من هنا، من هذا البرج، برج القريقية في أصيلة، يمكن أن تقبض على كل داخل وخارج من المدينة ناحية البحر. كما يمكن العلو الشاهق للبرج الذي شيده البرتغال من التعامل بحساسية «حربية» مع المكان. في الطريق إليه، وباختراق ممرات وأزقة المدينة المسورة، يمكن أن تسير نائما من زنقة إلى زنقة، تتلمس فقط ملوحة الجدران كي تدلك على أنك في الاتجاه الصحيح. في المساء، يؤوب العشاق إلى هناك، والحالمون أيضا، وعشاق الغيتار. شباب يداعب أوردة الآلة الموسيقية، ويحلم بالفلامنكو، الموسيقى الأندلسية التي تذكر بشيء من العرب هناك، خلف المتوسط. الحنين دائما مخادع، والمسكونون بالحنين أناس مخدوعون، لأنهم يريدون استرجاع اللحظة التي كانت في الماضي حية ومشرقة، هنا والآن، على مشواة الحاضر، متناسين أن الواقع هو أكبر «كرياد» للأحلام وربما للطموحات الرومانسية أيضا. السياح أيضا يفتنهم المكان. بعض الشباب يأتي هنا للتدخين وللبحث عن عزلة على قدر من الارتفاع. في المقابل هناك الحواجز الإسمنتية وكاسرات الأمواج. يمكن أن تتبين بوضوح شبابا بين تلافيف هذه الأذرع الإسمنتية. في أحد الأصياف الماضية اصطدت بالكاميرا، في الرميلة المقابلة لقصر الريسوني، رجلا خمسينيا تحت شمسيته، يدخن الكيف من «سبسي» طويل القامة. كان الرجل «يتبحر» على طريقته. يجعل البحر يشبه تماما أمواج المليحي، أمواجا زرقاء يمهرها تلون الضوء، وتشبه ظهر امرأة جميلة، ناعمة الملمس. تساءلت حينها: ما هو أقصى ما يحلم به الرجل؟ واهتديت إلى أن أحلامه قد لا تكون أبعد من الإمساك بسمكة طازجة، وشيّها على أشعة الشمس الملتهبة، ثم وضعها على كاغط الجرائد، والتهامها على مهل بأصابعه الرفيعة، وهو يدخن «سبسيّه» بهدوء تام، كما يفعل الآن مع الرذاذ الذي ينعش رئتيه. في برج القريقية كتابات، أسماء، ورسوم وسهام طائشة لم تصب كلب كيوبيد، ومع ذلك فالحب حاجة إنسانية، يعبر عن نفسه، مثل شمس يونيو التي تغطس في الأفق البحري البعيد، فتدمع.