يحاول سكان سيدي إفني نسيان تفاصيل السبت الأسود من شهر يونيو الماضي بعد أن تدخلت القوات العمومية بعنف مما أدى إلى سقوط إصابات في صفوف سكان المدينة الجنوبية...لم تستطع وسائل الإعلام تغطية المواجهات ضد قوات الأمن، ليتابع العالم هول ما وقع عبر صفحات موقع يوتوب شرائط فيديو تم التقاطها بشكل هاو ونشرها في الموقع دون أية عملية مونتاج..انتقلت عدسات الهواتف المحمولة والكاميرات الرقمية لأبناء المدينة لالتقاط شهادات الضحايا وزيارة بيوتهم التي أحالتها عناصر التدخل السريع إلى أكوام من الفوضى.. تفاعل مستخدمو الانترنت بشكل سريع مع بث لقطات الفيديو على الموقع وارتفعت نسب المشاهدة بعد تحميل تلك المقاطع بالصوت والصورة دون أن يتم الكشف عن صاحبها، وأتاح فضاء التعليقات الذي يخصصه يوتوب للزوار الفرصة لهم للتعبير عن تنديدهم بالطريقة التي تعاملت بها السلطة مع المتظاهرين، وأصبح بإمكان أي واحد أن يضع كلمة «سيدي افني» في الحيز الخاص بالبحث، ليجد أمامه عشرات نتائج البحث التي تركها أبناء المدينة لرصد حقيقة ما جرى. الوزير «بينوكيو» نال الوزير الأول، عباس الفاسي، حصة الأسد في النقد الحكومي في موقع اليوتوب، خاصة بعد خرجته الإعلامية التي صرح فيها أنه لم تحدث أبدا أية مواجهات عنيفة بسيدي إفني، وهو الاعتراف الذي تم تفنيده لاحقا، ليحتل هذا الإقرار صدارة المقاطع الأكثر زيارة في المغرب في تلك الفترة. وعاد الفاسي للواجهة بعدها في دجنبر الماضي أثناء زيارته الرسمية لاسبانيا، عندما خاطب رئيس الحكومة الإسبانية بصيغة المؤنث، لتنهال التعليقات الساخرة من المغاربة معبرين عن عدم رضاهم عما جرى... وأعاد مستعملوا الموقع بث مقاطع الفيديو المأخوذة من القنوات الوطنية عندما أعلن عباس الفاسي، وزير التشغيل حينها، عن عرض لتشغيل ما يقارب 30 ألف شاب وشابة، تقدمت به شركة تدعى «النجاة» ومقرها في دولة الإمارات العربية المتحدة، وهو العرض الذي «صدقه» حوالي 90 ألف مغربي من الذين قدموا ملفات ترشيحهم لدى فروع الوكالة الوطنية لتأهيل الكفاءات والتشغيل في كل المدن المغربية، ليتم اختيار 30 ألفا منهم قاموا بإجراء فحوصات طبية بقيمة 700 درهم، وغيرها من مئات الدراهم لإعداد الوثائق اللازمة لذلك، على أساس تسلم مناصبهم بأجرة تتراوح ما بين 6 آلاف و7 آلاف درهم، قبل أن يتوقف المشروع وتضيع أحلام الآلاف من الشباب المغاربة في إيجاد منصب شغل. وقام أحد المبحرين على الشبكة بإطالة أنف عباس الفاسي أثناء إدلائه بتصريح صحفي للتلفزة، وعلق أحد القراء عن التصريح قائلا:»إنه الوزير بينوكيو»، وهو بطل الرسوم المتحركة الذي كان قليل التجربة في الحياة، ولم يميز الصواب من الخطأ، ولأنه كان كثير الكذب فكان عندما يكذب يطول أنفه الخشبي فينفضح أمره.. تحت المجهر أتاح البث التلفزيوني لحصص الأسئلة الشفوية التي يعقدها مجلس النواب وضع أجوبة الوزراء تحت مجهر يوتوب. وتتبع مستخدمو الموقع العديد من المواضيع الخاصة بقطاع الصحة (انتقالات وإعفاءات أطر وزارة الصحة، الأوضاع بالمستشفيات..) ليترك القراء تعليقاتهم التي تباينت حدتها بين متعاطف مع ياسمينة بادو وبين منتقد لسياستها منذ مجيئها للوزارة. كما لم تمر زيارة ثوريا جبران وزيرة الثقافة لروسيا وتصريحها الإذاعي حول الحسن الثاني دون تعليقات ساخرة من القراء، ومكنت خاصية التسجيل بشكل سريع وباسم مستعار من تزايد عدد مقاطع الفيديو التي ترصد «فلتة لسان» لوزير أو مسؤول داخل الحكومة ويرى الباحث الأكاديمي يحيى اليحياوي أن ظاهرة حكومة يوتوب في حد ذاتها شكل جديد من أشكال التعبير، تتجاوز المكتوب والمقروء، الذي غالبا ما لا ينصف هؤلاء الشباب الذين ينتقدون عمل الحكومة، أو يفرض عليهم رقابة، أو لا يستطيع بحكم طبيعة الصحيفة، تمرير ما ينتجه هؤلاء بالصوت والصورة. ويضيف أن الإقبال على تحميل مقاطع الفيديو تلك تعكس نضجا خاصا لدى شباب لا نعلم بالتحديد مواصفاتهم، ومطالبهم أو الفلسفة التي يشتغلون وفقها، ويعتقد اليحياوي أنه عندما يكشفون عن سلوك أو ممارسات أو تجاوزات هذا المسؤول أو ذاك فهم يعلمون أن الأمر لن يمر بسلام.