في 1994، بادر الاتحاد الأوروبي إلى التداول في طلب الملك الحسن الثاني الرسمي بانضمام المغرب إلى حظيرته، بعد أن كان الملك الراحل قد اعتبر الأمر جدا لا هزل فيه، على الرغم من أن البعض استكثر ذلك. أما الحسن الثاني فقد ظل يقول إن الموقع الجغرافي للمغرب هو الذي يجعله غير بعيد عن أوروبا إلا بأربعة عشر كيلومتر، هو ما يعطيه هذا " الحق "، إذا ما قورن بعدد من الدول البعيدة جغرافيا عن مركز أوروبا، وهي عضو كامل العضوية في الاتحاد الأوروبي. ولأن الأمر كان يحتاج لاختبار دقيق وصعب، فقد توقف حلم الملك الراحل لأن المغرب خسر ذلك الاختبار والذي كان يضم ثلاثة ملفات حساسة هي ملف الصحراء المغربية، وحقوق الإنسان، ثم ملف المخدرات من خلال الجواب على سؤال جوهري: هل يعتبر المغرب فعلا مصدرا للحشيش بالدرجة التي تجعله متهما بإغراق أسواق أوروبا بهذه المادة التي تتلف عقول شبابها، أم أنها مجرد تهمة بدون أدلة؟ صحافي يتهم قبل ذلك بسنوات، وفي الخامس والعشرين من نونبر من سنة 1975 تلقى الحسن الثاني، وهو يعقد ندوة صحافية بالقصر الملكي بالرباط، سؤالا محرجا من لدن أحد الصحافيين بشأن ملف أكثر حساسية اسمه المخدرات. قال الصحافي " صاحب الجلالة، إذا سمحتم أريد أن أطلب منكم التعليق على بعض المقالات التي نشرت في العديد من الصحف، والقائلة بوصول أطنان من المخدرات لبريطانيا طيلة عدة سنوات، خاصة منها الكيف الوارد من المغرب وفي العديد من هذه المقالات تم اتهامكم بشكل قوي وغير لائق بكم.. أريد أن أطلب منكم تعليقكم الخاص حول هذه القضية"؟ فوجئ الملك الراحل بهذا السؤال الذي كان بحق مستفزا، ليس لأنه يتحدث عن مخدرات المغرب فقط، ولكن لأنه ربط ذلك بما اعتبره وقاحة وقلة أدب في التعامل مع شخصه لذلك جاء رد الحسن الثاني واضحا وقويا: " لقد قلت في نفسي يجب أن أطلب من الأمم المتحدة أن تضع مشروعا لاحترام قواعد الأدب لرؤساء الدول.. أعتقد أن هناك بعض المفردات وبعض الإشارات التي يجب ألا تستعمل في حديث عن رئيس دولة. وقد تركني ذلك مطمئنا لأنني فتحت تحقيقا معمقا. وتبين لي أننا لا نملك ولو جزءا صغيرا من الأراضي، ولا أجدادنا ولا أبناء عمومتنا في منطقة الريف. وقد أمرنا وزيرنا في الداخلية بأن يفتح تحقيقا، وكذا وزيرنا في المالية من جهة أخرى. فلم نجد أي عقد كراء ولا أي جزء صغير مسجل في المحافظة العقارية باسم أحد أفراد الأسرة الملكية. فأنا مستعد شخصيا أن أسمح لمدير مكتب مكافحة المخدرات بأن يأتي إلى المغرب ليقوم بتحقيق في الموضوع. لكن من الخطأ أن نتصور رجلا في وضعيتي يقوم بنشاطات مماثلة..أشكرك على طرح السؤال لأنني لم أكن أريد طرحه إلا أنه كان شاقا علي ألا أبوح بجواب على هذا السؤال". المرصد الجيوسياسي للمخدرات يتهم المغرب حدث هذا في 1975، لكن الاتحاد الأوروبي لم يتحرك للجواب على ذلك السؤال المستفز إلا في 1994 وهو يطلب من المرصد "الجيو سياسي للمخدرات" إنجاز تحقيق يحاول الجواب على نفس السؤال: هل يعتبر المغرب متهما بترويج المخدرات في أوروبا. بالإضافة إلى التقصي حول نسبة تواجد هذه النبتة السحرية في أراضي وحقول المغرب. مرت سنة بالتمام والكمال ليصدر المرصد تقريره الصادم في بداية سنه 1995، والذي يقول ملخصه "إن المغرب هو أول مصدر للحشيش في العالم"، و" إن شخصيات نافذة متهمة بالتورط في تجارة المخدرات". في نونبر من نفس السنة سينشر الصحافي الفرنسي " إيريك اينيكيان"على صفحات جريدة "لوموند" الفرنسية ملخصا من تقرير المرصد الجيو سياسي للمخدرات كتب فيه أن المغرب هو المصدر العالمي الأول للحشيش، مع عنوان