في إطار الاهتمام بالدراسات الحجاجية التي تستقطب حقولا ومباحث معرفية مختلفة النظريات والأطر المرجعية، انعقدت، مؤخرا، ندوة وطنية بالدار البيضاء، بشراكة بين الجمعية المغربية لتكامل العلوم و مؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود للدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية، وقد شارك في أشغال هذه الندوة أساتذة وباحثون من مختلف المؤسسات العلمية والجامعية، وذلك احتفاء بأعمال أبو بكر العزاوي. مداخلة حسن مسكين من جامعة أبي شعيب الدكالي، تناولت موضوع «التحليل الحجاجي للغة والخطاب المفاهيم-الأطر- الأبعاد: قراءة في مشروع أبو بكر العزاوي الذي يعتبر أحد أبرز الباحثين في الحجاج اللغوي الطبيعي». سعت المداخلة إلى إبراز السمات النسقية التي تميز مشروع أبو بكر العزاوي، والتي قسمها الباحث إلى عامة وتتمثل في ذلك الترابط العلائقي بين مؤلفاته ودراساته الحجاجية المتسمة بعمق النظرية ودقة الإنجاز، وكذا خاصة، وتتمثل في تحليل البنيات الحجاجية في اللغة والخطاب من خلال مستويات عدة (أقوالا، وجملا، ومعجما، وتركيبا، ودلالة، ووظائف)، وصولا إلى بعدها التداولي أيضا، ذلك المستوى الذي ظل باهتا في الدراسات الحجاجية السابقة. إذ التداول لدى العزاوي هو المستوى الأعمق والأوسع الذي تتحقق فيه روح الحجاج بكافة تجلياتها. فإذا كان هذا الأخير يعد أبرز الوظائف الحاسمة في اللغة، فإن مظاهره لا تحد في عنصر ولا تحصر في خطاب، بل تشمل كل الخطابات مهما كانت طبيعتها ومرجعيتها ومقاصدها (أدبية أم قانونية أم سياسية أم تجارية أم علمية) مادامت اللغة هي القاسم المشترك بينها جميعا. من جهته، تناول خليل مسافر عن كلية الحقوق جامعة الحسن الأول بسطات موضوع «الحجاج في الخطاب الإشهاري la» question de l'argumentation dans le discours publicitaire» الذي خصص له أبو بكر العزاوي فصلا كاملا في مؤلفه اللغة والحجاج، من خلال العناصر اللغوية والتداولية التي تشكل البنية الحجاجية لهذا الشكل التواصلي. كيف يوظف الخطاب الإشهاري الحجاج؟ وهل للحجاج الإشهاري خصوصيات ما، تميزه عن الأشكال الخطابية الأخرى؟ وما مدى استلهام النظريات الحديثة في ميدان الحجاج للتأثير على المواطن المغربي والعربي عموما؟ أما مداخلة اللغة لفضيل ناصري من جامعة عبد المالك السعدي – تطوان، فقد تناولت موضوع «الحجاج من اللغة إلى الخطاب: قراءة في أعمال «أبو بكر العزاوي»، حيث ركز على عملي الباحث «أبو بكر العزاوي» المرجعيين الموسومين «اللغة والحجاج» و»الخطاب والحجاج» موضوعا له، حيث خلص فيه إلى أن اللغة الطبيعية تنفرد بمنطق خاص هو الحجاج، فقسم مداخلته إلى مطلبين، الأول سماه الحجاج في اللغة وارتكز فيه على كتاب «اللغة والحجاج» وقدم فيه لمحة عامة عن مضامين الكتاب، كما تناول فيه بعض الظواهر اللغوية المستبطنة للحجاج كالاستعارة... ودور الروابط الحجاجية في بناء المعنى . أما المطلب الثاني، فقد سماه الحجاج في الخطاب، وقد جعل عمدته في هذا المطلب كتاب «الخطاب والحجاج»، أي اشتغل على حجاجية خطابات طبيعية، كالخطاب القرآني، والخطاب الشعري، والخطاب المثلي، والخطاب الإشهاري .