشيخ إمام من الفرقة الموسيقية، بسبب أنه كان يغني في مقاهي الحواري الأغاني الجديدة لأم كلثوم حتى قبل أن تقدمها هذه الأخيرة لأول مرة للجمهور، الشيء الذي أفقدها صوابها وبحثت في الأمر ومن ثم طلبت من الملحن زكرياء أحمد رئيس الفرقة، طرد (الولد الصايع) كما سمته. هذه الصدفة هي التي حولت مسار الشخصين (إمام ونجم) رأسا على عقب، إذ منذ ذاك الحين - بداية الستينيات - إنحازا إلى الأغاني الثورية الملتزمة من أجل الشعب والغلابة. وقد عرضتهما نكسة 67 بسبب انتقادهما الفني للقيادة السياسية، للسجن. ورفض الزعيم جمال عبد الناصر إطلاق سراحهما بالرغم من تدخل رئيسي اليمن الجنوبي علي سالم البيض وعبد الفتاح إسماعيل حيث حوكما بالمؤبد. ومع ذلك فإن فؤاد نجم في تصريحاته ظل يقول إنه يحب جمال عبد الناصر رغم أنه لم يطلق سراحه إلا بعد وفاته. في حين لم يحكم بنفس القسوة في عهد الرئيس السادات ومع ذلك فقد كان يصرح دائما أنه لا يحبه. عن مظاهرات يناير 1977 حين وصفها السادات في خطاب له بانتفاضة " حرامية " علق نجم على هذا الوصف بقوله بما يفيد في أحد استجواباته : الجنرال دوغول في انتفاضة الطلاب بفرنسا سنة 1968 قال : نحن فخورون بشباب فرنسا. في الوقت الذي سخر فيه نجم من السادات متسائلا : " فيه رئيس دولة في العالم يصف شعبه بالحرامية ". بترتيب من اتحاد الطلاب الذي كان يسيطر على تنظيمه التيار الحداثي التقدمي، كان فضاء الجامعة في السبعينيات أفضل الفضاءات التي تتيح لإمام ونجم تصريف أغانيهم الثورية المنغرسة في التربة الشعبية المصرية. وعقب زيارة الرئيس السادات لإسرائيل وخطابه في الكنيسيت ازداد تجاوب الشعب مع تلك الأغان وأصبحت تقض مضجع الرئيس المؤمن. تعرض الثنائي للمنع والمحاكمات والسجن لإسكات صوتهما. وحدث مرة أن فرا من مطاردة البوليس للقبض عليهما، يختبئان في حواري القاهرة القديمة من منزل لآخر، الشيء الذي جعل السادات يغضب على وزيره القوي في الداخلية النبوي اسماعيل، الذي لم تتمكن أجهزته من إيقافهما. فأخبر أصحاب الحال السادات أن وزيره المذكور نفسه يستطيب الاستماع لأغان إمام نجم ولدية اشرطة بهذا الخصوص. فجن جنونه واستدعاه على الفور وقال له موبخا : الآن فهمت لماذا تتلكأ في القبض عليهما، حتى إنت " يا نبوي " يا اسماعيل الجربوع، مثل " الجرابيع " دول. تزوج نجم أكثر من مرة ومن أهم زوجاته الكاتبة صافيناز كاظم، والممثلة المسرحية الجزائرية طونيا ميكو والمطربة عزت بلبع. قال عن إمام " إنه أول موسيقي تم حبسه في المعتقلات من أجل موسيقاه "، وقال عنه هو الشاعر الفرنسي الكبير لويس أراغون " إن فيه قوة تسقط الأسوار "، ووصفه الدكتور علي الراعي (بالشاعر البندقية) في حين قال عند السادات الشاعر البذيء. من أهم أشعاره المغناة : بيان هام، يعيش أهل بلدي، غيفارا مات، كلب الست، نيكسون جا، الممنوعات، من أجمل قصائده العاطفية " البحر بيضحك ليه " و " يا إسكندرية بحرك عجايب " وهذه الأخيرة من أجمل ما لحنه الشيخ إمام. مات التوربادور الذي نقش على الصخر أشعارا للغلابة.