سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مفيد: يصعب على الاتحاد الاشتراكي قيادة قطب يساري في الوقت الراهن قال إن أهم الصعوبات التي يواجهها الحزب تتجلى في عدم القدرة على تدبير الاختلاف بشكل ديمقراطي
يوضح أحمد مفيد، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بكلية الحقوق التابعة لجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، في هذا الحوار، أهمية الخطوة الأخيرة التي أعلنت عنها ثلاثة أحزاب يسارية، بالاندماج في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، متطرقا إلى السياقات التي جاءت فيها الانشقاقات السابقة عن نفس الحزب، ودور هذا الاندماج في مواجهة التحديات المطروحة على الصف الاتحادي خلال المرحلة المقبلة. أستاذ العلوم السياسية تطرق أيضا إلى تحليل معطى قيادة حزب الاتحاد الاشتراكي لتجربة الاندماج، ومدى تأثيره على استجابة باقي مكونات الحقل اليساري لدعوة تشكيل قطب يساري كبير، والأسباب التي قد تقف مستقبلا عائقا في وجه تشكيل قطب حداثي في مواجهة الزحف المحافظ على مستوى المجتمع. - ما هو تقييمك لإعلان ثلاثة أحزاب يسارية اندماجها مؤخرا؟ وما هي الخطوة المقبلة في نظرك في مسار توحيد اليسار؟ يمكن اعتبار الخطوة السياسية والتنظيمية التي أقدم عليها كل من الحزب العمالي والحزب الاشتراكي بإعلانهما الاندماج في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، خطوة جد إيجابية في اتجاه عقلنة المشهد السياسي، ومحاربة ظاهرة البلقنة التي ميزت المشهد الحزبي في العقدين الأخيرين. كما تعتبر خطوة أساسية في طريق جمع شتات العائلة الاتحادية، التي فرقتها عدة اعتبارات، منها ما هو سياسي، ومنها ما هو تنظيمي ومنها ما هو شخصي. فالاعتبارات التي كانت وراء الانشقاقات التي عرفها حزب الاتحاد الاشتراكي كانت نتيجة عدة عوامل، منها ما يرتبط بالتصويت على دستور 1996، ومنها ما يرتبط بالمشاركة الحكومية سنة 1998، ومنها ما يتعلق بالمشاركة في حكومة إدريس جطو، ومنها ما يرجع لمجريات بعض المؤتمرات الحزبية، ومنها ما يتعلق بالديمقراطية داخل الحزب، ومنها ما يتصل بحسابات المناصب والمقاعد والمهام في الحكومة والبرلمان وفي الإدارات العمومية، ومنها بعض الأسباب الشخصية المرتبطة بعقدة الزعامة. ويمكن القول بأن خروج الحزب من الحكومة، وتراجع حجم تواجده بالمؤسسات، سواء في البرلمان أو في مجالس الجهات والجماعات الترابية الأخرى، وتراكم مشاكله التنظيمية، كلها أسباب أدت للرجوع إلى الطريق الصواب، وهو البحث عما يمكن أن يجمع العائلة الاتحادية كخطوة أولى بهدف رد الاعتبار للحزب، واسترجاع مكانته في المجتمع من خلال استرجاع الثقة في خطابه وبرنامجه ومناضليه. وهذه الخطوة الاندماجية هي تعبير واضح عن الواقعية السياسية، وعن الرغبة في إعادة بناء الاتحاد الاشتراكي على أسس متينة، تجعله قادرا على مواجهة التحديات المطروحة عليه، وعلى استرجاع قوته التنافسية من خلال طرح بدائل برنامجية وسياسية للسياسات العمومية المتبعة حاليا، وهذا الأمر لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال