يحكي عبد الله القادري، الذي ارتبط اسمه بمحاولة الانقلاب على الحسن الثاني في يوليوز 1971، على «كرسي الاعتراف»، تفاصيل ما دار بينه وبين منفذ الانقلاب امحمد اعبابو، ساعات قبل انفجار شلال الدم في القصر الملكي بالصخيرات، وكيف حقق معه الجنرال أوفقير وهو يدعوه إلى «كأس ويسكي»، ثم كيف أشرف هو، بحضور الحسن الثاني وضيفه الملك حسين، على إعدام ضباط يقول إنهم أبرياء ومظلومون. ويقف الكولونيل السابق عند محاولة الانقلاب الثانية، في غشت 1972، ويحكي كيف أن الحسن الثاني عثر بين الوثائق السرية على لائحة يحتل فيها القادري منصب وزير الدفاع في حكومة «أوفقير». «ذات يوم من سنة 1976، اتصل بي احمد الدليمي وادريس البصري، وقالا لي: قالك سيدنا خصك تدخل للسياسة»، هذه هي المكالمة التي قادت الكولونيل السابق إلى أن يصبح رئيس حزب ظل يحتل مراتب مهمة في المشهد السياسي إلى أن جاء فؤاد عالي الهمة ذات يوم من سنة 2007 ليقول له: «قالك سيدنا خصنا نديرو حزب كبير»، فابتلع حزب الأصالة والمعاصرة الحزب الوطني الديمقراطي. على «كرسي الاعتراف»، يحكي القادري عن ذكرياته رفقة الدليمي والبصري، اللذان شجعاه على تأسيس حزب ل«العروبية». ويعترف بأن الدليمي مات مقتولا بعدما أبلغ الحسن الثاني عن معرفته بأمور تحدث داخل القصر، ثم يسرد كيف انقلب عليه البصري، بعد وفاة الدليمي، واتهم حزبه بالاجتماع سرا بالأخير (الدليمي) وتلقي تمويلات منه، وكيف اعترف له البصري بتزوير الانتخابات، وكيف كان يهين زعماء سياسيين ورجال سلطة في حضوره. - كيف كانت دراستك الأولى في الدوار الذي يحمل اسم الجد الذي حملت اسمه: دوار سيدي عبد الله في برشيد؟ ألحقت وأنا صبي ب«المسيد» لحفظ القرآن. وعندما أتممت سبع سنوات من العمر، ألحقني والدي بالمدرسة الابتدائية في مركز برشيد، حيث أتممت المرحلة الابتدائية فيها، قبل أن أنتقل إلى الدارالبيضاء لمتابعة تعليمي في إعدادية «مدرسة أبناء الأعيان» (التي ستحمل لاحقا اسم كوليج مولاي الحسن) والتي درست فيها لموسم دراسي كامل قبل أن أجتاز امتحان الدخول إلى ثانوية الخوارزمي، المدرسة الصناعية والتجارية بالدارالبيضاء، والتي كانت حينها أكبر مدرسة تقنية في المغرب. - ما هي أقوى ذكرى تحملها عن مرحلة دراستك الابتدائية في برشيد؟ ذات مرة، وبينما أنا ألعب الكرة مع زملاء الفصل أمام باب المدرسة المقابلة للكنيسة، صادف وجودنا مرور موكب جنائزي مسيحي. استرعى اهتمامنا ذلك المشهد غير المألوف، فاختلطنا بالفرنسيين، وهو ما أغضب معلمنا الفرنسي، فعاقبنا ب»الفلقة». وقد آلمني ذلك كثيرا فقررت ألا أعود إلى المدرسة، هكذا كنت أغادر البيت على أساس الذهاب إلى المدرسة، لكني كنت أختفي وسط حقول القمح أو أصاحب الرعاة إلى أن ينتهي وقت المدرسة فأقفل عائدا إلى البيت. وفي إحدى هذه المرات، ضبطتني شقيقتي عائشة، عندما كانت ترعى قطيع أغنامنا، مستلقيا على العشب، فرجوتها ألا تخبر والدي بالأمر، لكنها لم تلتفت لرجائي وأخبرت خادمة والدي ومربيتي -التي كنا نناديها «مامّا»- وهذه الأخيرة أخبرت بدورها والدتي التي كشفت أمري لوالدي. حدث ذلك مساء أحد الأيام التي كان والدي يجمع فيها أبناءه الذكور ليلقي عليهم (يوميا) درسا في التربية والأخلاق الإسلامية، فتجرأت عليه أنا، وكنت بذلك أول من