فرعي يقول " تقرير سري يتهم مقربين من الملك الحسن الثاني". عشرون يوما بعد نشر مقال جريدة "لوموند"، التي عرضت لتفاصيل تقرير مرصد المخدرات، سيضع الحسن الثاني شكاية ضد مدير نشر اليومية بتهمة القذف والتشهير بسوء نية في حق رئيس دولة دون التأكد من صحة ما نشر اعتمادا على قانون فرنسي كان قد صدر في 29 يوليوز من سنة 1881 يتناول قضية الحريات العامة، ومنها حرية التعبير، لكنه يتضمن بنودا تعطي لرؤساء الدول امتياز الحماية من القذف والتشهير. لقد حمل تقرير المرصد الجيو سياسي أرقاما صادمة عن حشيش المغرب حيث يقول إن عائدات تجارة هذه النبتة السحرية تشكل المصدر الأول للعملة الصعبة التي تصل إلى المملكة الشريفة وتقدر ب 1.5 مليار دولار، وإن عدد اليد العاملة التي تشتغل في هذه التجارة تقدر ب 200 ألف شخص. وأضاف التقرير أنه في 1995، وهي سنة نشره، جرى الحديث على أن المغرب ضاعف المساحات المزروعة بالقنب الهندي إلى 10 مرات خلال العشر سنوات الفاصلة بين 1985 و1995. زد على ذلك، أن هذه التجارة تتحرك، حسب تقرير المرصد، وفق نظام محكم توجد في قمة هرمه بعض الأسماء الوازنة. بل ذهب التقرير إلى الحديث عن وجود أراض تابعة مباشرة للأسرة الملكية تزرع الكيف في منطقة الريف، وهو ما سبق للحسن الثاني أن نفاه في ندوته الصحافية في نونبر من سنة 1975. لم تكن لوموند، ولا تقرير المرصد الجيو سياسي للمخدرات، فقط هو من تحدث عن حشيش المغرب، بل إن علي بوريكات تحدث في كتابه "18 سنة من العزلة بتازمامارت" عن إمكانية وجود تعاون فرنسي مغربي في مجال المخدرات. كما أن الفرنسي " الان جوبير" خلص في كتابه المعنون ب "ملف د" صدر في 1976 إلى التعاون بين الأجهزة المغربية والفرنسية امتد إلى تهريب المخدرات. الحسن الثاني يكسب فرنكا فرنسيا ضد "لوموند" ظلت الغرفة الجنائية لمحكمة باريس تنظر في الدعوى التي رفعها الحسن الثاني ضد "لوموند" لرد الاعتبار. وكان لابد للدبلوماسية أن تحرك الملف ولو من خلف الستار بالنظر إلى أن جاك شيراك كان صديقا حميما للحسن الثاني. وفي 1997 ستصدر المحكمة حكما بإدانة "لوموند"، لأنها نشرت مقالها دون أن تتأكد من صحة المعلومات التي قدمتها. وتضمن الحكم تعويضا بقيمة 5 آلاف فرنك فرنسي لفائدة الدولة المغربية، وفرنك فرنسي واحد لفائدة الحسن الثاني، و10 آلاف فرنك فرنسي لأداء مصاريف الدعوى، مع التأكيد على شرط نشر تفاصيل الحكم بنفس الصفحة التي نشر بها مقال الصحافي " اريك" حول المخدرات. تنفس الحسن الثاني الصعداء لأنه كسب معركة سياسية على غاية كبيرة من الأهمية. لكن الملف لم ينته لدى جريدة "لوموند"، التي رفعت نقضها إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان حيث كان المدعى عليه هذه المرة هو الدولة الفرنسية، التي أصدرت حكما على الجريدة اعتبرته مخالفا للقانون بالنظر إلى أن الصحافي، الذي نشر مقاطع من التقرير، اعتمد في ذلك على مرصد له ما يكفي من المصداقية، كما أن أرقامه لم ينتقدها أحد، ولم يعلق عليها أحد بما في ذلك المغرب، المعني الأول بالموضوع. والحصيلة هي أن المحكمة الأوروبية بستراسبورغ ستصدر في 2002 حكما ضد الدولة الفرنسية أسقطت بموجبه الحكم السابق ضد صحافي "لوموند"، والحكم ضد الدولة الفرنسية بأداء 496 ألف أورو لفائدة "لوموند"، و 22 ألف أورو كمصاريف للدعوى. انتهت حكاية الحسن الثاني مع جريدة "لوموند" الفرنسية، دون أن تنتهي كل الحكايات الأخرى حول الحشيش المغربي، وهذه النبتة السحرية التي اغتنى من ورائها الكثيرون، وإن أسقطت الكثير من الرؤوس أيضا. واليوم يعود الحديث مجددا