تصحيح أخطاء الماضي والحرص على عدم تكرارها، من خلال تعزيز وتدعيم الديمقراطية الداخلية، تفاديا لتكرار تجارب الانشقاق السابقة، وتفاديا لاستمرارية الضعف الحالي في خطاب وموقع الحزب. وهذه الخطوة الاندماجية ينبغي أن تتم بشكل ديمقراطي، عن طريق إشراك أجهزة كل الأحزاب المعنية بهدف ضمان نجاحها، وهذا النجاح هو الذي يمكن أن يفتح آفاقا جديدة لوحدة اليسار المغربي، الذي يزداد ضعفه نتيجة لتشتته، وللانشقاقات التي تعرفها مكوناته، هذا على الرغم من أن المغرب في نظري في حاجة ماسة لحزب يساري كبير وقوي يشكل درعا أساسيا لحماية الحرية والديمقراطية والحقوق والحريات، ودعم التوجهات الاجتماعية ببلادنا. - ما هي ضمانات نجاح هذا الاندماج، وكيف يمكن إقناع باقي أحزاب اليسار بالالتحاق به؟ ضمانات نجاح هذا الاندماج رهينة بمدى احترام الديمقراطية في اتخاذ هذا القرار، وبمدى العمل على تدبير الاختلافات بشكل شفاف وديمقراطي. كما أن أهم ضمانة هي احترام القرارات الحزبية التي تتخذ طبقا للمساطر والضوابط القانونية المنصوص عليها في القوانين والأنظمة الداخلية الخاصة بكل حزب، وهذا النجاح مقرون أيضا بمدى القدرة على إشراك مكونات الحزب على اختلاف مواقفها الخاصة في التدبير التشاركي للحزب، وفي تمثيله في المؤسسات المنتخبة. كما أن نجاح هذا الاندماج يرتبط بمدى القدرة على تجاوز عقدة الزعامة، ونكران الذات، وجعل مصلحة الحزب والوطن فوق المصالح الشخصية الضيقة، وفوق كل المناصب والمنافع السياسية. النجاح أيضا رهين برد الاعتبار للسياسة، باعتبارها قيمة وممارسة نبيلة، وبرد الاعتبار للمناضل الحزبي، والحرص على ضمان مشاركته وانخراطه في اتخاذ القرار وفي تنفيذه وفي تقييم عمل الحزب، وهذا الأمر الأخير يتطلب ضرورة وقف سياسة الاعتماد على الأعيان والوجهاء والأغنياء في منح التزكيات للمشاركة في الانتخابات باسم الحزب، فمناضلو ومناضلات الحزب أولى بتمثيله، وينبغي أن تكون التمثيلية معبرة فعلا عن إيديولوجية وثقافة وبرنامج الحزب. - بعض الأحزاب رفضت الدخول في الاندماج لأن الاتحاد الاشتراكي هو من يقوده، هل ترون أن حزب الوردة مؤهل اليوم للم شمل العائلة اليسارية من جديد؟ بالنسبة لي أعتبر بأنه من الصعب، إن لم يكن من المستحيل في الوقت الراهن، العمل على اندماج كل الأحزاب اليسارية بالمغرب في حزب واحد، وهذا الأمر يمكن إرجاعه لعدة عوامل، منها أولا عدم قدرة بعض الأحزاب على تجاوز مخلفات الماضي، وهذا ما ينطبق على حزب الطليعة الذي يعتبر نفسه هو الامتداد الصحيح للحركة الاتحادية الحقيقية، وبأن الاتحاد الاشتراكي انحرف عن المسار. نفس الشأن بالنسبة للمؤتمر الوطني الاتحادي الذي يعتبر الظروف الحالية غير ملائمة للاندماج، دون أن ينفي إمكانية التعاون والتنسيق مع حزب الاتحاد الاشتراكي. وهناك عامل أساسي يجعل من وجهة نظري حزب الاتحاد الاشتراكي غير مؤهل اليوم لاحتضان كل مكونات اليسار، بالنظر لكونه يعاني هو بدوره من عدة إكراهات، تتجلى في عدم القدرة على تدبير الاختلاف بشكل ديمقراطي، زيادة على استمرارية تواجد بعض المشاكل التنظيمية المرتبطة بنتائج