تجرأ عليه في حياته، قائلا: «ودابا نعام آسي، الدريات ماصيفطيهومش للمدرسة وحتى الحديث حرمتيهم من الحضور ليه»، فقال: أنا أفعل ذلك حتى لا يختلط الذكور بالإناث، فأجبته: هن بناتك ونحن أبناؤك ولا ضير في الاختلاط. ومن يومها أصبحت أخواتي البنات يحضرن درس والدي المسائي. يومها وبعد الانتهاء من الدرس، قالت والدتي لوالدي: «عيشة» تريد أن تخبرك بأمر ما، فتقدمت إليه أختي وقالت: لقد وجدت عبد الله نائما في حقل القمح خلال الوقت المخصص للمدرسة. التفت والدي ناحيتي وسألني، دونما انفعال: لماذا أعرضت عن الذهاب إلى المدرسة، فأطلعته على ما حدث لي مع المعلم الفرنسي، فقال: اِسمع، أنا أدفع مقابلا للراعي لكي يعتني بمواشينا، إذا لم تعد لديك رغبة في الدراسة، فتكلف أنت برعي الغنم. «إنني أفضل الرعي على الدراسة»، أجبت. رافقت الراعي ومواشيه مدة عشرة أيام، وفي إحدى المرات سرحت أغنامنا في حقل مجاور للمرعى، فأشار إلي الراعي بأن أخرجها منه، وبينما أنا أهش عليها لتخرج فاجأني صاحب الأرض وأوسعني ضربا بالسوط. أخبرت والدي بما حدث، فاستبد به الغضب والحنق، ونادى على «الخمَّاسة» والراعي، ثم قصدنا الدوار حيث يسكن الشخص الذي اعتدى علي، وهناك أمر والدي خدمه بطرح الرجل أرضا وضربه بشدة. وعندما عُدنا إلى البيت سألني أبي إن كنت أرغب في الاستمرار في الرعي، فأجبته بأنني أريد العودة إلى المدرسة. وقد كانت المدرسة مقسمة إلى ثلاثة فصول، القسم التحضيري والقسم الأساسي (élémentaire) والقسم المتوسط. وبالرغم من أنني كنت قد تركت الدراسة، بعد حادث الكنيسة، وأنا لا أزال في القسم التحضيري، فقد التحقت بالقسم الأساسي بعد عودتي لاستئناف دراستي، محاولا تعويض ما فاتني من دروس القسم التحضيري. وفي السنة الموالية انتقلت إلى القسم المتوسط.. وهكذا بقيت إلى أن اجتزت امتحانات الشهادة الابتدائية بنجاح. وخلال السنتين الأخيرتين من دراستي الابتدائية، ظهرت ميولاتي الكروية، فأسست أول فرقة لكرة القدم بالدوار. - كم كان عمرك حينها؟ حوالي 10 أو 11 سنة. - بعد بلوغك طور الدراسة الإعدادية والثانوية بالدارالبيضاء لمع نجمك الكروي؟ عندما ذهبت إلى الدارالبيضاء لمتابعة دراستي، أنا ومجموعة من أصدقائي، أسسنا فرقتنا الخاصة لكرة القدم.. كان حسني بنسليمان يلعب كحارس مرمى، وكان شيشا الذي سيلعب لاحقا لفريق «الريد ستار» قلبَ هجوم، بينما كنت أنا ألعب مدافعا أيمن. وقد تألقت فرقتنا في ثانوية الخوارزمي بشكل لافت، حيث حصلنا على بطولة المغرب، ثم على بطولة شمال إفريقيا للألعاب المدرسية. - في أي سنة كان هذا تقريبا؟ حوالي 1950/1951. وفي نهاية السنة التي تُوِّجنا فيها أبطالا لشمال إفريقيا، جاء ممثلون عن فريق المدرسة الصناعية الفرنسية لكرة القدم وطلبوا مني الالتحاق بهذه المؤسسة لمتابعة الدراسة بها على أساس أن ألعب كمدافع أيمن في فريقهم، وذلك ما كان بالفعل. - في هذه المرحلة، التحقت بحزب الاستقلال؟ انخرطت في صفوف حزب الاستقلال سنة 1953، فقد كان والدي مسؤولا عنه في المنطقة، وصرت مكلفا بالشبيبة الاستقلالية في برشيد. وبعد نفي محمد الخامس في غشت من هذه السنة، ضاعفت من نشاطي الوطني، فكنت أتزعم المظاهرات داخل المدرسة الصناعية والتجارية التي كانت تضم 1500 طالبا، لا يوجد بينهم غير 15 مغربيا.