سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
رولو : عبد الناصر ينجح في تهدئة الدعوات العربية إلى الحرب مع إسرائيل قال إنه لا يستطيع الانجرار وراء الدعوات الديماغوجية والزج ببلاده في حرب يجهل عواقبها
كان مثل هذا الكلام ما كان قد خلص إليه السفير الأمريكي بنفسه تشارلز يوست (الذي كان يجهل بالطبع حقيقة الخطاب المخادع الخاص بالبيت الأبيض) وجاءت لتتفق أيضا مع قناعاتي التي توحي بأن مصر كانت راغبة أكثر من الدولة العبرية نفسها في تفادي هذه الحرب، فمثل هذه القناعات الخاصة لم تكن لتأتيني من محض الخيال بقدر ما تم استنتاجها من محادثاتي السابقة مع الرئيس عبد الناصر إضافة إلى ما كنت أسمعه من أفراد محيطه المباشر لا سيما ما كان يردّده محمد حسنين هيكل، الذي قال لي في إحدى المحادثات الخاصة «.. لا أريد أن أخفي عليك بأنني لست متفائلا البتة مما توشك اللحظات الحاسمة أن تأتي به من نتائج، فما يراه الجميع الآن من حلّ للأزمة الدائرة بيننا وبين (إسرائيل) لا يمكن أن يكون إيجابيا وهذا رأيي الشخصي الذي أتمنى أن يأتي حسب ما تشتهيه سفن الآخرين، وأريد منك أن تعلم أيضا بأن الرئيس عبد الناصر قد بذل ولا يزال الكثير من الجهد لتفادي الأزمة، التي قد تحدث، وهي جهود ومواقف رامية إلى التهدئة بدأها بالفعل منذ مؤتمرات القمة العربية، التي نظمها وأشرف عليها شخصيا عامي 1964/1965 وما رافقها من هدوء تام حافظ على استتبابه طوال أحد عشر عاما على الحدود المصرية الإسرائيلية، فربما أن الرئيس يعي ويدرك مدى التفوق العسكري الإسرائيلي الذي لا يمكن معه أن يحقق التوازن بين القوى قبل مرور عشر سنوات على الأقل، ولعلّ هذا ما أفاد به ربما وبطريقة غير مباشرة في الخطاب الذي ألقاه يوم 23 ديسمبر من العام 1963 الذي ندّد فيه بالتصريحات والمزايدات الكلامية التي أطلقتها بعض الدول العربية الشقيقة حول تدمير (إسرائيل) وإلقائها في البحر حينما أفاد بالقول «... إحنا النهارده ما نقدرش أبداً نستخدم القوة، وحنقول لكم بالصدق... ما نقدرش النهارده نستخدم القوة لأن ظروفنا لا تناسب... يعني أنا لا أستحي أبداً من أن أقول لكم إذا كنت ما أقدرش أحارب أن أقول لكم ما أقدرش أحارب، إذا كنت ما أقدرش أحارب وأطلع أحارب أبقى باوديكم فى داهية... وأودي البلد بتاعتي في داهية...». ويضيف اريك رولو بالقول «...هكذا نجح عبد الناصر في تهدئة حميَّة الأصوات الداعية للحرب بين نظرائه العرب، الذين كانت ديماغوجيتهم لا يعدلها سوى عجزهم الدائم فقط، وانطلق هيكل ليكتب في صحيفة الأهرام مستلهما على الأرجح رأي الرئيس عبد الناصر وأخذ يقول كلماته التالية: «يجدر بنا جميعا التحلي بالواقعية وتفهم أن مهاجمة (إسرائيل) إنما تعني إعلان الحرب على الولاياتالمتحدة وبريطانيا حليفتَي الدولة اليهودية...». حسابات خاطئة كانت كلمات هيكل التي خط بها قلمه بعد قراءتها على عبد الناصر قد قوبلت باستهجان البعض وقبول البعض الآخر، الذين تماشوا ربما مع مواقف عبد الناصر الرامية إلى التهدئة خاصة وأن مصر تعيش الآن العديد من الإرهاصات وعلى رأسها إدارة علاقاتها المتوترة مع الولاياتالمتحدةالأمريكية ومواجهة التحديات الناجمة عن تعثر المشروع الوحدوي العربي، وما رافقه من إصلاحات كبرى تم اتخاذها على إثر فشل الوحدة مع سوريا، كما أن هناك ما يشغل بال عبد الناصر الآن ويعتبر المشروع الأهم والأمثل ألا وهو تشييد السّد العالي بأسوان، كما أن عبد الناصر لم يكن ليسمح لنفسه بسحب صفوة قواته من اليمن التي تدافع ومنذ العام 1962 عن الجمهورية المؤسسة في العام نفسه، نظير ما يتهدّدها من عواقب تتمثل في القبائل الموالية للملكية المدعومة من قبل المملكة العربية السعودية، خاصة وأن تلك الوحدات تمثل ثلث مجموع القوات المسلحة المصرية..».