لقد انتظرت المؤسسات والهيئات الحكومية والأهلية المهتمة بوضعية حقوق الإنسان والحريات العامة في العالم قيام الرئيس المنتخب أوباما باتخاذ قرار طي صفحة إرهاب الدولة التي كانت تمارسها إدارة بوش داخل أمريكا وخارجها بدعوى مكافحة الإرهاب وحماية الأمن القومي ونشر قيم الديمقراطية في العالم، وهذا ما حصل بالفعل يوم الخميس 22 يناير 2009 إذ أصدر قرارا رئاسيا بإيقاف كافة المحاكمات الجارية بمعتقل غوانتنامو التي يباشرها القضاة العسكريون طبقا لأحكام قانون اللجان العسكرية الصادر سنة 2006 وذلك لمدة أربعة أشهر تنتهي يوم 22 ماي 2009 مع اتخاذ كافة التدابير الإدارية والقانونية والقضائية لإغلاق معتقل غوانتنامو داخل أجل سنة واحدة تنتهي يوم 22 يناير 2010 وكذا كافة المعتقلات السرية المنتشرة في العالم مع البت في قضايا 245 شخصا لازالوا مودعين في معتقل غوانتنامو من أصل 800 شخص تم تسليمهم إلى بلدانهم بعد أن أمضوا عدة سنوات في هذا المعتقل وصلت بالنسبة لبعضهم إلى 6 سنوات باعتبار أن هذا المعتقل افتتح في شهر يناير 2002 بعد أن تم اختطافهم من عدة دول بآسيا وإفريقيا وأوربا واحتجازهم فيه وتعريضهم لكافة أنواع التعذيب النفسي والمادي والجنسي خارج التراب الأمريكي وخارج الضمانات القانونية المنصوص عليها في اتفاقية جنيف لسنة 1949 وكذا قانون L’HABLAF CORPUF’ اللذان ينصان على الحق في المحاكمة العادلة أمام قضاء مستقل ونزيه و ذلك بدعوى أنهم أعداء محاربون غير شرعيين وهو توصيف من ابتداع إدارة بوش ولا وجود لهذا النوع من الجريمة في التشريعات الجنائية الوطنية والدولية. وقد علل أوباما هذا القرار بأنه اتخذته لتعزيز الأمن القومي وتحقيق السياسة الخارجية الأمريكية وكذا مصالح العدالة. وإذا كانت هذه المبادرة نوعية وذات قيمة رمزية ودالة على رده الاعتبار للحقوق المدنية بالولايات المتحدةالأمريكية وكذا الأقليات العربية والإسلامية التي أجهزت عليها إدارة بوش بذريعة مكافحة الإرهاب، فإنها مع ذلك تتصف بالبطء والتسويف إذ إن تجميع المحاكمات مدة أربعة أشهر والتأجيل لمدة سنة بإغلاق معتقل غوانتنامو وغيره من المعتقلات السرية في العالم يؤكد تراجعه عن وعوده أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية حيث صرح مرارا بضرورة الإغلاق الفوري لمعتقل غوانتنامو وغيره والتعزيز بالبت في قضايا المودعين بها سواء بالإفراج عن الأبرياء منهم أو محاكمة المتورطين منهم أمام القضاء الأمريكي وداخل التراب الأمريكي وفي إطار مبادئ المحاكمة العادلة. إن أوباما يعتبر رجلا سياسيا من الدرجة الأولى وسيراعي مصالح اللوبيات الضاغطة والنافذة التي ستقاوم أي تدبير يرمي إلى فتح ملفات في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المرتكبة من طرف إدارة بوش وأعوانه داخل أمريكا أو في العراق أو أفغانستان أو باكستان وذلك قصد الإفلات من العقاب وبالتالي سيحاول التوفيق بين قيم الاستقامة والعدل المستمدة من أصوله الإسلامية وقيم التسامح المستمدة من التعاليم المسيحية التي يؤمن بها وكذا المصالح العليا والاستراتيجية لبلده بصفته أمريكيا بامتياز. إننا سنتبنى الحكمة الغربية التي تقول«WAIT AND SEE» إلى حين ظهور ووضوح معالم التغيير والأمل التي وعد بها.