سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الحسيني: أمريكا واعية بدور المغرب الاستراتيجي بالمنطقة والعلاقات بين البلدين تجاوزت مرحلة الجمود قال إنه بات لزاما على المغرب اختراق المواقف الأمريكية الأخيرة وفضح مناورات الجزائر حول قضية الصحراء
في هذا الحوار، يتحدث تاج الدين الحسيني، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، عن آفاق العلاقات المغربية الأمريكية، ويؤكد دور المغرب كحام للاستقرار والأمن في منطقة شمال إفريقيا ضد كل المناورات التي تقوم بها الجزائر بخصوص منع المغرب من المشاركة في عملية مكافحة الإرهاب. كما يؤكد على ضرورة إقناع المغرب للولايات المتحدة بأنه طرف أساسي في معادلة السلام والاستقرار في المنطقة الأفريقية. - كيف ترى الزيارة الملكية للولايات المتحدة الأمريكية في غضون الأيام المقبلة؟ هذه الزيارة تشكل منعطفا في العلاقات بين الدولتين، فبالرغم من أن المغرب صديق تقليدي للولايات المتحدة، ورغم علاقاتهما التاريخية المعروفة بتوقيع اتفاقية التبادل الحر، لاحظنا نوعا من التدهور أصبح يطبع العلاقة ما بين البلدين، مرده حركية المجتمع المدني في الولايات المتحدة، خاصة بعض المنظمات غير الحكومية، التي تبنت قضايا حقوق الإنسان، واستطاعت الجزائر اختراقها، فأصبحت تتخذ مواقف معارضة للمصالح المغربية. إن المغرب لم يعط له الحق لاختراق بعض المجالات التي تشكل قوة منافسة للوبي الجزائري، كما أن الدور الذي تلعبه بعض الجمعيات الموجودة في إيطاليا وفرنسا وإسبانيا، والتي تساند البوليساريو، كلها عوامل تضافرت ليصل هذا التأثير، بقوة، إلى وزير الخارجية الأمريكي ورايس ممثلة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، وهو ما يفسر بوضوح مشروع التقرير الذي قدمته الولايات المتحدة إلى مجلس الأمن، والذي شكل صدمة بالنسبة إلى المغرب. وهو الموقف الذي كان سيضع فرنسا في مصب الاتهامات بتحالف غير مشروع مع المغرب. لذلك كان ضروريا أن يتدخل الملك محمد السادس، بدعم من دول الخليج العربي كالسعودية والإمارات، وبنفوذه وعلاقته بالرئيس الأمريكي ليزحزح هذا الوضع ويغير هذا المسار. لاحظنا، أيضا، في الخطاب الأمريكي، رغبة كبيرة في تطوير العلاقات بين البلدين، وكذلك تطوير دور المغرب كحام للاستقرار والأمن في منطقة شمال إفريقيا ضد ما كانت تصوغه الجزائر بخصوص منع المغرب من المشاركة في عملية مكافحة الإرهاب. ولذلك منذ أبريل الماضي، لاحظنا تطورا في العلاقات المغربية الأمريكية، وهو ما يتمثل في دعوة المغرب إلى زيارة الولايات المتحدة. - هناك من يتحدث عن نوع من الجمود في العلاقات بين البلدين. إلى أي حد يمكن أن تكون هذه الفرضية صحيحة؟ هذه الفرضية لا ترتبط باختيار موضوعي انتهجته الولايات المتحدة خلال السنوات الماضية عن نوع من اليقين والإرادة الواضحة، وإنما هو خيار جاء مرتبطا بقضية الصحراء بالأساس، وآليات اتخاذ القرار في الولايات المتحدة، كما نعلم، مرتبطة بشبكة واسعة تسقط عن الرئيس الأمريكي شخصيا حق التدخل في هذا المسار. ولذلك كان لافتا أن التدخل في آخر لحظة هو الذي أنقذ الوضعية، وربط المغرب بتطور جديد ربما ستظهر آثاره بقوة خلال زيارة الملك محمد السادس للولايات المتحدة. أظن أن مسألة الجمود مسألة ظرفية سيتم تجاوزها بكل تأكيد، ذلك أن المغرب، في الأسابيع القليلة الماضية، حقق