أصبحت المعلومات حول سعيد بن حدو، استيفانيكو، جزءا من السيرة المختصرة المتداولة وفي كل مرة تضاف معلومات قليلة، وهي كفيلة بإغراء الباحثين والمبدعين من المغرب وأمريكا والبرتغال وإسبانيا بالمزيد من تقصي آثار رحلة تجمع كافة مكونات التحول الذي كانت أوربا تسير في اتجاهه. حوالي سنة 1503ولد سعيد بن حدو بمدينة أزمور والتي كانت تشكل إلى جانب سهول أخرى شريطا غنيا على نهر أم الربيع وساحل المحيط الأطلسي.كما اشتهرت أزمور بوفرة سمك الشابل الشهير والذي كانت تُحمل منه عدة سفن إلى مملكة البرتغال. في العام 1513 سقطت مدينة أزمور في أيدي جيش ملك البرتغال. وبين عامي 1520-1521 ضربت البلاد مجاعة دفعت بالأهالي إلى بيع أبنائهم. وبيع سعيد بن حدو إلى برتغالي ورحل إلى أوروبا، على متن أحد المراكب الخمسين التي كانت تغادر ميناء أزمور يومياً محمّلة بالعبيد. في كاديس اقتنى أندريس دورانتيس الشاب المغربي الأزموري الذي نسب إليه فيما بعد، ليحمل اسم إستبيان دي دورانتيس. رحل أندريس دورانتس القشتالي مع عبده إلى العالم الجديد بحثاً عن الذهب والثروة والشهرة. وهناك في جزر الكاريبي، المستعمرة الإسبانية، توطّدت علاقة العبد بسيده الذي بات قائداً لفيلق مشاة، مما فتح له ولعبده الأزموري باب المشاركة في أول حملة استكشافية لمناطق فلوريدا الحالية، والمناطق العذراء التي تزخر بالذهب والحجارة الكريمة في مخيّلة الكونكيسادوريس الإسبان والبرتغال. ضمّت أول حملة استكشافية للمناطق المسمّاة حالياً بولاية فلوريدا في العام 1527 حوالي 400 رجل، لم يصمد منهم أمام الجوع والعطش والمرض وسهام الهنود سوى أربعة رجال، كان قائدهم إستيفانيكو المغربي (الأزموري). انطلقت الحملة في العام 1527 بقيادة بانفيلودي نارفاييز الذي خدم العرش الإسباني لمدة عشرين عاماً. ولعب استكشاف إستفانيكو دوراً محورياً في اكتشاف جنوب ولايات المتحدة الحالية، ومات هناك في مدينة سيبولا الأسطورية، إحدى مدن الذهب السبع لدى الهنود الحمر. يعتبر إستفانيكو أول أجنبي وطئت قدماه أرضها. وقد عين الملك كارلوس الأول، القائد نارفاييز حاكم اسبانيا على ولاية فلوريدا المفترضة، وشاءت الأقدار أن تواجه سفن الحملة المتوجهة إلى نهر ميسيسيبي عواصف قوية حطمت إحدى البواخر وألحقت الأضرار بالأخريات مما اضطر البعثة إلى قضاء فصل الشتاء في كوبا . في شهر فبراير من عام 1528 انطلقت سفن الحملة الأربع الأصلية بالإضافة إلى أخرى خامسة اشتراها( بانفيلو دي نارفاييز)، لكن الحملة واجهت الأعاصير قبل الرسو يوم 12 ابريل من نفس السنة في فلوريدا ،وبالضبط من شمال خليج بامبا حيث لمح هنود حمر- وكانوا إحدى قبائل الصيادين- السفن الخمس والأربعمائة ورجل تنزل على اليابسة برفقة جيادهم الاثنين والأربعين، فأهدى السكان الأصليون للوافدين الجدد سمكا وطرائد برية عربونا على المسالمة قبل أن يتبخروا في جنح الليل مخلفين شباك صيدهم التي عثر بها رفاق سعيد بن حدو (استيفانيكو)على قطع ذهبية، مما كان دليلا حاسما على وجود الذهب بوفرة في هذه المناطق. انقسم أفراد الحملة إلى قسمين، القسم الأول سيظل في عين المكان يحرس السفن الخمس والقسم الثاني سيحمل راية العرش الإسباني ليكتشف اليابسة بحثا عن مناجم الذهب. هكذا انطلقت رحلة ثلاثمائة رجل داخل فلوريدا. رجال يقودهم ذي نالافاييز نفسه .