قطع العلاقات الديبلوماسية مع إيران من طرف المغرب يضعنا أمام عدة تساؤلات. هل هذه الخطوة تندرج في إطار التضامن العربي مع البحرين في خلافها مع إيران؟ هل يتعلق الأمر بدرء لخطر مد شيعي محتمل بالمغرب؟ هل هناك أسباب أخرى غير معلنة؟ بلاغ وزارة الخارجية المغربي كان في نفس الوقت واضحا و.. غامضا! كان واضحا لأنه تحدث عن انتقائية إيران في رد فعلها تجاه الدول التي تضامنت مع البحرين واتهم طهران بالإساءة إلى المغرب.. وأضاف نفس البلاغ أن البعثة الديبلوماسية الإيرانية بالرباط كانت تمارس أنشطة «تمس عقيدة المغاربة في الصميم». فهل نصدق الشق الأول من البلاغ، أم الجزء الأخير؟ بتحليل هادئ، يبدو أن موقف المغرب من خلاف البحرين وإيران كان واضحا وأملته متانة العلاقات المغربية البحرينية، وبصفة خاصة العلاقة الشخصية التي تربط ملكي البلدين. لكن هل هذا دافع إلى قطع علاقات مع دولة إسلامية كبرى؟ هل انسدت كل السبل أمام حلول ديبلوماسية في هذا الملف العادي جدا؟ ولماذا لم يكن رد فعل المملكة السعودية مماثلا وقد تعرضت هي الأخرى لانتقادات قادة طهران عندما قال مرشد الجمهورية إنه كان الأحرى بوزير خارجية السعودية أن يوجه انتقاداته إلى إسرائيل عوض إيران. أكثر من ذلك، استطاعت مملكة البحرين بذكاء ديبلوماسي وهدوء سياسي أن تنزع فتيل التوتر بينها وبين طهران عندما بعثت وزير خارجيتها إلى إيران فخرج أمام الصحافيين يدا في يد مع وزير خارجية إيران... مبتسما ابتسامة عريضة، ليصرح لرجال الإعلام بأن الخلاف طوي وأن الدولتين تريان المستقبل بتفاؤل كبير. فهل كان رد فعل المغرب متسرعا إزاء هذه القضية التي لا تستحق أن تكون كذلك؟ علما بأنه من حق المغرب أن يحتج على إيران وعلى أي دولة تمس كرامة الدولة المغربية التي لا ثمن لها، لكن المسافة بين الاحتجاج وبين قطع العلاقات الديبلوماسية شاسع جدا! في الشق الثاني المتعلق بممارسة البعثة الديبلوماسية الإيرانية بالرباط لأنشطة «تمس عقيدة المغاربة»، والأمر هنا يتعلق بوضوح بمحاولة نشر الفكر الشيعي في المغرب. ففي رأيي المتواضع، عقيدة المغاربة المتشبعة بمبادئ الإسلام السني المالكي راسخة وضاربة في عمق التاريخ ولن يستطيع أي شيعي، ولو كان حسن نصر الله بكل حمولته الرمزية، أن يزعزعها قيد أنملة. ثم ألم يحاول الوهابيون، الذين تقودهم المملكة العربية السعودية.. الشقيقة، أن يفعلوا الشيء ذاته، بل سعوا إلى ذلك أكثر عندما استعملوا قنوات رسمية منها وزير أوقاف سابق لنشر الفكر الوهابي المتعصب والمتطرف، فماذا كان رد فعل المغرب كدولة؟ كانت المعالجة هادئة ولم تصل أصداؤها إلى المغاربة، حيث تم التعامل معها بذكاء يوصلنا إلى غايتنا ويحافظ لنا على علاقات دولية وطيدة مع الأطراف المعنية. الديبلوماسية المغربية حرة في المقاربة التي تختارها، ولكن لا يجب عليها أن تنسى أن للمغرب خصوصية دينية هي إمارة المؤمنين التي تحميه من كل الانجرافات الدينية، والمغاربة واعون ومتشبثون بهذه الخصوصية ولن ينصتوا ل»تراهات» أي شيعي أو تبشيري أو تفكيري. عقيدتنا راسخة.. يبقى علينا أن نتعامل مع كل الملفات بثقة عالية في النفس، وأن نتجنب إعطاء الانطباع بأننا مهزوزن وأن نفكر في مصلحة المغرب أولا وأخيراً.. ثم لا ننسى أن لدينا قضية وطنية مقدسة هي في حاجة إلى حلفاء أكثر من اختلاق أعداء وهميين.