قبل بضعة أيام تحركت شاحنة للوقاية المدنية بطنجة واخترقت شوارع المدينة بسرعة جنونية وأحرقت إشارات المرور الحمراء الواحدة تلو الأخرى وتجاوزت مئات السيارات ثم وصلت إلى مكان الحادث. نزل أفراد الوقاية المدنية، وكانوا ثمانية بالتمام والكمال، مجهزين بكل معداتهم بما فيها السلاليم والخراطيم وما شابهها وأحاطوا بعمارة قرب مسجد محمد الخامس. الناس الذين هالهم هذا المنظر تجمعوا وهم يتساءلون عن مكان وجود النار لأنه لم يكن يوجد دخان بالمرة، وهذه أول مرة يرى فيها الناس أفراد الوقاية المدينة يحيطون بنار بلا دخان. الحقيقة أن الأمر لم يكن يتعلق بنار أو بدخان لأنه لم تكن هناك نار بالمرة، الأمر كان يتعلق بقطة سقطت من شرفة وعلقت في جزء من جدار العمارة وصعب عليها إنقاذ نفسها. الإنسانية تقتضي طبعا إنقاذ القطة وفق الحديث الشريف «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء»، لكن قضية الأرض والسماء هنا مختلفة، لأن القطة كانت في ملكية امرأة أجنبية تقيم في طنجة، وطبعا أنتم تعرفون كم تساوي امرأة أجنبية في المغرب. الأمر شبيه بصرف العملة الأجنبية بالدرهم. بقية الحكاية تقول إن أفراد الوقاية أحاطوا بالقطة العالقة واستمروا في محاولة إنقاذها لعدة ساعات. وحسب مصدر من مقر الوقاية المدنية بطنجة فإن عملية الإنقاذ بدأت بعد أن اتصلت امرأة أجنبية، كانت تتحدث الإسبانية، وطلبت عبر الهاتف إنقاذ قطتها. ولا يعرف إن كانت المرأة طلبت تحقيقا قضائيا في حادث السقوط وخبيرا نفسيا لعلاج قطتها من الصدمة. هذه حوادث تعتبر عادية في بلدان متقدمة، وربما تعرف المرأة الإسبانية صاحبة القطة أنه حتى في بلدها لم يكن من الممكن أن تتحرك شاحنة للوقاية المدنية بكل هذه السرعة لإنقاذ قطتها، لكن أن يحدث ذلك في المغرب، وفي طنجة على الخصوص، فهذا يصيب بشيء من الدغدغة التي يمكن أن تؤدي إلى شيء من الضحك. ولأن الشيء بالشيء يذكر، فإن شركة إسبانية للبناء تسببت قبل سنتين في كارثة بحي الدرادب وتسبب مشروعها في انهيار عدد من المنازل في طريق شاطئ مرقالة وانتظر الضحايا سيارات الوقاية المدنية لساعات طويلة حتى نبت اليأس في قلوبهم. وبعد ذلك، عرفت طنجة فيضانات مهولة وأصبح الناس يحاولون فقط تخيل ألوان سيارات الوقاية فلا يستطيعون. وفي حوادث كثيرة أخرى يطب الناس سيارات الإطفاء فيجيبهم مسؤول ما بأنه لا يوجد ماء، وفي أحيان أخرى تتحرك السيارات بلا ماء حتى تتأكد من وجود النار، ثم تترك النار مشتعلة وتعود لتأتي بالماء، وعندما تأتي بالماء تجد أن النار أصبحت رمادا ولا حاجة إلى إطفائها. أيها المواطنون.. أيتها المواطنات.. إذا سقطتم يوما في بئر أو التهمتكم النيران فاتصلوا بمصالح الإنقاذ بلغة أجنبية وقولوا إن قطتكم أو كلبكم هو الذي سقط. تظاهروا دائما بأنكم أجانب ولستم مغاربة حتى تحظوا بأفضل خدمة. حاولوا تعلم اللغات الأجنبية لتطلبوا الإنقاذ. وقديما قال الحسن الثاني إن من يتكلم لغة واحدة هو أمّي.. وطبعا أنتم الآن تعرفون لماذا قال ذلك الكلام.