يوم 4 مارس المنصرم استقبل الوداد الفاسي منافسه أولمبيك آسفي، في إطار الأسبوع التاسع عشر من بطولة كرة القدم الاحترافية، أمام أحد عشر متفرجا، بالتمام والكمال (تبارك الله، وخمسة وخميس). 22 لاعبا في الميدان، وعشرة في كرسي الاحتياط، وطاقم تقني، وحكام ومراقب وإداريون، وصحافة ناطقة ومكتوبة ومرئية، لنشاط لم يستنفر أكثر من.. 11 متفرجا. تركوا في صندوق الفريق 430 درهما (تبارك الله! خير). بينما الفريق المضيف ملزم بدفع تعويضات لحكام تلك المباراة لا تقل عن 4.000 درهم لكل واحد من الأربعة، أي 16 ألف درهم. لا تتسرعوا في حساب الفارق بين زائد 430 درهما وناقص 16 ألف درهم، فلائحة مصاريف المباراة لا تتوقف هنا.. مكافآت اللاعبين لا تقل عن 8 آلاف درهم لكل واحد من الأساسيين الأحد عشر ومن لحق بهم من كرسي الاحتياط، مع ضعفها للمدرب، وأقل منها قليلا للمساعد والطبيب والممرض وبقية الطاقم، إضافة إلى 9 آلاف درهم كتقدير أدنى لباقي مصاريف المباراة (مراقب المباراة، منسق الجامعة، طباعة التذاكر، الأمن...)، زد على كل ذلك أجور اللاعبين، بمعدل شهري يفوق 10 آلاف درهم لكل واحد من اللاعبين المتعاقدين الذين لا يقل تعدادهم عن 25 لاعبا في الفريق الأول. من أين يأتي الفريق بالفارق؟ ليبدأ التسكع بين السلطات المحلية والمجلس البلدي وكبار المحسنين، الذين يوضعون في موقف حرج فيحولون دعم الأيتام إلى تعويض للحكام. احتراف في موقع تسلل، يستعين ب»صينية عاونو الفريق»، بينما جامعة الفهري تتبجح بالحديث عن دخولنا عصر الاحتراف. فريق الرجاء البيضاوي، الفائز بالبطولة الاحترافية للموسم المنتهي، يتصدر قافلة أنديتنا المحترفة بتوفره على 200 مشترك، يدفع كل منهم عشرة آلاف درهم. وهؤلاء المشتركون هم الذين يختارون من يوكلون إليه أن يفعل في رجاء الشعب ما يريده عدة أعوام؛ علما بأن أي ثري طموح، ومدعوم، يستطيع أن يدفع 200 مليون لتغطية اشتراكات 200 مساند، ينتخبونه في جمعهم العام. يلتزم باستدعائهم إلى أفراح الفريق، ويلتزمون بألا يشوشوا عليه رئاسة طويلة. الوداد البيضاوي، وداد الأمة، يتوفر على 45 منخرطا، يدفع الواحد منهم 20 ألف درهم. المغرب الفاسي، فريق العاصمة العلمية، لديه 45 منخرطا. أين هدير جماهير «الديربي» بعشرات الآلاف؟ كما يعرف ذلك سكان العاصمة الاقتصادية ومشاهدو القنوات الوطنية. أم هي مجرد كومبارس لتحفيز اللاعبين في مدرجات الملاعب، وليس في مدرجات الجموع العامة التي يتم فيها تنصيب الرؤساء، حيث لا يترك فيها الرئيس المنظم هامشا لفعل «فرط»، وإلا «كرط». بطولة احترافية دون احتراف؟! .......................... قد يشعر القارئ وكأنه سمع هذا الكلام من قبل، سياسيون دون سياسة، مثقفون دون ثقافة، صحافيون دون صحافة، مطر دون عواصف، حب دون عواطف، أسد أطلس دون أنياب، رياضيون دون روح رياضية، بطولة احترافية دون احتراف، «تخراف». من يرينا سمة واحدة من سمات الاحترافية خارج بيانات جامعة الفهري التي كانت من قبل جامعة الجنرال وبعده تصبح جامعة عبد الباقي أو بوطربوش. وعلى عكس احترافات العالم، يسير احترافنا دون عصبة مديرة، تشكل هذه البطولة نشاطها الأساسي، ليس بالنظر إلى الاهتمام الشعبي فقط، ولكن أيضا إلى منافعه الاقتصادية والاجتماعية والإشعاعية، لأن بروز نجم رياضي، في بلد ما، أكثر نفاذا من حملة إشهارية تصرف فيها الهيئات السياحية مئات الملايين. في مدينة متوسطة في إسبانيا أو فرنسيا أو ألمانيا، حتى في بطولات الدرجات الدنيا، تبدو الملاعب مملوءة عن آخرها. ملعب 20 ألف مقعد يستقبل 18 ألف متفرج، يدفع كل منهم ما لا يقل عن 50 أوروها، أغلبهم يؤدون تذاكرهم قبيل انطلاق الموسم الكروي المتكون من أكثر من ثلاثين أسبوعا. وملعب 10 آلاف مقعد يستقبل 9 آلاف متفرج. ولهواة الحساب أن يحسبوا حاصلا، يضيفون إليه مداخيل الإعلانات الدسمة. ونحن هنا -كما رأينا- مباراة في فاس، والكل في فاس، لم يتجاوز جمهورها 11 متفرجا!؟ «خايبا حتى ف التعاويد». .......................... تاريخ الرياضة في المغرب يفترض أن نكون، على الأقل، كما كنا. لكن معضلتنا، للأسف الشديد، لا تنحصر في الملاعب، واسألوا أهل السياسة أن يقدموا لكم رسما بيانيا للحركة السياسية المغربية خلال العقود الخمسة المنصرمة، أو اسألوا من شئتم من قطاع الفلاحة |أو السياحية أو... أو الفنون أو الآداب. للتدقيق، مجال الآداب هو الذي يسجل تراجعا، وليس قلة الآداب.