أحدث القرار الأمريكي في أبريل الماضي، بتوسيع مهام بعثة حفظ السلام بالصحراء، المعروفة اختصارا ب«المينورسو»، لتشمل مراقبة حقوق الإنسان، هزة في العلاقات بين الرباط وواشنطن، دفعت إلى طرح أكثر من تساؤل حول موقف إدارة باراك أوباما من حليف استراتيجي في منطقة شمال إفريقيا ومصالحه وقضاياه المصيرية، وفي مقدمتها قضية الوحدة الترابية. ولئن كان المغرب قد خرج بأقل الأضرار بعد تراجع الأمريكيين عن قرار توسيع الصلاحيات، فإن ما حدث يكشف عن هشاشة العلاقات بين الرباط وواشنطن، وعن مؤشرات احتمال تطور الموقف الأمريكي إزاء ملف الصحراء. وفي الوقت الذي لم تمر الخطوة الأمريكية مرور الكرام، إذ ووجهت برد فعل مغربي قوي وصل إلى حد إلغاء الرباط للمناورات العسكرية السنوية «الأسد الإفريقي» مع الولايات المتحدة تعبيرا عن استيائها، بدا لافتا أن الموقف الأمريكي الجديد لم يكن معزولا عن توجه لإدارة الديمقراطيين برز من خلال مبادرات عدة كان عنوانها الرئيس مهاجمة المغرب، كما كان الحال مع إصدار الخارجية الأمريكية تقريرا أسود حول واقع حقوق الإنسان في الأقاليم الجنوبية، كال التهم الثقيلة للمغرب، وقدم هدية غير متوقعة لخصومه، خصوصا الجزائر وجبهة البوليساريو، التي روجت بشكل كبير لهذا التقرير. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل سيسارع الكونغرس الأمريكي إلى التعبير عن انشغاله العميق بما أسماه انتهاك حقوق الإنسان ضد الصحراويين من قبل الحكومة المغربية. وإذا كانت هذه المؤشرات وغيرها تشير إلى أن العلاقات بين الإدارة الأمريكية الحالية والرباط ليست على ما يرام، وأن تراجعا فيها بدأ يلوح في سمائها، فإن سعيد الصديقي، أستاذ العلاقات الدولية سابقا بجامعة فاس، ورئيس قسم القانون العام بجامعة العين للعلوم والتكنولوجيا بأبوظبي، يرى أنه من الصعب حتى الآن تقديم تقييم عام لمسار العلاقات المغربية الأمريكية خلال ولاية باراك أوباما، واعتبار ما نلاحظه من تغير عابر في بعض المواقف منعطفا استراتيجيا في هذه العلاقات. وحسب أستاذ العلاقات الدولية، فإن ما حدث لا يتعلق ببداية مسار التراجع في العلاقات بين الدولتين، بل فقط بحالة عابرة من التوتر وسوء التفاهم، الذي يمكن أن يتجاوز بعد انتهاء ولاية الرئيس الأمريكي الحالي، لاسيما إذا جاء إلى البيت الأبيض رئيس من الحزب الجمهوري، وهو التوقع الأكثر احتمالا بناء على تقاليد الحياة السياسية الأمريكية. ويذهب الصديقي إلى أنه رغم الشنآن الدبلوماسي بين المغرب وأمريكا بسبب اختلاف نظرتهما لقضية حقوق الإنسان في الصحراء، فإنه حتى الآن ليس هناك ما يوحي باستعداد أمريكا التخلي عن حليف مهم لها في شمال إفريقيا، والتضحية بعلاقات إستراتيجية تراكمت منذ نشأة الولايات المتحدة نفسها، مضيفا أن المغرب، من جهته، غير مستعد للدخول في خلاف طويل معها بسبب قضية الصحراء التي تقيّد إلى حد كبير حرية صانع السياسة الخارجية المغربية. ورغم عدم اعتراف أمريكا بالسيادة المغربية على إقليم الصحراء، فقد ظلت دائما داعمة له وحائلة دون صدور قرارات من مجلس الأمن من شأنها أن تؤثر على الموقف المغربي، لكن مغادرة هيلاري كلينتون وزارة الخارجية الأمريكية، يقول رئيس قسم القانون العام بجامعة العين للعلوم والتكنولوجيا بأبوظبي، ترك فراغا كبيرا للمغرب وأفقده مساندا مهما لمواقفه، وأكثر من هذا خلفها جون كيري، الذي كان ضمن مجموعة من أعضاء الكونغريس الذين وجهوا رسالة إلى وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولن باول عبروا فيها عن قلقهم من وضعية حقوق الإنسان في الصحراء ودعوا فيها إلى «تقرير مصير الشعب الصحراوي» عن