أعرب إدريس اليزمي، رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بتطوان، عن التزامه بتحويل «دار بريشة»، المعتقل السري الأول، إلى متحف لحفظ الذاكرة، في إطار ترجمة توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، لتحويل أماكن الاعتقال إلى فضاءات لحفظ الذاكرة. فيما تفادى الحديث عن البحث عن القبور الجماعية المجاورة لجنان بريشة، والتي أكدت شهادات ضحايا المعتقل الرهيب، خلال الندوة ذاتها على أنهم عاينوا شخصيا دفن جثث بعض المختطفين بجوار المعتقل السري. وقال اليزمي، مساء أول أمس، خلال مداخلته في ندوة بتطوان حملت شعار»المعتقل السري دار بريشة جزء من المشروع الوطني لحفظ الذاكرة»، على أن استجلاء الحقيقة هو أمر متسلسل، مضيفا بأن المجلس مازال يسير في مسلسل استجلاء الحقيقة، سواء بخصوص أحداث الريف، وما وقع داخل الحركة الوطنية من تصفيات وصراعات، وكذلك بخصوص ما جرى داخل دار بريشة، ومن انتهاكات أخرى حدثت بمناطق أخرى. «قد نصل في السنين المقبلة إلى حقائقها من خلال سجلات وأرشيفات أجنبية أو شهادات أخرى جديدة»، يقول اليزمي في كلمته. وكشف رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، عن انعدام وجود أي عمل تاريخي عن المغرب، أو دراسات لتاريخه الراهن، «فكتابات الفاعلين الذين عايشوا تلك الأحداث تبقى منعدمة، فإما أنهم كتبوا شهادات تشمل طرفا فقط من الحقيقة، أو أنهم لم يكتبوا عن ذلك أي شيء على الإطلاق»، مشيرا كذلك إلى انعدام الأرشيف المنظم، وانعدام تام لمؤسسة حقيقية للأرشيف، «لا وجود لأي أرشيف رسمي للمغرب»، يقول اليزمي. وعرفت الندوة عرض شريط فيديو من إنجاز جمعية أصدقاء السينما بتطوان، التي تربطها علاقة شراكة من المجلس الجهوي لحقوق الإنسان بجهة تطوان – طنجة، تضمن شهادات مؤثرة لثلاثة مختطفين بالمعتقل السري الرهيب «دار بريشة»، وهم أحمد بنضيفة، وعبد الكريم غجو، وعبد السلام العمري. هذا الأخير كان حسب قوله أول ضحية سيتم اقتياده إلى «دار بريشة»، حيث سرد خلال شهادته وقائع رهيبة لما تعرض له من اختطاف وتعذيب، مؤكدا في الشريط الذي عرض أمام أنظار اليزمي، معاينته لقتل ودفن أربعة أشخاص، ثلاثة منهم كانوا يتحدثون فقط اللهجة الأمازيغية، وآخر يدعى البقالي، تم دفن جثثهم بجوار شجرة للصبار، على بعد أمتار من دار بريشة، وهي الجثث التي لم يتم البحث عنها أو استخراجها، على عكس جثث ضحايا آخرين، كجثة عبد السلام الطود، التي تم التوصل إلى مكانها بجوار معتقل سري كان يعرف ب «دار سليشر» بمدينة غفساي»، في مقبرة جماعية كانت تضم ثمانية من مقاومي منطقة الريف. « لقد أطلقوا عليهم النار قبل دفنهم أسفل شجرة صبار مجاورة لدار بريشة»، يقول العمري في شهادته بخصوص ما تعرض له من انتهاك جسيم وتعذيب بدار بريشة، مضيفا بأنه لا يود استرجاع تلك الذكريات. وشهدت «دار بريشة» بداية للاعتقال السري في مغرب عهد الاستقلال. فالإخوة الأعداء في الحركة الوطنية راحوا يتصارعون على اقتسام الغنائم، فسالت دماء غزيرة هناك، كان اسم دار بريشة، المعتقل الرهيب الأول، (جنان بريشة) لأنها كانت محاطة بحديقة كثيفة. تشمل الدار التي زارتها «المساء» غرفا بالطابق الأول والثاني والثالث، كما كانت تتوفر على دهليز شهد أفظع الممارسات. ما يثير في زمن التعذيب والاعتقال على عهد دار بريشة هو خصوصية أن تلك الممارسات اتهم بالتورط فيها حزب مغربي كانت له قوة داخل الحكومة الائتلافية لمبارك البكاي 1955، وما يثير أيضا هو أن تلك الممارسات كانت حسب الروايات والشهادات، أفظع وأبشع ربما من الممارسات التي مورست في فترات الستينيات والسبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، لكنها الممارسات نفسها التي مازالت إلى اليوم.