نقطا جيدا في مسار حقوق الإنسان، فالولايات المتحدة الأمريكية، اليوم، أصبحت تعترف بأن الفرعين الموجودين في المجلس الوطني لحقوق الإنسان في مدينتي العيون والداخلة يلعبان دورا أساسيا في كشف الحقيقة ومعالجة الاختلالات. كما أن المغرب انتخب، منذ يومين فقط، في مجلس حقوق الإنسان في جنيف، وكان انتخابا بنسبة مهمة من الأصوات جلها إفريقية. هذه التطورات إذن، ستعطي نفسا جديدا لهذه العلاقات بين المغرب والولايات المتحدة، وستصبح مسألة الجمود متجاوزة. - صرحت الوزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون بأن مقترح الحكم الذاتي مقترح جدي وواقعي. في تقديرك، هل ما تزال الولايات المتحدة الأمريكية، بعد التطورات الأخيرة، تؤمن بهذا الطرح؟ ما تزال تؤمن به بكل تأكيد. وأكبر دليل على ذلك قرارات مجلس الأمن الأخيرة إلى حدود السنة الماضية. الولايات المتحدة ما تزال تؤمن بهذه الفرضية، وتعتبر أن مشروع الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب لا يطبع فقط بالجدية والمصداقية، وإنما، أيضا، بظروف واقعية. ينبغي أن أشير، كذلك، إلى أنه قبل هيلاري كلينتون، كانت كوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية السابقة، تؤكد على أن هذا المشروع هو الورقة الوحيدة الموجودة على الطاولة، والتي يمكن أن تشكل حلا موضوعيا ومقبولا للنزاع. مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة السيد فالسون كان هو الآخر اعتبر مسألة الاستقلال غير مقبولة وغير مطروحة على الإطلاق. وبالتالي، ستشعر الولايات المتحدة، اليوم، أن التراجع عن هذا الموقف قد يؤدي إلى تدهور حقيقي في الأوضاع في منطقة شمال إفريقيا. نعلم جميعا أن مستوى التسلح في الجزائر بلغ معدلات قصوى، وهي الآن بصدد توقيع اتفاقية مع موسكو من أجل حوالي 7 مليارات من الأسلحة. وهذا الاختلال في توازن القوى، إذا ما ارتبط بموقف أمريكي معارض للمصالح المغربية، خاصة في ما يتعلق بحقوق الإنسان، سيضع المغرب على حافة الهاوية ويؤذن بأن تكون على شفير الحرب. والولايات المتحدة واعية بهذه الوضعية، وهدفها أن تحافظ على الاستقرار في المنطقة. - بعد أيام سيزور كاتب الدولة للخارجية الأمريكية، جون كيري، المغرب، هل تعتبر أن هذه الزيارة ستمتن العلاقة بين البلدين؟ مصير هذه العلاقة يرتبط بمدى فاعلية الديبلوماسية المغربية في اختراق القناعات التي كونها كيري لحد الآن. هذه الزيارة لا تهم المغرب بمفرده، بل تهم حتى الجزائر، والنظام الجزائري يحاول أن يتمسك ببعض الحجج التي تستند على الشرعية الدولية، خاصة فيما يتعلق بمسألة تقرير المصير ومسألة ضرورة تنظيم الاستفتاء ومسألة إذا كانت مراقبة حقوق الإنسان ستتم في تندوف في طريق أن تتم كذلك في الصحراء. المغرب عليه الآن أن يقنع كيري بعكس ما تتبناه الجزائر من قناعات، وهذه هي الوسيلة الوحيدة لاختراق هذا الجدار، الذي يفصل الآن بين المغرب وكاتب الدولة في الشؤون الخارجية، لاسيما أن هذا الأخير له علاقة شخصية بكينيدي، التي كانت أكدت في آخر تقرير مواقفها بخصوص الزعم بوجود خروقات في حقوق الإنسان. أظن أن الإدارة المغربية والديبلوماسية المغربية من واجبها أن تحضر ملفا تفصيليا فيما يتعلق بقضية حقوق الإنسان، وخاصة في الأقاليم الجنوبية. وإذا لم تستطع أن تقدم هذا النوع من الرسالة بهذا المستوى ستبقى مواقف كيري