وانتهى من هذا كله إلى خاتمة سجل فيها أهم الخلاصات والاستنتاجات، وقرر أن الحجاج هو المنطق الداخلي للغة الطبيعية وأن مجاله الاحتمال وهدفه التأثير. أما مداخلة زكرياء السرتي من جامعة مولاي سليمان بني ملال، فقد تناولت الحجاج في القرآن الكريم والشعر والأمثال والإشهار من خلال كتاب «الخطاب والحجاج» لمؤلفه أبو بكر العزاوي وقال المتدخل إن الكتاب، حسب مؤلفه، يعد حلقة من حلقات مشروع علمي يهدف إلى «تطوير النظرية الحجاجية، وتوسيع مجال تطبيقها ليشمل مختلف النصوص الدينية والأدبية والسياسية والتاريخية والصحفية والإشهارية في الفصول الأربعة من الكتاب، وأثار الباحث قضايا نظرية مثل الفعالية الحجاجية للخطاب وعلاقة الشعر بالخطاب، وعلاقة الشعر بالحجاج، وضعف كفاية التحليل الاستلزامي المنطقي، كما عرض إجراءات تحليلية لدراسة أربعة أنواع من الخطاب: الخطاب الديني، والخطاب الشعري، والخطاب المثلي، والخطاب الإشهاري (الصورة الإشهارية). وقد كان عرض الباحث للقضايا النظرية والإجراءات التحليلية التطبيقية في السياق ذاته، أي دون فصل وتخصيص، فيما تناولت مداخلة عبد الرزاق عميري عن مؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود – البيضاء الاستعارة الحجاجية في كتاب اللغة والحجاج للدكتور أبو بكر العزاوي وقال إن الاستعارة ليست مجرد شكل بلاغي وأسلوبي أو نوعا من أنواع التلفظ البياني المتسم بالزخرف والبديع. وإنما الاستعارة من أهم خاصيات اللغة الطبيعية التي حظيت بالعديد من الدراسات والأبحاث، ليس فقط من قبل اللغويين والبلاغيين، وإنما من طرف العديد من الدارسين ينتمون إلى مشارب معرفية متنوعة كالأدب والفن والفلسفة وعلم النفس... وقد تناول الدكتور العزاوي هذه الظاهرة من منظور حجاجي في كتابه اللغة والحجاج، وأبرز أن الاستعارة تملك قوة حجاجية. وأثبت ذلك من خلال دراستها داخل منظومة السلم الحجاجي والقوة الحجاجية. كما اعتبر دورها مماثلا للدور الذي تقوم به الروابط الحجاجية، حيث يكون الدليل الذي يلي الرابط الحجاجي هو الأقوى حجاجيا، ويأتي في أعلى السلم الحجاجي تماما كما هو الشأن بالنسبة للأقوال الاستعارية، التي تعتبر أيضا الأعلى درجة في السلم الحجاجي والأقوى من حيث قوتها الحجاجية في سياق الخطاب الذي وردت فيه. إن الاستعارة على هذا النحو وسيلة لغوية قوية تيسر الأهداف الحجاجية للمتكلم، وما فتئت تستخدم بشكل واسع من أجل هذه الغاية. ومن خاصيات الاستعارة الحجاجية كونها لا تأتي في سياق الإبطال والتعارض الحجاجي كما هو الشأن بالنسبة للأقوال العادية. فالقول الحجاجي لا يفترض أن يليه رابط حجاجي يعارض قوته الحجاجية، إذ لا يمكن بحال تصور ورود سياق الإبطال والتعارض الحجاجي بعد قول استعاري. واستنادا لأعمال النقاد واللغويين القدامى والمحدثين، من جهة، والدراسات الغربية حول موضوع الاستعارة، يمكن تقسيم هذه الأخيرة إلى نوعين رئيسين. النوع الأول اصطلح عليه الدكتور العزاوي بالاستعارة الحجاجية، أي الاستعارة المفيدة كما جاءت عند عبد القاهر الجرجاني أو الاستعارة اللغوية الفنية، كما جاءت في أعمال كونراد. وهذا النوع من الاستعارة مرتبط بمقاصد المتكلمين والسياق التخاطبي والتواصلي عندهم. ونجد لها الكثير من الأمثلة في الخطابات الأدبية، السياسية، الصحافية وغيرها. أما النوع الثاني، الذي وصفه الجرجاني بالاستعارة الجمالية كما سماها كونراد، فهو نوع من الاستعارات ذات البعد الجمالي الذي يتسم بالزخرف والبديع من الكلام ولا يعدو أن يكون تعبيرا عن التمكن من اللغة والتفنين في استعمال أسلوب يهدف إلى إبراز المهارة العالية في توظيف المحسنات البديعة، التي تتوخى التأثير وليست لها أهداف تواصلية أو تخاطبية كما هو الحال بالنسبة للاستعارة الحجاجية.