تفيد الأخبار الواردة من إسبانيا بأن المهاجرين المغاربة هم الأكثر عرضة للبطالة التي تتفاقم في ذلك البلد بسبب الأزمة. وفي هذا الحوار مع إنيغو موري، الاقتصادي الإسباني ورئيس المنظمة غير الحكومية «ريميساس» التي تعنى بتحويلات المهاجرين وطرق توظيفها في بلدان الاستقبال، نحاول الوقوف على تداعيات هذه الوضعيات على تحويلات أولئك المهاجرين، التي تعتبر مصدرا مهما للعملة الصعبة في المغرب ومصدرا لدخل كبير لعدد من الأسر. - السيد أنييغو موري، ما هي تداعيات الأزمة الاقتصادية الحالية، التي تشهدها إسبانيا، على تحويلات المهاجرين المقيمين في هذا البلد؟ < لا نتوفر على الأرقام التي تشير إلى ذلك حتى نهاية السنة الفارطة، لكن الإحصائيات إلى غاية شتنبر تبرز تراجع تحويلات المهاجرين المقيمين بإسبانيا بنسبة7 في المائة، ونحن نتوقع أن تتعدى هذه النسبة 10 في المائة بالنظر إلى التطورات التي حدثت في الربع الأخير من سنة 2008 على مستوى التشغيل، حيث لاحظنا أن البطالة ارتفعت بشكل كبير، وهذا سينعكس على التحويلات التي ستواصل تراجعها في السنة الجارية لتصل إلى مستويات كبيرة، بما لذلك من آثار سلبية على البلدان التي تتلقى التحويلات، ما دام الأشخاص الذين تؤول إليهم لا يتوفرون على أي مصدر للدخل، وهم يعولون عليها كثيرا من أجل تأمين حاجياتهم، في بلدان تعتبر فيها الحماية الاجتماعية -من زاوية النظر المؤسساتية، إن وجدت، بطبيعة الحال- جد ضعيفة، إذن، تراجع التحويلات سيتأثر به أشخاص لا يمكنهم الحصول على مداخيل من مصادر أخرى ولا يستفيدون من التأطير الاجتماعي المؤسساتي، خاصة في ظل انتقال عدوى الأزمة الاقتصادية من البلدان الأوربية إلى البلدان التي تستقبل التحويلات، التي ستكون عرضة لأزمات اجتماعية حادة. - ما هو وزن تحويلات المغاربة المقيمين بإسبانيا ضمن مجموع تحويلات المهاجرين في إسبانيا؟ < تمثل ما بين 8و9 في المائة من مجموع تحويلات المهاجرين المقيمين بإسبانيا، غير أن ما يجب أن ننبه إليه هنا هو أن التحويلات الحقيقية للمغاربة المقيمين بإسبانيا لا تحيط بها بشكل دقيق المحاسبة المعتمدة في هذا البلد، على اعتبار أن هناك قنوات أخرى تنقل عبرها الأموال، وهذا حال البلدان التي تتقاسم حدودا مشتركة، إذ من الثابت أن ثمة من المهاجرين من ينقلون معهم مدخراتهم عندما يعبرون إلى بلدهم الأم ولا يحولونها عبر المؤسسات المعتمدة. وأفترض أن الإحصائيات التي يوفرها المغاربة في هذا المجال، هي أقرب إلى الواقع من تلك التي يقدمها الإسبان. فإحصائيات بنك إسبانبا تتحدث عن تحويلات ب528 مليون أوروها برسم سنة2007، بينما تبدو المعطيات التي يقدمها المغرب أكثر دقة، إذ يصل هذا الرقم إلى 8.5 مليارات درهم حسب مكتب الصرف، وأنا أميل إلى أن تحويلات المغاربة المقيمين من إسبانيا تتعدى تلك الأرقام. - من خلال الأخبار التي ترد علينا من إسبانيا، يبدو أن المهاجرين المغاربة هم الأكثر تضررا من البطالة التي تتفاقم في ذلك البلد، ما هو في تقديركم تأثير ذلك على تحويلات المغاربة المقيمين فيه؟ < مما لا شك فيه أن التراجع سيطال التحويلات التي تأتي من إسبانيا، وهو انخفاض لن تسلم منه تحويلات المغاربة المقيمين في فرنسا أو إيطاليا... عندما تعاني أوربا من الأزمة، فإن الجميع ستصيبه شظاياها، غير أن مستوى التأثر يبقى رهينا بقدرة اقتصاد البلدان المستقبلة للتحويلات على التعاطي مع تلك الآثار. وعموما، فإنه في ظل اقتصاد معولم لا يمكن أن يسلم أحد من الأزمة وآثارها. وأنا أتساءل حول ما إذا كان المغرب مستعدا لرؤية عدد رعاياه في الخارج يتراجع. - ما هي الإجراءات التي يمكن للمغرب أن يتخذها من أجل التخفيف من آثار تراجع التحويلات القادمة من إسبانيا؟ هل تقليص تكاليف التحويل يمكن أن يساعد على ذلك؟ < يمكن أن أؤكد أن المغرب وجهة غالية للتحويلات، حيث تصل تكلفتها إلى حوالي 10 في المائة من المبالغ المحولة، وأتصور أنه يجب بذل مجهود كبير من أجل تقليص تلك التكاليف. لاحظ أنه عندما كانت الخطوط الملكية المغربية و«إبريا» تحتكران الخطوط الجوية في اتجاه المغرب، كانت أسعار تذاكر السفر غالية، لكنها ما لبثت أن تراجعت بشكل كبير عندما ظهرت شركات أخرى. وأفترض أن تكاليف نقل الأموال ستنخفض إذا ما فتح السوق أمام فاعلين آخرين. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، يجب تحسيس المستهلك حول الفاعلين الذين يقدمون خدماتهم والأسعار التي يعتمدونها. وأعتبر أن المجهود الذي بذله المغرب على مستوى محاسبته من أجل الإحاطة بحجم التحويلات يجب أن يوازيه عمل دؤوب من أجل تخفيض تكاليف التحويل، وهذا أحد العوامل التي يمكن أن تخفف من تداعيات الأزمة الحالية على التحويلات التي يتلقاها المغرب والتي تشكل مصدر عملة صعبة مهما للبلد، خاصة وأن الأزمة الحالية، التي لا قبل للعالم بها، سوف تفضي، على مستوى البلدان المستقبلة للمهاجرين، إلى تطوير سياسات حمائية، من بين تجلياتها مراجعة سياسة الباب المفتوح نسبيا أمام الهجرات، حيث سوف نشهد في الشهور القادمة تظاهرات مناوئة للهجرة إلى أوربا، على اعتبار أن الأوربيين اليوم ينظرون إلى المهاجرين باعتبارهم منافسين في سوق الشغل والخدمات الاجتماعية والصحية. وإذا حدث هذا، فإننا لن نلاحظ فقط تراجع التحويلات، بل نضوبها في بعض الأحيان، بما لذلك من تداعيات على بلدان الاستقبال. - مع ذلك، الأبناك المغربية تعتمد، في جزء كبير من ودائعها، على تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج وتنافست في إغرائهم من أجل الاستفادة من خدماتها في السنوات الأخيرة.. < الأبناك لا تهتم سوى بالأرباح التي ستجنيها في نهاية السنة، الأبناك ليست منظمة غير حكومية أو مؤسسة إحسانية، هي تسعى إلى الربح، وهذا ما شهدناه، للأسف، في العديد من البلدان، وذلك ما زج بالأبناك في الولاياتالمتحدة في أتون الأزمة، والأبناك المغربية لا تشكل استثناء على هذا المستوى. وأنا أتصور أن تخفيض تكاليف التحويلات في المغرب، يمر عبر جرعات قوية من المنافسة بين النظام المالي المغربي. وللأسف، المنافسة جد محدودة. يجب تخفيض تكاليف تحويل أموال المهاجرين إلى المغرب، للتخفيف من تداعيات الأزمة. - هل الوضعية الحالية التي تعرفها البلدان الأوربية ستدفع المهاجرين إلى عدم تحويل أموالهم إلى بلدانهم، خاصة في ظل الصعوبات المعيشية التي يواجهونها حيث هم؟ < هذا بدأ يحدث في بلدان أوربا الشرقية، فالعملة البولونية تراجعت في مقابل العملة الأوروبية ب40 في المائة، وهذا يدفع إلى الإحجام عن تحويل ما ادخر بالأورو إلى العملة الوطنية. أعلم بأن هذه الوضعية لا يعرفها المغرب إلى حدود الآن، وأعتبر أنه يجب تخفيض تكاليف تحويل أموال المهاجرين إلى المغرب. لكن ما لا يجب أن نغفله هو أن الأزمة الحالية ذات طابع عالمي، والمغرب لا يمكن أن يسلم منها إذا كان زبونه الأول، المتمثل في أوربا، يعاني من أزمة حادة. ثم إن مواصلة تحويل أموال المهاجرين رهين بالوضعية الاقتصادية في المغرب.