إن إشكالية الخطاب الثقافي تكمن في طرحها لذاتها كموضوع قابل للبحث والدراسة من خلال الأنتروبولوجيا، كمدخل لمعرفة الطبيعة الإنسانية لهذا الكائن المتميز عن باقي الكائنات الأخرى، والذي يسهم هو الآخر، تحت ظروف طبيعية، في تأسيس الخطاب الثقافي مهما تعدد واختلف، فالمرسوم واحد، رغم الصياغات التي جاءت نتيجة المنظورات الفكرية المتحولة لمعالجة كل الطروحات..، ابتداء من معرفة نوع/أنواع الشأن الثقافي العربي، فأي حوار تم اعتماده من أجل تأصيل الخطاب/ الخطابات الثقافية الصبغة، لتحقيق المشروع العربي؟ ضمانا للقيم الكونية، انطلاقا من التجارب الفكرية والأدبية وما حققته العلوم الإنسانية البحتة..، من هنا يأتي دور المثقف في صناعة نوع الخطاب التوجيهي بصيغة ثقافية محضة، لمجتمع يعيش حالة القلق والهم الدائم للخروج من أزمة اجتماعية تحكمها ضوابط أخلاقية صارمة، بحثا عن متعة ومنفعة عامة... لكن إذا ما تأملنا كل الخطابات الثقافية العربية القديمة والمعاصرة، نجدها لا تخلو من أي خلفيات إيديولوجية كما عبر عن ذلك «رولان بارت» حول النصوص المكتوبة بصفة عامة، سواء كانت أدبية أو فكرية أو فلسفية، أو كل ما يدخل في عموم التواصل الاجتماعي، يقول: «كل نص لا فكاك له من الإيديولوجيا» ، ثم إن موضوعنا ليس هو الإيديولوجا احتراما لسياق الحديث عن الخطاب الثقافي ودوره في صناعة الرأي وتوحيده، وتأصيل الهوية وإثبات المرجعية الثقافية والحضارية والعمرانية، فردا وجماعة، من خلال الممارسات الاجتماعية، ما يعني الثقافة هي أسلوب حياة في ممارسة الطقوس الاجتماعية من أكل وشرب ونوم وملبس، وغير ذلك من أشكال العيش، أضف إلى اللغة المشتركة التي تشير إلى الخصوصية الثقافية.. إذا نظرنا إلى اللغة في تحديد الثقافة النوعية، ألا وهي الثقافة العربية التي لا نلمسها إلا من خلال الخطاب الدال المتسم بالفاعلية، بما هو سلوك وعمل، ممارسة وتنظير وتبليغ وكل أشكال الإبداع الفكري والصناعي والاقتصادي، بما يتعارض ويتوافق مع الثقافة الغربية بخصوصياتها في الخطاب الذي لها، استنادا إلى بيئتها وموقعها الجغرافي والتاريخي، يجعلها حصيلة حقيقية في واقعها، مما يجعلها أيضا تساير ركب مستواها الثقافي، ابتداء من ثقافة الحوار إلى حوار الثقافات. وهذا أمر واقع، يجر الخط الثقافي العربي باختلافه، وتراثه الذي لا زال يواصل رفع الشأن الثقافي عن طريق الصناعات والإبداعات التي تمكن من الزيادة في البناء. أي دور للثقافة في زمن العولمة والتأثير الحداثي، ولوضع الخطوط المتغيرة لإبقاء الثقافة تعبر عن خصوصيتها العربية في ظل التطورات والتقاطبات في زمن السرعة والتكنولوجيا الحديثة، هنا يبدو، إذن، دور المثقف بالضرورة في تغيير استراتيجية الخطاب وتجديد الحوار، مواكبة للمستجدات العالمية، مع ضمان إبقاء القيم الكونية لإثبات تنمية الحضارة والعمران الفكريين والثقافيين، وحفاظا على الجنس البشري. تختلف الأنماط الثقافية من حين لآخر، إما بالحوار أو عن طريق المؤسسات الثقافية الفاعلة والهادفة، حتى الحوار له أوجه متعددة، ويأتي كذلك في صلب الخطاب، الذي يشير بقوة تأثيره، إلى الرقي والازدهار بالأمة العربية. -لماذا الثقافة؟ إن سؤال الثقافة هو لتنظيم العقل البشري وسلوكه، في اختياره لنمط العيش الكريم، والتعامل مع الحياة برؤى مختلفة، ومن هنا، فالحاجة ماسة إلى خطاب جيد، يتصف بالمكون الأساسي والمهم في البناء الحضاري العربي. لكي يتم استيعاب الخطاب الثقافي، لابد من المعالجة الجوهرية التي تخدم قضاياه مع أصالة اللغة كوسيلة لإدراج الحوار وتناسله بشكل إيجابي، وذلك في احترام حرية الرأي والرأي الآخر. سؤال الخطاب: لقد باتت الخطابات كثيرة ومتكررة لم تحض بشرف تغيير أنماطها، أي الخطاب/الخطابات، من خلال الموقع الجغرافي زمانا ومكانا، والخطابات تعني أصوات ثقافية تبحث عن التجديد الاجتماعي في مختلف هرميته وطبقاته والأشكال الثقافية المحلية والجهوية داخل الأقطار العربية، التي تتشكل وتتنوع في خانة الهوية الواحدة، حضارة وعمرانا، ولا يسعنا هنا، إلا أن نشير إلى أهمية الخطاب الثقافي مرة أخرى في رسم الخارطة الاجتماعية في عيشها وفكرها وإبداعها، حفظا لصيرورة حياة الأمة العربية، ويقتضي الأمر جعل الساحة الثقافية موسعة من حيث القابلية لاحتضان كل الخطابات الموجهة، مادامت تجلب المنفعة العامة، حتى تستحق أن نسميها خطابا فعليا بخصوص الثقافة القادرة على استيعاب كل المبادرات من مختلف الألوان والسياقات في الحياة العامة. هذا من جهة، من جهة أخرى، يجب ألا يتم إقصاء المثقف، باعتباره يمتلك أدوات المعرفة وكشف مواقع الخلل في المجتمع بدقة تامة، فيؤصل القيمة الاجتماعية للثقافة والمثقف.إن إقصاء المثقف هو إعدام للخطاب وحصر المجتمع التخلف والانحطاط المعرفي والفكري كأساس للانطلاق والنظر إلى حد الأفق العربي البعيد، وبالتالي الدخول في متاهة الأزمات القيمية وخراب العمران، وانهيار الجدار الثقافي الذي يرفع مستوى الهوية والانتماء، عبر حضارة الحوار وعمرانية المثقف، النافع والمنتج بحضوره الريادي، وهو ما يجعل القوة الرمزية إيجابية الفعل في إشاعة الحوار السلمي ونشر ثقافة التسامح داخل الأوساط الثقافية الاجتماعية. إن تجنب الحساسيات المغرضة، وحفظ الخطاب الثقافي من الدسيسة، صمام أمان لقضاء الغرض في البناء والتقويم وحماية الهوية العربية والأصالة الثقافية التي انطلقت من الجزيرة العربية في بداياتها الأولى، وكون الخطاب كان حاضرا منذ بداية الخلق، فإنه تجر الالتفاتة الموضوعية إلى مسألة الخطاب ذاته أنه كان حديثا موضوعا من الناحية النظرية والفكرية والفلسفية، إذ أعطى بعدا شاملا في إنتاج الخطاب الثقافي المجال ومراجعته بشكل دائم ومستمر بين فعل الحوار وسؤال المثقف... فسؤال المثقف لم يعثر على جوابه، مادامت الخطابات الثقافية تراهن على فعل الحوار، حيث لم تحقق ذلك الفعل، ولم يتم تحديد رؤية للمجتمع الذي نريد، فمازلنا حبيسي الأفكار التي تراهن على التغير طبقا للمنظومة المجتمعية، التي تحاول إعادة البحث في تراثها وتاريخها، بدءا بتفكيك بنية العقل العربي من خلال النقد الفكري، مع ذلك، ولحسن الحظ لا زال المجتمع يبدي اهتمامه في تقبل الخطاب كتوجيه يرد له بعض الاعتبارات التي لم تتحقق إلى الآن، كان للخطاب في جزئيته يد في تحقيق تلك الاعتبارات، للغة، والحرية، والحقيقة، وكل ما له علاقة بالثقافي، الاجتماعي والاقتصادي، أي ما يلم الظاهرة المجتمعية في تنظيمها وضوابطها التي تحكم العلاقات الثقافية اليومية، المرتبطة أساسا بواقع محتوم، يستدعي بالضرورة الانخراط الكلي لصناعة الخطاب بالوسائل المتاحة في أن يكون الخطاب - سؤالا وحوارا وفكرا وأدبا... فيساير الزمن الراهن بكل هذه المقومات. مراد يوسفي * ناقد مغربي *أستاذ بجامعة سيدي بلعباس بالجزائر