عاد الحديث عن الرشوة مرة أخرى... ترانسبرانسي تعلن عن دراسة تصنف المغرب في المرتبة ال59 ضمن سلم يضم 85 بلدا. فما الجديد؟ في الواقع، هذا الأمر منتظر مادامت آفة الرشوة ماتزال مستشرية، وساذج من يعتقد أنه بمجرد تعيين هيئة استشارية لمكافحة الرشوة فإن ذلك سيثني المفسدين والمرتشين. أكيد أنه يجب أكثر من ذلك لمجرد الحد من هاته الآفة. يأتي كذلك هذا التصنيف في وقت تم فيه توقيف العديد من المخازنية وجنود البحرية والدركيين في إقليمالناظور عقب انكشاف فضيحة شبكة المخدرات. لكن هل اكتشفت مصالح الأمن بمختلف فروعها، اليوم فقط مثل هاته التواطؤات؟ هل كانت الاستعلامات العامة ومديرية مراقبة التراب الوطني «دستي» والشرطة العسكرية نائمة في العسل؟ من الصعب تصديق ذلك، فمثل هاته التواطؤات كانت منذ سنين والمصالح الأمنية العليا كانت تكتفي، من وقت إلى آخر، ببعض التنقيلات التي لا تتخذ طابعا تأديبيا بل زجريا تجاه العناصر التي تضبط متلبسة بالغش في توزيع «الغنائم». وعندما تتفجر قضايا كبرى كشبكتي منير الرماش والشريف بين الويدان وقبلهم احميدو الديب، فإن الجميع يسارع إلى تقديم مسؤولين من الدرجات الدنيا دون أن يبرح التحقيق تطوان أو الناظور، فهل المسؤولون في الرباط لم يكونوا على علم بذلك؟ فإذا كانوا لا يعلمون ذلك فتلك فضيحة، وإذا كانوا على علم بذلك فالطامة أكبر. الكل يعرف بأن الرشوة درجات، وعندما تقرر الدولة أن تضرب بيد من حديد المفسدين الكبار والمرتشين من خمسة نجوم، فإنها إذّاك ستبعث رسائل ذات دلالات قوية على إرادتها السياسية لقضاء على هذه الآفة، التي تسوّد سمعة المغرب ، والدولة تدري جيدا أن المغرب ابتلي بمرتشين لا يهابون سوى الزجر، أما الحملات التحسيسية واللجان والهيئات الاستشارية فلتذهب إلى الجحيم. الدولة لها من الإمكانات ما يمكنها من معرفة كل شبكات التواطؤات التي تسهل «الحياة» لشبكات الاتجار في المخدرات، تواطؤات تساوم صمتها بالملايين... التي عندما تجتمع تصبح ملايير. لا يمكن لأجهزة أمنية تحصي أنفاس المواطنين أن تغفل عن معاملات بالملايير تمر بشكل «عادي» عن طريق الشبكات البنكية، خاصة عندما يتعلق الأمر بوكالات بنكية في مناطق نائية تكاد تخلو من كل شيء ماعدا ملايير المخدرات. هل تغفل الدولة عن الملايير التي كانت مكدسة في وكالات جبل العروي، وميضار، وبن الطيب، وعين زورة، بني أنصار، بن الشيكر...؟ وهي بالمناسبة مجرد قرى حوّلها تجار المخدرات إلى نقط تصريف بضاعتهم. بلا، فقد كانت ومازالت عيون الدولة مفتوحة على كل شيء، لكنها لا ترى سوى ما تريد! ترى فقط رجال أمن ودركيين بسطاء، بعضهم استحل المال السهل وبعضهم الآخر مجبر على «مد يده» لجمع الإتاوة. والإتاوة لم تبق سرا حتى على المواطن العادي. فالكل يعرف أن بعض المسؤولين في بعض الأجهزة يجبرون مرؤوسيهم على جمع مبلغ يومي كيفما كانت الظروف، والباقي تعرفونه! لذلك يجب وضع حد للرشوة بالرباط وليس غيرها، هناك الجذر الذي يجب اجتثاثه، وما عدا ذلك ستظل الدولة تداوي الرشوة بالأسبرين وستظل نفس الأسباب تفرز نفس النتائج.