المؤتمر الوطني الأخير للحزب، هذا إضافة إلى عدم وجود هياكل منتخبة للحزب على مستوى بعض الجهات والأقاليم مثل فاس مثلا، فضلا عن عدم القدرة على اتخاذ قرار سياسي جريء يسمح لمناضلي الحزب بتشكيل تيارات سياسية من داخل الحزب، ونستدل على هذا الأمر بالصعوبات التي يعانيها أحمد الزايدي ورفاقه في تأسيس تيار يمثلهم داخل الحزب، والمشاكل التي يواجهونها بسبب مواقفهم التي قد تختلف أحيانا عن مواقف قيادة الحزب. وإضافة لهذه العناصر التي تجعل الاتحاد غير مؤهل اليوم لكي تندمج فيه كل مكونات اليسار المغربي، نضيف موقف الحزب الاشتراكي الموحد، والذي يعتبر بأن توجهات ومواقف حزب الاتحاد الاشتراكي، بما فيها مثلا دعمه لدستور 2011 والتصويت لفائدته، لا تعبر حقيقة عن موقف اليسار المغربي، وبأن مشاركة حزب الاتحاد الاشتراكي في الحكومات السابقة لم تساهم في تطبيق أفكار وتوجهات اليسار، خصوصا في الميادين الاقتصادية والاجتماعية، وبأن الاتحاد الاشتراكي تم احتواؤه من طرف الدولة... وبالنظر لكل هذه العوامل، فالموضوعية تقتضي القول بأن اندماج اليسار في حزب واحد هي مسألة في غاية الأهمية، ولكن تحقيقها ونجاحها رهين بما يمكن إنجازه من مراجعات ومن نقد ذاتي، وبما ستتم بلورته من أفكار وتوجهات جديدة تعبر قولا وفعلا عن القيمة النوعية لتوجهات ونظريات اليسار. - ما هي العوائق التي قد تقف اليوم في وجه تشكيل الحزب الاشتراكي الكبير في المغرب؟ من وجهة نظري، فتأسيس حزب اشتراكي كبير يمكن أن يشكل نقلة نوعية وقيمة مضافة في العمل السياسي بالمغرب، كما سيساهم في رفع مستوى النقاش السياسي، وفي إضفاء طابع تنافسي على المشهد السياسي من خلال تنافس البرامج والبدائل التي يمكن أن تقدمها مكونات الحقل الحزبي بالمغرب. لكن الوصول إلى هذا الهدف ليس بالأمر السهل، حيث تعترضه العديد من الصعوبات والعراقيل والتي تتجلى أساسا في الممارسة السياسية، حيث إن الطريقة التي تمارس بها السياسة في بعض الأحيان تدفع لمزيد من التشتت، بل وتدفع نحو العزوف عن ممارسة السياسة. ولهذا فأهم عامل سيمكن من المساهمة في بناء الحزب الاشتراكي الكبير، يتجلى في رد الاعتبار للسياسة وللممارسة السياسية، إضافة إلى ضرورة إعمال واحترام قواعد ومبادئ الديمقراطية والشفافية في العمل السياسي، زيادة على ضرورة صياغة برنامج سياسي يعكس ثقافة وتوجهات اليسار، تفاديا للسقوط في النمطية والتماهي مع باقي الأحزاب. - هل يمكن الحديث في المغرب مستقبلا عن قطب سياسي يساري تقدمي في مواجهة قطب محافظ؟ من الصعب القول بذلك، على اعتبار أن نمط الاقتراع المعتمد في المغرب لا يسمح بوجود أقطاب قوية، سواء كانت يسارية أو محافظة، وهذا ما يدفع لظهور بعض التحالفات السياسية والأغلبيات الحكومية التي تتميز بغياب الانسجام بين مكوناتها، حيث تجد اليميني المحافظ متحالفا مع اليساري التقدمي، وقد تجد اليساري التقدمي متحالفا مع الإسلامي المحافظ...وهذا ما يوضح استحالة ميلاد مثل هذه الأقطاب على الأقل في الوقت القريب. ومن أجل تجاوز هذا الوضع ينبغي أخذ العديد من العوامل بعين الاعتبار وعلى رأسها نمط الاقتراع.