هي من النساء الصّوفيات اللواتي أثرين الثقافة الصوفية في تاريخ المغرب وطبعتها بطابع خاصّ. اسمها الحقيقي، «منية» بنت ميمون الدكالي، ولكنْ يبقى الأشهر هو اللقب الذي رافقها طيلة حياتها، وهو «ميمونة تاكنوت»، يضاف إليه لقب «العارفة بالله»، أشهر متصوّفات المغرب في العهد الموحّدي. تعود أصول منية بنت ميمون الدكالي إلى مدينة مكناس، وقد نزلت في الجانب الشرقي من مراكش، حيث سيذيع صيتها بحبّها للعلم واجتهادها في طلبه، حتى أضحت مدرسة يغترف منا الرّواد. أتى على ذكرها ابن الزيات، القاضي والأديب من أهل تادلة، في كتاب «التشوف إلى رجال التصوف» وقال إنها كانت من رواد مسجد رباط شاكر، أول مسجد في تاريخ المغرب، الذي أسسه أحد القادة المجاهدين الذين تركهم القائد عقبة بن نافع في ثغر آسفي ليعلم الأمازيغ تعاليم الدين الإسلامي واللغة العربية.. ويقول عنها إنها عُرفت كمتصوفة قوامة، صوامة، لا تلبس إلا الخشن من الثياب وتؤدي الصلاة مع جماعة من المُريدين. وذكر ابن الزّيات أنه في العام الذي زار الرباط حضرت إليه ألف امرأة، ولعلّ أبرزهنّ ممن كنّ يأتين السيدة، منية بنت ميمون الدكالي. ويستمر ابن الزيات في ذكر «منية» في كتابه قائلا: «زرتها ورأيتها عجوزا قد اسودّت من الاجتهاد ولصق جلدها بعظمها».. وأنشدها قائلا: وما أبقى الهوى والشوق مني سوى نفس تردد في خيال خفيت عن المنية أن تراني كأن الروح مني في مجال.. ويسترسل الزّيات قائلا: «حدثني أبو عبد الله محمد بن خالص الأنصاري قال: رأيت منية في رباط شاكر فصليتُ بها في جماعة من المريدين وانصرفتُ عنهم، فأخبرني بعض من تحدّث معها من المريدين أنها قالت: حضر هذا العام بهذا الرباط ألف امرأة من الأولياء.. وحدّثني محمد بن يحيى بن علي قال: قالت منية: زرت ولدي حسونا بحارة «أبي بعبيدن» في فصل المطر والطين، فخرجت من عنده إلى مسكن «بيجلرة أبي مروان» وأنا أسمع آذان المغرب فخرجت ولم أشعر إلا وأنا عند مسكني وآذان المغرب لم ينقطع، قال: وزرتها يوما، فوجدت عندها ابن أخيها أبا الحسن علي العربي، وقالت لي، يا محمد، بات البارحة عندي العربي فصلى بنا بن موسى، فكان النور يدخل علينا من هذه الطيقان، فقلت في نفسي: كيف بات عندها عيسى وهو شاب؟ فقالت: يا بني أتتهمني؟ أوَلم أقل لك إنه بات ابن أخي علي العربي؟ يا علي ألم تكن البارحة؟ وكان نائما عندها فأجابها وقال: نعم، فخجلت مما خطر في طري». ويضيف، ثم إني قمت زمانا بعد أن حدثني محمد بن يحيى بهذه القصّة فلقيت عيسى بن موسى فسألته هل شاهد النور يدخل عليهم من الطاقة، إذ كان يصلي بها وب «علي العربي» فقال لي: رأيتُ والله النور داخلا من الطاق ومن خلفي وأنا أنظر إليه إلى أن انحرفت عن القبلة. من رأى البرق بنجد إذ تراءى سلب النوم وأهدى البرحاء فاض فيها كجفون ماؤه والتظى وهنا كأنفاس اليظاء قام سمار الدجى عن ساهر اتخذ الهم سميرا والبكاء.. قال محمد بن يحيى: كانت منية تحدّثني، قالت: دعاني رجل من التجار إلى طعام فأجبته كارهة، فلما قدمت القصعة بالطعام كلمني الطعام وقال لي: لا تأكليني فإني حرام، فاستحييتُ من صاحبه ورفعت بضعة من لحم إلى فمي، ثم وضعتها فحرمت أورادي والنوافل ثلاثة أيام، والهواتف تهتف عن يميني وعن شمالي: هكذا يُفعَل بالكلاب على بطونهم يهجرون. قالت: وصليت الضّحى يوما إلى أن رأيت الحصير الذي أصلي عليه كأنه يرفعه شيء من تحته فقلت في نفسي لعله دخل تحته حيوان، فلما سلمت رفعته فإذا تحته دراهم طرية، فخررت ساجدة أبكي وأقول: أنت مطلوبي لا سواك فأقلني فعاد الحصير على الأرض كما كان، فرفعته فلم أجد تحته شيئا.. قال الزيات: حدثني أبو العباس أحمد بن إبراهيم الأزدي البسطي قال: مشيتُ إلى رباط شاكر فوجدت فيه منية فقالت لي: ما رأيت هذا المكان قبل هذه المرة، ولقد تمنيتك فيه، ثم حدّثتني إلى أن قالت لي في حديثها: قيل لي: يتفق لك شيء وأنا أظن أنه الموت، فقلت لها: لعله غير ذلك، فلما عادت إلى مراكش مرضت مرضها الذي ماتت فيه. توفيت منية في مراكش عام 595 هجرية، حيث دفنت خارج باب الدبّاغين. قال ابن الزيات: «سمعت محمد بن يحيى بن علي يقول: زرت قبر منية فقعدت عنده فرأيته يخرج منه شيء كبخار القِدْر، ثم رأيت كعمود من نور يخرج من قبرها إلى السماء حتى غلب علي شعاع الشّمس»..