لكن الواقع المرعب لهذه الرحلة جعل القائد يقرر الرجوع إلى خليج بامبا للعودة في مراكبه والفرار من موت أكيد ؛ لكن المفاجأة الكبرى أنه لم يجد مراكبه وفريقه الأول الذي تركه على الساحل والذي فر إلى المكسيك هروبا من أرض أحسوا بعدوانيتها تجاههم. لم يتبق خيار أمام القائد ورجاله سوى إنقاذ أنفسهم وذلك بصنع قوارب بديلة للرحيل ،فعمد استفانيكو ومن معه إلى بناء قوارب مسطحة بمواد بدائية مما توفر لهم وظلوا يعملون طوال ستة أسابيع حتى لم يبق لديهم سوى حصان يتيم لأنهم كانوا يقتاتون من لحومها، وحينذاك قاموا بخياطة قمصانهم لتصبح أشرعة وأبحروا. سار سعيد بن حدو مع سيده دورانتيس وحوالى خمسين رجلا من ضمنهم الونزو ديل كاستيو مالدونالدو على نفس المركب المسطح .لكن بعد يوم أو يومين تعفن الماء المخزون في القِرب المصنوعة من جلد الجياد، ولم يعد في حوزتهم سوى قليل من الشعير لسد الرمق. ظلت مياه الميسيسيبي تتلاعب بهم وتهددهم بالموت وهم يعانون الجوع والعطش وحرارة الشمس ؛لكن حظهم كان أفضل من حظ الآخرين الذين غرقت قواربهم – باستثناء واحد كان يقوده( كابيزا دي فاكا). التقى الناجون من ركاب القاربين وعددهم ثمانون فردا من ضمنهم قائد الحملة بانفيلودي نارفييز في شاطئ تكساس .بجزيرة أطلقوا عليها اسم ((مالهادوا)أي التعاسة ،في حين تمكن مركبان من السير على سواحل لويزيانا طيلة أربعة أيام لكن زوبعة عنيفة فرقتهما وانتهى أمر مركب الأزموري إلى جزيرة «كاليفسطون «وكان ذالك في 1528، أما الباقون فذهبوا ضحية الجوع والعطش أو قتلوا على يد الهنود ولم ينج سوى أربعة منهم الأزموري. أخذ الهنود الأزموري ورفاقه الثلاثة.عامل السكان الأصليون الأربعة بطيبوبة ،حيث بقوا أسرى خمس سنوات،وفي شهر أبريل 1534 قرر الأربعة وهم: استيفانيكو، دورانتيس، كاستيو، كابيزادي فاكا، الفرار منتهزين فرصة غياب أهل القرية لتنطلق رحلة جديدة للرجال الأربعة من جديد،من الشرق إلى الغرب عبر تكساس وفلوريدا واتفق أن عالج الأربعة بعض الهنود المرضى مرتلين بعض الأدعية باللغة اللاتينية.كما انقذوا من الموت أحد المرضى .ليفقدوا من زاوية نظر البويبلوس صفة الغزاة الغرباء وينالوا لقب أبناء الشمس ،وقد ساعدهم في ذلك إتقان استيفانيكو المغربي الأزموري لست لهجات محلية على الأقل وربطه لمجموعة علاقات أهلته للحصول على التواصل والانسجام مع الهنود . وفي 1535 توجه الأربعة نحو المكسيك فقطعوا بلاد تكساس وعبروا النهر الكبير وقد شاع خبر معجزات الأسود والبيض الثلاثة في إنقاذ الناس من الموت مرضا .