غيرَ بعيد عن ضريح عائشة البحرية، المتخصصة في «تزويج» العوانس، توجد سيدة أخرى مهمّتها أكبر. إنها «تضبط» الرجال الخارجين عن طاعة نسائهم وفق طقوس يختلط فيها السّحر بالشعوذة. بحوالي أربع كيلومترات عن هذا المكان، وعلى تراب الجماعة القروية لسيدي عي بن حمدوش، في ضواحي أزمور، ترقد لالة يطو، التي اختارت أن يكون ضريحها بين الأشجار. وعبر طريق متربة تفصلنا عنها حوالي أربع كيلومترات مشيا على الأقدام، يكتشف الزائر عالما أكثرَ غرابة مما هو عليه الامر مع عائشة البحرية. كان أول الغيث «منع».. فالمكان مخصص للنساء فقط، حيث يمكن أن تستقبلك سيدة في مقتبل العمر، تعتبر نفسها هي «المشرفة» على الضريح، لتشير عليك بالعودة من حيث أتيت.. لكنْ قبل ذلك، على الزائر أن يقتنيّ لوازم «الزيارة» من تلك الحوانيت المتخصّصة في بيع «البخور» و»التقويمة» على امتداد شارع مولاي بوشعيب في أزمور. ومن تلك الحوانيت المصطفة من حدود سيدي علي واعلامو إلى حيث مولاي بوشعيب، تكتشف أصل الحكاية. تختار النسوة اللواتي يرغبن في زيارة لالة يطو اللوازمَ الخاصة، وهي بخور، وعبارة عن خليط من الجاوي والشّبة والحرْمل، وهو أيضا خليط من أجسام بعض الحيوانات، كالحرباء، ومن بعض الطيور. ولأنّ أصحاب هذه الحوانيت يعرفون أدقّ التفاصيل، ويعرفون ما الذي يحتاجه كل نوع من هؤلاء الزّبائن الذين يقصدونهم، فإنّ لكل وصفة ثمنها، الذي قد يتجاوز الخمسة مائة درهم، وقد تزيد أو تنقص. ضريح لالة يطو هو عبارة عن بناية بقرمود أخضر. وأمامها يوجد ما يشبه «القبو»، حيث على المرأة أن تنزل أدراجا لتصل إليه.. هناك يجب أن تخرج تلك الخلطة التي حملتها من حوانيت العطارين. ولأنّ القائمات بأمر «الولية الصالحة» قد وفرن كل ما يلزم، فإنّ هذا الخليط يوضع بداخل «مجمر» متقد يتصاعد دخانه إلى الأعلى. أما صاحبة الطقس فيُفترَض أن تنزع ثيابها، بما في ذلك تلك الملابس الداخلية، لتترك الدخان يتصاعد عبر كل جسدها.. بل إنها مطالبة ب«القفز» على المجمر المشتعل وهي تردّد بعض الجمل بهمس لا يُسمع منه غير جمل كان من بينها «ألا لالة يْطّو.. اللي جابو يْحطو».. فيما يمكن لسيدة أخرى أن تردد وهي تقفز أكثر من مرة على مجمرها المشتعل: «جيب سيدك ولا نزيدكْ».. أما خلفية كل هذا العالم فهو أنّ هذا الطقس الذي لا يستقيم إلا في ضريح لالة يطو، فهو أن النسوة يراهنّ على ضبط أزواجهنّ الخارجين عن الطاعة، أو استعادة زوج أو حبيب تنكر لحبه.. إننا في عالم جنسيّ بامتياز، فيه مولاي بوشعيب، المصلح الديني والصّوفي المتنور وقد تحول إلى «عْطايْ العْزارا». وفيه عائشة البحرية، التي جاءت من بغداد لزيارة رفيقها، قد أصبحت تساعد العوانس على الزّواج.. وفيه لالة يطو، التي تساعد النسوة على استعادة حبيب أو زوج غادر.. ألسنا أمام الامتلاء الجنسي؟ لقد حُول الكثير من زوار آزمور إلى مدينة، كل الطرق تؤدي فيها إلى الجسد. لقد كتب ذو الوزارتين وذو الرئاستين لسان الدين بن الخطيب في مؤلفه «معيار الاختيار في ذكر المعاهد والديار»، بعد أن زار المدينة: «قلت فآزمور، قال جار واد وريف، وعروس ربيع وخريف، وذو وضع شريف.. ساكنه نبيه، ولباسة يتخذ فيه، وحوت الشابل ليس له شبيه».. فأين اختفى شابل آزمور وأين تاريخها مما يحدث الآن؟.. وما يؤسف له هو أنّ أزمور أضحت تُعرَف أكثر بمولاي بوشعيب، عطايْ العْزارا، وعائشة البحرية، صاحبة العوانس، ولالة يطو، صاحبة السحر، أكثر من أن تعرف ب»الشابل»، الذي انقرض، أو بالمفكر الكبير ابن المدينة عبد الله العروي، أو ب»استيبانيكو»، الأزموري الذي اكتشف أمريكا قبل كريستوف كولومبوس..