عن الحقول التي لا تزال ترعى هذه النبتة، وعن أسماء سياسيين وأمنيين اغتنوا من تجارتها. بل إن فرقا نيابية بدأت ترى ضرورة فتح هذا الملف والبحث لمزارعي هذه النبتة عن صيغة لحمايتهم حتى وإن تطلب الأمر الترخيص بزراعتها. وإن كان البعض يعيب على مثل هذا الحديث أنه أصبح شبيها بأحاديث المواسم، ذلك أن الدولة تعرف أدق تفاصيل هذه الحكاية التي تطارد المغرب في كل المحافل الدولية، وتعرف خريطتها. لكنها لا تزال عاجزة عن التخلص منها من خلال البحث لأصحابها عن زراعة بديلة ومدرة للربح، كما هو حال زراعة الكيف. كما أنها لا تزال عاجزة عن اتخاذ قرار سياسي على غاية كبيرة من الأهمية يحسم في الجواب على سؤال "هل يجب على المغرب أن يرخص بزرع نبتة الكيف وتسويقها"، بالنظر إلى أنها مادة أساسية في عدد من صناعة الأدوية؟ إنها الأسئلة المستفزة اليوم، أكثر من استفزاز سؤال ذلك الصحافي الذي طرحه على الحسن الثاني في بداية السبعينيات، دون أن ينتهي إلى اليوم. هل يعتبر المغرب من أكبر منتجي ومصدري الحشيش في العالم؟ محمد الخامس يوقع ظهيرا يسمح بموجبه بزراعة الكيف كتب المؤرخ "موليراس" سنوات قبل الدخول الاستعماري إلى المغرب عن وجود نبتة الكيف في عدد من مناطق الشمال المغربي. واختار المستعمر الفرنسي، بعد التوقيع على الحماية في 1912 أن يخضع زراعة "القنب الهندي"، التي كانت تنشر في جل المناطق الريفية، للضبط والتقنين منذ سنة 1926، وذلك بهدف إرضاء القبائل الريفية، المشهورة بمقاومتها الشرسة، للاستعمارين الاسباني والفرنسي، واتقاء شرها. بالإضافة إلى إدراك السلطات الاستعمارية لوعورة مناطقها، وشح مواردها الاقتصادية. وابتداء من هذا التاريخ، راحت الدولة الفرنسية، تستخلص الضرائب على منتوج "الذهب الأخضر"، لتتوقف عن ذلك سنة 1954 ، بعد أن قررت منع زراعته رسميا. وفي عهد الاستقلال، صدر ظهير 19 يناير 1979 رقم 246-69-1، والذي منح امتياز احتكار استغلال " الشركة المغربية للكيف والتبغ"، وهي التي كانت تراقب الإنتاج في عهد الاستعمار. وهو ما ترتب عنه الخلط حول قانونية زراعة الكيف في المنطقة الريفية، وبالتالي اتساع المساحات المختصة لزراعته. أما سكان منطقة كتامة الشهيرة بزراعتها لهذه النبتة السحرية، فيتحدثون على أنهم حصلوا على وثيقة رسمية موقعة من لدن"الجنرال فرانكو" إبان الاستعمار الإسباني للمنطقة، تخول لهم زراعة "الكيف"، قبل أن يوقع خليفة السلطان بمنطقة الشمال مولاي الحسن بن المهدي في 1934 على وثيقة مماثلة. تلاها بعد ذلك ظهير شريف وقعه السلطان محمد الخامس، الذي أباح بموجبه لأهل كتامة زراعة "الكيف"، نظرا لقساوة الطبيعة، ومناخ المنطقة، التي لا تصلح لغير هذه الزراعة". فهل يمكن أن نعتبر ما قاله الحسن الثاني في 1989 مرجعا بشأن الكيف المغربي، وسيرا على نهج والده محمد الخامس حينما تحدث في حوار مع الإذاعة والتلفزيون الإسباني ليؤكد على أن "المخدرات التي تأتي من المغرب، ليست أولا خطيرة المفعول، وثانيا ليست محرمة، إلى حد أنه يجري الحديث في المنظمة العالمية للصحة، قصد السماح بتداول هذا النوع في بعض الدول". وبعد الاستشهاد بالنموذج الهولندي، أعاد الكرة إلى مرمى الاتحاد الأوربي بقوله "لا ينبغي معاقبة المنتج، بل المستهلك". أما وزير الداخلية في حكومة بنكيران الأولى امحند العنصر، فقد تحدث عن المخدرات بلغة الأرقام ليقول "إنه خلال الأشهر العشرة الأولى من سنة 2012، جرى حجز 127 طنا من مخدر الشيرا، و117 طنا من الكيف". وأشار إلى أن مساحات زراعة القنب الهندي، تقلصت بحوالي 60 في المائة مقارنة مع سنة 2003 .