فبدأت قوافل الهنود ترافقهم من قرية إلى أخرى وتهديهم الأكل والشراب وجلود الغزلان وأغطية القطن ولآلئ المرجان وقطع الفيروز والزمرد ومنحوتات نحاسية. هكذا تصف رسالة من تلك الحقبة سعيد بن حدو خلال رحلته الأولى هذه إلى فلوريدا: « أعضاؤه ضخمة مزينة بنياشين الزهر والأجراس، أما صندوقه الكبير فكانت التمائم تملؤه. ترافقه العديد من نساء الهنود اللواتي أهدتهن القبائل له «.وتضيف رواية أخرى أنه كان يزين رأسه بريشة قصيرة مرصعة بالجواهر أهداها له أحد زعماء الهنود ،ويحمل معه دائما شيئا طبيا». ذاع صيت الرجال الأربعة لدرجة أن من عجزوا عن علاجه، يُمسخ في نظر الآخرين ويصبح لعين «أبناء الشمس» لأن القدر انتقم منه. التحق استفانيكو بالحامية العسكرية الإسبانية المتواجدة في مرسى سان – ميغل دي كوليكان الذي سينطلقون منه للوصول إلى العاصمة المكسيكية.وأخبروا ممثل الملك الإسباني أن هناك مدنا ذهبية أهمها مدينة سيبولا الأسطورية، بل إن استفانيكو أكد رؤيتها بعينه، وهو ما أدى بنائب الملك الإسباني في المنطقة إلى تعيينه ضمن حملة أخرى ستنطلق في عام 1539، تحت قيادة المبشر الراهب الفرنسيسكاني فراي ماركوس لاكتشاف مدن الذهب سيكون مرشدها هو الأزموري. انطلقت الحملة في شهر فبراير من سنة 1539 وانقسم أفرادها كالسابق إلى قسمين إلا أنه في هذه المرة تقدم فريق يقوده استيفانيكو، وبقي القسم الثاني يقتفي أثر القسم الأول والذي يتزعمه الراهب .وكان استيفانيكو ابن آزمور يخبر رئيسه باكتشافاته عن طريق رسل يحملون صليبا يدل حجمه على اقترابه من مدن الذهب الأسطورية. ونظرا لشهرة استيفانيكو التي اكتسبها في رحلته الأولى وجعلته ابن الشمس القادر على علاج المرضى. فقد رافقه المئات من الهنود ليرشدوه إلى أكبر وأشهر مدن الذهب السبع الأسطورية وهي مدينة سيبولا . تقول وثيقة إسبانية تاريخية تعود إلى سنة 1540 «بعد أن انفصل استيبان –استيفانيكو-عن الراهب .ظن أنه باستطاعته الاستحواذ على شرف اكتشاف مدن الذهب بمفرده وأن ذلك سيجعل منه رجلا شجاعا ومقداما في نظر الآخرين .هكذا فقد ترك مسافة كبيرة بينه وبين باقي أفراد البعثة .وحل في سيبولا رفقة الهنود ... وصل استيفانيكو إلى سيبولا محملا بكمية من أحجار الفيروز الكريمة التي أهداها له البويبلوس .بالإضافة إلى عدد هائل من النساء الجميلات التي وهبه إياها الهنود المرافقون له .وقد كان هؤلاء يلتحقون بركبه كلما عبر قبيلة معتقدين أنه سيحميهم من كل الأخطار. لكن سكان سيبولا كانوا أكثر ذكاء من أبناء فصيلتهم المرافقين للمغربي. ولهذا فرضوا عليه الإقامة الجبرية في كهف خارج المدينة. واستنطقه حكماؤهم وشيوخهم لمدة ثلاثة أيام لمعرفة أسباب وفوده عليهم قبل أن يجتمعوا لتقرير مصيره. قال استفانيكو لمستنطقيه إن رجلين من البيض سيلتحقان به وبأنهما موفدان من طرف نبيل يعرف ما في السماوات وأضاف بأن الراهبين مكلفان بتلقين الهنود أصول الدين. لم يصدق زعماء سيبولا المغربي وظنوه جاسوسا لقبيلة تريد غزو أراضيهم كما لم يتقبلوا أن يكون رسول البيض ذو بشرة سوداء. إضافة إلى كل هذا أغاضتهم طلباته المتكررة بالحصول على الفيروز والنساء فقرروا قتله. وهذه هي الرواية الإسبانية لنهاية سعيد بن حدو.