متذبذبة، في انتظار الزيارة الملكية يوم الثاني والعشرين من هذا الشهر إلى واشنطن، التي يفترض أن تكون الوسيلة المثلى لإعطاء نفس جديد للعلاقات الأمريكية المغربية، ليس فقط في مستوييها الاقتصادي والدبلوماسي، ولكن أيضا في المستوى الاستراتيجي. يجب على المغرب أن يقنع الولايات المتحدة بأنه طرف أساسي في معادلة السلام والاستقرار في المنطقة الأفريقية. إذا استطاع المغرب أن يوصل هذه الرسالة إلى الإدارة الأمريكية، فلنكن متيقنين أن الولايات المتحدة ستنحاز بالضرورة إلى الموقف المغربي. هذه العملية إذن ترتبط بقدرة المغرب على إيصال رسالة مقنعة وواضحة، سواء من خلال استقبال جون كيري في الرباط أو الزيارة الأمريكية التي سيقوم بها الملك إلى واشنطن. - فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي، وبالضبط اتفاقية التبادل الحر، إلى أي مدى يمكن أن نقول إن الزيارة المقبلة للملك إلى أمريكا وكذا جون كيري إلى المغرب ستضخ دماء جديدة في هذه الاتفاقية؟ هناك مشكلة حقيقية في صلب العلاقات المغربية الأمريكية على المستوى الاقتصادي. المهم بالنسبة إلى دعم حركية التبادل الحر هو أن يستطيع المغرب أن يستقطب الاستثمارات الأمريكية، وهي مسألة تنافسية لأن المستثمرين حين يرون أن امتيازات المقارنة غير مشجعة على الوصول إلى هذا المجال يكون هناك تراجع في آخر لحظة. امتيازات المقارنة التي يحاول المغرب ان يوظفها ترتبط باليد العاملة المؤهلة والبنيات التحتية الأساسية من طرق وموانئ ووسائل اتصال وتكنولوجيات، وعندما ينجح المغرب في تحقيق هذه الأرضية يمكن فعلا أن يستقطب الاستثمارات. من جهة ثانية، هناك إشكالية أخرى ترتبط بالخلل الذي يعرفه الميزان التجاري بين كل من الولايات المتحدة والمغرب. القوانين الأمريكية المتعلقة بالتغذية، وهي قوانين صارمة معقدة وتفرض قيودا متشددة، مما يمنع وصول هذه المنتجات المغربية إلى السوق الأمريكية. أعتقد أنه من بين النقط التي ستتم مناقشتها في هذه الزيارة هي البحث عن الوسائل الكفيلة أولا بدعم الاستثمار الأمريكي في التراب المغربي، وثانيا تسهيل وصول المنتجات المغربية إلى السوق الأمريكية حتى يتم سد الخلل الذي يعاني منه الميزان التجاري. - يشكل المغرب حليفا استراتيجيا للولايات المتحدة في شمال إفريقيا. ألا ترى أن هذه الدينامية في العلاقات بين البلدين يمكن أن تثبت هذا الدور، خاصة في مجال مكافحة الإرهاب؟ بالتأكيد. خطة الطريق التي يمكن أن تزكي موقف المغرب في علاقاته مع الولايات المتحدة مرتبطة ليس بشمال أفريقيا فحسب، وإنما كذلك بمنطقة الساحل الإفريقي، جنوب الصحراء وحتى حوض البحر الأبيض المتوسط. المغرب الآن يعتبر طرفا أساسيا في كل هذه العمليات، وقد أظهرت الحرب في مالي هذا الدور، خاصة ما لعبه على مستوى اللوجيستيك، وكذلك ما بذله من جهود من خلال مستشفى ميداني أصبحت له سمعة دولية لا تضاهى. الولايات المتحدة واعية بهذا الدور الفعال الذي أصبح المغرب يلعبه في المنطقة. وإذا أضفنا إلى ذلك إمكانية تطوير المناورات التي تقوم بها الولايات المتحدة في مع المغرب، وهي مناورات الأسد الأفريقي، وكذلك المناورات المشتركة في البحر المتوسط، أدركنا كيف يمكن أن يلعب المغرب دورا أساسيا في هذه المنطقة، وأظن أن الولايات المتحدة لا يمكن أن تغامر بدفع المغرب إلى وضعية عدم الاستقرار. كريمة أحداد ( صحافية متدربة)