طريق آلية الاستفتاء. وبالإضافة إلى فقدان الرباط لمخاطب في الإدارة الأمريكية، فقد ساهمت الحملة الواسعة التي قادتها كيري كنيدي، رئيسة مركز روبرت كنيدي للعدالة وحقوق الانسان، بعد زيارتها الصحراء في غشت 2012، ساهمت إلى حد بعيد في إقناع بعض الشخصيات النافذة في البيت الأبيض لتقديم اقتراح توسيع مهام بعثة «المينورسو» لتشمل حقوق الإنسان. ويؤكد الصديقي أن التغيير، الذي حدث في الخارجية الأمريكية وذهاب كلينتون التي كانت تعتبر دوما المغرب «نموذجا يحتذى به في المنطقة في مجال تعزيز الديمقراطية»، أفقد المغرب مخاطبا مهما في الإدارة الأمريكية، كما أن غياب بدلائل مؤثرة له عزز أكثر ضعف التواصل بين الطرفين. وإن كان المغرب قد لجأ خلال فترة اصطدامه بالقرار الأمريكي إلى قنوات أخرى من خارج الولايات المتحدة الأمريكية، ويتعلق الأمر بشكل خاص بتوظيف علاقاته مع بعض دول الخليج للتأثير على الموقف الأمريكي، فإن الصديقي يعتبر أن زيارة الملك محمد السادس لواشنطن يوم 22 من الشهر الجاري، ولقاءه بالرئيس الأمريكي، تأتي في سياق محاولة المغرب تحسين علاقاته بالإدارة الأمريكية الحالية. ووفق أستاذ العلاقات الدولية، فإنه «رغم كون الزيارة تأتي في ظل برود واضح في العلاقات بين البلدين، فإن المغرب يملك بعض عناصر التأثير التي من شأنها أن تدفع الإدارة الأمريكية الحالية إلى مراجعة نظرتها إلى كيفية تدبير ملف حقوق الإنسان في الأقاليم الصحراوية التي سببت سوء تفاهم دبلوماسي كبير بين البلدين خلال الشهور الماضية». ويعتقد المتحدث ذاته أن الرهان الكبير للدبلوماسية المغربية حاليا هو البحث عن آليات جديدة لتعزيز نفوذها عبر العالم والسير قدما في الاستراتيجية التي بدأتها خلال السنوات القليلة الماضية والمتمثلة في تنويع شركائها وحلفائها وعدم الرهان فقط على فرنسا وأمريكا اللتين يمكن أن يهتز موقفهما، سواء من المغرب أو قضية الصحراء، بسبب أي تغيير سياسي داخل هاذين البلدين، ويمكنهما أيضا أن يديرا ظهرهما لحلفائهما بسرعة، لاسيما الولايات المتحدة عندما تستدعي ذلك مصالحها. وبرأي الصديقي، فإن «علاقات المغرب القوية مع بعض دول الخليج التي ترتبط بعلاقات متميزة مع الإدارة الأمريكية الحالية، لاسيما الإمارات العربية المتحدة، ستساهم أيضا في التخفيف من هذا التوتر العابر في العلاقات المغربية الأمريكية. ويمكن أن نفسر الزيارة الأخيرة للملك محمد السادس إلى دولة الإمارات في بداية شهر نونبر 2013 قبل توجهه إلى واشنطن في سياق حشد الدعم الدولي والجهوي للضغط على الإدارة الأمريكية حتى لا تتخذ أي مبادرة في مجلس الأمن من شأنها أن تضر بمصالح المغرب في الصحراء، لاسيما أن موقف كيري من القضية لن يتغير بين عشية وضحاها، كما أن الجزائر تستعد من جهتها لتحريك جماعات الضغط التابعة لها قبل تجديد مهمة بعثة المينورسو». وفي اعتقاد أستاذ العلاقات الدولية، فإن تحسين وضعية حقوق الإنسان في عموم المغرب، ولاسيما في الأقاليم الجنوبية، وتعزيز دولة القانون لا يشكل فقط عنصرا أساسيا لتقوية المغرب لموقعه دوليا، بل يمثل أيضا عنصر جذب وإقناع، سواء لخصوم المغرب الأجانب أو الصحراويين المتبنين للطرح الانفصالي. وفي الوقت الذي يرى الصديقي أن الدبلوماسية المغربية قامت بجهود حثيثة لتطوير آليات عملها خلال السنوات الماضية، رغم أنها ظلت غير مبادِرة بشكل عام وفي موقع الدفاع ورد الفعل، وغير قادرة على اختراق الموقف الدولي، فإن التحدي الذي يواجه الخارجية المغربية هو البحث عن السبل الكفيلة بجعل المواقف الأمريكية من قضية الصحراء ترقى إلى حجم و تميز العلاقات السياسية بين البلدين.