رغم أن نظام شهادة الباكلوريا نظام مستورد، مثله في ذلك مثل الأفكار التي رفعَ بعضُهم في وقت من الأوقات لواءَ محاربتِها، ينبغي الاعتراف بأننا استطعنا أن نمغربه ونضفي عليه طابعا خاصا (يمكننا أن نقول: «أصيلا»)، وذلك بفضل المجهودات الحثيثة التي بذلها ويبذلها الوزراء الذين تعاقبوا على وزارة التعليم، ابتداء من السيد عز الدين العراقي الذي نذكر له فقط أنه طرد الفلسفة من الجامعة وأحلّ شعبة الدراسات الإسلامية مكانها (فطهّر البلاد، بذلك، من اليسار وما يأتي به من صداع رأس) ونتناسى أنه كان أول من وضع لبنة «مغربة» شهادة الباكلوريا و»تأصيلها» في التربة المغربية، فاستحق بذلك أن يكون وزيرا أول لعدة سنوات. لقد «تمغربت» شهادة الباكلوريا عندنا، وعلامة ذلك لا تتمثل في أنها الباكلوريا الوحيدة في العالم التي تنتهي صلاحيتها بعد سنة من الحصول عليها فحسب، ولكن، أيضا، في أنها الشهادة الوحيدة في العالم التي تجرى امتحاناتها لا للتأكد من المعارف والمهارات التي حصّلها المتمدرس خلال بضع سنوات، ولكن لإجراء مباراة ممتعة شبيهة بمباريات المصارعة بين التلميذ، الذي يصرّ على ممارسة «حقّه» في «النقيل»، والوزارة، التي تعمل كل ما في وسعها من أجل حرمانه من هذا «الحق». مع التنبيه إلى خطإ ترجمة «النقيل» بكلمة الغش، حاشا معاذ الله، فتلاميذنا -وهم، في النهاية، «أكبادنا التي تمشي على الأرض»- لا يغشّون وإنما هم «ينقلون» فحسب، و»النقيل» -في ما يقال، والله أعلم- شرط من شروط المواطنة وحق أساسي من حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها كونيا، لا ينفصل عن باقي الحقوق التي تضمنها «مدرسة النجاح»، وعلى رأسها الحق في حلاقة الرأس ب«كويبة نايمار» التي تجعل المتمدرس عضوا فاعلا وسط «ليزانديان»، والحق في «إعادة تربية» الأستاذ (أثناء التدريس أو الحراسة) إذا بالغ في «التزيار». وإذا كانت بعض الاحتجاجات تتعالى هنا وهناك على إفراط المترشحين في الاعتماد على هواتفهم المحمولة في «النقيل»، فإن أصحابها لا يدركون «الخصوصية» المشار إليها أعلاه، وهي «خصوصية» ديناميكية ومنفتحة على العالم: يكفي أن نقارن بين عصر «الحجابات» المنصرم وعصر ال«طروا جي» و«البلوتوث» الحالي لكي نشعر بالفخر لأن أبناءنا تخلوا عن «الفوطوكوبي» وانتقلوا بسرعة من المرحلة الورقية إلى العصر الافتراضي، حيث صاروا متمكنين من تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ودخلوا قبل العالم أجمع إلى «مجتمع المعرفة». لا يهم هل دخلوه حفاة أم بأحذيتهم، المهم أنهم دخلوه. وأمام العقلية «المحافظة» التي يدير بها الوزير الحالي مسألة «النقيل» وحرصه على تحويلها إلى معركة حياة أو موت، نخشى أن يكون الأمر وما فيه مجرد تعبير عن الحسد وعن العجز وعدم قدرة الجيل النازل على متابعة الأجيال الصاعدة في تمكنها من التكنولوجيا المعاصرة. مما يعزز هذه المخاوف أن المبالغ التي صرفتها وزارة التربية الوطنية دون جدوى على الحملة الإشهارية لمناهضة «النقيل» كان بالإمكان صرفها على اقتناء تجهيزات للتشويش على الاتصالات الهاتفية اللاسلكية توضع في مراكز الامتحان ويتم تشغيلها أثناء الحاجة إليها، لكن الوزير الحالي مغرم ب«رفع» التحديات كما نقول اليوم (والصحيح: مواجهة التحديات)، وخاصة مع التلاميذ «اللي دار راسو فيهم» معتبرا منعهم من حمل الهاتف النقّال أثناء إجراء الامتحان بمثابة معركة حربية مصيرية من شأنها إعادة الروح إلى «مدرسة النجاح» الآن وإلى الأبد، لذلك لا يمكننا إلا أن نتفهمه تماما حين يزيل معطفه ويشمّر عن أكمامه ويرفع عقيرته بالصراخ: «اليوما بيّا ولّا بيهم.. والله باباهم لا نقلو». مع ذلك، وربما بسبب ذلك، يبقى تعامل الوزارة مع مسألة «النقيل» ملمحا رئيسيا من ملامح «الخصوصية المحلية» لنظام امتحانات الباكلوريا الذي لم يعد مستوردا وصار -بفضل وزراء تربيتنا، المحترمين منهم وغير المحترمين- ملمحا «أصيلا» من ملامح «العبقرية» المغربية.